استراتيجيات متباينة:

هل يصبح الشرق الأوسط ساحة للمنافسة الصينية الروسية؟
استراتيجيات متباينة:
7 سبتمبر، 2023

لكل من الصين وروسيا أهدافهما الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية، وهما قوتان مهتمتان أيضاً بتحدي النظام الغربي المهيمن. ويبدو أن الشرق الأوسط موقع محتمل للمنافسة المستقبلية بين البلدين. من المؤكد أن جهود بكين للتأثير والاستثمار في البنية التحتية الرئيسية في الشرق الأوسط ستتوسع إلى ما هو أبعد من المجال الاقتصادي لتعزيز الطموحات السياسية والجيوسياسية. لكن موسكو ستراقب هذا عن كثب، وخاصة أن تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة قد يكون على حساب الخصم من النفوذ الروسي.

تضارب المصالح

للوهلة الأولى، قد يتبين لنا أن الصين وروسيا تشتركان في معارضة الممارسات الأحادية للدول الغربية في الشرق الأوسط. ويسعى الطرفان إلى إضعاف نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومنع توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً. تعمل روسيا على الترويج لسياسة التخلص من الدولار في الشرق الأوسط، وقد دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشركاء الرئيسيين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا إلى استخدام اليوان الصيني لتسوية حسابات التجارة الخارجية الخاصة بهم.

ومن الواضح أن الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط يتضاءل مع تحويل الولايات المتحدة تركيزها نحو بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ. وعلى الرغم من أن واشنطن لا تزال القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة تعمل تدريجياً على تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة. ونظراً إلى النفوذ الذي تمارسه كل من الصين وروسيا الآن في الشرق الأوسط، فقد تصبح الدولتان متنافستين مع تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة.

في العقود الأخيرة، أصبحت الصين المستثمر الأجنبي الرئيسي في الشرق الأوسط، الذي يعد أيضاً أكبر مورد للطاقة لـ”أكبر مستهلك للطاقة في العالم”، ويزود الصين بـ50% من النفط. تعد الصين الشريك التجاري الرائد للعالم العربي منذ عام 2020؛ حيث بلغ حجم التجارة الثنائية أكثر من 330 مليار دولار أمريكي اعتباراً من عام 2021. وبالإضافة إلى توقيع اتفاقية مدتها 25 عاماً مع إيران في عام 2021، أبرمت الصين اتفاقيات مماثلة مع 12 دولة عربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد وقعت 74% من الدول في جميع أنحاء العالم على مبادرة الحزام والطريق الصينية اعتباراً من عام 2022، بما في ذلك 94% من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و85% من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقاً لتقديرات “إيد داتا” (AidData). وهناك إجمالي 43 دولة في إطار مبادرة الحزام والطريق في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا و18 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

على عكس الصين، التي سعت إلى الاستثمار في الشرق الأوسط والتجارة معه، انخرطت روسيا بشكل أكبر في المنافسة الجيوسياسية والصراعات على السلطة في المنطقة. وفي هذا الصدد، فإن تصرفات موسكو ليست في مصلحة بكين. ومع ذلك، فإن فشل الصين في الانخراط بشكل مباشر وبسرعة كما فعلت روسيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط من شأنه أن يقلل من نفوذ الصين الجيوسياسي في المنطقة.

إلى حد ما، تفتقر روسيا إلى ذلك النوع من الثروة والإمكانات العلمية والتكنولوجية مقارنة بالصين والولايات المتحدة، وقد حاولت بدلاً من ذلك استخدام التدخلات العسكرية ومناورات القوة لتحقيق أهداف دبلوماسية لتثبيت النفوذ الإقليمي. لقد نجح أسلوب روسيا الدبلوماسي المرن والبرجماتي بشكل جيد في سياق الاضطرابات السياسية والبيئة التنافسية في الشرق الأوسط.

كان تدخل روسيا في سوريا عام 2015 أول محاولة جادة لها لمتابعة هذه السياسة في الشرق الأوسط. وتُظهر الأنشطة البرجماتية لموسكو في أفغانستان وإيران وفلسطين وليبيا، وإلى حد ما في اليمن، أن روسيا تشعر بالارتياح في العمل مع أطراف متعارضة في الصراع. وعلى النقيض من ذلك، ترفض الصين دعم دولة في المنطقة ضد دولة أخرى أو تقديم التزام سياسي لأحزاب معارضة.

وتلتزم بكين بمبدأ عدم التدخل وحماية المصالح المشتركة من خلال الشراكات المستقلة. وفي الوقت نفسه، اتبعت موسكو استراتيجية أكثر انتهازية، ويبدو أنها مهتمة بالتورط في الأزمات القائمة أكثر من اهتمامها بتحديد الحلول. وبعبارة أخرى، فإن موسكو أقل اهتماماً بتفاصيل أزمة معينة من اهتمامها بتأثير ذلك الصراع على العلاقات مع الأطراف الأخرى المعنية. وبدلاً من المساعدة في إيجاد الحلول، تقدم روسيا اقتراحات لمواصلة مشاركتها في الحوار. وهذا عكس النهج الصيني تماماً؛ إذ تعتبر الصين السلام والاستقرار في الشرق الأوسط أولوية واضحة للاستثمار والنشاط الاقتصادي المستمر.

مقاربات مختلفة

أصبحت الصين أكثر انخراطاً نتيجة لأنشطتها الاقتصادية في الخارج. على سبيل المثال، ساعدت بكين في التوسط لتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية. وعلى الرغم من ترحيب روسيا بهذه الخطوة، فإن موسكو لا تريد أن تصبح بكين داعماً سياسياً أو حكماً في المنطقة. وكانت روسيا أعلنت في وقت سابق عن استعدادها للتوسط بين إيران والسعودية عام 2016، وكررت العرض في فبراير 2022.

وكشفت روسيا عن مفهوم الأمن الجماعي للخليج في يوليو 2019 باعتبار ذلك جزءاً من سياستها تجاه شبه الجزيرة العربية. وهذا يدل على تصميم موسكو على المشاركة بشكل أكثر نشاطاً مع دول المنطقة، كما أن الوساطة الصينية تسلط الضوء على دور بكين بديلاً غير روسي للقوى الدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تخضع فيه روسيا لعقوبات من الدول الغربية نتيجة لهجومها على أوكرانيا، وتحتاج إلى دعم إقليمي من الشرق الأوسط لتجاوز تلك العقوبات.

ومن خلال التدخل المباشر في الشرق الأوسط والتعامل مع الأطراف المتصارعة، تعلمت موسكو كيفية الاستفادة من مختلف الجماعات المسلحة والإرهابية والوكلاء لتقليل تكاليف وجودها. وبعد أسبوعين فقط من بدء الحرب في أوكرانيا، تحدث بوتين عن استعداده لتوظيف 16 ألف مقاتل متطوع من الشرق الأوسط في الحرب ضد أوكرانيا، كما استخدمت موسكو مجموعة فاجنر – وهي شركة مقاولات قتالية خاصة تابعة لروسيا – لدعم بعض القوى في المنطقة.

وتمارس روسيا هذه السياسة الخارجية التدخلية في المنطقة ضد رغبة بكين. بالنسبة إلى الصين، يعد الاقتصاد أهم شيء، فالحرب والاضطرابات تعرض الاستثمار للخطر. ويتلخص النهج الذي تتبناه الصين في دعم أنشطة مكافحة الإرهاب التي تقودها دول المنطقة ومعارضة الميليشيات العابرة للحدود الوطنية.

وتسعى الصين إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، وتعتبر أنشطة روسيا بالوكالة تتعارض مع مصالحها الاقتصادية. لهذا السبب، وعلى الرغم من التعاون المكثف بين بكين وموسكو في معارضة الأنشطة العسكرية والسياسية للغرب في الشرق الأوسط، وجدت الصين وروسيا نفسيهما على طرفي نقيض في قضايا أخرى مثل الموقف من الملف اليمني.

تبنت الصين أيضاً نهج عدم الانحياز تجاه الصراع في ليبيا. وعلى الرغم من مشاركة روسيا في الموقف المؤيد للنظام في سوريا، فإن الصين لم تنضم إلى منافستها في استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في يوليو 2022 الذي يسمح بإيصال المساعدات عبر الحدود السورية التركية عند معبر باب الهوى.

من الممكن أن يصبح التنافس الصيني الروسي على مبيعات الأسلحة مصدراً للمنافسة بين البلدين في المستقبل؛ إذ تعد الصين رابع مصدر للأسلحة في العالم (بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا). كما أن موسكو وبكين تتمتعان بخبرة في تصدير الأسلحة إلى الشرق الأوسط، على الرغم من أن روسيا تتصدر هذه السوق بفارق كبير.

إن سياسة مبيعات الأسلحة في الصين “تقوم على المكاسب الاقتصادية وغالباً ما تكملها المساعدات التنموية”. من جانبها، تستخدم روسيا صادرات الأسلحة إلى الشرق الأوسط لتعزيز اقتصادها وتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة. وترى موسكو أن مبيعات الأسلحة وسيلة أخرى لزيادة الاعتماد على المشترين وتعزيز العلاقات الدبلوماسية وغيرها مع الدول التي تستورد الإمدادات العسكرية الروسية. إن انتشار الأسلحة الصينية قد يضع بكين في مواجهة مع موسكو بشأن سوق الأسلحة المتوسعة في الشرق الأوسط.

ختاماً.. في العقود الأخيرة، تقاسمت الصين وروسيا المعارضة للنظام الغربي المهيمن في العالم وفي الشرق الأوسط بشكل خاص. ومع ذلك، فإن روسيا تفتقر إلى الموارد والمعرفة الفنية اللازمة لتطوير ذلك النوع من الوجود الاقتصادي الذي أنشأته الصين في المنطقة. وبدلاً من ذلك، تحولت موسكو إلى استراتيجية المشاركة والتدخل والحضور المباشر في دول الشرق الأوسط. يمكن أن تمثل هذه الأساليب المتباينة بداية صراع الأفكار بين البلدين ويمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات الإقليمية بين الصين وروسيا في المستقبل.


الكلمات المفتاحية:
https://www.interregional.com/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d9%8a%d9%86%d8%a9/