شهدت الأيام الماضية تصاعداً في حدة التوترات بين طهران وحركة طالبان؛ حيث أثارت مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيها مجموعة من المواطنين الإيرانيين وهم يعتدون على لاجئين أفغان، استياءً شديداً داخل أفغانستان؛ ما دفع إلى التظاهر والتنديد بإيران أمام القنصلية الإيرانية في مدينة هرات، والسفارة الإيرانية في كابول؛ احتجاجاً على سوء معاملة إيران للاجئين الأفغان، وصاحب ذلك قذف القنصلية الإيرانية بالحجارة، وإحراق الكاميرات الأمامية، وهو الأمر الذي أغضب طهران حتى أعلنت، من خلال وزارة خارجيتها، يوم 12 أبريل الجاري، أنها لن تستأنف خدماتها القنصلية قبل تعهُّد السلطات الأفغانية بحماية بعثاتها الدبلوماسية في أفغانستان. واستمراراً لهذا المسار المُتوتِّر، أغلقت إيران، يوم 23 أبريل الجاري، المعبر الحدودي الرئيسي مع أفغانستان، عقب مناوشات بين حرس الحدود الإيراني وقوات “طالبان”؛ ما يُثير تساؤلات: هل يمكن أن تخسر إيران علاقاتها مع طالبان نتيجةً لسوء إدارتها ملف اللاجئين الأفغان؟ أم أنه حادث عارض يمكنها احتواؤه؟
قضايا خلافية
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الخلافات بين طهران وحركة طالبان الأفغانية، بعد التظاهرات التي وقعت أمام القنصلية الإيرانية في مدينة هرات، والسفارة الإيرانية في كابول؛ احتجاجاً على سوء معاملة إيران للاجئين الأفغان، وهو الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الإيرانية، يوم 12 أبريل الجاري، إلى أن تُعلِن عن إيقاف أنشطتها القنصلية في أفغانستان. واستمرت التوتُّرات مع إعلان إيران، يوم 23 أبريل الجاري، إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي مع أفغانستان. وفي هذا السياق، بدت العلاقات بين إيران وحكومة طالبان الأفغانية موسومة بدرجة كبيرة من التعقيد؛ وذلك في ضوء عدد من القضايا الخلافية التي قد تعوق إحراز أي تقدُّم بينهما، وهو ما يمكن تناوله فيما يأتي:
1– معضلة اللاجئين الأفغان في إيران: يعيش ما يقرُب من ثلاثة ملايين أفغاني في إيران، معظمهم من اللاجئين غير الشرعيين. وفور استيلاء طالبان على السلطة في كابول، تزايدت أعداد أولئك اللاجئين، غير أنهم لم يلقَوا ترحيباً من إيران، بل على العكس؛ ففي أكتوبر 2021، أُعيد عدد من اللاجئين الأفغان قسراً إلى بلادهم من إيران وهم يسيرون على مقربة منمعبر إسلام قلعة الحدودي في مقاطعة هرات بغرب أفغانستان، فيما تعرَّض عشرات اللاجئين الأفغان الذين عبروا بطريق غير قانوني إلى إيران – بحسب العديد من التقارير – للاعتقال والضرب والتعذيب على يد حرس الحدود الإيرانيين، لتأتي مقاطع الفيديو التي انتشرت مؤخراً وتُسلِّط الضوء من جديد على سوء المعاملة والتمييز الذي يعاني منه أفراد الجالية الأفغانية الكبيرة في إيران، الذين لا يحظى الكثيرون منهم بوضع قانوني أو حقوق أساسية.
2– تأجيل الاعتراف بحركة طالبان: رغم ترحيب السلطات الإيرانية الحذِر بسيطرة حركة طالبان على كابول في أغسطس 2021، فإن إيران لم تعترف رسميّاً حتى الوقت الراهن بالحركة، ولا تزال طالبان غير قادرة على إقناع طهران بالاعتراف رسميّاً بالحكومة الجديدة في كابول؛ إذ تعلق إيران اعترافها بحكومة طالبان على اتخاذ طالبان خطوات لإرضاء المخاوف الإيرانية في المجالات السياسية والدينية والمياه، كما ترغب إيران في نظام سياسي شامل في كابول يضم شخصيات وجماعات سياسية موالية لإيران غير مرتبطة تاريخيّاً بحركة طالبان أيديولوجيّاً أو عرقيّاً.
3– تصاعد المخاوف الطائفية: أثار استيلاء طالبان على السلطة في كابول، المخاوف الإيرانية من توصيف طالبان للشيعة الأفغان كأقلية دينية، وهو التخوُّف الذي كان ظاهراً قبل ذلك، وخصوصاً خلال محادثات السلام لعام 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان بالدوحة. وفي هذا الإطار، تشترط إيران أن تعترف طالبان رسميّاً بمدرسة الفكر الشيعية الجعفرية كجزء من تقاليد الفقه الإسلامي، عند تدوينها دستوراً جديداً لأفغانستان.
4– تأثير ملف المياه: يُشكِّل ملف المياه واحداً من مُحدِّدات العلاقات بين طهران وحركة طالبان؛ إذ تحتاج إيران من طالبان الالتزام بمعاهدة المياه لعام 1973 بشأن تدفق نهر هلمند، وإبقاء سد كمال خان مفتوحاً، كي تغذي مياه نهر هلمند أراضي هامون الرطبة في إقليمَي سيستان وبلوشستان في إيران، التي بدأت تجف تدريجيّاً بسبب تغيُّر المناخ، وسوء إدارة ملف المياه، خاصةً أن عرقلة تدفُّق نهر هلمند قد يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات السياسية التي يعاني منها إقليما سيستان وبلوشستان فعليّاً.
5– التوتُّرات الحدودية المتكررة: مثَّلت قضية إدارة الحدود بين الطرفَيْن مصدراً هامّاً للخلافات بينهما، ولعل هذا ما اتضح مع إعلان إيران، يوم 23 أبريل الجاري، إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي مع أفغانستان، عقب مُناوَشات بين حرس الحدود الإيراني وقوات “طالبان”؛ حيث أوضح المبعوث الخاص للرئيس الإيراني لأفغانستان “حسن كاظمي”، في بيانٍ له، أنه جرى “إغلاق المعبر، بعد محاولة السلطات في هرات شقَّ طريق في منطقة إسلام قلعة دوجارون الحدودية دون تنسيق مسبق مع طهران”، وأضاف أن “الطريق اخترق الحدود بين البلدين، وأن حرس الحدود الإيراني منع هذه الخطوة”. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التوترات لم تكن الأولى من نوعها؛ فعلى سبيل المثال، شهدت المنطقة الحدودية، في شهر ديسمبر الماضي، بين مدينة “شاجلك” الإيرانية و”نمروز” الأفغانية، اشتباكات بين الطرفَيْن بسبب جدار حدودي كانت طهران تُشيِّده.
فرص التفاهم
رغم القضايا الخلافية بين الطرفَين، فإن من المُرجَّح أن تكون هذه الخلافات محدودة؛ إذ يبدو أن إيران وطالبان عازمتان على مواصلة العمل معاً بطرق برجماتية؛ من أجل تحقيق أهداف مشتركة، بغضِّ عن النظر عن خلافاتهما، وهو ما نُسلِّط الضوء عليه من خلال الآتي:
1– تكوين محور اقتصادي: تنظر إيران إلى نظام طالبان باعتباره جزءاً من محور المُقاوَمة للهيمنة الأمريكية، على حد وصفها، وقد رأت في سيطرته على كابول تعزيزاً لاقتصاد المقاومة، من وجهة نظرها، بما يخلق فرصاً اقتصادية لطهران. وفي هذا الإطار، أشارت العديد من التقارير، خلال الشهور الماضية، إلى قيام حركة طالبان بتخفيض الرسوم الجمركية على بعض الواردات الإيرانية إلى أفغانستان؛ بغرض تسهيل الإجراءات على التجَّار الإيرانيين لتخليص بضائعهم. وهو ما يُظهِر حرص طالبان على إرضاء الجار الإيراني؛ من أجل الظفر باعتراف رسمي منها، في ظل العزلة الدولية التي تتعرَّض لها أفغانستان. وفي سياق متصل، صرَّح المستشار التجاري الإيراني في أفغانستان “مجيد قرباني”، يوم 19 أبريل الجاري، بأن “إيران تغطي 40% من واردات أفغانستان”، وأضاف: “بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران وأفغانستان في العام الشمسي الماضي (من 21 مارس 2021 إلى 20 مارس 2022) نحو 2.1 مليار دولار”.
2– مواجهة صعود داعش: تُمثِّل الجماعات الإرهابية المُسلَّحة – وعلى رأسها تنظيم داعش، ولاية خراسان – تهديداً أمنيّاً لكل من إيران وطالبان، بما يمنحهما مزيداً من الأسباب للتعاون في مجال الأمن؛ إذ يدرك صانعو السياسة في إيران أن أي جهود لإضعاف النظام الجديد في كابول، قد تؤدي بالتبعية إلى مكاسب لصالح تنظيم داعش الذي يُجنِّد مسلحين من خلفيات عرقية مختلفة، بما في ذلك عرقيات الأويجور والبلوش؛ بهدف زعزعة استقرار الصين وباكستان وإيران.
3– الوقوع تحت وطأة العقوبات: تتعرَّض كلٌّ من أفغانستان وإيران لعقوبات اقتصادية تُهدِّد اقتصاد البلدين؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه أفغانستان فعلياً من واحدة من أزمات اقتصادية ونقص حاد في المواد الغذائية، فإن الاقتصاد الإيراني يشهد هزات عنيفة بفعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضدها، غير أن أفغانستان عندما كانت غير خاضعة للعقوبات الأمريكية، كانت إيران قادرة على الاستفادة من روابط جارتها بالاقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يتيح لإيران مصلحة كبيرة إذا خففت الولايات المتحدة عقوباتها ضد كابول، وتسامحت في فك تجميد الاحتياطيات الأجنبية لأفغانستان.
4– تعزيز التعاون في قضية المياه: في السنوات الأخيرة، سعت أفغانستان إلى تسخير الإمكانات التي توفرها مواردها المائية، من خلال بناء السدود الكهرومائية وأنظمة الري، إلا أن تلك المشاريع أثارت توتُّرات مع دول مجاورة تعتمد على نفس الإمدادات؛ إذزعمت إيران وباكستان أن مشاريع البنية التحتية تلك، من شأنها أن تتسبَّب في خلق أزمة إنسانية واضطرابات سياسية. وفي غضون ذلك، اتهمت كابول البلدَيْن بتدبير أعمال عنف في أفغانستان لتعطيل مشاريع المياه. وبالرغم من ذلك، فقد بات الأمر محفزاً للطرفين على التعاون لا على النزاع في ذلك الملف؛ إذ بدا ذلك حين قررت حركة طالبان مؤخراً، عندما فاض سد كمال خان بعد هطول الأمطار في أفغانستان، صرف المياه من السد في مقاطعة نمروز المجاورة لمُقاطعتَي سيستان وبلوشستان الإيرانيتَيْن،وهو ما دفع مسؤولين في طهران إلى الإشادة بحركة طالبان علناً بـ”التزامها بوعودها بإطلاق المياه من السد”.
احتمالات التهدئة
إجمالاً.. رحَّبت السلطات الإيرانية بحذر بالحكام الجدد لأفغانستان فور سيطرة طالبان على كابول، غير أنها أكدت أن سياسة طهران تجاه أفغانستان، ستتوقَّف على سلوك طالبان. ولا تزال إيران غير معترفة رسميّاً بطالبان–أفغانستان؛ فرغم وجود أوجه تعاون مشتركة بين الطرفَيْن، فإن بينهما قضايا خلافية لم تُحَل بعدُ، وقد زادها تعقيداً تداولُ مقاطع فيديو تُشير إلى سوء معاملة إيران للاجئين الأفغان على أراضيها. وفيما تنفي وزارة الخارجية الإيراني صحة تلك المقاطع، وترى فيها إضراراً بالعلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين وشعبَيْهما، فإن بعض المصادر المحسوبة على حركة طالبان أشارت في الأيام الماضية إلى أن من المقرر إرسال وفد من الحركة قريباً إلى طهران لمناقشة حالة الأفغان المقيمين، والسجناء الأفغان في إيران، والقضايا المشتركة بين البلدين، وهو ما قد يُفسِح مجالاً للتوصُّل إلى تهدئة تُخفِّف حدة التوتُّر بين الطرفَيْن.