ضمن أعمال المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني، الذي انعقد خلال الفترة من 4 إلى 13 مارس 2023، تم تعيين الجنرال “لي شانجفو” وزيراً للدفاع الوطني وعضواً بمجلس الدولة، وهو ما يعادل عضواً في مجلس الوزراء في الصين. ويُراقَب هذا التعيين عن كثب من قبل الولايات المتحدة، بالنظر إلى خلفية “شانجفو”، على الرغم من أن المنصب يُنظَر إليه على أنه دبلوماسي وشرفي إلى حد كبير، خاصةً أن الجنرال سبق أن عاقبته واشنطن على خلفية شرائه أسلحة روسية، لا سيما أن تعيينه قد تسبب أيضاً في إحداث جدل إعلامي واسع النطاق، وتحديداً داخل الأوساط الغربية؛ حيث الاعتقاد بأن هذه الخطوة تُمثِّل جزءاً من الاستعدادات الجارية لصدام محتمل بشأن تايوان؛ إذ يأتي تعيينه في الوقت الذي يدعو فيه الرئيس الصيني “شي جين بينج” إلى تعزيز قدرات الجيش الصيني وترقيته تكنولوجياً إلى مستوى عالمي.
خبرات متنوعة
ولد “لي شانجفو” عام 1958، وهو نجل ضابط عسكري سابق رفيع المستوى في قوة السكك الحديدية بالجيش الصيني نجا من الحرب الكورية. ولأكثر من 30 عاماً، عمل “لي” في مركز Xichang Cosmodrome لإطلاق الأقمار الصناعية، وأصبح مديراً له في عام 2003، وقد أشرف على العشرات من المهمات الفضائية، مثل Chang’e–2، لإطلاق قمر صناعي للكشف عن القمر، كما شغل منصب نائب قائد قوة الدعم الاستراتيجي للجيش خلال عامي 2016 و2017، ثم عُيِّن مديراً لإدارة تطوير المعدات في اللجنة العسكرية المركزية خلال الفترة من عام 2017 حتى 2022.
ويحل الجنرال “لي” البالغ من العمر 65 عاماً، محل وزير الدفاع المنتهية ولايته “وي فنجي”، الذي كان من المتوقع تقاعده بعد تنحيه من اللجنة العسكرية المركزية في مؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر الماضي، وقد انضم لي إلى اللجنة في الجلسة نفسها، ليصبح أول جندي في اللجنة من قوة الدعم الاستراتيجي للجيش؛ الفرع الذي تم إنشاؤه في عام 2015 لإعادة هيكلة الجيش من أجل التركيز على الفضاء والحرب الإلكترونية.
والجدير ذكره أن واشنطن كانت فرضت عقوبات على “شانجفو”؛ لتعاونه عسكرياً مع روسيا في عام 2018؛ وذلك بعد مزاعم عن موافقته على شراء طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي روسية. منذ ذلك الحين، مُنع كبير جنرالات الصين من دخول الولايات المتحدة، وكذلك من استخدام الأنظمة المالية الأمريكية.
ويصف أحدث تقرير عسكري لوزارة الدفاع الأمريكية عن الصين، الجنرال “لي” بأنه الضابط الذي يقدم الخبرة الفنية في التحديث العسكري وقضايا الفضاء إلى اللجنة العسكرية المركزية المنتخبة حديثاً، وهي تعد أعلى سلطة لصنع القرار العسكري في الصين.
توجهات الجنرال
نظراً إلى خلفيته العسكرية وخبرته في مجال الفضاء، لا سيما تعرضه للعقوبات الأمريكية على خلفية علاقته بموسكو، هناك مجموعة من التوجهات المحتملة لوزير الدفاع الصيني الجديد، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
1– تعزيز قدرات الجيش الصيني: مما لا شك فيه أن وزير الدفاع الجديد قد أتى لتنفيذ خطة الرئيس الصيني “شي جين بينج” التي دعا إليها أثناء كلمته أمام الهيئة التشريعية الصينية، حين تم انتخابه لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، عند حديثه عن تعزيز قدرات الجيش الصيني وفقاً لأحدث المعايير العالمية، لا سيما الارتقاء المنهجي بالقوة الشاملة للبلاد لمواجهة المخاطر الاستراتيجية. هذا وتعكس ترقية “لي” محاولات الصين إعطاء الأولوية للفضاء في برنامج تحديث قدراتها الدفاعية، على خلفية المنافسة التكنولوجية المتزايدة بين بكين وواشنطن في المجال ذاته.
يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان بكين عن زيادة حجم إنفاقها العسكري بنسبة 7.2% خلال العام الجاري، بهدف دعم وتطوير قدراتها العسكرية، ليصل بذلك إجمالي الإنفاق العسكري إلى 1.55 تريليون يوان؛ أي ما يعادل نحو 225 مليار دولار؛ إذ تعتمد محاور خطة الإنفاق العسكرية الصينية على تنمية المواهب العسكرية وتحديث الأسلحة والمعدات وإصلاح الجيش، خاصةً أن الصين تبذل جهوداً متعددة لبناء جيش التحرير الشعبي؛ حيث تسعى بكين إلى امتلاك جيش عالمي بحلول عام 2049؛ الذكرى المئوية لتولي الحزب الشيوعي السلطة في البلاد.
2– تأثير الطابع التكنوقراطي للوزير الجديد: إن صورة لي التكنوقراطية تتماشى مع تفضيل جيش التحرير الشعبي أن تكون له وزارة للدفاع بقيادة شخص غير مشارك في القيادة العملياتية. ويرى خبراء عسكريون أن تاريخ “لي” بصفته مهندس فضاء وتكنوقراط عمل في برنامج الأقمار الصناعية الصيني، سيلعب دوراً رئيسياً في منصبه الجديد، بما يصب في مصلحة هدف جيش التحرير الشعبي بأن يصبح جيشاً على مستوى عالمي بحلول عام 2049. هذا وتعمل خلفية “لي” في مجال هندسة الطيران بمنزلة ثقل موازن لأعضاء كبار آخرين في جيش التحرير الشعبي في اللجنة، مثل الأدميرال “مياو هوا”، والجنرال “زانج شنج مين”، وكلاهما ارتقيا من خلال نظام العمل السياسي للجيش.
3– تأكيد مزيد من التضامن مع موسكو: بجانب تعرض الوزير الصيني الجديد لعقوبات أمريكية على خلفية علاقته العسكرية الوطيدة بالاتحاد الروسي، أرسل وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو”، برقية إلى نظيره الصيني لتهنئته على منصبه الجديد، مؤكداً أن وجود لي وزيراً للدفاع الصيني من المقرر أن يساعد في تطوير التعاون العسكري والفني العسكري بين روسيا والصين، بما يسهم في تطوير شراكة شاملة واستراتيجية بين الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية في مجال التعاون العسكري والفني العسكري.
4– الرد على العقوبات الأمريكية: عندما فرضت الولايات المتحدة عقوباتها على “لي شانجفو” في عام 2018، رد المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية “وو تشيان”، في بيان، أن الجيش الصيني عبَّر عن استيائه الشديد ومعارضته الحازمة لما تسمى بالعقوبات الأمريكية، موضحاً أن التعاون العسكري بين الصين وروسيا طبيعي، ويتماشى مع مرتكزات القانون الدولي، منذراً الجانب الأمريكي بتصحيح أخطائه فوراً، وإلا فسيتحمل العواقب الناجمة عن هذا العمل. ومن ثم فإن من المؤكد أن تلك العقوبات سيكون لها بالغ الأثر على توجهات “لي” خلال فترة منصبه وزيراً للدفاع.
5– ضرورة ضم الأراضي التايوانية إلى الصين: أوضح “لي” أن هناك تشاركاً في روابط الدم والقرابة التي لا تنفصم بين الشعبين الصيني والتايواني، وأن بلاده تعمل على تشجيع المزيد من المواطنين والشركات التايوانية على القدوم إلى الصين، آملاً أن يكون هؤلاء التايوانيون مستعدين للمجيء إلى الصين، بل للاندماج في مجتمعها المحلي، كما تعهد “لي” بالعمل من أجل استعادة التبادلات الطبيعية والتعاون المنتظم مع تايوان، في أعقاب التوتر المتزايد مع واشنطن، على خلفية تكثيف المناورات العسكرية الصينية حول تايوان في الأشهر الأخيرة.
دلالات الاختيار
ينطوي اختيار الجنرال “لي شانجفو” تحديداً ليتولى منصب وزير الدفاع، على مجموعة من الدلالات، منها:
1– استمرار نوايا التصعيد الصيني ضد الولايات المتحدة: إن استمرار وجود حالة من التوتر بين الولايات المتحدة والصين، قد دفع الأخيرة إلى تعيين وزير دفاع كان له دور في اختراق القواعد الأمريكية بالحصول على مقاتلات روسية (سوخوى 35) وأنظمة صواريخ (S–400)، بما دفع واشنطن إلى وضعه على قائمة العقوبات، وهو ما قد يقلل من فرص التواصل والحوار بين الجانبين خلال الفترة القادمة، ناهيك عن أن ترقيته تأتي بعد تحذير وزير الخارجية “تشين جانج” من أنه سيكون هناك صراع بالتأكيد مع الولايات المتحدة ما لم تغير واشنطن مسارها.
هذا وقد تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من الصعوبات أمام العلاقات بين الولايات المتحدة والصين المتوترة بالفعل بسبب حادث إسقاط بالون تجسس صيني الشهر الماضي، والتوترات بشأن تايوان؛ ففي أوائل فبراير الماضي، رفضت بكين محاولة أمريكية لترتيب مكالمة لمعالجة حادث البالون، ووفقاً للبنتاجون فإن كبار مسؤولي الدفاع الأمريكيين والصينيين لم يتحدثوا منذ نوفمبر 2022.
2– مضاعفة الاعتماد على تكنولوجيا الفضاء: إن تخصص وزير الدفاع الصيني في مجال هندسة الفضاء والطيران، بجانب عمله في مركز Xichang لإطلاق الأقمار الصناعية، وإشرافه على إطلاق أول صاروخ مضاد للأقمار الصناعية؛ قد يعطي رسالة بقدرة الصين على التصدي لأي أعمال هجومية من الولايات المتحدة بإرسال أجسام على الأراضي الصينية، كما يعكس صعودُه التطورَ غير المسبوق لمؤسسة الفضاء الصينية منذ تولي “شي جين بينج” السلطة في عام 2012، ناهيك عن الإشارة إلى أن العالم أصبح بصدد منافسة تكنولوجية المتزايدة بين بكين وواشنطن، فضلاً عن مواصلة الصين إعطاء الأولوية للفضاء في جدول أعمال تحديث الدفاع الخاص بها خلال ولاية شي الثالثة وما بعدها.
3– الحضور المتواصل للخيار العسكري في حل أزمة تايوان: عمل وزير الدفاع الصيني سابقاً في قوات الدعم الاستراتيجي التي تهدف إلى حماية الأمن القومي الصيني، بما قد يحمل رسالة لتايوان مفادها تطوير الصين عنصر الردع من أي محاولة لمقاومة عملية انضمامها إلى الصين، كما سبق أن أعلن شي لمندوبي المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني أن الحزب سينفذ استراتيجية شاملة لحل قضية تايوان، وسيدفع بثبات عملية إعادة توحيد الوطن الأم، في إشارة إلى المطالبة بضم الصين الإقليمية الأراضيَ التايوانية التي لا تزال ترفض تلك المطالبات، على اعتبار أنها لم تكن محكومة من قِبَل الحزب الشيوعي الصيني، ولم تشكل جزءاً من جمهورية الصين الشعبية التي يبلغ عمرها 73 عاماً.
4– ثقة غير محدودة من الرئيس شي: مما لا شك فيه أن خلفية عائلة “لي” قد لعبت دوراً في عملية اختياره من قبل الرئيس شي وزيراً للدفاع؛ حيث كان والده قائداً ميدانياً للجيش الشمالي الغربي خلال الحرب الأهلية الصينية، وينتمي إلى الفصيل الذي ينتمي إليه والد الرئيس شي ووالد “تشانج يوشيا” نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الذي احتفظ به شي خارج حدود العمر المعتادة؛ الأمر الذي يجعل من قدراته المهنية وعلاقاته الأبوية وسمعته مصدراً لثقة شي باختياره للمنصب.
5– ترقية مكانة وزارة الدفاع الصينية: كان وزير الدفاع منصباً ضعيفاً، بشكل ما، بدون سلطات واسعة؛ وذلك لأن كل السلطة الحقيقية تكمن في اللجنة العسكرية المركزية، بيد أن تولي “لي” منصب وزير الدفاع بناءً على خلفيته في مجال الصناعات العسكرية، يدل على أن “شي جين بينج” يعتقد أن تطوير المعدات العسكرية وتكنولوجيا الدفاع في الصين أمر بالغ الأهمية؛ إذ يبدو أن الحكومة تولي اهتماماً أكبر لدمج قيادتها مع جيش التحرير الشعبي أكثر من الإدارات السابقة.
خلاصة القول: يمثل تعيين الجنرال “لي شانجفو” مزيداً من الاتساق في القيادة العليا لجيش التحرير الشعبي، كما أنه سيكون – بلا شك –مصدر قوة للجيش في سعيه لتسريع نقل التكنولوجيا؛ لتمكين المقاتلين الصينيين من خلق مفاجآت تكنولوجية لخصومهم القريبين، ويشير تعيينه إلى رغبة الجيش الصيني في تحويل نفسه إلى قوة قتالية قادرة وحديثة لا تنجو فحسب، بل تزدهر في منافسة استراتيجية طويلة الأمد مع خصوم رفيعي المستوى.
بيد أن اختيار وزير دفاع جديد مُدرَج على قائمة العقوبات الأمريكية، قد يعرقل المحادثات السياسية بين المسؤولين في وزارتَي الدفاع الأمريكية والصينية المتوقفة منذ نوفمبر 2022؛ ما سيؤدي إلى مزيد من الصعوبات أمام العلاقات بين البلدين المتوترة بالفعل بسبب إسقاط بالون التجسس الصيني، والتوترات بشأن تايوان، لا سيما أن التضخيم الإعلامي يلعب دوراً في زيادة حدة المشاكلات، وسوء التقدير بين الطرفين.