الهيمنة القطبية:

كيف تحول القطب الشمالي إلى بؤرة جديدة للصراع بين القوى الكبرى؟ (حلقة نقاشية)
الهيمنة القطبية:
12 أكتوبر، 2021

عقد “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” حلقةً نقاشيةً بعنوان “الحرب الباردة 2.0: احتمالات تفجر الصراع الدولي على القطب الشمالي”، استضاف خلالها د. جوه بيكينج أستاذ العلاقات الدولية بكلية الدراسات الدولية والإدارة العامة بجامعة أوشن في تشينجداو، ومدير مركز البحوث القطبية، ورئيس منتدى القطب الشمالي الصيني–الروسي، ومؤسس موقع Polar and Ocean Portal. وناقشت الجلسة التغيرات التي طرأت على منطقة القطب الشمالي وتداعياتها، والعلاقات بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ملفات الاهتمام المشترك بين الصين والإمارات العربية المتحدة في هذه المنطقة، وتأثير التغيرات الحاصلة في القطب الشمالي على مصالح دولة الإمارات.

تغيرات مناخية

ألقت الورشة الضوء على ملامح التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، والتي عززت رفع أسهم المكانة الاستراتيجية لمنطقة القطب الشمالي في الصراعات الدولية، مشيرةً إلى مثالٍ يكشف التحولات المناخية التي تشهدها تلك المنطقة الحيوية، وهو هطول أمطارٍ غزيرةٍ على منطقة “جرينلاند” لأول مرةٍ في التاريخ، في صيف هذا العام، بسبب الاحتباس الحراري، وانكماش الرقعة الثلجية على نحوٍ غير مسبوقٍ لتصبح أقل من المعدل المتوسط.

وقد أدت هذه التغيرات المناخية إلى تحولاتٍ جيوسياسيةٍ في منطقة القطب الشمالي؛ فمنذ عام 2018 ازدادت العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة في القطب الشمالي من جهة المحيط الأطلنطي، وأشارت الجلسة أيضاً إلى تزايد التوترات العسكرية بين واشنطن وموسكو في تلك المنطقة.

وأوضحت الجلسة أن الخلافات حول طريق البحر الشمالي مستمرةٌ في التصاعد؛ حيث ترفض الولايات المتحدة مزاعم روسيا بشأن ضمان حرية الملاحة في البحر الشمالي، بينما تقوم في الواقع بالسيطرة حصرياً على المسار الملاحي ضمن مياهها الداخلية. وعلاوة على ذلك تواجه روسيا العديد من الانتقادات حول إجراءات حماية البيئة في القطب الشمالي، بالتوازي مع قيام العديد من الشركات الأمريكية بمقاطعة استخدام طريق بحر الشمال.

بؤرة صراعية جديدة

وأشارت الجلسة إلى أن منطقة القطب الشمالي تحوَّلت إلى بؤرةٍ جديدةٍ للصراع بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث تسعى واشنطن إلى حجب أنشطة بكين من المنطقة، ومنعها من تعزيز وجودها هناك، بما ينسجم مع توجهات إدارة الرئيس جو بايدن التي اعتبرتها الجلسة امتداداً لسياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ودللت الورشة على ذلك من خلال موقف الولايات المتحدة العسكرية تجاه الأنشطة الصينية في القطب الشمالي بما فيها الاستثمارات، وتوجيه واشنطن اتهاماتٍ إلى الصين بممارسة أنشطةٍ توسعيةٍ في بحر الصين الجنوبي والقطب الشمالي؛ وذلك من خلال العديد من الإجراءات السياسية والاقتصادية. وأوضحت الجلسة أن واشنطن قد نجحت بالفعل عدة مراتٍ في تدمير الاستثمارات الصينية في جرينلاند وآيسلاندا. وتابعت الجلسة أن واشنطن تتعمد إحداث خلافات بين الصين وروسيا بهدف فض التعاون بينهما في منطقة القطب الشمالي؛ وذلك بسبب الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

مسارات للتعاون

أكدت الجلسة وجود مساراتٍ للتعاون بين القوى الثلاث الكبرى في منطقة القطب الشمالي –وهي: روسيا والصين والولايات المتحدة– حتى في أوقات التوترات. ولعل أبرز الأسباب وراء ذلك هو الطبيعة الجغرافية والجيوسياسية الفريدة لتلك المنطقة، التي تجعل من الصعب التعامل بمبدأ التحالفات والعداءات الجامدة للسيطرة على مواردها؛ فعلى سبيل المثال، تتعاون كلٌّ من روسيا وكندا في العديد من المجالات في القطب الشمالي، بينما لا تتفق الدولتان في العديد من الملفات الأمنية الأخرى.

وأشارت الجلسة إلى أن أهم مجالات التعاون بين واشنطن وموسكو وبكين في منطقة القطب الشمالي، هي البحث العلمي، والملاحة الجليدية، والبحث والإنقاذ، وتعاون حرس الحدود، وحوكمة مضيق بيرنج، والنفط والغاز، وإدارة الثروة السمكية في المحيط المتجمد المتوسط؛ وذلك انطلاقاً من المصالح المشتركة للدول الثلاث في تلك المجالات.

وأضافت الجلسة أن هناك اتفاقياتٍ بين القوى الكبرى لإدارة بعض الملفات الحيوية بالقطب الشمالي، مثل اتفاقية منع الصيد غير المُنظَّم، التي تم التوقيع عليها في أكتوبر 2018، وصدَّقت عليها الصين مؤخراً، بجانب موافقة الصين على الالتزامات المحددة تجاه خفض الانبعاثات الكربونية.

كما تتعاون الصين مع روسيا في العديد من ملفات القطب الشمالي؛ حيث أعلنتا عن مبادرةٍ مشتركةٍ بعنوان “طريق الحرير القطبي”، في يوليو 2017. وكانت الصين من أوائل الدول التي دعمت الملاحة عبر البحر الشمالي وسط المقاطعة الغربية لهذا المسار. وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك تعاوناً عسكرياً جيداً بين الصين وروسيا في المنطقة.

تحديات وفرص

أكدت الجلسة أن التعاون الأمريكي الروسي في منطقة القطب الشمالي يواجه صعوباتٍ عديدةً؛ حيث يرفض الطرفان تقديم تنازلاتٍ؛ وذلك لقلة وجود اهتماماتٍ مشتركةٍ، وأوضحت أن الولايات المتحدة لا توفر أي رأس مالٍ أو تكنولوجيا لروسيا. وفي المقابل، لا تسمح روسيا بحرية الملاحة للولايات المتحدة عبر بحر الشمال.

وفي السياق ذاته، يثير التعاون الصيني مع دول الشمال، مثل جرينلاند وآيسلاندا، مخاوف الولايات المتحدة؛ ما يجعلها تعمل على منع الوجود الصيني في المنطقة بأي ثمنٍ. وربما يرجع ذلك إلى أهمية المنطقة استراتيجياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فيما أشارت الجلسة إلى أن تلك التحديات ستعزز التعاون الصيني الروسي لمواجهة المحاولات الأمريكية للسيطرة على القطب الشمالي.

وأكدت الجلسة أن تزايد الاحتباس الحراري حول العالم، يعزز الأهمية الاستثمارية لمنطقة القطب الشمالي، وخاصةً في مجالَي الطاقة والبنية التحتية. وأوضحت الجلسة أن هناك فرصاً واعدةً للاستثمار بالنسبة إلى دول الخليج العربي، وخاصةً السعودية والإمارات في مجال النفط والغاز. ويتضح ذلك من خلال توقيع اتفاقٍ بين موانئ دبي العالمية وروسأتوم Rosatom حول نقل الشاحنات بين الاتحاد الأوروبي وشرق آسيا عبر المحيط القبطي.

وأشارت الجلسة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها تكنولوجيا متقدمةٌ في مجال النفط والغاز، وأن الصين تتمتع بإمكاناتٍ تصنيعيةٍ هائلةٍ؛ ما يشير إلى وجود فرصٍ للتعاون بين الدولتَيْن في منطقة القطب الشمالي التي تحتوي على العديد من فرص الاستثمار في قطاع الطاقة.

وختاماً، أكدت الجلسة أن التغيرات الجيوساسية في منطقة القطب الشمالي تتزايد، ولكنها لن تؤدي إلى اندلاع حربٍ أو مواجهةٍ بين القوى المختلفة في المنطقة؛ لأنها منطقةٌ استراتيجيةٌ مهمةٌ بالنسبة إلى روسيا التي تُعوِّل عليها في جميع خططها المستقبلية، كما أن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري حول العالم يزيد أهمية المنطقة من حيث العمل والعيش والاستثمار، وهو ما يمكن أن يطلق عليه “الحضارة القطبية الجديدة”.


الكلمات المفتاحية:
https://www.interregional.com/%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%8a%d9%85%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%a9/