وافق الكونجرس الأمريكي نهائيًّا على مشروع قانون الإنقاذ الذي قدمه الرئيس “جو بايدن”، بقيمة 1.9 تريليون دولار لمساعدة الأمريكيين على مواجهة تداعيات جائحة كورونا، بعد إقراره في مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما يعكس تدشين الرئيس الأمريكي حقبة اقتصادية جديدة مخالفة للحقبة التي دشنها الرئيس الأمريكي الأسبق “ريجان” في ثمانينيات القرن الماضي، والتي كانت قائمة على الإدارة من أعلى إلى أسفل في الشأن الاقتصادي، كذلك فإن “بايدن” لديه رؤية مغايرة عن رؤية الرئيس السابق “ترامب”. ومن شأن سياسات “بايدن” المدعومة من قبل ذوي الدخول المنخفضة، أن تعزز انقسام الجمهوريين، خاصةً أن 63% من الجمهوريين من ذوي الدخل المنخفض يدعمون سياسات بايدن الاقتصادية الأخيرة، ويمكن تناول أبرز ملامح السياسات الاقتصادية الأخيرة للرئيس الأمريكي “جو بايدن”؛ وذلك على النحو التالي:
1- تدشين “بايدن” حقبة اقتصادية جديدة: يمكن القول –بالنظر إلى خطة “بايدن” للإنعاش الاقتصادي التي أقرها الكونجرس في 11 مارس 2021 بقيمة 1.9 تريليون دولار– إن “بايدن” يشرع في تدشين حقبة جديدة مخالفة للحقبة التي بدأت منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق “رونالد ريجان”، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والتي قامت بدرجة أساسية على الإدارة من أعلى إلى أسفل، عن طريق تخفيف الضرائب المفروضة على رجال الأعمال، بما يسمح بازدهار أعمالهم وتوسعها، وخلق مزيد من فرص العمل للطبقتين الوسطى والدنيا.
وتنطلق رؤية “بايدن”، خلافًا لذلك، من الأسفل إلى الأعلى، عبر مساعدة الطبقة المتوسطة، وذوي الدخل المنخفض؛ ما يعزز قدرتهم الشرائية، ويُنعش الاقتصاد بالتبعية.
2– خطة بايدن لإنقاذ الطبقة المتوسطة: يبدو من خلال المقارنة بين سياسات التخفيضات الضريبية للشركات التي أقرها الرئيس السابق “دونالد ترامب”، ومشروع قانون الإنقاذ الذي قدمه الرئيس “جو بايدن”، أننا بصدد الحديث عن رؤيتين اقتصاديتين مختلفتين تمامًا.
فقد ذهبت فوائد التخفيض الضريبي في عهد “ترامب” إلى أعلى طبقة في المجتمع، التي تصل نسبتها إلى 20% منه، في الوقت الذي تذهب فيه المساعدات المرتبطة بخطة إنقاذ “بايدن” إلى الطبقة المتوسطة، التي تمثل 40% من هيكل الدخول في المجتمع الأمريكي.
3– دعم الجمهوريين ذوي الدخل المنخفض لسياسات “بايدن”: تشكل السياسة التي يتبعها “بايدن” خطرًا كبيرًا على الجمهوريين الذين لا يزالون متمسكين بعقيدة “ريجان”، التي تقتطع من حقوق العمال لصالح الأفراد الأكثر ثراءً. وتبين من دراسة استقصائية أجراها مركز “بيو” للأبحاث مؤخرًا، أن خطة “بايدن” قد حظيت بدعم 25% فقط من الجمهوريين ذوي الدخل الأعلى، و37% من ذوي الدخل المتوسط. ولكن بين الجمهوريين ذوي الدخل المنخفض ممن يتحصلون على أقل من 40 ألف دولار سنويًّا، الذين يشكلون ربع القاعدة الجماهيرية للحزب الجمهوري حاليًّا؛ حظيت خطة “بايدن” بدعم 63% منهم. ومن الممكن أن تؤدي تلك التطورات إلى انقسام الحزب الجمهوري إلى الحد الذي يصعب فيه احتواء الأزمة.
4– احتياج “بايدن” إلى الترويج الإعلامي لخطة الإنقاذ: يعود جزء كبير من دفاع الكثير من الأمريكيين عن سياسة “ريجان” إلى الازدهار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في أواخر عام 1982، والربط فيما بين هذا التقدم والنمو الاقتصادي وبين سياسات التخفيض الضريبي التي تبنتها إدارة “ريجان”.
لذا يجب على إدارة “بايدن” الانتباه إلى هذه الحقيقة؛ فبدون الترويج الإعلامي لخطة الإنقاذ التي تُقدر بـ1.9 تريليون دولار، والربط بين تمرير الديمقراطيين لهذه الخطة، وبين الانتعاش الاقتصادي الذي يُتوقع أن تشهده البلاد في الأشهر القليلة القادمة؛ لن يتمكن “بايدن” ولا الديمقراطيون من أن ينسبوا هذا التحسن إلى سياساتهم، ولا التخلص من النظرية الريجانية التي تسيطر على الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي.
وقد أدرك هذه الحقيقة “ميتش ماكونيل” زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي؛ لذلك سارع إلى التصريح والقول إنه إذا شهد الاقتصاد نوعًا من الانتعاش خلال الفترة القادمة، فإن هذا الأمر لا يرتبط –بأي شكل من الأشكال– بحزمة الإنعاش الاقتصادي التي تم إقرارها مؤخرًا.
وختامًا، من الواضح أن السياسات التدخلية التي تتبعها إدارة “بايدن” في الاقتصاد لتخفيف تبعات الجائجة، والتي تقوم على الإدارة من أسفل إلى أعلى؛ تدشن حقبة اقتصادية جديدة تلقى شعبية كبيرة في الأوساط الأمريكية، خاصةً مع تعزيز تلك السياسات القدرةَ الشرائية لأصحاب الدخول الضعيفة والمتوسطة. ومن المتوقع أن تعزز سياسات “بايدن” الاقتصادية انقسام الجمهوريين، وخاصةً أن قطاعًا كبيرًا منهم من ذوي الدخول المنخفضة.