توابع العزلة:

كيف تتراجع مكانة روسيا في مجال الطاقة في ضوء العقوبات الغربية؟
توابع العزلة:
9 أغسطس، 2022

عرض: صباح عبد الصبور

يُعَدُّ قطاع الطاقة الروسي من أكثر القطاعات التي تضرَّرت من جرَّاء العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو، على خلفيَّة تدخُّلها العسكري في أوكرانيا منذ فبراير 2022، وهو ما انعكس سلباً على مكانة روسيا في هذا القطاع، كما ساهم في إحداث إرباك غير مسبوق في أسواق الطاقة العالمية. وبطبيعة الحال، خلَّفت العقوبات الغربية العديد من التداعيات السلبية على قطاع الطاقة الروسي الذي يُمثِّل المورد الأكبر للميزانية العامة في روسيا. وقد دفع هذا الوضع موسكو مؤخراً إلى البحث عن أسواق عالمية جديدة للطاقة، وقد وجدت ضالَّتها نوعاً ما في الأسواق الآسيوية، لكن هذه الأسواق لم تستوعب كامل المعروض الروسي. وفي هذا الإطار، نشر موقع “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية” مقالاً بعنوان “زوال روسيا كقوة عظمى في مجال الطاقة”، في 2 أغسطس 2022. ورأى المقال أن أيام روسيا كقوة عظمى في مجال الطاقة قد ولَّت.

إرباك شامل

رأى المقال أن العقوبات الغربية خلَّفت جملة من التداعيات السلبية على قطاع الطاقة الروسي، ويمكن توضيحها عبر ما يأتي:

1– تقويض قدرة روسيا على الاستثمار في الطاقة في الغرب: أوضح المقال أنه بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، فرض الغرب إجراءات عقابية شديدة على روسيا، مشيراً إلى أن العقوبات أدت إلى عزل المؤسسات المالية الروسية الرئيسية مثل سبيربنك وVEB وجازبرومبانك عن أسواق رأس المال في الدول الغربية، وهو ما يجعل من الصعب على تلك المؤسسات ضخ استثمارات جديدة في قطاع الطاقة في هذه الدول، وفق ما ذكر المقال.

2– إفقاد روسيا القدرة على الوصول لتكنولوجيا التسييل: وفقاً للمقال، استغلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اعتماد روسيا الكبير على التكنولوجيا الخارجية لفرض حظر على تصدير تكنولوجيا التسييل، والمعدات الرئيسية لقطاعَي التكرير والبتروكيماويات. ومنذ فبراير 2022، شطبت شركات الطاقة الغربية الكبرى وشركات خدمات حقول النفط –بحسب المقال – أصولها الروسية أو قلَّصت عملياتها الروسية، خوفاً من الإضرار بسمعتها.

3– فقدان روسيا إيرادات ضخمة نتيجة الحظر الأوروبي: طبقاً للمقال، قد وافق الاتحاد الأوروبي في 30 مايو الماضي على فرض حظر مرحلي على النفط الروسي. واعتباراً من نهاية العام الجاري، أشار المقال إلى أن الحظر سيستهدف شحنات النفط الخام والمنتجات البترولية المنقولة بحراً من روسيا، وسيشمل ذلك حظراً على التأمين على الشحن البحري. وأكد المقال أن من المتوقع أن ينطبق الحظر على 90% من الواردات الروسية، وهو ما سيُترجم إلى فَقْد روسيا 22 مليار دولار سنوياً من الإيرادات.

ورأى المقال أن تحول الطاقة في أوروبا يبدو الآن أمراً لا مفر منه، وسوف يفسد علاقة الطاقة الطويلة الأمد بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، التي كانت قائمة على أساس تبادل الهيدروكربونات الروسية مقابل التكنولوجيا الأوروبية ورأس المال. ونوَّه المقال أن خسارة موسكو لأوروبا كسوق تصدير رئيسية ستؤثر بعمق على هيكل ميزانية الدولة الروسية، التي تعتمد اليوم على مبيعات النفط والغاز بنسبة 42%.

4– تراجع إنتاج النفط والغاز الروسي بدرجة غير مسبوقة: شدد المقال على أن إنتاج النفط في روسيا انخفض 10% في أبريل مقارنةً بشهر مارس، ومن المتوقع أن ينخفض ​​ 17% بنهاية عام 2022، بحسب ما ذكر المقال. وأوضح المقال أن من المتوقع أيضاً أن ينخفض ​​إنتاج الغاز 5.6% هذا العام. ورأى المقال أن انخفاض الطلب المحلي والعقوبات الذاتية من قبل المشترين الدوليين كانا المحركين الرئيسيين للانخفاض.

وأكد المقال أن شركات الطاقة العالمية المقيدة الآن من التعامل مع الشركات الروسية، كانت هي المورد الرئيسي للتكنولوجيا المتقدمة والتمويل الخارجي الضروريين لتطوير المجالات غير التقليدية في روسيا؛ لذلك رأى المقال أن خسارة روسيا الوصول إلى التكنولوجيا الأجنبية ورؤوس الأموال سيشكل عقبة رئيسية أمام قدرتها على الحفاظ على أحجام إنتاج النفط والغاز، ناهيك عن زيادتها. وأوضح المقال أن الشركات الأجنبية لا تزال تمثل 50–60% من السوق الروسية لتكنولوجيا الطاقة المتقدمة، بما في ذلك معدات الحفر المحسنة، وتقنيات وبرامج معالجة الآبار.

5– بحث المشترين الغربيين عن بدائل للطاقة الروسية: أشار المقال إلى أن المشترين الغربيين يبحثون عن بدائل للنفط والغاز الروسيَّين، مضيفاً أن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدأت بالفعل تتخلص تدريجياً من اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي. ووفقاً للمقال، فإن من المقرر أن يزيد الاتحاد الأوروبي واردات النفط الخام من غرب أفريقيا، بما في ذلك أنجولا ونيجيريا والسنغال. ونوه كذلك بأن دول البلطيق توقفت عن استيراد الغاز الروسي في أبريل، ولن تمدد بلغاريا وهولندا وبولندا عقود الغاز مع غازبروم.

وبحسب المقال فإنه فيما وقَّعت إيطاليا صفقة بقيمة 400 مليون دولار مع سنغافورا بشأن إنشاء وحدة عائمة للتخزين وتحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي؛ تتطلع روما أيضاً إلى زيادة إمدادات الغاز من الجزائر. علاوة على ذلك، توصلت ألمانيا إلى صفقة غاز طبيعي مسال وهيدروجين مع قطر، وتهدف إلى تسريع نمو طاقتها الشمسية. وطبقاً للمقال، دخلت هولندا في شراكة مع شركة شل لبناء مصنع هيدروجين متجدد.

6– التأثير على نحو سلبي على مساعي تطوير قطاع الطاقة: بحسب المقال، ساءت أحوال مشاريع تطوير النفط والغاز الروسية الكبيرة إلى حد كبير بسبب محدودية الوصول إلى التمويل والتكنولوجيا المستوردة. وسيكون من الصعب – من وجهة نظر المقال – تعويض انسحاب الشركات الغربية، خاصةً أنها المزود الرئيسي لتقنيات التسييل والحفر وكذلك البرمجيات محلياً، ولا تمتلك روسيا بدائل محلية عالية الجودة.

وأوضح المقال أن شركة نوفاتك ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في روسيا ومطور مشروع Arctic LNG 2، أعلنت أنها ستُخفِّض الجهد إلى ثلث طاقتها الأصلية. وأشار المقال إلى أنه بعد انسحاب إكسون موبيل، انخفض إنتاج النفط في مشروع النفط والغاز الروسيَّين في الشرق الأقصى سخالين–1 بدرجة كبيرة. ووفقاً للمقال، فإنه فضلاً على ذلك، يخسر مشروع فوستوك النفطي الروسي الطموح – الذي تبلغ قيمته 180 مليار دولار – الداعمين الغربيين الماليين، الذين كانوا من المفترض أن يوفروا معظم التمويل.

7– تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الخضراء الصينية:أوضح المقال أن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي زادت من استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم كبدائل سريعة للنفط والغاز الروسيَّين، مشيراً إلى أن هذا الأمر أثار انتقادات عديدة. ولفت المقال إلى أن الاتحاد الأوروبي اعتبر أيضاً أن الغاز والطاقة النووية مصدران صديقان للمناخ. ووفقاً للمقال، كانت روسيا قبل التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا تعتبر مورداً محتملاً للهيدروجين الأزرق لأوروبا؛ للمساعدة في تعزيز عملية إزالة الكربون على المدى الطويل، مشيراً إلى أنه ليس لدى روسيا الآن الكثير لتقدمه.

علاوة على ذلك سيكون من الصعب على روسيا، بحسب المقال، أن تطلق تحولها الأخضر الخاص بها بدون الوصول إلى التكنولوجيا الأجنبية ورأس المال. وطبقاً للمقال، قد تكون الصين المصدر الوحيد المتاح لروسيا للوصول إلى التكنولوجيا الخضراء مقابل الهيدروجين الروسي. ورأى المقال أن هذا الأمر سيترك روسيا تحت رحمة الصين؛ حيث ستصبح موسكو أكثر اعتماداً على بكين، وهو ما يزيد من اختلال التوازن في علاقاتهما غير المتكافئة بقوة بالفعل، وفق ما ذكر المقال.

بديل ناقص

أوضح المقال أنه في ضوء سعي روسيا إلى مواجهة آثار الإجراءات الغربية، فإنها تتطلع إلى فتح أسواق جديدة للطاقة في آسيا، لكنْ ثمة قيود أمام هذه الرغبة، يمكن توضيحها عبر ما يأتي:

1– العجز عن تعويض كامل خسارة أسواق الطاقة الغربية: أشار المقال إلى أن الحكومة الروسية أصدرت تعليمات لوزاراتها بوضع خطة لإعادة توجيه البنية التحتية لخطوط أنابيب الطاقة والموانئ والسكك الحديدية باتجاه الشرق. ووفقاً للمقال، قد تتمكن روسيا من العثور على مشترين جدد، لكن سيكون من المستحيل عليها تعويض خسارة البيع الكاملة لأسواق الطاقة الغربية بالكامل؛ إذ تتطلب إعادة توجيه تدفقات النفط والغاز إلى آسيا استثمارات كبيرة ووقتاً لبناء بنية تحتية جديدة. وأكد المقال أنه يمكن لروسيا إعادة توجيه نحو ثلث الصادرات التي كانت متجهة سابقاً إلى الاتحاد الأوروبي إلى آسيا.

2– طول الفترة المطلوبة لزيادة الإمدادات الروسية لآسيا: نوه المقال أنه وفقاً لتقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية، فإنه في أفضل السيناريوهات قد تستغرق روسيا ما لا يقل عن عقد من الزمان لرفع إمداداتها من الغاز إلى آسيا إلى مستوى قريب من صادراتها في عام 2021 إلى الاتحاد الأوروبي (155 مليار متر مكعب). وشدد المقال على أن هذا السيناريو يفترض أن روسيا ستعمل على بناء وتوسيع بنيتها التحتية للغاز بنجاح.

وبحسب المقال، سيتطلب ذلك رأسمال كبيراً، وإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الطاقة في وقت تحظر فيه العقوبات هذا الأمر. ورأى المقال أن حالة عدم الاستقرار في آسيا ستؤثر سلباً على المساعي الروسية لفتح أسواق جديدة للطاقة فيها، مضيفاً أن اختناقات البنية التحتية والتحديات اللوجستية ستؤثر سلباً كذلك.

3– صعوبة تخلي الصين عن سياسة تنويع مصادر الطاقة: طبقاً للمقال، أصبحت روسيا أكبر مورد للنفط إلى الصين، لتتجاوز بذلك السعودية في هذا الإطار. وأكد المقال أنه بالرغم من أن الصين تعمل بهدوء على تعزيز احتياطاتها الاستراتيجية، لكنها لن تتخلى عن سياستها بشأن تنويع مصادر الطاقة، والحذر بشأن الاعتماد بقدر مفرط على روسيا. وشدد المقال على أن النفط الروسي استحوذ على مدار العام الماضي بالفعل على 18.4% من واردات الصين من الخام، متجاوزاً المعيار غير الرسمي لبكين، الذي يؤكد ضرورة عدم تجاوز اعتماد الصين على أي مورد واحد نسبة 15%.

وأوضح المقال أنه من الناحية النظرية، يوجد مجال للصين لزيادة مشترياتها من الغاز الروسي؛ حيث تستورد الصين 7% فقط من إجمالي غازها. ووفقاً للمقال، من المتوقع أن يبلغ طلب الصين على النفط ذروته في عام 2027، وقد يؤدي التزامها بانبعاثات صافية صفرية بحلول عام 2060 إلى تقليل الحاجة إلى إمدادات الغاز الروسي.

4– وجود تحديات عديدة تعترض زيادة الصادرات إلى الهند: أشار المقال إلى أن الهند تشتري أيضاً كميات قياسية من النفط الخام الروسي مستفيدةً من الخصومات. وبحسب المقال، فإنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبحت روسيا أكبر مورد للنفط إلى الهند؛ حيث زادت حصتها من 1.3% إلى 25% من واردات النفط الهندية. لكن المقال أشار إلى أن أي زيادة أخرى في الواردات الروسية ستكون صعبة تقنياً ولوجستياً.

5– سيطرة شركات غربية على سوق تأمين ناقلات النفط: أكد المقال أن تحويل مسار النفط الروسي إلى الهند يجب أن يكون عبر الطرق البحرية. وتوقع المقال أن يكون هذا الأمر أكثر صعوبةً بعد أن يصبح حظر التأمين في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سارياً؛ حيث تسيطر شركات التأمين الأوروبية والبريطانية على أكثر من 90% من سوق تأمين ناقلات النفط.

وطبقاً للمقال، إذا اتفق الحلفاء الغربيون على آلية حد أقصى للسعر، فلن يتم توفير التأمين من قبل الشركات الغربية، إلا إذا التزم المستورد بسقف السعر. وهذا يعني أن المشترين الهنود سيتعيَّن عليهم تحمل المزيد من المخاطر، والاعتماد على سوق تأمين أقل تطوراً. ورأى المقال أن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، وعلاقة موسكو القوية بباكستان، ستجعل اعتماد الهند المتزايد في مجال الطاقة على روسيا أمراً صعباً.

خيارات محدودة

وختاماً.. رجح المقال أن تستفيد بكين من عزلة موسكو، مثلما فعلت بعد العقوبات المفروضة على ضمها غير القانوني لشبه جزيرة القرم في عام 2014؛ إذ فرضت شروط صفقات الطاقة، وجنت أكبر قدر من الفوائد مع تجنب التعرض للعقوبات. وأكد المقال أنه لا مساحة كافية أمام روسيا للتحرك بالنظر إلى اتساع تحالفات عقوبات ما بعد التدخل في أوكرانيا، التي تشمل دولاً آسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

المصدر:

Maria Shagina, Russia’s Demise as an Energy Superpower, The International Institute for Strategic Studies, August 2, 2022, Accessible at: https://www.iiss.org/blogs/survival–blog/2022/08/russias–demise–as–an–energy–superpower


الكلمات المفتاحية:
https://www.interregional.com/%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%84%d8%a9/