عقد مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية”، بمقره في أبو ظبي، مؤخراً، ورشة عمل بعنوان: “التوجهات الإيرانية الجديدة تحت حكم إبراهيم رئيسي”، حاضر فيها الدكتور مصطفى سالم الخبير بالأمن الإقليمي والشؤون الإيرانية، بحضور ومشاركة باحثي المركز وعدد من الباحثين والزملاء المشاركين. تناولت الورشة السياقات الداخلية والخارجية التي صاحبت صعود إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم، وحللت المشهد الإيراني الراهن على الصعيدين الداخلي والإقليمي، قبل أن تنعطف إلى جملة من السيناريوهات المتوقعة حول عدد من الملفات الإيرانية الشائكة وتأثيراتها على منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة.
1– دعم المرشد والحرس الثوري لـ”رئيسي”: على صعيد السياقات الداخلية لصعود إبراهيم رئيسي، أكدت الورشة أن “رئيسي” جاء إلى الحكم برغبة كل من مؤسسة الإرشاد والحرس الثوري الإيراني، باعتبارهما الجهتين اللتين تحكمان فعلياً المشهد الإيراني خلال السنوات الماضية، وأن الرئيس حسن روحاني قد سمح له بالحكم لتأكيد فشل مشروعه بما يؤثر على حظوظه في أي فعاليات انتخابية قادمة حتى إشعار آخر. ومن أبرز ما يدلل على ذلك التحليل، حالة الجمود التي تشهدها مفاوضات فيينا حول إحياء العمل بالاتفاق النووي الشامل لعام 2015، وموجة الاحتجاجات الداخلية على تردي الأوضاع المعيشية في البلاد التي سُمح لها بالتمدد لنزع أي نجاح لحكومة روحاني خلال الفترة الماضية.
وذهبت الورشة باتجاه التشديد على الصعوبات التي عانت منها مؤسستا الإرشاد والحرس الثوري خلال الفترة الماضية، وألقت بظلالها على واقع المشهد الإيراني الراهن، والتي تمثلت في معضلة خلافة المرشد، وتسرُّب الضعف إلى أركان تلك المؤسسة، بما بات يمثل تهديداً لمستقبل النظام الإيراني بوجه عام، بجانب حالة الصراع المحموم التي نشأت بين مؤسسة الحرس الثوري وفيلق القدس بقيادة قائده السابق قاسم سليماني، بالنظر إلى السمعة القوية التي اكتسبها الأخير من جراء توغله الإقليمي في عدد من النقاط الصراعية الملتهبة في المنطقة من العراق إلى اليمن، مروراً بسوريا ولبنان، بما جعله بمنزلة المهيمن على الحرس الثوري وقيادته لا على مجرد جزء من تشكيلاته الكثيرة المتشابكة.
2– تنافس الحرس الثوري وفيلق القدس: اعتبرت الورشة أن حالة الضعف التي استشعرتها مؤسسة الإرشاد، ومعضلة التنافس التي تمددت في صمت بين “سليماني” وقيادة الحرس الثوري؛ جعلت “رئيسي” المرشح الأنسب للمرحلة القادمة لكلتا المؤسستين، في ظل علاقته الوثيقة بالمرشد من جهة، وبقيادات الحرس الثوري من جهة أخرى، بل إن الورشة ربما جنحت إلى تأكيد أن عملية اغتيال “قاسم سليماني” قد جاءت بمنزلة هدية غير متوقعة للحرس الثوري. واستدلت الورشة على ذلك برمزية الرد الإيراني على عملية اغتيال “سليماني” بضربة غير مؤثرة على قاعدة تستخدمها القوات الأمريكية في العراق، بعد إعلام واشنطن بموعد الضربة لإخلائها من الجنود الأمريكيين، كصورة من صور حفظ ماء وجه طهران على الصعيدين الداخلي والخارجي.
3– تشدد إيراني متوقع بمفاوضات فيينا: انعطفت الورشة إلى مفاوضات فيينا حول إحياء العمل بالاتفاق النووي الشامل لعام 2015، واعتبرت أن الجولة القادمة لن تتم إلى بعد تولي حكومة إبراهيم رئيسي سدة الحكم رسميًّا، وأن التوجه الإيراني القادم سيكون باتجاه الحصول على صفقة دولية شاملة، تضم بجانب البرنامج النووي، ملفات أخرى حساسة، من قبيل ملف العقوبات على إيران، وبرنامج الصواريخ الباليستية، ووضع إيران كقوة إقليمية، والتمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
وذهبت الورشة إلى أن الجولة القادمة من مفاوضات فيينا ستكون بضوء أخضر إيراني من حيث التوقيت والحضور، وأن طهران لن تسمح بتوسيع دائرة الحضور في تلك المفاوضات لتضم أطرافاً أخرى عربية أو إقليمية، وخاصةً المملكة العربية السعودية، التي ستدخل العلاقات بينها وبين طهران مرحلة جديدة من الجمود وربما التصعيد، تحت قيادة إبراهيم رئيسي، وأن الإشارات الإيجابية التي كانت حكومة حسن روحاني قد أرسلتها باتجاه الرياض مؤخراً –والتي قرأها البعض على أنها ستكون بمنزلة الضوء الأخضر لحلحلة العلاقات بين البلدين باتجاه الانفتاح وربما المصالحة– قد تجمدت حتى إشعار آخر.
4– تماهي المحافظين والإصلاحيين مع رؤية المرشد: أكدت الورشة أن ما كان يعتقد أنه تباين في الرؤى بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران قد أصبح من الماضي، وأن حقيقة الأمر هي أن كلا الفريقين وجهان لعملة واحدة، وأن السياسة الإيرانية إنما تصاغ وتخرج من مؤسستي الإرشاد والحرس الثوري، وأن أطر التصعيد القيادي في الدولة الإيرانية لا تسمح بأي خروج عن دائرة التوجهات التي تقرها كلتا المؤسستين بشكل قاطع. ومن ثم فإن أي تباينات بين “المدنيين” الذي يحكمون إيران كواجهة سياسية وتنفيذية –سواء كانوا محافظين أو إصلاحيين– إنما هي اختلافات على مستوى تنفيذ القرار لا على مستوى عملية صنع القرار واتخاذه.
وأخيراً، فإن الدولة الإيرانية تحت حكم إبراهيم رئيسي ستكون بصدد جولة جديدة من جولات التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، قد اتخذت قرارها الاستراتيجي بتقليص الحضور الأمريكي في المنطقة، والتفرغ للتهديدات الصينية، ومن بعدها الروسية، في آسيا وأوروبا الشرقية. ومن ثم، فإن على الدول العربية جمع شملها لمواجهة التهديدات الإيرانية من غير التعويل على دور أمريكي فاعل في هذا الأمر. وهذا يتطلب وضع استراتيجيات عربية – عربية لإدارة المرحلة المقبلة من التصعيد الإيراني المتوقع.