ثمة فرضية أشار إليها “جون ميرشايمر”، في كتابه عن الكذب في السياسة الدولية، أن “الكذب على الخصوم عادة ما يكون مقبولاً على نطاق واسع، وإن كان كريهاً، كسلاح استراتيجي في السياسة الخارجية”. هذه الفرضية لم تكن غائبة عن الأزمة الأوكرانية المحتدمة منذ شهور، التي دخلت مرحلة أكثر تعقيداً بعد إعلان موسكو، يوم 24 فبراير 2022، عن تدخل عسكري في أوكرانيا؛ فقد اقترن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا بحملات متعارضة من قِبل أطراف الصراع لاستخدام المعلومات المزيفة والمضللة، التي استفادت من السيولة الهائلة في وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية؛ لتحقيق عدد من الأهداف قد يكون أهمها القدرة على الترويج لسردية الصراع ومبرراته من وجهة نظر كل طرف، علاوة على إضعاف الوضعية العسكرية للطرف الآخر من خلال نشر فيديوهات وصور غير حقيقية، تُظهر خسائر الخصم. كما شكلت المعلومات المضللة أداة رئيسية للوصم الأخلاقي المتبادل. ولعل هذا ما اتضح من الاتهامات المتبادلة بين المسؤولين الروسيين والأوكرانيين، وكذلك بين المسؤولين الروس ومسؤولي الدول الغربية بالكذب والخداع والتضليل.
الصراع الإعلامي
شهد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا كثافة ملحوظة في استخدام مصطلحات الكذب والتضليل والخداع من قبل القادة المنخرطين في الصراع كأداة لوصم الخصوم؛ فقد صك الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مصطلح “إمبراطورية الكذب” الغربية لوصف تعاطي الدول الغربية ووسائل إعلامها مع الأزمة الأوكرانية. هذا الخطاب الروسي الرسمي قوبل بخطاب أوكراني وغربي يصف موسكو والقيادة الروسية بالتضليل وتزييف الحقائق لتبرير تدخلها العسكري في أوكرانيا. واللافت أن هذا الوصم الأخلاقي سرعان ما انتقل من المستوى القيادي الرسمي إلى المستوى الإعلامي التقليدي وغير التقليدي، لتتم صياغة تحليلات مستقطبة تلقي باللوم على الطرف الآخر وتتهمه بالتضليل والتزييف، كما تضمنت وسائل الإعلام الكثير من الصور والتقارير والفيديوهات المشكوك في دقتها. وفي هذا السياق، تكشف عمليات التزييف والتضليل المعلوماتي المرتبطة بالصراع الأوكراني عن عدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1– التوسع في استخدام الوسائط المعادة صياغتها: عادة ما تدفع الأحداث المتسارعة في أوقات الحروب، وخاصةً مع الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، إلى التوسع في استخدام الوسائط المُعادة صياغتها Recontextualized media التي تعبر عن أي صورة أو مقطع فيديو أو صوتي تم إخراجها من سياقها الأصلي وإعادة صياغتها لغرض أو إطار سردي مختلف تماماً، ومحاولة ربطها بأحداث مغايرة. ويمكن إدخال الوسائط المعادة صياغتها في دورة الأخبار عبر الإنترنت عن قصد من قبل مجموعات بعينها ترغب في فرض أجندة محددة أو زيادة المشاركة من قبل الآخرين في هذه الأجندة أو حتى الإضرار بمصالح أطراف أخرى. ويمكن أيضاً نشر هذه المواد من قبل الذين يعتقدون أن الصور دقيقة وتعبر عن الأزمة القائمة ويريدون مشاركة المعلومات مع شبكاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وربما كان هذا النمط هو النمط الشائع في الصراع الأوكراني في ظل محاولة كل طرف للترويج لسرديته بشأن الصراع؛ فعلى سبيل المثال، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر يوم 27 فبراير 2022، صورة لفتاة وهي تواجه جنديّاً، وتم التعليق على الصورة بأنها “فتاة أوكرانية تصرخ في وجه جندي روسي”. ولكن تبين أن هذه الصورة تم اقتطاعها من سياق مختلف، حسب موقع Snopes؛ حيث ترجع الصورة إلى عام 2012 وتظهر الفتاة الفلسطينية “عهد التميمي” وهي تواجه جنديًاً إسرائيليّاً في الضفة الغربية.
كما انتشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً موقع تيك توك يوم 24 فبراير 2022، فيديو قصير يصور بعض الجنود المظليين وهم على ارتفاع، وذكر أنه يشير إلى عملية إنزال للقوات الروسية في أوكرانيا. وبالرغم من أن الفيديو استحوذ اهتماماً وتفاعلاً كبيراً؛ حيث حصل على أكثر من مليون تفاعل على “تيك توك”، كما تمت مشاركته عبر تويتر وإنستجرام، إلا أنه لم يكن متعلقاً بالصراع الأوكراني؛ فوفقاً لوكالة رويترز، يرجع الفيديو إلى منشور ظهر على “إنستجرام” عام 2015.
وفي سياق متصل، تداولت العديد من المنصات الإعلامية، مطلع شهر مارس الجاري، تسجيل فيديو يصور انفجار قنبلة أعقبته سحابة من الغبار والحطام، وذكر أن الانفجار ناتج عن قيام روسيا باستخدام قنبلة حرارية “فراغية” ضد قاعدة للجيش الأوكراني في بلدة أوختيركا شمال شرق أوكرانيا. وبالرغم من الاتهامات التي لاحقت روسيا باستخدام هذا النوع من القنابل، فإن وكالة “رويترز” أكدت أن الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لا يتعلق بالصراع الأوكراني بل سبق أن تم نشره على موقع يوتيوب، في ديسمبر 2019، وحينها ذكر أن الفيديو يتعلق بانفجار داخل سوريا.
2– التضليل من خلال توظيف ألعاب المحاكاة الإلكترونية: ثمة نموذج آخر للتزييف والتضليل، انتشر في مرحلة ما بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، ويعكس درجة هائلة من تراجع القدرة على التحقق من صحة ودقة المواد المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد حاولت بعض المنصات استخدام مقاطع فيديو مأخوذة من ألعاب إلكترونية وألعاب محاكاة والترويج لها باعتبارها جزءاً من العمليات العسكرية الجارية في أوكرانيا. ولعل النموذج الأبرز على ذلك، الفيديو الذي نشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي يوم 25 فبراير 2022، والذي ذكر أنه يشير إلى قيام طيار مقاتل أوكراني يدعى “شبح كييف” بإسقاط طائرة روسية من طراز Su-35. ولكن فيما بعد اتضح أن الفيديو مأخوذ من Digital Combat Simulator، وهي لعبة محاكاة تم إصدارها لأول مرة في عام 2008.
لقد دفع هذا التوسع في توظيف ألعاب المحاكاة الإلكترونية في سياق الصراع الأوكراني شركة Eagle Dynamics، مطورة ألعاب الفيديو “Digital Combat Simulator” إلى إصدار بيان، في 1 مارس 2022، يطلب من اللاعبين “تجنب إنشاء صور يمكن أن يساء فهمها وتعرض الأرواح للخطر”.
3– محاولة إسناد معلومات مضللة إلى مصادر موثوقة: ويكتسب هذا النمط أهمية كبيرة لأن إلحاق المعلومات المضللة وإسنادها، بصورة كاذبة، إلى مصادر موثوقة تحظى بشعبية، يمكن أن يضفي درجة من الشرعية على هذه المعلومات المضللة ويساعد على نشرها بكثافة أكبر. ولعل هذا ما اتضح مع تداول بعض منصات التواصل الاجتماعي، في شهر فبراير الماضي، غلافاً مزعوماً لمجلة “تايم” عليه صورة للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” متداخلة مع “أدولف هتلر”، وقد ظهر فيما بعد أنه ليس الغلاف الخاصة بالمجلة، بل هو مجرد غلاف من تصميم Patrick Mulder، الذي ذكر على حسابه على تويتر، يوم 28 فبراير 2022، أنه صمم هذه الصورة لأنه رأى أن الغلاف الرسمي الحقيقي للمجلة كان غير ملهم ويفتقر إلى القناعة. كما أشار في تصريحات لموقع Snopes إلى أنه لم يقصد أن يعتقد الناس أن الغلاف حقيقي. “ولكنه أعيد نشرها دون ذكر حقيقة أنه كان فناً خاصاً بي، وليس غلافاً خاصاً بالمجلة”.
4– الاستخدام المحتمل للتزييف العميق deepfakes: ويشير هذا النمط من التضليل المعلوماتي إلى استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في تكوين وإنشاء صور ومقاطع فيديو غير حقيقية ومضللة. وتجلت بعض مظاهر هذا النمط في الصراع الأوكراني، وخصوصاً مع التقارير التي تحدثت مؤخراً عن إجراء بعض أجهزة الاستخبارات الأمريكية تحقيقاً حول استخدام التزييف العميق في الصراع الأوكراني عبر وجود مقاطع فيديو معدلة للرئيسين الروسي والأوكراني وعدد من المسؤولين الآخرين.
وفي هذا السياق، نشر “بن كولينز” مراسل NBC news، تغريدة على تويتر يوم 28 فبراير 2022، أشار خلالها إلى أن هناك حساباً مزيفاً على مواقع التواصل الاجتماعي باسم شخص يدعى “فلاديمير بوندارينكو”، ويعرف نفسه بأنه مدون من كييف يكره الحكومة الأوكرانية، وأضاف أنه حساب مصطنع من قبل بعض المجموعات المتصيدة الروسية Russian troll farm، وقد تم تصنيع صورة الشخص بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
5– معضلة الترابط غير المنطقي: وهي المعضلة التي تتزايد في أوقات الأزمات وشيوع خطابات المؤامرة في العلاقات بين الدول. ولم تكن هذه المعضلة بعيدة عن ديناميات الأزمة الأوكرانية؛ حيث ظهرت في الخطاب الرسمي الروسي والأسانيد التي صاغتها موسكو لتبرير عمليتها العسكرية في أوكرانيا؛ فعلى سبيل المثال، استخدمت موسكو ووسائل إعلامها وصف “النازيين الجدد”، بصورة مكثفة، للإشارة إلى القيادة السياسية في أوكرانيا، وهو الوصف الذي انطوى على إشكاليات عديدة، وربما كشف عن درجة من التناقض، لا سيما أن الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” يهودي الديانة، كما أشارت بعض التقارير إلى أنه فقد ثلاثة من أفراد عائلته في الهولوكوست. وهو الأمر الذي يقوض من وصفه بالنازي؛ لأنه من غير المنطقي الجمع بين اليهودية والنازية.
الضغط المتبادل
شكلت المعلومات المضللة وعمليات التزييف الإخباري جزءاً من معادلة الضغط المتبادل بين أطراف الصراع الأوكراني؛ فالصراع القائم على الأرض يحتاج بطبيعة الحال إلى ظهير إعلامي ودعائي، ولو كان مضللاً. وفي سياق كهذا، يمكن القول إن التضليل المعلوماتي يرتبط بعدد من الدوافع الرئيسية:
1– الترويج للسردية الخاصة بالصراع: لقد استخدم أطراف الصراع في أوكرانيا التضليل المعلوماتي لدعم سرديتهم الخاصة، وشرعنة موقفهم؛ فقد روجت المنصات الإعلامية الروسية لفرضيات لم يتم التحقق من صحتها، عن سيطرة تيار النازيين الجدد على الحكم في أوكرانيا، وتعرض المواطنين في دونباس للتطهير والإبادة العرقية على يد القوات الأوكرانية، وهي الفرضيات التي استُخدمت لتبرير التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
على النقيض من هذا الخطاب، اعتمدت المنصات الإعلامية المحسوبة على أوكرانيا والدول الغربية على مجموعة من الرسائل تستهدف إضعاف الرواية الروسية للأحداث، ومنها على سبيل المثال، تأكيد استخدام روسيا القوة المفرطة ضد أوكرانيا واستخدام بعض الفيديوهات، مثل الفيديو الذي يزعم استخدام موسكو قنبلة حرارية “فراغية” ضد قاعدة للجيش الأوكراني في بلدة أوختيركا، ليظهر فيما بعد أن الفيديو مأخوذ من أحداث سابقة تعود إلى عام 2019، وليس له علاقة بالصراع الراهن في أوكرانيا.
اللافت أن ترويج كل طرف لسرديته استصحب معه فرض قيود على المنصات والوسائل الإعلامية التي تتبنى سرديات مغايرة؛ فالمؤسسات الإعلامية الغربية فرضت قيوداً على المحتوى الإعلامي الروسي عبر وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، وهو الموقف الذي اتخذته موسكو. وبحسب العديد من التقارير، اتهمت هيئة الاتصال الحكومية الروسية، في 26 فبراير 2022، عدداً من وسائل الإعلام الروسية الخاصة بنشر معلومات “كاذبة” حول الحرب في أوكرانيا، كما انتقدت وزارة الدفاع الروسية صحيفة “نوفايا جازيتا” واتهمتها بالترويج لمعلومات مزيفة “أعدتها أوكرانيا على قوالب معتمدة من قبل الدعاية الأمريكية وحلف الناتو لتشويه سمعة روسيا”.
2- الكذب العادل والدفاع عن المصالح الذاتية: حيث ترتبط المعلومات المضللة في سياق الصراع الأوكراني بمحاولات كل طرف للدفاع عن مصالحه الذاتية، وهو أمر يتسق مع معطيات النظام الدولي الراهن وتأثير تيار النفعية utilitarianism على العلاقات الدولية، وهو تيار يتعاطى مع قضية الكذب من منظور أكثر تحرراً. ويبرر هذا التيار أعمال الكذب والخداع السياسي من خلال العواقب الجيدة المستهدفة Consequentialism. ومن هذا المنطلق فإن الحسابات الحصيفة الرشيدة ليست عقلانية فقط، بل أخلاقية أيضاً؛ إذ إن الأخلاق المناسبة للحياة السياسية لا تستند إلى المثل المجردة، بل هي أخلاق نفعية مرتبطة بتقييم عواقب الفعل ومكانته في منظومة السبب والنتيجة بحسب تعبير لودفيج فون ميزس.
وفي هذا الإطار، يبدو أن حملات التضليل المعلوماتي في حرب أوكرانيا تتماشى مع فكرة الكذب العادل just lying التي طورتها الأدبيات السياسية لإضفاء قدر من القابلية الأخلاقية على الكذب السياسي بين الدول. ووفقاً لهذا الطرح يتعين أن يكون للكذب والتضليل ما يبررهما، وهو ما يعنى في المقام الأول الدفاع عن قضايا عادلة، أو بعض الأهداف الحيوية، والمصالح القومية للدولة. ولهذه الاعتبارات تفترض الواقعية السياسية أن إعلاء مكانة المصالح الوطنية على المُثل والفضائل الأخلاقية هو بمنزلة أمراً أخلاقيّاً في حد ذاته، وهو بدوره يشرعن لفكرة الكذب الدولي كآلية لحماية وتأمين المصالح الوطنية للدول.
3– إضعاف الروح المعنوية للخصوم: لا تنفصل حملات التضليل والتزييف المعلوماتي المتصلة بالحرب الأوكرانية عن سياسات إضعاف الروح المعنوية للخصوم؛ فالعديد من الفيديوهات الخاصة بالمعارك، والمنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي، تشير إلى درجة كبيرة من المبالغة وتجاوز الحقائق على الأرض، وهي سياسة ربما تستهدف التأثير السلبي في قدرات الخصم المعنوية، مقابل دعم الروح المعنوية للطرف المسؤول عن الدعاية المضللة؛ وذلك على غرار الفيديو الخاص بـ”شبح كييف”، الذي تبين أنه مأخوذ من لعبة المحاكاة الإلكترونية Digital Combat Simulator. علاوة على ذلك، فقد شكلت أرقام ضحايا الجانبين موضع جدل هائل، وخصوصاً مع عدم وجود آلية فعلية للتحقق من مدى صحة ودقة الأرقام.
4– الوصم الأخلاقي للآخر: ربما يكون أحد الأهداف الرئيسية لحملات التضليل المعلوماتي تشويه صورة الطرف الآخر، ووصمه أخلاقيّاً، فالرئيس الروسي حينما استخدم مصطلح “إمبراطورية الكذب” الغربية كان يحاول تصدير الضغوط للصورة الأخلاقية للدول الغربية، وبالتبعية تفكيك الدعاية الغربية ضد الحرب الروسية في أوكرانيا، والتشكيك في مصداقيتها. والأمر ذاته كان حاضراً في الدعاية الغربية ضد موسكو، والاعتماد المكثف على مصطلحات من قبيل “الكذب” و”التضليل” الروسي.
علاوة على ذلك، فإن المنصات الإعلامية التابعة للطرفين صاغت تحليلات وتقارير تضعف صورة الآخر أخلاقياً. ومن نماذج هذه المقالات المقال الذي نشره موقع “نيوز فرونت” المحسوب على موسكو، يوم 2 مارس الجاري، بعنوان “سياسة التضليل المعلوماتي الأمريكية الاستفزازية” للكاتب “فاليري كوليكوف”؛ حيث تضمن المقال انتقاداً حادّاً لما سماها سياسات التضليل المعلوماتي الأمريكي، ورأى أنها سياسات لها تاريخ طويل، وذكر أيضاً “أن المعلومات المزيفة والمضللة التي تنشرها الولايات المتحدة في وسائل الإعلام اليوم تؤثر على أفكار الجماهير ومن ثم يتم استبدال معلومات كاذبة مكان الصورة الحقيقية”، وأضاف: “اليوم، أصبحت المعلومات المضللة والأكاذيب والافتراءات سمات ثابتة للسياسة الخارجية لواشنطن والعديد من حلفائها”.
الفوضى الافتراضية
خلاصة القول: ستظل المعلومات المضللة والأخبار المزيفة واحدة من الأدوات الرئيسية المستخدمة في الأزمة الأوكرانية؛ لاعتبارات رئيسية أهمها أن أطراف الصراع يمتلكون خبرة هائلة في هذا المجال، علاوة على التوسع في الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في تغطية مجريات الحرب، والتداخل بين وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، وهو ما سمح بتصاعد القدرة التأثيرية للمعلومات المزيفة والمضللة واتساع مساحة انتشارها لا سيما مع الطابع الفوضوي الذي يهيمن على الفضاء الإلكتروني، وصعوبة التحقق من صحة ودقة المحتوى الإعلامي.
ربما تكون وكالة “أسوشييتد برس” عبرت عن هذه الإشكالية في تقريرها المنشور، بتاريخ 24 فبراير 2022، بعنوان “الدعاية ومقاطع الفيديو المزيفة لغزو أوكرانيا تقصف المستخدمين”؛ حيث ذكر التقرير أن “الهجوم على أوكرانيا يكاد يكون أول نزاع مسلح كبير في أوروبا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي وقتٍ تعدُّ فيه الشاشة الصغيرة للهاتف الذكي هي أداة الاتصال المهيمنة، يبدو أن الأمر يحمل في طياته خطر الانتشار الفوري للمعلومات المضللة الخطيرة والمميتة”.