صدمة جديدة:

ماذا يعني تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الأمريكية؟
صدمة جديدة:
15 أغسطس، 2023

لم يَكَد النظام المصرفي الأمريكي يشهد استقراراً نسبياً عقب صدمة إفلاس ثلاثة بنوك كبرى – وهي سيلكون فالي وسيجنتشر وسيلفر جيت – في مارس 2023، حتى ظهرت بوادر صدمة جديدة، فجَّرتها هذه المرة وكالة التصنيف الائتماني “موديز” في أغسطس 2023، التي خفَّضت التصنيف الائتماني لعشرة بنوك أمريكية إقليمية صغيرة ومتوسطة الحجم، ووضعت بنوكاً أخرى قيد المراجعة، في إشارة إلى إمكانية حدوث تخفيضات أخرى، كما غيَّرت نظرتها من “مستقرة” إلى “سلبية” لنحو 11 مصرفاً أخرى.

أثارت هذه الخطوة العديد من المخاوف بشأن استقرار القطاع المصرفي بالداخل الأمريكي وحتى على المستوى العالمي. ورغم أن الوكالة ذاتها أشارت إلى أن خفض التصنيف لا يجب أن يُثير الذعر، وأن تصنيف النظام المصرفي الأمريكي لا يزال من أعلى التصنيفات في العالم، في محاولة منها للتهدئة، فإن الإجراء أثار ضجة في عالم المال والأعمال؛ حيث أثيرت العديد من الشكوك والتساؤلات بشأن تبعات الإجراء، وكيف سيؤثر ذلك على أسهم البنوك والاقتصاد بوجه عام.

اختلالات بنكية

التصنيف الائتماني هو تقييم مستقل للجدارة الائتمانية للمؤسسات فيما يتعلق بدَين معين أو التزام مالي. وهو تصنيف يعتمِد عليه المستثمرون والمُقرِضون لتقرير إذا ما كان يتعين عليهم القيام بأعمال تجارية مع الكيان المُصنف أم لا؛ فإذا كان التصنيف مرتفعاً، فهذا يعني أن المؤسسة أو الكيان محل ثقة. وإذا كان العكس، فالأمر يشير إلى أن التعامل مع الكيان ينطوي على المزيد من المخاطر المحتملة. وبالنظر إلى أسباب تخفيض وكالة “موديز” للبنوك الأمريكية، نجدها تتمحور في عدة نقاط رئيسية، من بينها:

1– انعكاسات الحرب الأوكرانية: ألقت هذه الحرب، التي اندلعت منذ 24 فبراير 2022، بظلالها السلبية على النمو العالمي، وتسببت في زيادة معدلات التضخم العالمية؛ حيث تسببت الاضطرابات في ارتفاع الأسعار العالمية، وخاصةً أسعار الحبوب الغذائية، التي تستحوذ روسيا وأوكرانيا على 30% من صادراتها العالمية، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع التضخم في العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم.

لم يكن الداخل الأمريكي بمنأى عن ذلك؛ فالتضخم السنوي في الولايات المتحدة كان بالفعل عند أعلى مستوى له منذ أربعة عقود؛ حيث بلغ 9.1% في يونيو 2022 نتيجةً للآثار الكارثية الممتدة لجائحة “كوفيد–19” على الاقتصاد الأمريكي، والحرب الروسية الأوكرانية التي زادت الوضع سوءاً؛ حيث رفعت أسعار السلع الأساسية وأسهمت في تآكل قيمة الدخل لدى المواطنين الأمريكيين ومن ثم قللت الطلب على القروض من البنوك الأمريكية لاحتمالية التعثر؛ الأمر الذي تسبب في تقييد ربحية هذه البنوك.

2– ارتفاع سعر الفائدة: في محاولة منه لكبح جماح التضخم، أقر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سلسلة متوالية من الارتفاعات في أسعار الفائدة، لترتفع من معدلات قريبة من الصفر في مارس 2022 إلى 5.25% في مايو 2023؛ الأمر الذي أسهم بالفعل في تراجع التضخم ليصل إلى 4.9% في أبريل 2023، لكنه تسبب في المقابل في ضغوط أكبر على البنوك الأمريكية؛ حيث اضطرت إلى دفع أسعار فائدة أعلى للعملاء للاحتفاظ بالودائع.

3 – تزايد تكلفة التمويل وانخفاض الربحية: في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، أظهرت نتائج البنوك الأمريكية للربع الثاني من عام 2023 ارتفاعاً سريعاً في تكلفة التمويل، وخاصة بالنسبة إلى البنوك الصغيرة؛ حيث تراجعت الودائع التي تحتفظ بها هذه البنوك بمقدار 119 مليار دولار لتصل إلى 5.46 تريليون دولار بعد انهيار بنك “سليكون فالي”، وأجبر ذلك العديد من هذه البنوك على دفع المزيد للعملاء للحفاظ على المودعين وجذبهم مرة أخرى.

لم ينته الأمر عند هذا الحد؛ فطبقاً لوكالة موديز هناك خطر كبير يتمثل في أن الودائع على مستوى النظام المصرفي الأمريكي ستشهد انخفاضاً على مدار العام الجاري. وفي ظل هذه الأوضاع السيئة التي تدفع فيها البنوك المزيد مقابل الاحتفاظ بالودائع، فإن هناك انخفاضاً في هوامش الفوائد الصافية للبنوك – وهي مقياس الربحية الرئيسي الذي يقيس الفرق بين الفائدة المكتسبة على القروض والفوائد المدفوعة للمودعين – وهو ما يؤدي إلى تآكل الربحية، ويحد من قدرة البنوك على تجديد رأس المال داخلياً.

4 – امتلاك رأسمال تنظيمي منخفض نسبياً: تمتلك البنوك الإقليمية رأسمال تنظيمياً منخفضاً نسبياً مقارنةً بغيرها من البنوك الأمريكية الكبرى، وقد أظهرت بعض هذه البنوك الإقليمية رغبة أعلى في المخاطرة من خلال الاحتفاظ بمستويات رأسمال أضعف؛ ما جعلها عرضة لفقدان ثقة المستثمرين والعملاء. ويزداد الوضع سوءاً حالة دخول الولايات المتحدة في حالة ركود – وهو ما توقعت “موديز” حدوثه بشكل معتدل في أوائل عام 2024، وكذلك وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، التي خفضت تصنيف الاقتصاد الأمريكي من (AAA) إلى ( AA+) – الأمر الذي يضع مزيداً من التحديات أمام البنوك الإقليمية الصغيرة، ويجعلها عرضة لمخاطر تآكل رأس المال.

5– تنامي الخسائر على القروض المتعثرة: تكبَّدت البنوك الأمريكية ما يقرب من 19 مليار دولار من الخسائر على القروض المتعثرة، في الربع الثاني من العام الجاري؛ ما يُعد أعلى مستوى منذ أكثر من 3 سنوات؛ حيث تعاني هذه البنوك من ارتفاع حالات التخلف عن السداد بين مقترضي بطاقات الائتمان. وتركزت هذه الخسائر في قروض تم تصنيفها على أنها غير قابلة للاسترداد خلال الربع الثاني من العام، بزيادة تقارب 17% عن الأشهر الثلاثة السابقة من العام نفسه، وزيادة نحو 75% من الفترة نفسها خلال عام 2022.

وجاءت معدلات التعثر المرتفعة هذه في ظل الارتفاعات في أسعار الفائدة؛ الأمر الذي أثَّر على المقترضين الذين لديهم قروض بسعر فائدة؛ حيث باتوا مطالبين بتسديدات أعلى. ليس هذا فقط؛ فالبنوك الأمريكية تستعد لارتفاع جديد في خسائر القروض، دفعها بشكل جماعي إلى تخصيص نحو 21.5 مليار دولار لتغطية خسائر القروض المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخصصات مالية أخرى وجهتها البنوك لخسائر القروض المحتملة مستقبلاً؛ تحسباً لدخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود وارتفاع البطالة إلى نحو 5%، بدلاً من المستوى الحالي البالغ 3.5% فيعجز المقترضون على السداد. وكل هذا يؤثر بالطبع على رأسمال البنوك وقدرتها على الاستمرار في الإقراض.

6– تأثير تمويل صفقات العقارات التجارية: منذ جائحة “كوفيد–19” شهد الداخل الأمريكي انخفاضاً في قيمة العقارات التجارية، مثل مقرات الشركات ومكاتب العمل؛ وذلك في ظل الاتجاه المتنامي نحو العمل عن بُعد، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وقد أثر ذلك بالسلب على البنوك الصغيرة والمتوسطة التي تتعرض بوجه خاص لهذا النوع من القروض، وتمول العديد من الصفقات العقارية التجارية مقارنةً بغيرها من البنوك الكبرى؛ ما يُكبدها خسائر أخرى، ويؤثر على جودة الأصول لديها، ويُسهم بالتبعية في خفض تصنيفها الائتماني؛ حيث تزداد مخاطر تعرضها للعوامل الخارجية.

تداعيات واسعة

أحدث إعلان وكالة “موديز” تخفيضها التصنيف الائتماني للبنوك الأمريكية، اهتزازات عدة في القطاع المصرفي الأمريكي، وامتدت التداعيات إلى الأسواق المالية العالمية. وفي هذا الصدد، يمكن استعراض أبرز التداعيات المترتبة على قرار الوكالة؛ وذلك كالتالي:

1– الانعكاسات الفورية على أسهم البنوك الأمريكية: أدت تخفيضات “موديز” للعديد من البنوك إلى إثارة مشاعر العزوف عن المخاطرة على نطاق واسع؛ ما أدى إلى انخفاض أسهم البنوك التي تم تخفيض تصنيفها بين 1.7% و2.1%؛ حيث انخفض سهم بنك (M&T) أحد البنوك التي تم تخفيض تصنيفها الائتماني، بنسبة 1.5% يوم إعلان القرار وتراجع بنسبة 1.4% أخرى في اليوم التالي له.

لم يقتصر الأمر على البنوك التي شملها القرار فقط، بل امتد عبر المشهد المالي الأمريكي بوجه عام؛ حيث يمكن للاضطرابات في المؤسسات الأصغر أن تؤثر على السوق المالية الأوسع. وبالفعل طالت التداعيات أسهمَ كبرى المصارف الأمريكية على الرغم من عدم خضوعها لمراجعة “موديز”، فانخفض سهم “جي بي مورجان” (JPMorgan Chase) بنسبة 0.6%، وانخفض سهم “ويلز فارجو” Wells Fargo (WFC) بنسبة 1.3% و”جولدمان ساكس” (Goldman Sachs) بنسبة 2.1%. فضلاً عن انخفاض مؤشر “داو جونز الصناعي” بمقدار 158.64 نقطة عقب إعلان القرار.

2– اهتزاز الثقة بالنظام المصرفي الأمريكي: تُشير نسب تراجع الأسهم هذه إلى التأثير سلباً في معنويات الأمريكيين، وإثارة حالة من القلق وعدم اليقين بين المستثمرين، كما أنها أعادت إشعال المخاوف بشأن صحة القطاع المصرفي الأمريكي بوجه عام، الذي سبق أن عانى قبل خمسة أشهر فقط من إفلاس ثلاثة بنوك، وهو الذي مثَّل أكبر إفلاس بنكي يحدث منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الأمريكية لم يكن الأول من نوعه هذا العام – حيث سبق أن خفضت “موديز” نظرتها المستقبلية للقطاع المصرفي الأمريكي، من “مستقرة” إلى “سلبية” في مارس الماضي بعد انهيار البنوك الأمريكية الثلاث – فإن ذلك يعني مزيداً من المخاوف وفقدان الثقة بالبنوك الأمريكية من قِبل المستثمرين والمودعين؛ ما يضر بقرارتهم بشأن الاستثمار، ويؤدي في النهاية إلى التأثير على عمل البنوك في هذه البيئة المليئة بالشكوك.

كذلك فإن قرار الوكالة تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الأمريكي يثير مخاوف أخرى من إمكانية تكرار سيناريو الانهيار أو الإفلاس، خاصةً في ظل التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تؤدي دوراً في تضخيم الأحداث، وإثارة حالة من “الهلع المصرفي” بين المودعين والمستثمرين، بعد أن تعززت المعنويات نوعاً ما في الأشهر القليلة الماضية.

3– التوسع المحتمل لعدوى الاضطرابات المصرفية: في اقتصاد العولمة، لا يوجد بلد أو قطاع يعاني بمفرده؛ فقد أحدث تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الأمريكية، ارتدادات عدة للمصارف الدولية، وخاصةً في أوروبا، وإن لم تكن بشكل حاد؛ حيث تراجعت الأسهم الأوروبية يوم إعلان قرار “موديز”، لينخفض مؤشر البنك الأوروبي بنسبة 3.54%، ويتراجع مؤشر “ستوكس600” للأسهم الأوروبية بنسبة 2.7%، ويهبط مؤشر “داكس الألماني” بنسبة 1.1%، ومؤشر “كاك الفرنسي 40” بنسبة 0.7 %.

جاء تراجع الأسهم الأوروبية – حتى وإن كان بشكل مؤقت – نتيجةً لعمليات بيع عالمية لأسهم البنوك عقب خفض تصنيف البنوك الأمريكية، ومتأثراً كذلك بقرار إيطاليا فرض ضريبة ضخمة بنسبة 40% على البنوك المستفيدة من الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة، الذي ترتب عليه انخفاض المؤشرات المالية في جميع أنحاء أوروبا وفي إيطاليا بالطبع. صحيح أن وزارة المالية الإيطالية حاولت فيما بعد السيطرة على الوضع من خلال الوعد بالحد من التأثير الضريبي، ولكن بحلول ذلك الوقت، كان الضرر قد حدث بالفعل في مختلف الأسواق المالية الأوروبية.

رغم هذا، فإنه حتى الآن يمكن القول إن أسهم البنوك في اقتصادات الأسواق الناشئة لم تتأثر بشكل كبير بعدوى الاضطرابات المصرفية في الولايات المتحدة أو أوروبا. ويرجع ذلك إلى أن العديد من هذه البنوك أقل تعرضاً لمخاطر ارتفاع أسعار الفائدة مقارنةً بالبنوك الأمريكية والأوروبية، وبعضها يتمتع بتغطية تأمين أقل على الودائع.

4– تجدد المخاوف العالمية: تجددت مخاوف الأسواق العالمية مرة أخرى مع قرار “موديز”، وانعكس ذلك في التقلبات في أسواق المعادن والعملات. وتجلت هذه المخاوف في ارتفاع أسعار الذهب باعتباره الملاذ الآمن في أوقات عدم اليقين؛ حيث ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية 0.3 % إلى 1930.37 دولار للأوقية في 10 أغسطس 2023 بعد أن شهد استقراراً نسبيّاً في الأسعار منذ يوليو 2023. كذلك فإن هناك حالة ترقب بين المتعاملين مع البنوك التي تم خفض تصنيفها لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع، وخاصةً قرار الاحتياطي الفيدرالي فيما يتعلق بسعر الفائدة التي إذا تم رفعها فقد تثير مزيداً من المخاوف، وربما يتم الاتجاه نحو سحب الودائع من هذه البنوك الإقليمية.

5 –التأثير المحتمل على النمو الاقتصادي العالمي: يُشير مقياس النمو المعرض للخطر – وهو مقياس للمخاطر التي يتعرض لها النمو الاقتصادي العالمي نتيجة عدم الاستقرار المالي – إلى أن هناك احتمالاً بأن ينكمش الناتج العالمي بنسبة 1.3% خلال عام 2024، وهناك احتمال متساوٍ بأن الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يتقلص بنسبة 2.8% في ظل هذه الظروف المالية الصعبة.

6 – إمكانية التأثير على مكانة الدولار بصفته عملة مهيمنة: لعقود من الزمان، كان الدولار الأمريكي هو العملة المهيمنة في العالم؛ فما يقرب من 60% من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم بالدولار، كما يتم التعامل به في التجارة الدولية عبر الحدود. ولكن اليوم في ظل الاضطرابات المصرفية والتوقعات من المؤسسات الدولية بدخول الاقتصاد الأمريكي في حالة الركود المحتمل، ربما يؤثر ذلك على مكانة الدولار بصفته عملة عالمية وإن لم يكن بشكل كبير.

فالتأثير على مكانة الدولار يفتح الباب للدول إلى التخلي عنه في معاملاتها واللجوء إلى عملات بديلة، وهو ما حدث بالفعل، سواء من خلال التوجه نحو التعامل بالعملات الوطنية للدول على الصعيد الثنائي، أو من خلال التخطيط لإطلاق عملات جديدة؛ فهناك العديد من المحاولات من قبل الصين وروسيا والهند والبرازيل من أجل تسوية التجارة الدولية بعملات غير الدولار، كما تعمل روسيا وإيران على تطوير عملة مشفرة مدعومة بالذهب بحيث تُستخدَم بديلاً للدولار في التجارة الدولية، وتسعى الصين أيضاً إلى إضعاف الدولار عن طريق جعل اليوان بديلاً له في صفقات النفط التجارية مع موسكو بعد الأزمة الروسية الأوكرانية.

ورغم أن هذه المحاولات لم تتسبب في مخاطر كبيرة، فالواقع أن الخطر الأكبر هو إمكانية تبني بعض الدول الأوروبية هذا الاتجاه وتقليص الاعتماد على الدولار، وهي الدعوات التي سبق أن أطلقها الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، خلال زيارة له إلى الصين، دعا خلالها الدول الأوروبية إلى تقليل اعتمادها على الدولار خارج الحدود الإقليمية. والواقع أن حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي خلال عام 2022 قد شهدت تراجعاً بالفعل بنسبة 0.44%، مُسجلةً 58.36% من تلك الاحتياطيات، وهو المستوى الأدنى منذ عام 1995 على الأقل، طبقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي؛ الأمر الذي قد يضع الدولار أمام مزيد من التحديات المستقبلية.

7 –فرصة سانحة لمنافسي الولايات المتحدة: تمثل الأزمة الحالية في الداخل الأمريكي فرصة سانحة لمنافسي الولايات المتحدة، وخاصةً الصين وروسيا، لتأكيد الرؤية اللتي دائماً ما سعتا إلى فرضها عبر المشهد العالمي، والتي تقوم على أن الولايات المتحدة تعاني حالة من التراجع، وأن العالم في طريقه إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب يُنهِي الهيمنة الأمريكية على مدار عقود؛ فاليوم في ظل الأزمة المصرفية وتباطؤ النمو الأمريكي، ستكتسب هذه الدعوات مزيداً من الدعم.

ليس هذا فقط، فالملاحظ هنا أن موسكو وبكين كلتيهما انتهزتا فرصة الأزمة المصرفية منذ بدايتها في مارس 2023، وعملتا على دعم محاولتهما للتخلي عن الدولار باعتباره الأداة الأهم لواشنطن التي تمنحها تأثيراً سياسيّاً واقتصاديّاً قويّاً، وتجلى ذلك في القمة التي جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج في مارس 2023 عقب أيام فقط من أزمة انهيار “سيليكون فالي”، والتي دعا خلالها الجانبان إلى استخدام اليوان الصيني للتسويات بين روسيا ودول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ للتنويع بعيداً عن الدولار.

سيناريوهات مستقبلية

يشير خفض التصنيف الائتماني للبنوك الإقليمية إلى أن القطاع المصرفي بالولايات المتحدة ما زال يواجه تحديات كبيرة. وفي ظل استمرار التحديات، يمكن القول إن القطاع من المحتمل أن يواجه عدة سيناريوهات محتملة؛ وذلك كالتالي:

1– تماسك القطاع المصرفي الأمريكي: يفترض هذا السيناريو عدم تأثر البنوك التي تم خفض تصنيفها بإجراء “موديز” بشكل كبير؛ اعتماداً على حالة الاستقرار النسبي التي شهدها القطاع المصرفي الأمريكي على مدار الأشهر الماضية، أي أن المستثمرين والمودعين في هذا السيناريو لن يعانوا حالة “الذعر أو الهلع المصرفي”؛ انطلاقاً من حدوث انهيار أكبر قبل أشهر عدم التأثير عليهم بشكل كبير في ظل تدخل الدولة وقدرتها على احتواء الازمة وضمان ودائع المودعين. رغم ذلك، فهذا السيناريو لا يفترض انتهاء الأزمة، بل سيبقى النظام المصرفي الأمريكي معرضاً لخطر حدوث المزيد من الانهيارات البنكية، حال عدم معالجة مواطن الخلل في النظام.

2– تسريع مسار إصلاح النظام المصرفي: بحسب هذا السيناريو، يمكن أن يتدخل الاحتياطي الفيدرالي بإجراءات لإصلاح النظام المصرفي وتعزيز الثقة به؛ لمنع تفاقم الأزمة، والبدء في معالجة مواطن الخلل في آلية عمل البنوك. وفي حالة حدوث هذا السيناريو، فستكون هذه المرة هي الثانية خلال عام 2023 التي يتدخل فيها الاحتياطي الفيدرالي لإنقاذ القطاع المصرفي؛ حيث سبق أن اتخذت السلطات الأمريكية قرارات استثنائية لإنقاذ هذا القطاع عقب إفلاس البنوك الثلاثة في مارس الماضي؛ فحينها تدخل الاحتياطي الفيدرالي لتأمين الودائع وحماية جميع المودعين في البنوك الواقعة تحت الضغط.

2– تأزم النظام المصرفي الأمريكي: هو السيناريو الأكثر تشاؤماً، ويفترض تكرار أزمة انهيار “سيليكون فالي” أو البنوك الأمريكية الثلاثة؛ حيث المزيد من حالات فشل وتعثر البنوك، سواء على المدى الزمني القصير أو المتوسط؛ نتيجةً لزيادة مخاوف المودعين وفقدانهم الثقة بأن الحكومة يمكن أن تتدخل مرة أخرى لإنقاذ الموقف.

 وتتأتى هذه المخاوف في ظل استمرار التضخم وعدم القدرة على تحجيمه عند 2%، وهو الهدف الاحتياطي الفيدرالي؛ الأمر الذي يمكن أن يدفع الفيدرالي إلى الاستمرار في رفع أسعار الفائدة؛ ما يؤدي في المقابل إلى مزيد من الخسائر في حيازات البنوك من الأوراق المالية، والمزيد من الإخفاقات البنكية؛ أي إن هذا السيناريو يقوم في الأساس على إعطاء الاحتياطي الفيدرالي الأولوية لخفض التضخم على القلق بشأن الاستقرار المصرفي.

وإجمالاً.. رغم أن الأزمة الكبرى في القطاع المصرفي الأمريكي قد حدثت منذ أشهر، لكن تخفيض التصنيف الجديد يُشير بوضوح إلى أن النظام المصرفي يواجه مساراً صعباً، وسيظل في حالة من الضغط؛ نظراً إلى الخسائر الكبيرة المحتملة في مقتنياته من الأوراق المالية، واستمرار ارتفاع سعر الفائدة والركود المحتمل، فضلاً عن الاختلالات في عمل النظام، وخاصةً بالنسبة إلى البنوك الإقليمية؛ الأمر الذي يتطلب معالجة الخلل وسد الثغرات في التنظيم، تجنباً لمزيد من المخاطر المحتملة؛ حيث يمكن أن نشهد مزيداً من التخفيضات في التصنيف الائتماني إذا تدهورت الأوضاع المالية بشكل أكبر؛ الأمر الذي أكدته الوكالة صراحةً بوضعها بنوكاً أخرى قيد المراجعة.


الكلمات المفتاحية:
https://www.interregional.com/%d8%b5%d8%af%d9%85%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9/