أعلن موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مؤخرًا عن وضعه مجموعة من الخطط التي تستهدف تقليل المحتوى السياسي الذي يتم عرضه على الصفحة الرئيسية لمستخدمي الموقع، وتم تبرير تلك الخطوة من إدارة الشركة بأنها تأتي استجابة لامتعاض المستخدمين من ضخامة المحتوى السياسي المعروض. ومن الواضح أن قرار “فيسبوك” التقليلَ من المحتوى السياسي المتداول على صفحات المستخدمين الرئيسية بالمنصة، تحت دعوى الاستجابة لرغبة المستخدمين في تقليل عرض المواضيع السياسية ذات الطبيعة الخلافية، لم يُقنع الكثيرين. وتُوجد قناعات لدى الرافضين للقرار بأنه يستهدف إعادة تشكيل الوعي بشكل قد يخدم أجندات أطراف سياسية على حساب أطراف أخرى.
يمكن تقييم قرار موقع “فيسبوك” الأخير بتقليص مشاركته للمحتوي السياسي من خلال ما يلي:
1- خطة لتجنب الانخراط في السجالات السياسية: أعلن موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مؤخرًا عن وضعه مجموعة من الخطط التي تستهدف تقليل المحتوى السياسي الذي يتم عرضه على الصفحة الرئيسية لمستخدميه، مشددًا على أنه سيتم الشروع في تجربة هذا الأمر على المستخدمين في كل من كندا والبرازيل وإندونيسيا خلال هذا الأسبوع، بينما سيخضع المستخدمون في الولايات المتحدة للتجرِبة ذاتها خلال الأسابيع القادمة.
2- تبرير الخطوة بامتعاض المستخدمين: برَّر الرئيس التنفيذي للشركة “مارك زوكربيرج” هذه الخطوة بالقول إن “مستخدمي فيسبوك قد عبَّروا عن امتعاضهم من متابعتهم العديد من الأخبار السياسية ذات الطبيعة الخلافية على صفحات فيسبوك؛ لذلك فإن الشركة تستهدف اقتصار المحتوى السياسي في المنصة على نسبة 6% فقط“.
3- السعي إلى تبني الحياد السياسي: على الرغم من ترويج القائمين على إدارة فيسبوك، أن الموقع منصة للتعبير الحر عن الآراء، بما في ذلك ما يرتبط بالمجال السياسي؛ فإن المنصة تعرضت للهجوم، خاصةً عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016؛ لذلك سعى فيسبوك إلى النأي بنفسه عن التأثير أو دفع الأفراد إلى تبني مواقف وخيارات سياسية بعينها، مع وقف الخطاب التحريضي. وظهر ذلك جليًّا في حالة إغلاق حساب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”.
4- استغلال الوضع الاحتكاري للشركة: انتقد الكثيرون السلطات الواسعة الممنوحة لشركات التكنولوجيا الضخمة؛ حيث رأوا أن من غير المنصف احتكار الشركات عملية صناعة القرار في مجالات مهمة ومصيرية عامة، مثل قرار تقليل المحتوى السياسي على المنصة، في الوقت الذي قد يعتمد فيه غالبية المستخدمين على فيسبوك للحصول على الأخبار ذات الطبيعة السياسية.
5- تناقضات متعددة في تبريرات فيسبوك: من الواضح أن الزعم بأن فيسبوك يقلل من المحتوى السياسي على المنصة تلبيةً لرغبة المستخدمين؛ هو أمر بعيد عن الصحة، ويعبر عن رغبة جزء من المستخدمين لا عن الغالبية. كما أن الموقع بهذه الاستراتيجية الجديدة يعمل على بناء وعي الأفراد بالتركيز على جوانب بعينها دون الأخرى، وهو الأمر الذي سعى مؤسس المنصة إلى نفيه عقب توجيه الكونجرس وقطاع عريض من المستخدمين أصابع الاتهام إلى الموقع والقائمين عليه بسبب ذلك الأمر.
وفي المجمل، من الواضح أن قرار إدارة “فيسبوك” التقليلَ من المحتوى السياسي المتداول على صفحات المستخدمين الرئيسية بالمنصة، تحت دعوى الاستجابة لرغبة المستخدمين في تقليل عرض المواضيع السياسية ذات الطبيعة الخلافية؛ لم يُقنع الكثيرين، وهو الأمر الذي سيفتح الباب أمام انتقادات أكبر للموقع في الفترة المقبلة، خاصةً مع وجود قناعات بأن ما يتم من جانب الموقع هو تشكيل للوعي بأسلوب قد يخدم أجندات أطراف سياسية على حساب أطراف أخرى.