أعلن مؤسس شركة “فيسبوك” مارك زوكربيرج، في مؤتمر الشركة السنوي للمطورين في 28 أكتوبر 2021، تغيير اسمها إلى “ميتا” (Meta). وقد قالت الشركة في بيان لها إنها ستضم تطبيقاتها وتقنياتها تحت هذه العلامة الجديدة لمساعدة المستخدمين على التواصل والعثور على المجتمعات وتنمية الأعمال التجارية. وبعد هذا التغيير اكتسب مفهوم “ميتافيرس” –وهو عالم افتراضي على الإنترنت يستطيع من خلاله الأشخاص العمل والتواصل ولعب الألعاب في بيئة افتراضية، باستخدام نظارة الواقع الافتراضي– شهرة واسعة. ويثير تغيير شركة فيسبوك اسمها تساؤلات عن طبيعة هذا العالم الافتراضي وتداعياته المحتملة.
دوافع التغيير
يأتي تغيير اسم شركة “فيسبوك” على خلفية التدقيق الذي تواجهه الشركة، على نطاق واسع، تجاه الأضرار المحتملة لمنصاتها المختلفة على العالم الحقيقي، لا سيما بعد تسريب مئات المستندات الداخلية للشركة. وتتمثل أبرز الأسباب التي دفعت الشركة إلى تغيير اسمها في الوقت الراهن فيما يلي:
1– الحد من الانتقادات بشأن المحتوى المضلل: يأتي تغيير اسم الشركة في وقت تواجه فيه انتقادات عدة. وعليه، ذهبت بعض التحليلات إلى أن الإعلان الأخير من “فيسبوك” إنما يهدف إلى استعادة مكانة الشركة من ناحية، وتشتيت الانتباه عن عدد من الفضائح التي طالتها في الأشهر القليلة الماضية من ناحية ثانية؛ فقد سبق أن كشفت “فرانسيس هوجن” (مديرة برنامج سابقة في “فيسبوك”) عن توصل أحد أبحاث شركة “فيسبوك” إلى أضرار نفسية ألحقتها منصة “إنستجرام” بالمراهقين، إلا أنها لم تنشر أيّاً من نتائج البحث.
2– إعادة التسويق على أسس جديدة: لن يتغير هيكل الشركة التي تعتزم بدء التداول المالي تحت الاسم الجديد، ولكن من المتوقع أن يؤدي التغيير إلى تراجُع خدمة “فيسبوك” التي تحمل الاسم نفسه، لتصبح إحدى الشركات التابعة للشركة بجانب “إنستجرام” و”واتساب”، بدلاً من العلامة التجارية الشاملة، فيما وصفه البعض بأنه جزء لا يتجزأ من جهود إعادة التسويق وإصلاح السمعة، عقب جلسات الاستماع بالكونجرس، والمعلومات الخاطئة على منصاتها، وإخفاقات الإشراف على المحتوى، والتأثير السلبي لمنتجاتها على الصحة العقلية لبعض المستخدمين. كما يتماشى تغيير الاسم –الذي أعلن عنه “زوكربيرج” خلال مؤتمر الواقع الافتراضي والواقع المعزز مع تركيزه المتزايد على “ميتافيرس” الذي يشير إلى الجهود المبذولة للجمع بين تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في عالم جديد عبر الإنترنت.
3– ترقُّب المستثمرين وشركات التكنولوجيا تقنية “ميتافيرس”: عادةً ما تثار ضجة دعائية حول العوالم الرقمية وما يعرف بالواقع المعَزز كل بضعة أعوام، لكنها سرعان ما تتراجع، إلا أن هناك قدراً كبيراً من الإثارة والترقب لتقنية “ميتافيرس” في أوساط المستثمرين الأثرياء وشركات التكنولوجيا الضخمة، لا سيما مع تنامي الاعتقاد بأن هذا المفهوم قد يصبح هو مستقبل الإنترنت بالفعل. وعلى صعيد متصل، يزداد الشعور بقرب إتاحة تلك التقنية على أرض الواقع للمرة الأولى؛ وذلك بالتوازي مع التقدم الذي تشهده ألعاب الفيديو باستخدام الواقع الافتراضي، واقترابها الاتصالي من الشكل الذي يتطلبه “ميتافيرس”.
4– توقعات بتحول “ميتافيرس” إلى مستقبل الإنترنت: قد يبدو “ميتافيرس” كأنه نسخة منقحة من الواقع الافتراضي، لكن البعض يعتقدون أنه قد يصبح مستقبل الإنترنت، بل إن ثمة اعتقاداً بأن مقارنته بالواقع الافتراضي ربما ستشبه مقارنة الهواتف الذكية بالجيل الأول من الهواتف المحمولة الضخمة التي أُنتجت في ثمانينيات القرن الماضي. فبدلاً من الجلوس أمام جهاز كمبيوتر، يحتاج المستخدم إلى وضع نظارة أو جهاز يوضع على الرأس فحسب كي يتمكن من دخول ذلك العالم الافتراضي الذي يربط بين مختلف أنواع البيئات الرقمية. وبخلاف الواقع الافتراضي الحالي الذي يُستخدم بالأساس في ألعاب الفيديو، فإن العالم الافتراضي الجديد قد يستخدم في أي مجال، مثل العمل، واللعب، والحفلات الموسيقية، والذهاب إلى دور السينما، وغير ذلك.
5– تحقيق المزيد من الأرباح المالية للشركة: أسفر إعلان “زوكربيرج” عن تغيير اسم الشركة عن ارتفاع سهم “فيسبوك” بنحو 3%. وقد قالت الشركة إن سهمها سيبدأ التداول تحت الرمز MVRS”” في 1 ديسمبر القادم. كما سيسمح بناء “ميتافيرس” لشركة Meta)) بتقليل اعتمادها على نظام تشغيل الأجهزة المحمولة التي تقدمها شركتا “جوجل” و”أبل”. جدير بالذكر أن مبيعات الشركة جاءت في الربع الثالث –بجانب توقعات الربع الرابع– دون توقعات المحللين. ويرجع ذلك جزئيّاً إلى قواعد “أبل” الجديدة حول تطبيقات البيانات مثل “فيسبوك” و”إنستجرام”. ومن المتوقع أن تصل الإيرادات إلى 117 مليار دولار هذا العام، ارتفاعاً من 5 مليارات دولار في عام 2012. ومن المتوقع أن يقترب صافي الدخل من 40 مليار دولار في نهاية عام 2021.
تغييرات جذرية
من المرجح أن يتسبب اعتماد شركة “فيسبوك” على تقنيات “ميتافيرس”، في جملة من التغييرات الجذرية التي يمكن الوقوف عليها تفصيلاً في النقاط التالية:
1– تدشين منصة حوسبة قائمة على الواقع الافتراضي: يتطلب تغيير تسمية العلامة التجارية إلى “ميتا” –فيما يعد فصلاً لهوية الشركة عن الشبكة الاجتماعية، ووصولاً إلى إنشاء منصة حوسبة ناشئة تركز على الواقع الافتراضي– استثمارات ضخمة. وقد استثمرت “فيسبوك” مؤخراً 50 مليون دولار لتمويل مجموعات غير هادفة للربح من أجل المساعدة في بناء “ميتافيرس”. وقد حدث هذا بالتوازي مع استثمار أموال طائلة في الواقع الافتراضي من خلال نظارات “أوكيولوس”؛ ما جعلها أرخص ثمناً من منافساتها. ولطالما تحدث “تيم سويني” (رئيس شركة “إيبيك جيمز” التي تنتج لعبة فورتنايت) عن طموحاته المتعلقة بتقنية “ميتافيرس”، كما تستثمر “يونيتي” –وهي منصة لتطوير المنتجات الثلاثية الأبعاد– فيما يعرف “بالتوائم الرقمية” (النسخ الرقمية للعالم الحقيقي)، كما تعكف شركة تصميمات الجرافيكس “نيفيدا” حالياً على بناء “ميتافيرس” خاص بها ليصبح منصة للربط بين العوالم الافتراضية الثلاثية الأبعاد.
2– التوسع في تصميم تطبيقات للواقع الافتراضي: لا يتعلق الأمر بالألعاب فقط؛ إذ تعكف عدد من الشركات على تصميم تطبيقات للواقع الافتراضي؛ كي تكون مخصصة للقاءات الاجتماعية والاجتماعات في أماكن العمل فحسب، بما في ذلك التي يمكنها التفاعل مع العالم الحقيقي. فعلى الرغم من أن هناك الكثير من الأفكار حول الشكل الذي سيتخذه “ميتافيرس”، فإن غالبية الرؤى تضع التفاعل الإنساني في لب ذلك المفهوم. كما تختبر “فيسبوك” تطبيقًا للاجتماعات الافتراضية أُطلق عليه “وركبليس”، بجانب منبر اجتماعي اسمه “هورايزونز”، وكلاهما يستخدم نظم الـ”أفاتار”. وبوجه عام، من المتصور تنفيذ فكرة “ميتافيرس” خلال عقد أو عقد ونصف على أقل تقدير.
3– توفير آلاف فرص العمل الجديدة: إن صحت تطلعات “زوكربيرج”، فسوف نحيا ونعمل في عالم “ميتافيرس” المكون من سلسلة من العوالم الافتراضية. وعليه، أعلنت “فيسبوك” عن اعتزامها توفير 10 آلاف وظيفة جديدة في الاتحاد الأوروبي مكرَّسة لبناء هذا العالم الافتراضي؛ إذ يمكن للأخير فتح الطريق لفرص اجتماعية واقتصادية وإبداعية جديدة، على أن يكون الأوروبيون أول من يضع تصميمها من البداية. وستتضمن الوظائف الجديدة التي ستتاح خلال السنوات الخمس المقبلة، مهندسين على درجة عالية من التخصص، بجانب أصحاب المهارات العالية.
4– تزايد مُرجح لممارسات الاحتكار: بات “ميتافيرس” واحداً من أكبر أولويات “زوكربيرج” رغم تاريخ الشركة المعهود في شراء المنافسين؛ ما يثير تساؤلات عدة عن مدى إتاحة تقنية “ميتافيرس” للجميع بمعايير شفافة معلومة؛ إذ إنه من المتوقع أن تتجه الشركة –على اختلاف ممارساتها الاحتكارية التي باتت محلاً للمقاضاة والتحقيق والانتقادات المتكررة والغرامات المالية– إلى احتكار تلك التقنية، ولكن في صورة احتكار القلة. فلا يمكن لشركة منفردة أن تستثمر في تلك التقنية أو أن تطورها منفردة، وهو ما يثير تساؤلات أخرى، على صعيد الصيغة التوافقية المحتملة بين الشركات الكبرى الرائدة في هذا المجال، بجانب الشركات العاملة في مجال ألعاب الهواتف الذكية، وآثارها على مختلف المستخدمين، بل تساؤلات حول كيفية إدارة الفضاء الافتراضي، وكيفية تعديل محتوياته، وتأثيره على الشعور المشترك بالواقع.
ختاماً، باتت تقنية “ميتافيرس” هي المصطلح الأهم والأبرز عالمياً، بين من يرى أنها المستقبل الحقيقي لشبكة الإنترنت بالنظر إلى قدرتها على نقل منصات التواصل الاجتماعي إلى مستوى جديد كلياً، مدفوعاً بجهود عمالقة التكنولوجيا وكبار المطورين من ناحية، ومن يرى أنها لا تزال حلماً قد يستغرق عقداً أو عقداً ونصفاً على الأقل كي تتحول إلى واقع مَعِيش من ناحية ثانية. وبين هذه الآراء وتلك، تظل السنوات القليلة المقبلة هي خير شاهد على درجة تطور تلك التقنية وقدرتها على نقل المستخدم إلى العالم الافتراضي، على اختلاف التحديات التي قد تصاحبها.