أعلن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، رداً على تعطيل حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، في أعقاب هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول هيل يوم 6 يناير 2021؛ أنه بصدد إطلاق منصة للتواصل الاجتماعي خاصة به، وأنه سيكون هو المتحكم الأول بها، وسيسمح للآخرين من خلالها بالتعبير عن آرائهم بحرية ودون قيود.
وتحمل المنصة اسم “الحقيقة الاجتماعية Truth Social”، وسيتم إطلاق نسختها التجريبية خلال شهر نوفمبر الجاري، وستُطرح على مستوى الولايات المتحدة مع بداية العام المقبل. وستعمل بنهج مختلف عن منصتَيْ التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك، اللتين عكفتا خلال السنوات الأخيرة على تعديل المحتوى الذي ينشره رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى قمع آرائهم، على حد قول الرئيس الأمريكي السابق. وتتبع المنصة الجديدة شركته “مجموعة ترامب للإعلام والتكنولوجيا”، وسيتم استثمار نحو 293 مليون دولار فيها.
ومع ذلك، ستعمل المنصة بنظام أشبه بنظام موقع “تويتر”؛ حيث ستتيح خدمة التغريدات، التي سيُطلق عليها اسم الحقائق، والتي سيكون من الممكن تداولها من جانب المستخدمين. كما ستتيح المنصة خدمة الفيديو. وستكون هناك قوانين حاكمة لتلك المنصة؛ إذ سيُمنع المستخدمون من الانتقاد السلبي للمنصة أو التعرض للقائمين على إدارتها، كما سيكون للمنصة الحق في تغيير اسم المستخدم أو إزالته في حال كان غير لائق بالنسبة لوجهة نظر القائمين على المنصة.
انعكاسات داخلية
مثلما كان لسياسات الرئيس الأمريكي السابق خلال سنوات حكمه الأربع تداعيات على الداخل الأمريكي؛ فإن منصته التي أعلن عنها ستكون لها انعكاسات عدة أيضاً على الداخل الأمريكي، ولا سيما مع استمرار تأثيره بين مؤيديه، والتوقعات بترشحه عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ومن أبرز الانعكاسات المتوقعة لشبكة التواصل الجديدة التي أعلن عنها ترامب ما يلي:
1– زيادة حدة الاستقطاب السياسي: يهدف “ترامب” من وراء إنشاء تلك المنصة لتشجيع حرية الرأي والتعبير دون تحيز لأي أيديولوجيا سياسية، وهو أمر سيكون مشكوكاً فيه؛ إذ من المتوقع أن تجذب تلك المنصة أنصار الرئيس السابق من المحافظين والمتطرفين المؤمنين بنظريات المؤامرة. كما أنه أنشأها بهدف التعبير عن آرائه السياسية والاجتماعية بحرية بعد التضييق الذي عانى منه على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. ومن المعروف أن آراء “ترامب” قد ساعدت سابقاً في إذكاء جذوة الاستقطاب السياسي في واشنطن، لذا فمن غير المستبعد أن تقوم بذلك مجدداً، ولا سيما أن أنصاره سيكونون المستخدم الرئيسي لتلك المنصة.
2– إعادة “ترامب” إلى واجهة السياسة مجدداً: رأى الرئيس الأمريكي السابق أن السياسة في عهده كانت أكثر جاذبية، وذلك بسبب تغريداته المختلفة في طبيعتها عن تغريدات كافة الساسة الأمريكيين. ولهذا يُتوقع أن يسعى “ترامب” من خلال منصته الجديدة إلى الإفصاح مجدداً وبصورة دورية عن آرائه السياسية والاجتماعية الصادمة، ومن ثم العودة إلى تصدر وسائل الصحف والإعلام الأمريكية والعالمية من جديد، وهو الأمر الذي سيزيد من رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024.
3– تغذية أكبر للعنصرية الأمريكية: كان لـ”ترامب” وأنصاره خلال السنوات الأربع الماضية الكثير من الآراء العنصرية، كما روجوا لنظريات المؤامرة. وقد ساعدت تصريحات “ترامب” العنصرية على تشجيع أتباعه على ارتكاب أفعال عنصرية، ومن أبرزها الاعتداء المتكرر على الآسيويين الأمريكيين بسبب وصف “ترامب” لفيروس كورونا بـ”الفيروس الصيني”. لذلك قد تساهم المنصة الجديدة، التي سيتحدث فيها “ترامب” بأريحية أكبر بعد خروجه من منصبه الرسمي، في تغذية مشاعر العنصرية في نفوس أتباعه ولكن بصورة أكثر تطرفاً؛ حيث وُجد أن المستخدمين الذين تركوا منصات تويتر عقب غلق حسابات “ترامب” لجئوا إلى منصات بديلة وباتوا ينشرون منشورات أكثر تطرفاً.
4– توجيه انتقادات لسياسات “بايدن”: سيلجأ “ترامب” عبر منصته الجديدة إلى توجيه انتقادات لسياسات إدارة “جو بايدن”، وهو ما سيؤدي إلى شحن أنصاره ضد الإدارة الأمريكية الحالية، وجذب المنتقدين لسياسات “بايدن” بالأساس إلى آراء “ترامب”. وسيقلل هذا الأمر بالتبعية من نسب الرضاء الأمريكي عن الرئيس الحالي، والمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة.
5– تجديد الحديث عن تزوير انتخابات الرئاسة: من المرجح أن يعاود “ترامب” الحديث عن مسألة تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية الرئاسية لعام 2020، والتشكيك في نزاهة مؤسسات الدولة الأمريكية، وفي شرعية إدارة “بايدن”، وهو الأمر الذي سيُعيد تأليب الرأي العام الأمريكي، وقد يعيد العنف السياسي مع قرب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة في نوفمبر من العام القادم.
6– حصول “ترامب” على دعم شعبي أكبر: وجدت الدراسات أن زيادة تضييق الخناق على ما يتم نشره على منصات مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة قد سمح بهروب العديد من المستخدمين، وبات بعضهم غير ناشط على تلك المنصات. ومع إنشاء منصة “ترامب” الجديدة قد يجد هؤلاء الأشخاص، حتى لو لم يكونوا من أنصار “ترامب”، ضالتهم في منصة ترامب؛ مما سيسمح له باكتساب جمهور جديد من المتابعين.
فشل المنصة
في الوقت الذي يرى فيه فريق من الأمريكيين أن إطلاق الرئيس الأمريكي السابق لمنصة جديدة بديلة لشبكات التواصل الاجتماعي الحالية سيحقق فرصه في استمرار تأثيره على الساحة الأمريكية، وتعزيز فرصه في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ يرى آخرون أن المنصة ستجد صعوبة في تحقيق الهدف منها، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب، من أبرزها:
1– صعوبة المنافسة مع المنصات الكبرى: ستجد منصة “ترامب” صعوبة في تحقيق الزخم المطلوب منها، لا سيما أنها تنافس منصات كبرى قائمة منذ سنوات، مثل موقع “تويتر” الذي لديه أكثر من 200 مليون مستخدم، وفيسبوك. وقد سبق أن دشن مستشار “ترامب” المقرب “جيسون ميلر” منصته الخاصة المعروفة باسم GETTR، لكنها لم تنجح في تحقيق الزخم المطلوب منها. وهناك العديد من المنصات الأخرى الشبيهة بمنصة “ترامب” التي تضاءلت أهميتها مع مرور الوقت، مثل منصة Parler، حيث تراجعت معدلات تحميلها من 517 ألفاً في ديسمبر 2020 إلى 11 ألفاً في يونيو 2021.
2- فقدان “دونالد ترامب” لبريقه: على الرغم من كون “ترامب” العضو الجمهوري الأكثر شهرة، إلا أنه لم يعد رئيساً للولايات المتحدة، وبالتالي تراجعت معدلات التغطية الإعلامية له. كما تراجع معدل البحث عنه على مواقع البحث على غرار جوجل، لذلك لن يكون “ترامب” بنفس الجاذبية التي تؤهله لعمل دعاية لمنصته، وضم الملايين إليها بهذه السهولة. ومن جهة أخرى، يواجه “ترامب” انتقادات متعددة بعد تسببه في تحريض أنصاره على ممارسة العنف خلال أحداث الكابيتول.
زخم مطلوب
وختاماً، في حال نجحت منصة “ترامب” الجديدة في تحقيق الزخم المطلوب منها، فإنها قد تساعد في إنجاح مخططاته في قلب السياسة الأمريكية لصالحه؛ حيث ستتراجع القيم الليبرالية مفسحة الطريق للسياسات الشعبوية. ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تُحدث تلك المنصة الغرض المنشود منها نظراً لتراجع شعبية “ترامب” نسبياً على الساحة الأمريكية، ولصعوبة تحقيق أهدافه من خلال المنصة في فترة زمنية قصيرة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.