Future Warfare:

التحولات المتوقعة في حروب المستقبل (حلقة نقاشية)
Future Warfare:
31 مايو، 2023

عقد “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” حلقة نقاشية، يوم الثلاثاء الموافق 16 مايو 2023، بعنوان “Future Warfare: التحولات المتوقعة في حروب المستقبل”، استضاف خلالها د. “آش روسيتر” أستاذ الأمن الدولي بجامعة خليفة، أبوظبي. وقد تطرقت الحلقة النقاشية إلى تأثير التكنولوجيا على أشكال الحروب في المستقبل، والخصائص والاتجاهات المتوقعة في تلك الحروب، كما قدمت الحلقة مقترحات لتحسين قدرة الدول على التعامل معها.

تأثير التكنولوجيا

أشار “روسيتر” في البداية إلى أن طبيعة الحرب لم تتغير؛ فهي تتعلق بصراع بين المصالح باستخدام العنف لأسباب سياسية، مضيفاً أن هذا هو الفهم الكلاسيكي لماهية الحرب. ونوه “روسيتر” بأن طبيعة الحرب لن تتغير في المستقبل، لكن شكل الحرب هو ما يتغير باستمرار. ولفت “روسيتر” إلى أن التحولات في شكل الحروب لا تعني التغيير الخطي، ولكن التغيير المتسارع.

وفي هذا الإطار، سلط “روسيتر” الضوء على عدد من الجوانب التي يمكن للتكنولوجيا التأثير من خلالها على أشكال الحروب في المستقبل وأنماطها. وفيما يلي استعراض لأبرز ما تم التطرق إليه في هذا الصدد:

1– إحداث التكنولوجيا طفرات متسارعة بأدوات الحروب: أكد “روسيتر” أن بعض الحروب شهدت طفرات فيما يتعلق بالأدوات التي تم استخدامها خلالها، وأن الاستخدام السابق للأسلحة النووية في الماضي كان يعد بمنزلة ثورة، وأشار إلى أن التقدم المتسارع في مجال التكنولوجيا والتقنيات العسكرية، أسهم في حدوث تحول في شكل الحرب، مضيفاً أن الحروب التي شهدها العالم في نهاية القرن الثامن عشر قبيل الثورة الفرنسية، اعتمدت بدرجة كبيرة على المرتزقة وعدد قليل من أفراد الجيوش الوطنية للدول، وهو ما تغير بعد تأسيس الدول القومية، ليصبح الاعتماد الأكبر في الحروب على المواطنين المجندين لدى الجيوش الوطنية للدول، اتساقاً مع مشاعر الانتماء والوطنية التي سادت لدى مواطني الدول القومية.

وفيما يتعلق بشكل الحرب وما قد تبدو عليه في المستقبل، رجح “روسيتر” أن يكون هناك المزيد من الأنظمة العسكرية المؤتمتة في المجالَين الجوي والبحري، وبشكل محدود في المجال البري، على المدى القصير خلال السنوات الـ(3) أو الـ(5) القادمة، متوقعاً أن يكون هناك مزيد من التقدم في قدرة أطراف الصراع المسلح على توجيه الضربات الدقيقة، وأن يكون هناك انتشار أوسع لهذه القدرات العسكرية المتطورة؛ وذلك على المستويين: الأفقي (انتشار هذه القدرات على مستوى الدول كافة) والرأسي (انتشار هذه القدرات لدى الفاعلين من غير الدول، كالجماعات العسكرية المسلحة، والميليشيات الإرهابية).

2– وجود عوامل بشرية مؤثرة بالحروب بجانب التكنولوجيا: شدد “روسيتر” على أنه على الرغم من التكنولوجيا وما لها تأثيرات ضحمة وممتدة على أشكال وأدوات الحروب، ولا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها في تشكيل عالم اليوم، ويوجد اهتمام كبير في الوقت الحالي بالحروب في عصر الروبوتات؛ فإنه يجب الأخذ في الاعتبار أن التكنولوجيا لا تحدد كل شيء، ولا تؤثر في كل شيء. وأشار “روسيتر” في هذا الصدد إلى عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية مؤثرة في الحروب. ومن ثم يرى “روسيتر” أهمية عدم التقليل من شأن دور التكنولوجيا في الحروب، لكن بدون مبالغة في الوقت نفسه بشأن دورها.

3– استخدام الفاعلين من غير الدول الأسلحة المتقدمة: أفاد “روسيتر” بأن الانتشار الواسع النطاق للتقنيات العسكرية المتطورة، سمح بمشاركة أطراف جُدد في الحروب والصراعات العسكرية المسلحة؛ وذلك باعتبار أن الدول لم تعد هي الفواعل الوحيدة التي لديها الإمكانية الحصرية للوصول إلى إمدادات الأسلحة الحديثة، وأنه أضحى أيضاً بإمكان جهات فاعلة أخرى من غير الدول الوصول إلى قدرات عسكرية متطورة، واستخدامها على نحوٍ يخدم مصالحها، كالطائرات المسيرة على سبيل المثال لا الحصر؛ الأمر الذي عزز من قدرة هؤلاء الفاعلين على الانخراط بقدر أكبر في الصراعات والحروب، وعُدَّ بمنزلة التحول الأبرز في مسار الحروب على مدار الثلاثين عاماً الماضية.

4– تزايد مخاطر الحرب الإلكترونية “Covert warfare”: أكد “روسيتر” أهمية متابعة التطورات في الحرب الإلكترونية أو ما سماه “الحرب الإلكترونية السرية (Covert warfare)”؛ وذلك لسببين؛ أولهما اقتران الحروب الحديثة بالتفوق الكبير الذي يشهده عالم اليوم في المجال الإلكتروني، بما يجعل قدرة الدول أو الطرف المنخرط في صراعٍ ما قاصرة على حدود قدرته على استخدام وتوظيف التقنيات الجديدة للحروب الإلكترونية، كالطائرات المسيرة، وأنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ – على سبيل المثال لا الحصر – على نحوٍ يمكنه تغيير ميزان القوة في ساحة المعركة لصالحه.

فيما يكمن السبب الآخر للمخاطر المتزايدة للحرب الإلكترونية في إمكانية توظيفها عبر نطاق واسع – دون الاقتصار حصراً على ساحات المعارك المسلحة – لتوجيه ضربات موجعة لأهداف غير عسكرية داخل الدول، كتعطيل شبكات الجيل الخامس، على سبيل المثال، وهو أمر تتزايد خطورته مع كثافة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي (AI)، وإنترنت الأشياء (IoT)، وغيرهما من التطبيقات التكنولوجية الحديثة.

5– توظيف الطائرات المسيرة أو الدرونز بصفته سلاحا ًذا حدين: أكد “روسيتر” أنه رغم الدور المهم الذي لعبته الطائرات المسيرة أو الدرونز في توجيه ضربات عسكرية أدق للهدف العدو، فإنه ثمة جانب سلبي لا يمكن التقليل من خطورته، يترتب على الاستخدام الواسع النطاق لهذا النوع من الأسلحة، وخصوصاً في ظل انخفاض تكلفة إنتاجه، ويكمن في تزايد حاجة الدول لتعزيز منظومة الدفاع الجوي لديها، بما يُمكِّنها من التصدي للهجمات المحتملة ضدها باستخدام الطائرات المسيرة والدرونز؛ وذلك بتطوير أنظمة اعتراض مضادة للطائرات المسيرة، بما في ذلك الأنظمة المضادة للصواريخ؛ ما يعني ارتفاع التكاليف التي يتعين على الدول تحملها لتعزيز أمنها القومي.

اتجاهات متوقعة

تطرق “روسيتر” إلى عدد من الاتجاهات الرئيسية ذات الصلة بالشكل الذي من المتوقع أن تكون عليه حروب المستقبل، ويمكن الإشارة إلى أبرز ما تناوله في هذا الصدد عبر ما يلي:

1– تراجع عنصر المفاجأة الاستراتيجية في الحروب: أشار “روسيتر” إلى أن أحد أبرز التداعيات المترتبة على الاستخدام الواسع النطاق للتقنيات الحديثة في الحروب، كالأقمار الصناعية، هو تراجع عنصر المفاجأة الاستراتيجية، إن لم يكن اندثاره؛ وذلك في ضوء ما أتاحته من وفرة هائلة في المعلومات عززت بدورها إمكانية الرصد الدقيق لتحركات العدو في أرض المعركة، بل التنبؤ بالهجمات العسكرية قبل حدوثها، على غرار ما حدث قبيل اندلاع العمليات العسكرية في أوكرانيا؛ حينما رصدت تقارير عدة التعزيزات والحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية.

2– تزايد حروب الاستنزاف وطول أمد الصراعات: رجَّح “روسيتر” طول أمد الحرب الأوكرانية، مشيراً إلى أنه “لا نهاية تلوح في الأفق” بشأنها، وأضاف أنه في حين أن حروب المستقبل قد تبدو مختلفةً عن الحرب الأوكرانية من حيث الخصائص والسياق والأسباب، فإن من أهم الحقائق التي رسختها الحرب الأوكرانية، هي فكرة “حروب الاستنزاف”، وأنه “لا توجد انتصارات سريعة في الحروب”، موضحاً أنه بات من الخطأ اعتقاد الدول أن لديها قدرةً على الدخول في حروب خاطفة، وتحقيق انتصارات حاسمة في أجلٍ قصير، مشدداً على أن من أهم خصائص حروب المستقبل هو استمراريتها لأجل طويل يتخطى تصورات البعض.

3– اختلال ميزان الهجوم والدفاع في المستقبل: نوه “روسيتر” بأن نجاح دولة ما في تطوير قدرات فائقة من الذكاء الاصطناعي على نحوٍ لا يمكن لدولة أخرى مواكبته؛ قد يغري هذا الدولة بالاستفادة من المزايا الاستراتيجية لشن الضربة الأولى، بما يُخِل بميزان الهجوم والدفاع في المستقبل، ويجعل الحرب أكثر قابليةً للحدوث، محذراً من أن هذا الأمر قد ينطبق على المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

كما أشار “روسيتر” إلى وجود تخوفات بشأن إمكانية الوصول العادل لمختلف دول العالم إلى قدرات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، معرباً عن قلقه في هذا الصدد من احتمالية الاستحواذ على هذه القدرات من جانب بعض القوى الدولية، كالولايات المتحدة واليابان والصين، ومن ثم تقييد وصول القوى الدولية الأخرى إليها.

4– استمرار أهمية القدرة العددية للجيوش في الحروب: أكد “روسيتر” عدم صحة التوقعات التي أُثيرت في وقت سابق حول الحرب الأوكرانية، والتي رجحت إمكانية الاستعاضة عن القدرة العددية للجيوش بالتطورات التكنولوجية والتقنيات العسكرية الحديثة، التي عززت بدورها القدرة القتالية للجيوش، بما أثار تكهنات باحتمالية أن تصبح الجيوش أصغر حجماً وأقل عدداً.

وعلى هذا النحو، أوضح “روسيتر” أن الخبرات التاريخية المستفادة من الحروب – على غرار الآمال الكبيرة التي عقدها البعض على القدرات غير المحدودة لأسلحة الليزر في ستينيات القرن الماضي – تؤكد أن التكنولوجيا العسكرية لا يمكنها أن “تحل محل كل شيء”، مشدداً على أن القدرة العددية للجيوش لا تزال بأهمية قدرتها القتالية، وأشار إلى أن الجيوش لا تزال بحاجة إلى امتلاك عدد كبير من الجنود، ومخزونات وفيرة من الذخائر، وسلاسل إمداد عسكرية قوية، وقدرات أكبر على تخصيص موارد هائلة إبان الحروب.

5– اكتساب الجيوش خبرات واسعة من الحروب السابقة: وصف “روسيتر” الصراعات التي يشهدها عالم اليوم بأنها “إرشادية للغاية”، بمعنى أنها باتت دليلاً أو مرشداً تهتدي به الدول وجيوشها في استشراف مستقبل الحرب فيما بعد وتطور مسارها، موضحاً أن الجيوش والجماعات المسلحة سعت باستمرار للاستفادة من الخبرات المختلفة للحروب، ومن ثم تجهيز نفسها والاستعداد لأي حرب وشيكة في المستقبل، مضيفاً أن جيوشاً عديدة حول العالم استفادت من خبرات حرب الخليج لعام 1991، محاولةً استخلاص أكبر قدر من الدروس، خصوصاً في ظل ما شهدته هذه الحرب من ثورة في التحديث العسكري، وأكد أن هذه الحرب كان لها تأثير كبير على عقيدة تسليح جيش التحرير الشعبي الصيني.

نقاط مقترحة

استعرض “روسيتر” عدداً من المقترحات للدول للتعامل مع “تهديدات” حروب المستقبل، ويتضح ذلك عبر ما يلي:

1– الاهتمام بالابتكار باعتباره ركيزةً أساسيةً لحروب المستقبل: ذكر “روسيتر” أن من الأهمية بمكان تعزيز قدرة الدول على استباق أعدائها ومنافسيها الاستراتيجيين في الوصول إلى التقنيات العسكرية الحديثة واستغلالها على النحو الأمثل، موضحاً أن هذا الأمر يجعل الابتكار ركيزة أساسية في حروب المستقبل، ويتطلب من الدول أن تكون أكثر جاهزيةً واستعداداً في هذا الصدد، بما في ذلك السعي لتعزيز قدراتها الدفاعية ضد مخاطر الحرب الإلكترونية خاصةً، باعتبار أنها تمس مباشرةً مختلف قطاعات الأمن القومي للدول.

2– تنويع مصادر الحصول على الأسلحة والتقنيات الحديثة: سلط “روسيتر” الضوء على وجود علاقة ارتباطية قوية بين التقنيات الحديثة والأمن القومي للدول، مؤكداً أن تزايد القدرة على الوصول إلى التقنيات الحديثة وتطويرها سيُسهم في تعزيز القدرات الدفاعية للدول، مضيفاً أنه على النقيض أيضاً، قد يصبح الأمن القومي للدول محل تهديد من جانب منتجي هذه التقنيات عبر ممارسة الضغوط من أجل تحقيق بعض المصالح الذاتية، وصولاً إلى احتمالية قطع الإمدادات نهائيّاً، مستشهداً في هذا الصدد بالقيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على صادرات الرقائق الإلكترونية (الموصلات وأشباه الموصلات) إلى الصين، وشدد على أن الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق هو إما تصنيع هذه التقنيات محليّاً، وإما تنويع مصادر الحصول على الإمدادات من هذه التقنيات.

3– استبعاد حسم الحروب بواسطة الذكاء الاصطناعي: أكد “روسيتر” أنه رغم الدور الذي تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز القدرات الدفاعية للدول، فإنه لا يزال من المُستبعد الحديث عن دور مؤثر وحاسم للذكاء الاصطناعي وأنظمة القتال الذاتية في حروب اليوم، مستشهداً بالتحديات التقنية التي واجهتها روسيا قبل سنوات حينما قررت اختبار الأنظمة القتالية المؤتمتة في ساحة المعارك بسوريا، ورجَّح في هذا الصدد مدى زمنيّاً طويلاً نسبيّاً يتراوح بين 20 و25 عاماً، حتى يتسنى للروبوتات والأنظمة المؤتمتة إحداث ثورة في عالم الحروب، وأكد أنه فيما يتعلق بمدى احتمالية استبدال الذكاء الاصطناعي مكانَ الإنسان في عملية صنع القرار وإدارة المعارك، فإنه ثمة نقاشاً يدور حاليّاً يُحذر – لأسباب أخلاقية – من تنامي سلطة الآلة في اتخاذ مثل هذه القرارات.

4– ضرورة المزج بين القدرات العسكرية التقليدية والحديثة: أشار “روسيتر” إلى أن الأسلحة التقليدية لا تزال ذات أهمية كبيرة في ساحات المعارك، موضحاً في هذا الصدد أن الحرب الأوكرانية أكدت – على وجه الخصوص – ضرورة المزج بين الأنظمة العسكرية التقليدية والحديثة على السواء، بدلاً من الاعتماد الحصري على التقنيات الحديثة التي لا تزال كفاءتها محل اختبار، متطرقاً في هذا السياق إلى الحديث عن أهمية بعض الأنظمة العسكرية التقليدية الضخمة، كالدبابات، خصوصاً عندما يتم استخدامها جنباً إلى جنب مع سلاح المشاة، ووسائل هجومية أخرى.

5– تأمين مخزون أسلحة كافٍ ووجود قاعدة صناعية عسكرية: أضاف “روسيتر” أنه ثمة حاجة للاستفادة من خبرات الحرب الأوكرانية، لا سيما فيما يتعلق بضرورة تأمين مخزون عسكري كافٍ من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، جنباً إلى جنب مع العمل على بناء قاعدة صناعية عسكرية محلية متطورة، أو ضمان توافر سلاسل إمداد عسكرية متنوعة يمكن الاعتماد عليها متى تطلَّب الأمر، مع التسليم بأهمية تعزيز القدرات الدفاعية للدول عبر المزج بين الأنظمة التقليدية وغير التقليدية.

وختاماً، أشار “روسيتر” إلى أن الحديث عن التحولات التي من المتوقع أن تشهدها الحروب والصراعات في المستقبل، لا يعني بالضرورة أنه سيتعين على الدول والحكومات استبدال كامل جيوشها أو مقدراتها من الأسلحة والذخيرة والعتاد العسكري، بمعنى التغيير الجذري الذي هو أمر يصعب تصوره بطبيعة الحال، وإنما في المقابل مواكبة التطورات المتلاحقة، والتعاطي الأمثل معها، لا سيما فيما يتعلق بما تطرحه التقنيات العسكرية الحديثة من فرص، وما تفرضه من تحديات.


الكلمات المفتاحية:
https://www.interregional.com/future-warfare/