ارتباك مؤسسي:

استفاقت إسرائيل، صباح السابع من أكتوبر 2023، على صدمة وصفها الكثير من المحللين والمراقبين الإسرائيليين بغير المسبوقة، وهي الصدمة التي ربما تتجاوز حرب السادس من أكتوبر 1973؛ حيث فوجئ الجميع، بما في ذلك أعلى مستويات صُنع القرار بإسرائيل، بهجوم شامل ومُباغت لحركة حماس، ودعم من حركة الجهاد والفصائل في غزة، على كامل مستوطنات غلاف غزة؛ براً وبحراً وجواً؛ حيث شمل الهجوم إطلاق المئات من الصواريخ تجاه إسرائيل، بالتزامُن مع اقتحام السياج الفاصل مع غزة، والاستيلاء على العديد من المواقع والمُعدات العسكرية، واقتحام مُعظم مستوطنات غلاف غزة، وقتل وأسر المئات من الإسرائيليين، وتتمثل أبرز اتجاهات المواقف في الداخل الإسرائيلي تجاه التطورات العسكرية فيما يلي:

1– تزايُد الانتقادات لحكومة نتنياهو ودعوات لمحاسبته: انتقدت الكثير من الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مُحملين إياه المسؤولية الكاملة عما حدث عندما ضمَّ إلى حكومته وزراء متطرفين بالغوا في التوسع الاستيطاني، وأصروا على العبث بالمقدسات في القدس، كما حمَّل البعض نتنياهو مسؤولية الفشل الذريع في حماية المواطنين الإسرائيليين؛ ففي مقال بصحيفة "هآرتس" بتاريخ 7 أكتوبر، اعتبر الكاتب والدبلوماسي الإسرائيلي ألون بينكاس أن تاريخ 7 أكتوبر سيبقى "عاراً" على إسرائيل؛ حيث فشلت الدولة بقيادة نتنياهو والجيش الإسرائيلي في حماية مواطنيها، ودعا الكاتب إلى مُحاسبة نتنياهو في اليوم التالي لانتهاء الحرب.

ورأى الكثير من الإسرائيليين أن سياسات الحكومة الإسرائيلية المثيرة للانقسام – لاسيما مساعي الحد من سلطات القضاء الإسرائيلي – أدت إلى تراجُع استعداد الجيش لهذه الحرب المباغتة؛ حيث شارك الكثير من الضباط في الاحتجاجات المناهضة للإصلاحات القضائية؛ الأمر الذي ربما شجَّع حركة حماس على شن هجومها. جدير بالذكر أن الكثير من المراقبين الإسرائيليين، قد شبَّهوا هجوم السابع من أكتوبر بحرب أكتوبر 1973، من ناحية الصدمة المدوية التي أحدثها الهجوم، وضخامة أعداد القتلى والجرحى والأسرى، فضلاً عن الإهانة التي تسبب بها الهجوم، وتسببت في إحراج الحكومة والجيش الإسرائيليين على كافة المستويات.

وفي السياق نفسه، رأى الكاتب يوسي فيرتر بصحيفة (هآرتس) أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يتمكن من غسل يديه من "المهزلة" التي حدثت، لا سيما مع سقوط المئات من القتلى والجرحى، ووجود أعداد هائلة من الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية. من ناحية أخرى، انتقد البعض تأخُّر نتنياهو في تعيين مفوض لشؤون الأسرى والمفقودين؛ الأمر الذي أفقد إسرائيل التعامل مع الظروف الطارئة كما يحدث حالياً. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أعلن يوم 8 أكتوبر عن تعيين غال هيرش – وهو عميد احتياط قاد الفرقة 91 في حرب لبنان عام 2006 – للإشراف على تولي ملف الإسرائيليين المفقودين والمختطفين، في ظل حديث عن وجود ما يزيد عن 100 أسير في قبضة الفصائل الفلسطينية.

2– اعتبار هجوم حماس "المُباغت" بمنزلة فشل استخباراتي خطير: ثمَّة اتفاق داخلي في إسرائيلي على أن هجوم السابع من أكتوبر من قِبَل حركة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة يُعَد بمنزلة فشل كبير وخطير للاستخبارات الإسرائيلية؛ حيث فُوجِئت الحكومة الإسرائيلية بالهجوم؛ الأمر الذي أحدث ارتباكاً في جميع مؤسسات صنع القرار الإسرائيلية، في ظل الصدمة وضبابية المعلومات، لا سيما أن الهجوم الفلسطيني جاء على جميع المحاور؛ براً وبحراً وجواً. وعلى خلاف المتوقع، جاء الهجوم في وضح النهار ومن فوق الأرض لا عن طريق الأنفاق. وفي هذا الإطار، يرى الكاتب يوسي فيرتر أن هجوم يوم السبت "عرَّى" إسرائيل (القوة الإقليمية العظمى المتقدمة في مجالات الاستخبارات والسايبر)، على يد منظمة حماس الصغيرة، مُحملاً الفشل في المقام الأول للاستخبارات العسكرية وجهاز الشاباك.

3– انتقاد تباطؤ الجيش والشرطة في التعامل مع هجوم حماس: انتقدت الكثير من الاتجاهات في إسرائيل، تباطؤ الجيش والشرطة الإسرائيليين في التعامل مع الحدث؛ الأمر الذي تسبب في سقوط المئات من القتلى والمصابين، فضلاً عن أعداد هائلة من الأسرى، لا سيما مع سهولة تحرُّك المقاتلين الفلسطينيين على الأقدام وفي المركبات واقتحام القرى والمستوطنات، وتصويرهم العشرات من الصور ومقاطع الفيديو ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما تسبب في حالة صدمة للمواطنين الإسرائيليين الذين اضطر الكثير منهم إلى الهرب خوفاً من القتل أو الوقوع في الأسر، في ظل غياب شبه كامل للجيش والشرطة الإسرائيليين.

4– الاعتراف بتعرض قُدرة الردع الإسرائيلية لضربة قاصمة: يرى الكثير من المحللين الإسرائيليين أن الحرب الحالية شكَّلت ضربة صادمة لقدرات الردع الإسرائيلية، لا سيما أنها اشتملت على محاولة "إذلال" للجيش الإسرائيلي؛ فبخلاف حرب 1973، التي تعرضت فيها إسرائيل لهجوم من أقوى جيش عربي، نجد أن هجوم السابع من أكتوبر تم من قِبَل قوة عسكرية صغيرة نسبياً، ولا تمتلك قدرات الدول؛ حيث تمكنت من تجاوز الجدار الفاصل بين إسرائيل وغزة بسهولة، رغم الجهود والنفقات الكبيرة التي أنفقت لتأمين هذا الجدار، كما تمكن المقاتلون الفلسطينيون من السيطرة على العديد من المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية لمسافة تصل إلى 15 ميلاً داخل إسرائيل، واحتجاز رهائن إسرائيليين بالعشرات وربما بالمئات.

5– تصاعُد الدعوات للانتقام من الفصائل في قطاع غزة: رغم الانتقادات المتواصلة لسياسات الحكومة الإسرائيلية، فإن ثمة اتفاقاً في الداخل الإسرائيلي على أولوية الانتقام وطرد العناصر الفلسطينية من كافة المستوطنات في الجنوب، والرد بكل أنواع القوة الممكنة على قطاع غزة، بل إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف "إيتمار بن غفير" اقترح على الحكومة الإسرائيلية "القضاء التام" على حركة حماس، مؤكداً تسريع إجراءات تسليح المواطنين الإسرائيليين.

6– اعتبار الحرب بمنزلة ضربة قوية لجهود التطبيع مع السعودية: يتفق الكثير من المراقبين والمحللين الإسرائيليين على أن الحرب الحالية سوف تُعقِّد جهود التطبيع والتقارب مع الدول العربية التي تسارعت خلال الفترة الأخيرة، لا سيما مع الرياض برعاية أمريكية؛ فمع موجة التعاطف العربية والإسلامية الكبيرة مع فلسطين، سيصبح التقارب مع تل أبيب في هذه المرحلة صعباً، وسيزداد صعوبةً إذا طال أمد الحرب، ووقوع المزيد من القتلى الفلسطينيين.

كما أن إطالة أمد الحرب سيجعل فرص انخراط أطراف أخرى فيها أكثر احتمالاً، مثل دخول حزب الله اللبناني الحرب بشكل مباشر، أو تقديم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً كبيراً لتل أبيب؛ الأمر الذي سيجعل فرص استكمال محادثات التطبيع بين الرياض وتل أبيب أكثر صعوبةً؛ إذ لا يُمكن للقيادة السعودية الانخراط في تلك المحادثات في ظل حالة التوتر الحالية، لا سيما مع السمة المحافظة للمجتمع السعودي رغم جهود الانفتاح الأخيرة التي قادتها القيادة السعودية. من ناحية أخرى، فإن استمرار الحرب سيرفع صوت الأصوات المتشددة في الداخل الإسرائيلي التي ستكون أقل مرونةً في تقديم تنازلات للجانب السعودي في ظل الأجواء الحالية.

وختاماً، من المُبكر الحديث عن الارتدادات الداخلية للحرب الحالية على الساحة الداخلية الإسرائيلية، لا سيما أن الأفق الزمني للأعمال القتالية لا يزال غامضاً، لكن من المؤكد أن ما بعد يوم السابع من أكتوبر لن يكون كما قبله في إسرائيل، وبات من المُرجح أن مستقبل حكومة نتنياهو بات قاتماً، بل إن إسرائيل قد تشهد خلال الأيام القادمة تشكيل حكومة طوارئ موسعة بمشاركة أقطاب المعارضة؛ من أجل ضمان تحقيق أكبر قدر من الوحدة الوطنية في مواجهة الحرب الحالية.