مؤسسة ستراتفور

عرض: د. إيمان عبد الحليم إضافةً إلى المشكلات التي تواجه أنشطة الشحن العالمية بسبب تنامي هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ومضيق "باب المندب"، شهدت الأشهر الثلاثة الماضية بعض المظاهر لتجدد هجمات القراصنة قبالة القرن الأفريقي، وخاصةً بالقرب من سواحل الصومال؛ حيث تستغل مجموعات القرصنة الأزمات السياسية والأمنية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي عامةً من أجل تعزيز نشاطها هناك. وبطبيعة الحال، يُفضِي ذلك الأمر إلى تزايد تهديد الملاحة البحرية عالمياً.ومن هذا المنطلق، نشر موقع "ستراتفور"، في 26 فبراير 2024، تقريراً حمل عنوان "تداعيات تجدد هجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال"، مستعرضاً مظاهر وأسباب تجدد هذه الهجمات، في ظل المتغيرات الجيوستراتيجية التي تشهدها المنطقة.عوامل متعددةيعرض التقرير مظاهر وأسباب تجدد هجمات القراصنة في منطقة القرن الأفريقي، وما تثيره من مخاوف تتجاوز إمكانية عرقلة أنشطة الشحن العالمية إلى احتمالات عسكرة المنطقة، وهو ما عرضه التقرير من خلال النقاط التالية:1– التوسع في الهجمات على السفن قبالة سواحل الصومال: بحسب ما أعلنت غرفة الشحن الدولية، فقد تم اختطاف ناقلة البضائع السائبة "روين" Ruen في 14 ديسمبر 2023 – وهي الناقلة التي كانت ترفع علم مالطا – في أول عملية اختطاف ناجحة قبالة سواحل الصومال منذ عام 2017. وبعد ذلك، أحبطت البحرية الهندية، في 5 يناير، محاولة اختطاف ناقلة بضائع ترفع العلم الليبيري على بُعد 460 ميلاً بحرياً قبالة سواحل الصومال. وعلى نحو عام، تم الإبلاغ عما لا يقل عن 14 حادثة قرصنة قبالة القرن الأفريقي في الفترة بين نوفمبر 2023 ويناير 2024.2– اعتماد القراصنة في الهجمات على سفن الصيد وأسلحة خفيفة: في البداية، تم الخلط بين هجمات القراصنة وبين هجمات الحوثيين التي بدأت منذ نوفمبر 2023 واستهدفت سفن الحاويات في جنوب البحر الأحمر، رداً على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة؛ ما تسبب في اضطرابات كبيرة في الشحن العالمي. ولكن في حين أن هجمات الحوثيين على سفن الشحن التجارية اعتمدت إلى حد كبير على الطائرات بدون طيار، وبدرجة أقل على الصواريخ الطويلة المدى، فإن هجمات القراصنة الصوماليين تنطوي، في الغالب، على محاولات اختطاف باستخدام سفن الصيد والأسلحة الخفيفة.ومع الاختلاف الواضح في أنظمة الأسلحة المستخدمة في الهجمات التي كانت أقرب إلى القرصنة، أثار ذلك مخاوف بشأن احتمال عودة ظهور هذا التهديد قبالة سواحل الصومال، حتى أكدت بالفعل عمليات التجارة البحرية للمملكة المتحدة في 30 يناير أن مجموعتين على الأقل من أعمال القراصنة تعملان في غرب المحيط الهندي.3– ازدهار القرصنة مع الاهتمام العالمي بردع الحوثيين: ساعد نجاح عمليات مكافحة القرصنة على مدى العقد الماضي على قيام جمعيات الشحن بإلغاء اعتبار منطقة المحيط الهندي من المناطق العالية المخاطر في يناير 2023، ولكن مع تصاعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية في جنوب البحر الأحمر بدءاً من أواخر نوفمبر 2023 فصاعداً، وتحوُّل الاهتمام الخارجي بسرعة إلى ردع هجمات الحوثيين؛ ترك ذلك مجالاً أكبر لأعمال القراصنة. وفي الوقت نفسه، فإن العدد المتزايد من السفن التي تنتظر أوامر بالتحرك من بحر العرب إلى البحر الأحمر بسبب تهديد الحوثيين، ساعد على إتاحة المزيد من الأهداف المحتملة للقراصنة قبالة سواحل الصومال.4– الاستياء من الصيد الأجنبي حافز إضافي للقراصنة: صحيحٌ أن تجدُّد أنشطة القرصنة قبالة سواحل الصومال مدفوع بالاستغلال الانتهازي لهجمات الحوثيين في جنوب البحر الأحمر، لكنه مدفوع أيضاً بدوافع محلية، مثل الاستياء من تجدُّد عمليات الصيد الأجنبي غير القانوني من قبل سفن الصيد الأجنبية، وخصوصاً منذ عام 2010؛ ما أدى إلى انخفاض دخل الصيادين المحليين، ومنحهم الحافز للجوء إلى القرصنة لتغطية نفقاتهم، وهو ما يُتوقَّع أن يستمر، حتى لو توارى تهديد الحوثيين المُحفِّز لأنشطة القراصنة، وخاصةً مع الترجيحات باستمرار أنشطة الصيد الجائرة، وفي ظل الحجم المحدود لأسطول خفر السواحل الصومالي، فضلاً عن الفساد المستشري في بعض قطاعات الحكومة الصومالية.5– استغلال القراصنة حالة الفراغ الأمني في ولاية بونتلاند الصومالية: ربما كانت الانتخابات المحلية التي أُجريت في ولاية "بونتلاند" الصومالية في يناير الماضي بمنزلة دافع مؤقت وراء تجدد هجمات القراصنة؛ حيث شهد تنظيم الانتخابات مغادرة قوات الأمن لمواقعها الأمنية الساحلية لمراقبة الانتخابات في الداخل؛ ما خلق فراغاً أمنياً قبالة سواحل المنطقة.6– الشراكة بين القراصنة وحركة "الشباب المجاهدين": إضافة إلى ما سبق، فإن الشراكة الواضحة بين القراصنة و"حركة الشباب المجاهدين" يمكن أن تُفسِّر أيضاً تصاعد هجمات القراصنة؛ حيث تشير التقارير إلى أن الجماعة المسلحة توفر الحماية للقراصنة مقابل حصة من الفدية التي يحصلون عليها من السفن المختطفة. وفيما لم تؤكد "حركة الشباب" رسمياً تحالفها مع القراصنة، فإن التقارير تشير إلى أن الجماعة قد تتلقى ما يصل إلى 30% من عائدات فدية القراصنة.علاوةً على ذلك، قد تؤدي عمليات الاختطاف الناجحة إلى انخراط "حركة الشباب" بشكل أكثر نشاطاً في أعمال القرصنة؛ لتمويل توسعها المقصود في نشاطها المسلح ضد كل من إثيوبيا وأرض الصومال، عقب الصفقة البحرية التي أبرمتها الأخيرة.تداعيات رئيسيةيحمل هذا النشاط المتصاعد للقراصنة قبالة سواحل الصومال عدداً من التداعيات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1– توسع المخاوف على أنشطة الشحن العالمية: من المُرجَّح أن تؤدي هجمات الحوثيين المستمرة على السفن التجارية في البحر الأحمر إلى إبقاء الجماعة المتمركزة في اليمن تهديداً رئيسياً للأمن البحري الإقليمي خلال الأسابيع المقبلة، إن لم يكن خلال الأشهر المقبلة؛ الأمر الذي سيستمر في خلق مجال للقراصنة الصوماليين للعمل. ومع ذلك، فإن وجود دوافع محلية يشير إلى أن تهديد هجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال يمكن أن يظل قائماً حتى لو توقفت هجمات الحوثيين، لتزيد أنشطة القرصنة المستمرة قبالة الساحل الصومالي من الضغط على صناعة الشحن العالمية المتوترة بالفعل.وحتى إن كانت صناعة الشحن أضحت أفضل استعداداً لمواجهة هجمات القراصنة، فإن استمرار هذه الهجمات قبالة القرن الأفريقي من شأنها أن تزيد من أقساط التأمين على السفن التجارية التي تعبر غرب المحيط الهندي، وهذا من شأنه أن يضيف المزيد من الضغوط على صناعة الشحن العالمية، التي تواجه بالفعل تكاليف متزايدة من جراء تحويل جزء كبير من الشحن العالمي من البحر الأحمر إلى الطريق الأطول بكثير حول الطرف الجنوبي من أفريقيا، وارتفاع أسعار التأمين على الشحن في البحر الأسود بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار القيود على حركة المرور عبر قناة بنما بسبب الجفاف المستمر؛ ما يزيد من تكاليف سلاسل التوريد العالمية.ومع الإشارة إلى أن القرصنة قبالة سواحل الصومال كانت قد شكَّلت تهديداً كبيراً لنشاط الشحن العالمي في أواخر العقد الأول وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عندما نجح القراصنة في اختطاف أكثر من 100 سفينة تجارية، ورفعوا بشكل كبير تكلفة النقل البحري في المنطقة؛ فإنه وفقاً لتقرير صدر عام 2011 عن منظمة Ocean Beyond Piracy، اقتربت التكلفة غير المباشرة المترتبة على القرصنة الصومالية من 7 مليارات دولار؛ بسبب عوامل تشمل ارتفاع أقساط التأمين، وإعادة توجيه السفن، والإجراءات القانونية، وتوظيف أفراد أمن خاصين، حتى تمكنت عمليات مكافحة القرصنة المتعددة الأطراف بعد ذلك من القضاء على هذا التهديد على مدى العقد الماضي.2– تنامي المخاوف من عسكرة غرب المحيط الهندي: تتضاعف المخاوف السابقة مع إمكانية أن تدفع أعمال القرصنة إلى زيادة عسكرة منطقة غرب المحيط الهندي؛ ما قد يزيد التوترات، خاصةً بين الهند والصين؛ فنظراً إلى انعكاساتها العالمية المحتملة، من الممكن أن تؤدي الزيادة في أعمال القرصنة إلى انتشار المزيد من القوات البحرية من دول متعددة. وفي حين أنه يُمكِن للدول المساهِمة بسفنها في قوة العمل البحرية المشتركة المتعددة الأطراف، فمن المرجح أن تستمر الهند والصين في نشر سفنهما في غرب المحيط الهندي بشكل مستقل، في محاولةٍ لتأمين السفن التي ترفع علم الهند أو الصين أو المتجهة إلى الهند أو الصين.وقد زادت الهند بالفعل وجودَها البحري في المنطقة بشكل كبير منذ ديسمبر 2023، وقد تتطلَّع نيودلهي إلى الاستفادة من التهديد المتزايد الذي تُشكِّله القرصنة الصومالية اليوم لتعزيز جهودها لتأمين قاعدة عسكرية مفترَضة في سيشيل. وفي مقابل ذلك، من المُرجَّح أن تنطلق جهود بكين لمكافحة القرصنة من القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي، لكن يمكن للسفن الصينية أن تتطلع إلى إجراء زيارات إلى الموانئ؛ إما في جزر المالديف أو باكستان باعتبار تلك الزيارات جزءاً من عمليات مكافحة القرصنة؛ ما قد يؤدي بدوره إلى توترات مع الهند. وبالإضافة إلى الصين والهند، من المرجح أن توسع تركيا انتشارها البحري قبالة سواحل الصومال بعد إبرامها اتفاقية دفاع ثنائية مع الصومال في الثامن من فبراير.3– تزايد احتمالات الصدام بين الهند والصين: ففي غياب آليات منع التصادم، فإن الوجود المتزايد للسفن الهندية والصينية في غرب المحيط الهندي، سوف يحمل في طيَّاته مخاطر وقوع مواجهات غير مُخطَّط لها؛ ما يزيد بدوره من خطر وقوع حوادث ومواجهات محتملة. وحتى بعد إنشاء أدوات تبادل المعلومات بين القوات البحرية المشارِكة في عمليات مكافحة القرصنة، مثل آلية الوعي المشترك ومنع التصادم، في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ فإن استخدامها انخفض وسط تراجع التهديد الذي تُشكِّله القرصنة حتى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.4– تجديد التزام أطراف دولية بالمشارَكة في مهام مواجَهة القرصنة: بالرغم من أن عودة أنشطة القرصنة الصومالية من شأنه أن يضع ضغوطاً إضافيةً على صناعة الشحن العالمية، وربما يُسهِم في زيادة التوترات الجيوسياسية بين الهند والصين، فإن من المُرجَّح أن تكون تبعات هذه القرصنة محدودةً مقارنةً بذروتها في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ وذلك بسبب وجود هياكل أقوى لمكافحة القرصنة متعددة الجنسيات؛ حيث يقوم الاتحاد الأوروبي وغيره من الهيئات المتعددة الجنسيات، بإجراء دوريات متكررة في غرب المحيط الهندي؛ لردع الهجمات، ومساعدة السفن التي تواجه محاولات الاختطاف.وتقود جهودَ مكافحة القرصنة عمليةُ أتلانتا التابعة للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن قوة المهام المشتركة 151 التابعة للقوات البحرية المشتركة المتعددة الجنسيات، كما أكد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أنه سيتم نشر سفن إضافية في القرن الأفريقي؛ للحد من التصاعد الأخير في الهجمات.5– إقدام شركات الشحن على تعزيز إجراءات تأمين السفن: يبدو أن صناعة الشحن مستعدة اليوم بشكل أفضل لمواجهة نشاط القرصنة المتجدد؛ حيث تقوم السفن التجارية بنشر حراس مسلحين مع وجود مساحات محصنة على السفن؛ حيث يمكن لأطقمها الاحتماء في حالة محاولات الاختطاف؛ وذلك مع الإشارة كذلك إلى أن المخاوف بشأن صناعة الشحن العالمية، كانت حافزاً لإطلاق مزودِ الشحن البحري West of England P&amp;I Club منتجاً جديداً لحماية أصحاب السفن في أواخر يناير.ومن ثم، يمكن القول في الختام، وفي ضوء الجهود المشار إليها لتطويق أنشطة القرصنة قبالة القرن الأفريقي، إنه حتى مع تجدد نشاط القرصنة قبالة سواحل الصومال، الذي قد يستمر إلى ما بعد أزمة البحر الأحمر الحالية، فإنه من غير المُرجَّح أن يصل التهديد إلى حجمه السابق في أواخر العقد الأول وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. المصدر:"The Implications of Resurging Pirate Attacks off Somalia's Coast", Stratfor Global Intelligence, February 26, 2024. &nbsp;

انعكاسات تجدد هجمات القراصنة قبالة سواحل الصومال