في أعقاب بداية عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس، أكد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أن دعم بلاده لإسرائيل "راسخ وصلب كالصخر"، وقد وصف المشهد بالهجوم الذي يتعرض له شعب إسرائيل من "حماس الإرهابية" في لحظة مأسوية. وقد أكد البيان الأول للرئيس الأمريكي استعداده لتقديم كل وسائل الدعم المناسبة لحكومة وشعب إسرائيل في إطار حقهم في الدفاع عن أنفسهم. وبموازاة هذا الموقف الرسمي، كان الموقف غير الرسمي الأمريكي موسوماً بتعقيدات وتشابكات عديدة؛ ففيما تماهت العديد من الاتجاهات والمنصات وقطاعات من القوى المؤثرة في الرأي العام الأمريكي مع الموقف الرسمي الداعم لتل أبيب، كانت هناك مساحة أخرى لعرض وجهة نظر مغايرة لتظهر بعض الأصوات الأمريكية المؤيدة لفلسطين كما تجلى في المسيرات الشعبية، وتوجهات بعض مراكز الفكر، وبعض الصحف الأمريكية الرائدة.
دعم إسرائيل
يكشف استقراء الموقف الأمريكي غير الرسمي تجاه عملية طوفان الأقصى وتطور الحرب بين حماس وإسرائيل عن تعدد مظاهر تأييد الرأي العام الأمريكي للجانب الإسرائيلي، ومع ذلك تم السماح بحيز للحركة بالنسبة إلى التوجه المعارض لإسرائيل. وبوجه عام، يمكن الوقوف على أبرز ملامح التفاعل الأمريكي غير الرسمي مع الحرب من خلال النقاط التالية:
1- الإدانة الواسعة لهجمات حماس "الإرهابية": على تعدد مواقف الخبراء الأمريكيين الداعمين لإسرائيل الذين وصفوا هجمات حماس بالإرهابية، يبرز – على سبيل المثال – "ستيفن مول" (نائب عميد جامعة فيرجينيا للشؤون العالمية والقائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية سابقاً)، الذي دفع بأن هجمات حماس لا تعدو كونها "وحشية ومتطورة وغير مسبوقة"، وبخاصة أنها تزامنت مع الذكرى الخمسين تقريباً لما سماه "الهجوم المفاجئ المشترك بين مصر وسوريا على إسرائيل في أكتوبر 1973"؛ ما يعني، من وجهة نظره، أن اختيار التوقيت لم يكن عرضياً؛ لأنه أتى على خلفية استقطاب سياسي واسع لم تشهده إسرائيل منذ 75 عاماً؛ فقد تكون حماس قد عولت هي وغيرها من خصوم إسرائيل، على الانقسامات السياسية الداخلية التي قد تحول دون التصدي الناجع لأي هجوم مفاجئ.
2- استدعاء تجربة داعش في التعاطي مع حماس: اللافت أن قطاعاً كبيراً من الخطاب الإعلامي الأمريكي كان يستدعي تجربة داعش في إسقاط على حركة حماس؛ فالكثير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في بعض الفضائيات الأمريكية، وحتى مراكز التفكير، كانت ترى أن ما فعلته حركة حماس لا يختلف كثيراً عما فعله تنظيم داعش عبر استهداف المدنيين، بل إن البعض، بمن فيهم مذيعون داخل وسائل إعلام شهيرة، مثل قناة سي إن إن، تداولوا تقارير إسرائيلية وصوراً تتحدث عن "قتل حركة حماس أطفالاً وقطعها رؤوسهم" وهي الصور التي ظهر فيما بعد أنها غير صحيحة.
اللافت أيضاً أن بعض المحللين حينما تعاطوا مع الحرب البرية المحتملة في قطاع غزة كانوا يستدعون تجربة التعامل مع داعش في العراق وسوريا، وهو الأمر الذي يعكس درجة من التماهي والتعميم في مخيلة الكثيرين وهو التعميم الذي لا يفرق بين حماس وداعش. ولعل هذا ما اتضح مثلاً في المقال الذي نشره مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بعنوان "التحدي الذي تطرحه حرب المدن في غزة: الدروس المستفادة من الموصل والرقة" للكاتب "مايكل نايتس"؛ فالكاتب حاول المقارنة بين المواجهة مع تنظيم داعش في الموصل والرقة وبين العملية البرية المحتملة لإسرائيل في داعش ليحاول أن يطرح أمام صانع القرار الأمريكي أفكاراً جديدة لكيفية دعم إسرائيل في حربها مع حركة حماس في قطاع غزة؛ حيث يخلص الكاتب إلى ضرورة مواصلة واشنطن دعمها لإسرائيل مثلما "دعم التحالف العالمي الذي قادته الولايات المتحدة القضاء على سيطرة تنظيم داعش على الأراضي في العراق وسوريا".
3- الدعم المتواصل للعملية العسكرية الإسرائيلية: تعددت أطروحات عدد من مراكز الفكر الأمريكية التي غلب عليها الانحياز إلى الجانب الإسرائيلي؛ فعلى سبيل المثال، دفع "بروس هوفمان" في مقاله المنشور في "مجلس العلاقات الخارجية" تحت عنوان "حرب إسرائيل على حماس: ما يجب معرفته" بأنه يجب على إسرائيل أن تسعى للقضاء على التهديد الذي تشكله "الجماعة الفلسطينية المسلحة" إلى الأبد، وبخاصة بعد أن "تمكنت حماس من شن هجمات منسقة ومتزامنة من الجو والبحر والأرض من ناحية، ونجحت في إحاطة استعداداتها بالسرية رغم القدرات الاستخبارية التي تملكها إسرائيل من ناحية ثانية، لا سيما أنها تحظى بدعم من أطراف خارجية عدة، وتحديداً إيران التي زودت كلاً من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني بما لا يقل عن 100 مليون دولار سنوياً، وأعلنت صراحة عن نيتها تدمير إسرائيل من ناحية ثالثة". وقد وصف الكاتب أعمال حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين بـ "جرائم الحرب"، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وعد برد حاسم وضخم سيسفر عن "تدمير حماس بشكل دائم".
وقد وصف "ويليام ويشسلر" في مقاله المعنون "إرسالية من القدس: كيف ينتهي هذا؟" والمنشور في "المجلس الأطلسي"، هجمات حماس على إسرائيل بـ "الهجمات الإرهابية الخاسرة"، ودفع بأنها خسرت الحرب في اللحظة التي قررت فيها شنها، كما دفع الكاتب بأن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى موت "أسامة بن لادن" وتفكيك تنظيم القاعدة، وأن "مصيراً مماثلاً ينتظر حماس وقيادتها في غزة. فمن وجهة نظر عسكرية بحتة، خسرت حماس الحرب، ويهفو الجمهور الإسرائيلي إلى الانتقام، ويتنافس الساسة الإسرائيليون في وصف الدمار الذي سيلحق بحماس".
4- تنظيم وقفات احتجاجية واسعة داعمة لإسرائيل: من بين التظاهرات المؤيدة للجانب الإسرائيلي، تبرز الوقفات التي شهدتها ولاية رود آيلاند التي استضافت وقفة احتجاجية وُصف فيها ما تتعرض له إسرائيل بالكابوس التام. وقد شارك في تلك التظاهرة كبير حاخامات معبد بيت إيل ممن "أدانوا تزامن هجمات حماس مع الأعياد اليهودية". أما في ولاية أوهايو، فقد احتشد السياسيون والقادة اليهود والمواطنون العاديون في وقفات احتجاجية عدة، كما دعا مركز الجالية اليهودية في كولومبوس الكبرى إلى إضاءة الشموع للمتضررين من الحرب. وقد شارك في الحضور سياسيون من بينهم ممثلو الولاية، وعمدة كولومبوس "أندرو جينثر"، والسيناتور الأمريكي الديمقراطي "شيرود براون". وقد طالبت تلك التظاهرات والمسيرات بالضغط من أجل تقديم المساعدة لإسرائيل.
5- بلورة موقف رسمي من بعض الجامعات العريقة: أصدرت رئيسة جامعة هارفارد "كلودين جاي" والقيادة العليا – بما في ذلك 15 عميداً – بياناً ينتقدون فيه الحزن بسبب الموت والدمار الذي أحدثه هجوم حماس الذي استهدف مواطنين في إسرائيل؛ إذ تعد جامعة هارفارد الجامعة الأكثر تأثيراً في السياسة الأمريكية؛ حيث أخرجت ثمانية رؤساء سابقين وأربعة من قضاة المحكمة العليا التسعة الحاليين. وقد سبق أن شغل رئيس جامعة هارفارد الفخري "لورانس سامرز" منصب وزير الخزانة الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس الأسبق "بيل كلينتون" ورئيس الجامعة السابق، وقد وجه انتقاداً صريحاً لجامعة هارفارد لأنها لم تتخذ موقفاً صريحاً ضد الأصوات الطلابية المؤيدة لفلسطين من ناحية، ولأنها ظلت في موقف "أقرب ما يكون إلى الحياد رغم الأعمال الإرهابية ضد دولة إسرائيل اليهودية من ناحية ثانية".
6- تزايد تعاطف الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل: فقد كشف موقعا "CNN" و"ABC News" الأمريكيان عن نتائج استطلاعات للرأي، تم إجراؤها في الولايات المتحدة، لمعرفة توجهات الرأي العام الأمريكي إزاء أحداث فلسطين؛ حيث أثبتت الاستطلاعات تعاطف الأمريكيين مع الجانب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الحرب الدائرة بينهما حالياً. ووفقاً للاستطلاعات، يعتقد الأمريكيون أن هجمات الجيش الإسرائيلي على حماس مبررة، وأن الجمهوريين أكثر ميلاً لتبرير الهجمات الإسرائيلية من الديمقراطيين، كما أبدى الديمقراطيون والشباب تعاطفاً أكثر نسبياً إزاء الفلسطينيين في مقابل الجمهوريين وكبار السن.
7- إشادة البعض بتطور "المقاومة الفلسطينية": صحيح أن غالبية التحليلات وتعليقات الخبراء كانت داعمة لإسرائيل، إلا أن ثمة اتجاهاً مغايراً دعم التطور الحادث في "المقاومة الفلسطينية"؛ فعلى سبيل المثال، دفع الخبير والمتخصص في منطقة الخليج "جورج بشارات" (الأستاذ الفخري في جامعة كاليفورنيا) بأن هذه واحدة من أهم لحظات المقاومة الفلسطينية على الإطلاق، وأن هذا هو أهم عمل عسكري ضد إسرائيل، وقد أشاد بالتخطيط العسكري لهجمات حماس؛ لكونها انجازاً وتطوراً لا يصدق، وقد عول على عدد الرهائن الإسرائيليين الذين يُكسبون الفلسطينيين نفوذاً كبيراً، وسط تخوفات من أن تلجأ إسرائيل إلى التصعيد المفرط. وفي سياق متصل، دفع "شبلي تلحمي" (الأستاذ بجامعة ميريلاند)، خلال حلقة نقاش افتراضية استضافها معهد الشرق الأوسط، بأن معظم الأمريكيين يعارضون المساعدات غير المقيدة لإسرائيل، وسط دعوات متزايدة إلى دعم الحقوق الفلسطينية.
8- تنظيم أنشطة طلابية وجامعية داعمة لفلسطين: بقيادة طلاب عرب أو مسلمين، شارك ما يقرب من 30 مجموعة طلابية في جامعة هارفارد في التوقيع على رسالة مفاداها تحميل النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن مختلف الأحداث في الأيام القليلة الماضية، وقد وصفت تلك المجموعات إسرائيل بأنها "دولة فصل عنصري استعمارية".
وتتأسس رؤية تلك المجموعات – التي تضم مجموعات دعم إسلامية وفلسطينية، بالإضافة إلى مجموعات أخرى ذات خلفيات متنوعة، بما في ذلك "يهود هارفارد من أجل التحرير" و"منظمة المقاومة الأمريكية الأفريقية" – على ضياع حق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة بموجب قرارات الأمم المتحدة في الوقت الذي تتعمد فيه "إسرائيل ممارسة سياسات عنصرية؛ ما أبقى غزة معزولة ومحاطة بجدران عملاقة". والجدير بالذكر أن نشاط تلك المجموعات قد لاقى إدانة واسعة من بعض خريجي جامعة هارفارد؛ وذلك على شاكلة عضوة الكونجرس الجمهورية "إليز ستيفانيك" التي دعت مسؤولي الجامعة إلى التنديد بالرسالة واتخاذ إجراءات ضد الموقعين.
9- إتاحة الفرصة للكتاب الفلسطينيين للتعبير عن آرائهم: بخلاف التصور السائد عن انحياز الإعلام الأمريكي لوجهة نظر الإدارة الأمريكية الرسمية، أفردت بعض الصحف الأمريكية الرائدة مساحات لبعض الكتاب الفلسطينيين للتعبير عن آرائهم؛ فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" – على سبيل المثال – مقالاً للفلسطيني "داود كتاب" (الصحفي وأستاذ الصحافة في جامعة برينستون سابقاً)، ليدفع فيه بأن ما حدث في إسرائيل لا ينبغي أن يفاجئ أحداً؛ فقد تعددت تحذيرات المسؤولين الفلسطينيين من مخاطر حدوث انفجار محتمل إن لم يحدث تقدم سياسي يخفف معاناة الفلسطينيين.
واستدل على ذلك بكلمة العاهل الأردني "الملك عبد الله الثاني" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي قال فيها؛ "بدون وضوح بشأن مستقبل الفلسطينيين، سيكون من المستحيل الاتفاق على حل سياسي لهذا الصراع... يعيش خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال بلا حقوق مدنية". فمنذ "عام 2014، توقفت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويرغب الفلسطينيون في التحرر من الاحتلال ومن المستوطنات الأجنبية الاستعمارية على أراضيهم، وإن عجزوا عن تحرير أراضيهم باستخدام الوسائل السياسية. ونتيجة لذلك، لم يعد أمامهم خيار سوى محاولة معالجة القمع الذي يتعرضون له".
10- خروج بعض المسيرات الحاشدة المساندة لفلسطين: تعددت التظاهرات الأمريكية المؤيدة للجانب الإسرائيلي مقابل أخرى أيدت الجانب الفلسطيني. وقد اتسم بعضها بالسلمية، وإن انتهى بعضها بوقوع اشتباكات بين المتظاهرين واندلاع بعض أعمال العنف.
فعلى سبيل المثال، نظم ما يقرب من 100 شخص مظاهرة داعمة لفلسطين أمام البيت الأبيض، لتنطلق من أمام مقر إقامة الرئيس "بايدن" في ساحة "لافاييت" بوسط واشنطن. وقد لوح المتظاهرون بأعلام فلسطين، ورفعوا لافتات تنادي بتحريرها، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الفلسطينيين، ووقف كل المساعدات الأمريكية لإسرائيل، بجانب وقف الاحتلال فوراً. وقد سار المتظاهرون من البيت الأبيض إلى مبنى وزارة الخارجية الأمريكية؛ حيث انتهت المسيرة التي دفعت الشرطة إلى إغلاق بعض الشوارع دون حدوث أي اعتقالات.
تداعيات محتملة
يستدعي هذا الموقف غير الرسمي، وحالة التباينات التي هيمنت عليه، عدداً من التداعيات المحتملة على الداخل الأمريكي، وهو الأمر الذي يمكن تناوله على النحو التالي:
1- اندلاع الاشتباكات بين المتظاهرين: على الرغم من سلمية كثير من المسيرات، اندلعت اشتباكات عنيفة في بعضها، لا سيما في شيكاغو وأتلانتا ولوس أنجلوس وفورت لودرديل بولاية فلوريدا ومدن أمريكية كبرى أخرى نتيجة التقاء بعض المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل والمعارضين لها. وفي مانهاتن، اندلعت تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين وأخريين للمناهضين لها، كما احتشد المتظاهرون خارج القنصلية الإسرائيلية في أتلانتا وأمام القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو وفي ميدان تايمز سكوير؛ حيث شارك مئات من المتظاهرين المناهضين لإسرائيل. وللتضييق عليهم، تذرع بعض عمداء المدن بأن المسيرات المؤيدة لحماس غير مصرح بها. وقد شهدت بعض التظاهرات وقوع بعض الإصابات بين المتظاهرين، لا سيما في ساحة تورلينجتون بلازا بجامعة فلوريدا؛ حيث تجمع أكثر من 1000 شخص، ونقل أكثر من 30 شخصاً إلى المستشفى.
2- تصاعد التشكيك في موضوعية الإعلام الأمريكي: أفضت تغطية وسائل الإعلام الأمريكي للأحداث، التي غلب عليها الانحياز لإسرائيل، إلى تصاعد التشكيك في موضوعية الإعلام الأمريكي. لقد ظهرت هذه الإشكالية في حالة مراسلة شبكة "سي إن إن" الأمريكية "سارة سيدنر" التي أثارت الكثير من الجدل بعد ترديدها ونشرها التقارير الإسرائيلية عن "قطع رؤوس أطفال ورضع على يد عناصر من حركة حماس خلال عملية طوفان الأقصى"، ولكنها فيما بعد اعتذرت عن ذلك الأمر، بعد اكتشاف أن هذه الصور والتقارير غير صحيحة؛ إذ كتبت "سيدنر" على موقع "إكس" معتذرة عن ترديدها هذه الأخبار: "بالأمس قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه تأكد من قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال والرضع بينما كنا على الهواء مباشرة. وتقول الحكومة الإسرائيلية اليوم إنها لا تستطيع تأكيد قطع رؤوس الأطفال ... كان يجب أن أكون أكثر حذراً في كلماتي.. أنا آسفة".
3- تفاقم الاستقطاب السياسي داخل الولايات المتحدة: صحيح أن الموقف السياسي غلب عليه الدعم لإسرائيل، بيد أن هذا لم يمنع وجود أصوات مخالفة، وهي التي ظهرت مثلاً مع اعتراض البعض على تصريحات السيناتور الأمريكي "ليندسي جراهام" التي وصف فيها الأحداث في إسرائيل وغزة بقوله: "نحن في حرب دينية"، داعياً إسرائيل إلى "تسوية الأرض للدفاع عن نفسها".
كما تجلى هذا الموقف المعارض للدعم المطلق لإسرائيل في الرسالة التي قدمها 55 عضواً تقدمياً بالكونجرس يوم 13 أكتوبر الجاري، وهي الرسالة التي بدأت بإدانة هجوم حماس على إسرائيل، ولكنها في الوقت ذاته، طالبت بضرورة امتثال إسرائيل للقانون الدولي، وحماية المدنيين الأبرياء في غزة، والعمل على استعادة توصيل الغذاء والماء والوقود والكهرباء وغيرها من الضروريات إلى غزة بسرعة؛ لضمان حصول المدنيين الأبرياء على الأساسيات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، والتعاون مع الشركاء الإقليميين لإنشاء ممر إنساني لتمكين إيصال هذه الضروريات، والسماح للمدنيين الفلسطينيين والمواطنين الأجانب، بما في ذلك المواطنون الأمريكيون، بالبحث عن ملاذ آمن خارج غزة، وكذلك تثبيط أي جرائم كراهية وردود فعل عنيفة ضد أي أمريكي تثبيطاً علنياً – بمن فيهم من اليهود والمسلمين – بجميع الوسائل بما في ذلك التواصل مع الشعب الأمريكي أن حماس ليست الشعب الفلسطيني وأن الشعب الفلسطيني ليس حماس؛ فضلاً عن التأكد من أن طلبات التمويل التكميلي المقدمة إلى الكونجرس تشمل المساعدات الإنسانية لكل من الفلسطينيين في غزة والإسرائيليين.
4- تزايد جرائم الكراهية والعنف: يحتمل أن تدفع التغطية الإعلامية الأمريكية غير المتوازنة للأحداث، وكذلك الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، نحو المزيد من جرائم الكراهية والعنف ذات الدوافع الدينية. لقد ظهرت مؤشرات ذلك الأمر مع حادث قتل صبي يبلغ من العمر 6 سنوات وإصابة امرأة (32 عاماً)، في بلدة بلينفيلد بولاية إلينوي. وهو الحادث الذي اتهمت فيه الشرطة الأمريكية، بحسب تقارير يوم 16 أكتوبر الجاري، شخصاً يسمى "جوزيف تشوبا"، وذكرت أن حادث القتل كان بسبب عقيدة الضحيتين الإسلامية، كما ذكر مكتب عمدة مقاطعة ويل أن الاستهداف كان بسبب الصراع الحالي بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة.
5- تنامي مخاوف إدارة "بايدن" من جرائم العنف الديني: يعزز حادث مقتل الصبي في بلدة بلينفيلد من مخاوف إدارة "بايدن" من تعرض المجتمع الأمريكي لموجة جديدة من جرائم العنف الديني والإسلاموفوبيا، ولعل هذا ما دفع "بايدن" إلى التعليق على الحادث بقوله: "إن عمل الكراهية المروع هذا ليس له مكان في أمريكا، وهو يتعارض مع قيمنا الأساسية: التحرر من الخوف بشأن الطريقة التي نصلي بها، وما نؤمن به، ومن نحن"، وأضاف: "يجب علينا – نحن الأمريكيين – أن نتحد ونرفض الإسلاموفوبيا وجميع أشكال التعصب والكراهية. لقد قلت مراراً وتكراراً إنني لن أصمت في وجه الكراهية. لا مكان في أمريكا للكراهية ضد أي شخص".
6- تصاعد معضلات الشركات والعلامات التجارية الأمريكية: اللافت أن حالة التباين إزاء الأحداث في غزة وإسرائيل انتقلت، بشكل أو بآخر، إلى الشركات والعلامات التجارية الأمريكية، وخاصةً أن العديد من الشركات، مثل ماكدونالدز وستاربكس، أعلنت عن مساندتها إسرائيل. وفي هذا الصدد، وقعت أزمة داخل مؤسسة ستاربكس حينما انتقدت شركة ستاربكس، يوم 11 أكتوبر الجاري، رسالة لنقابة "اتحاد عمال ستاربكس" حول عملية طوفان الأقصى؛ إذ نشرت النقابة رسالة بعنوان "تضامناً مع فلسطين" على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" فوق صورة لجرافة تديرها حماس وهي تهدم سياجاً في قطاع غزة خلال الهجمات ضد إسرائيل.
7- اتساع حدة التأزم داخل المؤسسات الأكاديمية والجامعات: تفضي طريقة التفاعل مع الأحداث في غزة وإسرائيل إلى اتساع حدة التأزم الداخلي والانقسامات داخل الجامعات الأمريكية. ظهر ذلك مثلاً مع توقيع طلاب، ضمن أكثر من 30 مجموعة طلابية في جامعة هارفارد الأمريكية، على رسالة ضد إسرائيل، واعتبروا أن إسرائيل هي المسؤولة وحدها عن وقوع أعمال العنف، وهو البيان الذي قوبل باعتراض وانتقاد كبير من قبل المجموعات الداعمة لإسرائيل، كما خرجت "كلودين جاي" رئيسة جامعة هارفارد الأمريكية، لتشير إلى أن البيان المؤيد للفلسطينيين الذي أصدره طلاب الجامعة وحمل إسرائيل مسؤولية أعمال العنف التي تجتاح المنطقة، "لا يعبر عن المؤسسة التعليمية ككل أو قيادتها".
ختاماً، فإنه في اتجاه مضاد لموقف الإدارة الأمريكية الرسمي الداعم لإسرائيل، يمكن الدفع بالانقسام الحاد في الرأي العام الأمريكي؛ الأمر الذي ينصرف إلى سردية الأحداث، وأسباب الهجوم، والوضع القانوني والإنساني لقطاع غزة، وغير ذلك. وبالرغم من غلبة الاتجاه الداعم لإسرائيل، فإن ما جرى خلال الأيام التالية لعملية طوفان الأقصى يستدعي عدداً من الإشكالات والمعضلات بالنسبة إلى الداخل الأمريكي؛ لأنه يخلق المزيد من الانقسامات، وربما يدفع نحو موجة جديدة من الكراهية والعنف تكون ذات دوافع دينية.