د. محمود زكريا

تشهد السنغال الواقعة في إقليم غرب أفريقيا تحولات سياسية بارزة خلال الآونة الأخيرة؛ حيث تسعى قوى المعارضة إلى تعزيز حضورها عبر عدد من الآليات، كان آخرها الإعلان عن تشكيل ائتلاف معارضة موسع جديد، وهو الائتلاف الذي أُطلِق عليه "كتلة الليبراليين والديمقراطيين"، ويضم في إطاره عدداً كبيراً من أحزاب المعارضة والحركات الليبرالية والديمقراطية، يصل إلى نحو (40) حزباً وحركة سياسية، ولعل أبرزها "التحالف من أجل الجمهورية" (APR)، وهو حزب الرئيس السابق "ماكي سال". ويأتي تشكيل هذا الائتلاف الحزبي في ظل توقعات بإمكانية حل البرلمان "الجمعية الوطنية" وإجراء انتخابات تشريعية جديدة في الأشهر القادمة، في ضوء تصاعد الصدام بين النظام الحاكم بقيادة الرئيس الحالي "باسيرو ديوماي فاي" والمعارضة السياسية بشأن إصدار بيان السياسة العامة للدولة. ويطرح هذا التطور السياسي العديد من التساؤلات بشأن مدى فاعلية هذا الائتلاف المعارض الجديد.دلالات بارزةثمة العديد من الدلالات الرئيسية المرتبطة بتشكيل ائتلاف معارضة جديد في السنغال خلال الآونة الأخيرة، وهي الدلالات المتمثلة فيما يلي: 1– نجاح المعارضة في تشكيل إطار تنظيمي موسع ضد النظام الحاكم: تبلور ذلك من خلال تشكيل المعارضة السياسية ائتلافاً موسعاً في 22 أغسطس 2024، وهو الائتلاف الذي أُطلِق عليه "كتلة الليبراليين والديمقراطيين" (BLD) bloc of liberals and democrats أو "تاكو"، وقد ضم هذا الائتلاف عدداً كبيراً من الأحزاب والحركات السياسية المعارضة في السنغال للنظام الحاكم بقيادة الرئيس الحالي "باسيرو ديوماي فاي"؛ حيث شمل نحو (40) حزباً سياسياً، ولعل من أبرزهم "التحالف من أجل الجمهورية" (APR)، وهو الحزب الذي ينتمى إليه الرئيس السنغالي السابق "ماكي سال"، وحزب "ريومي" Rewmi الذي يقوده "إدريسا سيك"، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين 2002 و2004 في عهد الرئيس الأسبق "عبد الله واد"، وشارك للمرة الرابعة على التوالي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المنعقدة في عام 2024، كما أنه كان يُعَد من أبرز المعارضين للرئيس السابق "ماكي سال" قبل أن ينضم إليه ويسانده لاحقاً، ويضاف إلى ذلك "الحزب الليبرالي – الديمقراطي"، واتحاد الوسطيين في السنغال (UCS).2– محاولة المعارضة تشكيل جبهة موحدة للتعبئة السياسية: تجلَّى ذلك من خلال الإعلان التأسيسي للائتلاف الجديد، الذي أشار إلى أن هدفه الرئيسي يتمثل في تجميع الموارد البشرية والمادية والمالية لتعزيز السياسات والقيم المشتركة. ولعل هذا ما أكده "مودو دياني فادا" أحد الأطراف المؤسِّسة للائتلاف الجديد؛ حيث أشار إلى أن الهدف من تأسيس هذا الائتلاف يتعلق في الأساس بإنشاء تكتل معارض للحكومة، يُجسِّد في الأساس تكتلاً أيديولوجياً مختلفاً عن النظام الحاكم في المقام الأول، وكذلك يعكس تكتلاً انتخابياً مؤثراً في الانتخابات التشريعية المقبلة في الدولة؛ وذلك من أجل الحصول على الأغلبية البرلمانية لإدخال النظام الحاكم في حالة تعايش مع المعارضة السياسية.3– تبلوُر مخاوف لدى المعارضة من عقد انتخابات تشريعية مبكرة: يرجع ذلك إلى تباعد المواقف السياسية بين الحكومة والبرلمان "الجمعية الوطنية" منذ وصول الرئيس الحالي "باسيرو ديوماي فاي" في أبريل 2024؛ حيث رفض رئيس الوزراء "عثمان سونكو" الإدلاء ببيان السياسة العامة في مطلع يوليو 2024 انطلاقاً من أن اللوائح الداخلية السارية في البرلمان لا تلزمه بذلك منذ إلغاء منصب رئيس الوزراء في عام 2019؛ فعلى الرغم من عودة منصب رئيس الوزراء إلى العمل في عام 2021، فإن الأحكام المتعلقة بهذا المنصب لم تعد إلى النظام الداخلي في البرلمان؛ علماً بأن المادة (55) من الدستور تقضي بأن يعلن رئيس الوزراء بيان سياسة الحكومة الذي يحدد السياسات الرئيسية والخطط وأولويات الإدارة السياسية أمام الجمعية الوطنية في موعد لا يتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تعيينه وفقاً للأحكام الواردة في اللوائح الداخلية للجمعية الوطنية.كما أكد رئيس الوزراء التزامه باحترام الفصل بين السلطات ومبدأ الشرعية، وأعلن تسليمه بيان سياسة حكومته إلى الشعب السنغالي وهيئة محلفين تتألف من أكاديميين ومثقفين ومواطنين غير سياسيين إذا لم يتم حل الأمر بحلول 15 يوليو 2024، وأشار إلى أن هذه ستكون بمنزلة فرصة مناسبة لمناقشة حرة ومفتوحة، وقد أدى ذلك إلى خلق انقسامات في الآراء داخل البرلمان؛ إذ أيَّد المشرعون التابعون للحزب الحاكم القرار، بينما أدانه المشرعون المعارضون، ولعل هذا ما دعا تحالف "بينو بوك ياكار" إلى توظيف أغلبيته البرلمانية لإلغاء مناقشة الميزانية التي كان من المقرر عقدها في 29 يونيو 2024. والجدير بالذكر أن البرلمان قد عقد أول دورة استثنائية في 13 أغسطس 2024؛ وذلك لمناقشة ملف اللوائح الداخلية، وقد توصَّلت الهيئة في إطار هذه الجلسة إلى اتفاق لتحديث هذه اللوائح.4– سعي الرئيس السابق "ماكي سال" إلى العودة السريعة إلى المشهد السياسي: تبلور ذلك من خلال وجود حزبه "التحالف من أجل الجمهورية" (APR) على رأس قائمة الأحزاب المشاركة في ائتلاف المعارضة الجديد الذي تم تشكيله في أواخر أغسطس 2024، وهو ما قد يعزز فرص الحزب للحضور بشكل مؤثر في "الجمعية الوطنية" في حال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وتأتي تطلعات "ماكي سال" في هذا الشأن غير منفصلة عن مساعيه السابقة للحصول على ولاية رئاسية جديدة عبر تمرير تعديل دستوري، وهو ما لم ينجح فيه بفعل تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية المضادة، وما نتج عنها من حالة عنف واسعة النطاق في منتصف عام 2023.تحديات محوريةثمة عدد من التحديات التي قد تواجه ائتلاف المعارضة الموسع الجديد الذي تشكل في السنغال خلال الآونة الأخيرة، ويمكن إلقاء الضوء على أبرزها على النحو التالي:1– غياب بعض الأطراف السياسية الفعالة عن الائتلاف: ولعل من أبرز هذه الأطراف "كريم واد" وهو نجل الرئيس الأسبق "عبد الله واد" الذي تولى مقاليد الحكم في الدولة خلال الفترة (2000 – 2012)، ويقود "الحزب الديمقراطي السنغالي" (PDS)، وقد تم استبعاده من خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2024 بسبب عدم أهليته للترشح؛ نظراً إلى حمله جنسية مزدوجة فرنسية وسنغالية؛ علماً بـأنه قد تم فتح قنوات للاتصال معه للانضمام إلى الائتلاف الجديد. وينطبق الأمر ذاته على مرشح الانتخابات الرئاسية السابقة "علي أمادو با"، الذي قدم نفسه خلالها مرشحاً للاستقرار والاستمرارية في مجال السياسة الاقتصادية التي اتبعها الرئيس السابق "ماكي سال"، كما تولى عدة مناصب وزارية؛ من بينها وزارات الخارجية والاقتصاد والمالية.2– تمتع النظام الحاكم بقواعد تأييد وشعبية كبيرة: يدعم ذلك أن الرئيس الحالي "باسيرو ديوماي فاي" مثَّل رمزًا من رموز النضال الشعبي والمعارضة السياسية الحقيقية في عهد الرئيس السابق "ماكي سال"؛ إذ قام الأخير بوضعه في السجن في أبريل 2023 وظل فيه قرابة عام، ولعل ذلك ما ساهم في تعزيز مساحة التأييد الشعبي له على نحوٍ ساهم في حسمه سباق الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في عام 2024 في جولتها الأولى، كما أنه يحظى بشرعية وقبول كبير من المواطنين بفعل تركيزه في خطاباته السياسية على دعم الاستقلال والابتعاد عن عباءة الهيمنة الفرنسية بكافة صورها، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، والمناداة بالحريات الفردية والجماعية، والمطالبة بإيجاد حلول لمشكلات الطبقات المهمشة في المجتمع.كما حرصت حكومة الرئيس "فاي" منذ توليها الحكم على فتح قنوات الاتصال مع المواطنين، وهو ما تبلور من خلال دعوة رئيس الوزراء السنغالي وزعيم حزب "باستيف" عثمان سونكو، في أواخر أغسطس 2024، إلى تنظيم ورش عمل تدريبية وإعلامية في الدولة بهدف جمع آراء المواطنين من أجل ضمان فهم مشترك لبرنامج الحكومة وضمان قدرة الجميع على المساهمة في نجاحه الذي يعتمد في الأساس على درجة الدعم الشعبي.3– تطوير النظام الحاكم استجابات فعلية للمشكلات القائمة: وهي الاستجابات التي لطالما نادت بها القوى السياسية في الدولة، ولعل من ذلك قيام رئيس الوزراء "عثمان سونكو" بتشكيل لجنة في أواخر أغسطس 2024 مسؤولة عن فحص العقود التي وقَّعتها الدولة مع الشركات الأجنبية لتحديد العقود غير العادلة. وتتمثل مهمة هذه اللجنة في تعقُّب الاختلالات، وكشف الثغرات القانونية، وإعادة السنغال إلى مكانتها الصحيحة في الشراكات الاقتصادية، وخاصةً في قطاع النفط والغاز. والجدير بالذكر أنه من المتوقع وفقاً للمراقبين، أن تفحص هذه اللجنة الاتفاقيات الموقعة مع شركة "وودسايد" الأسترالية التي تدير حقل "سانجومار" النفطي على بعد نحو (100) كيلومتر جنوب "داكار"، وكذلك شركة "بريتيش بتروليوم" التي تدير حقل الغاز "جي تي إيه" المشترك مع موريتانيا في شمال البلاد.ويضاف إلى ذلك تخطيط الحكومة لتنبي خطة لإنقاذ شركة طيران السنغال التي تعاني من العديد من الصعوبات، والتي كشف عنها وزير البنية التحتية والنقل البري والجوي السنغالي "المالك ندياي" في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في 20 أغسطس 2024، فضلاً عن إطلاق الحكومة مشروعاً لمحاربة الفقر في 25 يونيو 2024 بدعم مالي من الحكومة الكندية بميزانية قدرها (9) مليارات فرنك أفريقي في أربع مناطق، وهي "تامباكوندا" (شرق البلاد) و"كولدا" و"سيديو" (جنوب البلاد)، وإدارتان في منطقة "داكار"، وهما "روفيسك" و"غيدياوي" (غرب البلاد). ويستهدف هذا المشروع بشكل أساسي دعم النساء والشباب وتمكينهم اقتصادياً واجتماعياً وتعزيز إدماجهم المالي.كما طالب الرئيس السنغالي الحكومة في 14 أغسطس 2024 باستكمال تحديث قانون التوجيه الزراعي والغابات الرعوية، وإعادة إرساء سياسة البحث والإرشاد الزراعي وفقاً للمعايير الدولية، وتنشيط نظام البحث الزراعي والغابات، والنظام الرعوي الوطني وتعزيز المعهد السنغالي للبحوث الزراعية بالبنية التحتية التكنولوجية الجيدة والموارد البشرية والمالية الهامة، وكذلك أعلن في 4 يوليو 2024 استحداث هيئة عليا للقضاء ومحكمة دستورية، فضلاً عن إنشاء منصب قاضٍ للحريات والاعتقال لتحسين النظام القضائي في الدولة.4– تأثير وجود الرئيس السابق "ماكي سال" على فاعلية الائتلاف: يعزز من ذلك تصاعد وتيرة الرفض المجتمعي المواجه له في ضوء السياسات والممارسات التي شهدتها فترة حكمه (2012–2024)؛ حيث بلغ معدل الفقر نحو (37.4%) وفقاً للبنك الدولي في عام 2018، الذي صنفها دولةً ضمن قائمة الشريحة الدنيا من الدول المتوسطة الدخل في عام 2019، فضلاً عن تصنيف السنغال في الترتيب الـ(170) من أصل (191) دولة وفقاً لمؤشر التنمية البشرية في عام 2021، بالإضافة إلى تفاقم أوضاع عدم المساواة في الدولة وفقاً لمعامل "جيني".وختاماً، يمكن القول إن تشكيل المعارضة السياسية في السنغال ائتلافاً موسعاً جديداً، ينم عن محاولتها إنتاج ذاتها عبر خلق حالة من الوحدة والتكامل لتأسيس أرضية سياسية راسخة في الأوساط الشعبية؛ من أجل تعزيز فرصها في حصد عدد كبير من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية المقبلة. وتتوقف فاعلية هذا الائتلاف على قدرته على الاستمرارية والتوسع، ولا سيما في ضوء ما يتمتع به النظام الحاكم من شعبية ملموسة. وتطرح الرؤية المستقبلية المحتملة تبلور مساعٍ من قِبل النظام الحاكم لتبني بعض الإجراءات التي من شأنها احتواء المعارضة السياسية عبر فتح قنوات اتصال جادة معها للحيلولة دون تأثيراتها السلبية على مستقبله السياسي من جانب، وتسريع وتيرة الإجراءات الإصلاحية لإيجاد حلول جذرية للمشكلات المجتمعية القائمة على مختلف الأصعدة من جانب آخر.

ما دلالات تشكيل تحالف جديد للمعارضة في السنغال؟