تعطيل النشاط:

يؤثر اعتماد داعش على التسويق الإعلامي لأنشطته من أجل تضخيم نفوذه وتأثيراته على النقاط التي يتمركز بها، على التعاطي الدولي مع مناطق انتشاره، ومنها منطقة شرق أفريقيا. وفي هذا الصدد، أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بياناً مطلع نوفمبر الجاري لتحذير رعاياها من الوجود في شمال شرق موزمبيق حتى المناطق الجنوبية لوسط تنزانيا، اتساقاً مع تقديرات استخبارية حول تزايد نفوذ داعش في هذه المنطقة وتهديده بتنفيذ هجمات تعتقد لندن أنها ستُوظَّف أداةً للتربح السياسي.

استثمارات متراجعة

ثمة مجموعة من المؤشرات المعبرة عن إضرار تنظيم داعش بالاستثمارات في منطقة شرق أفريقيا، وتتضح هذه المؤشرات عبر ما يلي:

1– سعي داعش إلى زيادة الضعف الأمني في شرق أفريقيا: يستغل تنظيم داعش التراجع الأمني والعسكري بالمنطقة لتعزيز نفوذه في شرق أفريقيا عبر تلك الفروع، وهو ما يظهر أثره خلال العمليات الكبرى التي استطاع تنفيذها، مثل حشده مئات العناصر للهجوم على مركز شرطة بتنزانيا في منطقة متاخمة للحدود مع موزمبيق في 2020، والقدرات التي أظهرها خلال حصار مدينة بالما الساحلية بشمال شرق موزمبيق في مارس 2021.

2– توظيف التنظيم الهجمات على المناطق السياحية: تحقق الهجمات ضد المناطق السياحية أهدافاً مؤثرة للجماعات الإرهابية، أبرزها زيادة تسليط الضوء، ومضاعفة التغطية الإعلامية لأنشطتها، فضلاً عن التأثير على موارد الدخل للدولة التي يوجدون بها، وهو ما يحقق غايتهم في امتلاك أداة للضغط السياسي. وتزداد فاعلية الضغط السياسي خلال هذا المتغير عبر إيقاع ضحايا من جنسيات أجنبية مختلفة، وهو ما يسعى داعش إلى تحقيقه عبر التموضع في البقاع الساحلية بالمنطقة.

3– تضرر استثمارات الملاحة البحرية في شرق أفريقيا: تعج منطقة شرق أفريقيا بفرص ضخمة للاستثمار في عدة مجالات؛ فعلى الرغم من شهرة البقعة الساحلية بحقول الطاقة ومناجم المعادن الثمينة، فإن ملف الموانئ والخدمات اللوجستية تبلور مصدراً مهماً للدخل الأجنبي؛ نظراً إلى قرب المنطقة من الممرات الملاحية الدولية، لا سيما قناة السويس التي يتدفق عبرها 12% من حجم التجارة العالمية سنوياً. وبوجه عام، ترتبط أهمية الموانئ التجارية بحجم النقل البحري؛ إذ يمثل النقل البحري ما لا يقل عن 80% من نسبة التجارة العالمية. ولا شك أن نشاطات داعش في المنطقة تضر باستثمارات الملاحة البحرية في شرق أفريقيا.

4– استفادة داعش من الثروات الطبيعية في المنطقة: يعد إقليم كابو ديلجاو، الذي يمثل معقل تنظيم داعش بشرق أفريقيا، مورداً حيوياً للغاز ومناجم الماس والياقوت، ومن ثم يسعى التنظيم إلى الاستفادة من الوجود به لتحقيق دخل خاص به، سواء بالسيطرة على ثرواته والتربح منها بشكل مباشر، أو عبر المساومة على أمن المراكز الحيوية بالإقليم. وقد أدت هجمات داعش إلى سحب شركة "توتال" الفرنسية استثماراتها من حقول الغاز، وأعلنت شركة "جيم فيلدز" إيقاف عملها بمنجم الياقوت التابع لها لحين إيجاد حل ناجع للهجمات الإرهابية للتنظيم بالإقليم.

5– تربح التنظيم من الاستثمارات الناشئة بالمنطقة: شهدت تنزانيا وموزمبيق، خلال السنوات القليلة الماضية، تطوراً في ملف الاستثمارات الناشئة في مجالات الموانئ وشبكات الطرق والأنفاق، وهو ما عزز الاستثمارات الأجنبية بالقطاعات المذكورة. ويحقق ذلك لداعش أهدافه في أجندته المكررة حول الانتشار الإعلامي والمساومة المالية والتوظيف الدولي.

6– استغلال التوترات بدول المنطقة لاستقطاب أنصار: تُمثل الصراعات السياسية والمشكلات الاقتصادية فرصاً مهمة لداعش من أجل حشد المزيد من العناصر لصفوفه وتكوين كتلة موازية تحمل السلاح في وجه مؤسسات الدولة والمواطنين.

أدوات مطلوبة

تبقى أدوات تقويض الإرهاب بالغة الأهمية لتحقيق الاستقرار، ومن ثم الاستفادة من فرص الاستثمار في شرق أفريقيا. وتتمثل أبرز الأدوات المطلوبة لتقويض الإرهاب في شرق أفريقيا فيما يلي:

1– توفير الدعم الدولي لمكافحة الإرهاب العابر للحدود: في ظل التحديات المُثارة سلفاً، فإن قدرة الحكومات على مواجهة الإرهاب تبدو غير متكاملة، وتحتاج إلى دعم دولي، وهو ما سبق أن عبَّر عنه رئيس موزمبيق "فيليبي نيوسي" عبر طلبه ضرورة دعم بلاده عسكرياً واستخباراتياً لإيجاد حل لأزمة انتشار الإرهاب في المنطقة.

2– تحقيق توافق دولي حول الاستثمار بثروات المنطقة: من شأن التنافس بين القوى الدولية الكبرى على ثروات المنطقة دون توافق الأجندات المختلفة، تعطيل إيجاد حلول لأزمات المنطقة، وخلق فرص أوسع لتنامي الجماعات الإرهابية عبر استغلال منافذ الخلافات. وتأتي أهمية هذا العامل من الحداثة النسبية للملفات الاستثمارية بالمنطقة، فضلاً عن مكاسبها المحتملة.

3– معالجة النعرات المحلية التي ينفذ منها الإرهاب: إن الجدال الداخلي حول التفرقة بين الفرص العادلة للاستثمار الأجنبي وما تحققه من إفادة للاقتصاد الوطني وبين الخطاب العاطفي حول عودة النفوذ الخارجي إلى المنطقة وربطه بالخبرات السابقة للاستعمار؛ يُشكل عاملاً هاماً لحسم الضغوط المُثارة ضد الحكومات في هذا الملف.

وتظهر في هذا الصدد أهمية غلق المجال أمام الجماعات الإرهابية التي توظف خطابات المظلومية والعرقية للنفاذ عبر الطبقات المجتمعية المختلفة من خلال خطاب مُوازٍ حول دور عناصرها المحلية في حماية ثروات المنطقة لمواطنيها أصحاب العرق والطائفة ذاتها، وما يوازيها من محاولات لجماعات أخرى لا تنتمي بالضرورة إلى التيار التكفيري.

4– دعم مسار سياسي توافقي يحقق العدالة بالمنطقة: يمكن للقوى الدولية المُستثمرة بالمنطقة دعم مسار سياسي توافقي يحقق قدراً من العدالة الاقتصادية بالداخل، وقدراً من الرضا بين المواطنين لتخفيف حدة الصراعات. ويمكن تحقيق ذلك عبر دعم مادي ولوجستي لتنفيذ عمليات انتخابية شفافة، وتعضيد المسارات الديمقراطية للحكم، ودعم تماسك مؤسسات الدولة الرسمية لتمكين الأمن والاستقرار، مع عدم التورط في التدخل السياسي أو العسكري الكامل؛ لعدم تطور الجبهات الداخلية المناوئة.

اهتمام مفقود

وختاماً، يعد توافر الإرادة الدولية لمعالجة الأزمات الناشئة في منطقة شرق أفريقيا من أهم المتغيرات التي يمكن التأسيس عليها لإيجاد حلول ناجعة لتقويض انتشار الإرهاب وتقليل تأثيراته على فرص الاستثمار؛ إذ لا يمكن تحقيق الاستفادة الكاملة من المشروعات الاقتصادية في ظل بيئة أمنية مضطربة.

وتحتاج المنطقة إلى دعم مالي واستخباري، بينما يعتمد التحالف العسكري في حد ذاته على الموافقة الداخلية، وهي متوافرة، وعلى الرغبة الحقيقية للقوى الكبرى في تطهير المنطقة من الإرهاب والتنافس العادل على الفرص الاستثمارية دون مواربة أو إجحاف لحقوق مواطني المنطقة، على أن تكون مهمة ومدة وجود القوات العسكرية الأجنبية واضحة ومحددة سلفاً لتقليل النزاعات المحتملة، كما أن الأبعاد العقائدية والاجتماعية التي يتمدد على إثرها تنظيم داعش في أفريقيا، مستميلاً الجماعات المحلية للارتباط به والانضواء تحت لوائه، تحتاج أيضاً معالجة فكرية.