توازنات "مويزو":

فاز مرشح المعارضة "محمد مويزو" (45 عاماً) في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بجزر المالديف التي أجريت في 30 سبتمبر 2023 وحصل على (54.06%). وتكتسب تلك الانتخابات أهمية خاصة، لا سيما في ظل توجهات "مويزو" المؤيدة للتقارب مع الصين والداعية إلى تقليص التعاون، وخاصة  العسكري، مع الهند، بعكس سلفه الذي كان متحالفاً مع نيودلهي؛ الأمر الذي سيعزز التنافس الجيواستراتيجي الإقليمي بين الصين والهند لبسط النفوذ بمنطقة الهندوباسيفيك في ظل تصاعد الاهتمام الأمريكي والدولي بتلك المنطقة.

دلالات رئيسية

عكست الانتخابات الرئاسية ونتائج جولتها الثانية عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- فوز مرشح المعارضة بفارق ملحوظ في الجولة الثانية: بعد أن أخفق أي من المرشحين في الحصول على أكثر من 50% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات التي أجريت مطلع سبتمبر الماضي؛ حيث حصل الرئيس المنتهية ولايته "إبراهيم صليح" على 39% من الأصوات، فيما حصل "مويزو" على 46% تقريباً، عقدت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في المالديف في 30 مارس الماضي، وأسفرت عن فوز مرشح المعارضة "محمد مويزو" على بنحو 54% من الأصوات؛ وذلك فيما حصل الرئيس السابق "إبراهيم صليح" على نحو 46% من إجمالي الأصوات، وقد خرج "صليح" بعد ذلك ليؤكد فوز مرشح المعارضة، وتجنب التشكيك في نتائج الانتخابات، وكتب تعليقاً على موقع "إكس" قائلاً: "أهنئ مويزو على فوزه في الانتخابات وأشكر الناس على روحهم الديمقراطية المثالية".

2- التأثير السلبي للانشقاقات الحزبية على فرص "صليح": بالرغم من الانتقادات المتعددة من جانب المعارضة المالديفية للرئيس المنتهية ولايته "إبراهيم صليح" التي تركزت بصورة رئيسية على سياساته الاقتصادية وتوسعه في العلاقات مع الهند،  فإن ثمة عاملاً رئيسياً كان له تأثير مضاعف على "صليح"، وهو متعلق بالانشقاقات داخل حزبه (الديمقراطي المالديفي) قبل الانتخابات، وخروج حليفه السابق "محمد نشيد"، الذي يشغل حالياً منصب رئيس البرلمان، من الحزب لينشئ حزبه الخاص في ظل شعوره بأنه قد جرى تهميشه داخل الحزب من قبل "صليح". ولم يكتف نشيد بذلك بل دعم مرشحاً آخر وهو "إلياس لبيد" الذي حصل على 7% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات.

3- ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية: شهدت الانتخابات الرئاسية ارتفاع نسبة المشاركة فيها، وبلغت نحو (85%) بواقع 282 ألف ناخب؛ أي ما يقرب من نصف عدد السكان. وأوضحت منظمة "مراقبة الشفافية" وقوع بعض حوادث "العنف الانتخابي" واعتقال 14 شخصاً خالفوا قواعد التصويت. ويبدو أن نسبة المشاركة العالية تعكس رغبة من جانب الناخبين في تغيير المشهد السياسي في ظل مطالب رئيسية بتحسين الأوضاع الاقتصادية.

4- مراهنة "مويزو" على خبراته السياسية والمهنية: استند "مويزو" البالغ من العمر 45 عاماً، إلى خبراته السابقة من أجل تعزيز حملته الانتخابية والحصول على المزيد من الأصوات؛ حيث إنه حاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية من المملكة المتحدة، وعمل مهندساً في القطاع الخاص قبل التحاقه بالسياسة، قبل أن يصبح عمدة العاصمة ماليه، كما تولى في فترة ما منصب وزير الإسكان والبنية التحتية.

وقد تم طرح اسم "مويزو" في الانتخابات الرئاسية بوصفه مرشحاً توافقياً من جانب ائتلاف الحزب التقدمي لجزر المالديف والمؤتمر الوطني التقدمي؛ حيث برز مرشحاً توافقياً للائتلاف بعد أن مُنع زعيم الحزب التقدمي لجزر المالديف والرئيس السابق للدولة "عبد الله يمين" من خوض الانتخابات من قبل المحكمة العليا؛ حيث يقضي حكماً بالسجن لمدة أحد عشر عاماً في قضية غسيل أموال.

5- تنوع قضايا الحملة الانتخابية لـ"مويزو": ركزت الحملة الانتخابية لـ "مويزو" على مجموعة من القضايا، بما في ذلك أزمة الإسكان في العاصمة المكتظة، التي تعاني من ندرة الأراضي، وانخفاض احتياطيات البلاد من الدولار. وقد دفعت هذه المشكلة إلى تقديم مقترحات من قبل "مويزو" وغيره من المرشحين خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية "لإلغاء الدولرة" فيما يتصل بالتجارة، كما أكد مويزو ضرورة التعامل مع مخاطر التغييرات المناخية؛ لأن بلاده من أكثر الدول عرضةً لظاهرة الاحتباس الحراري؛ لأن 80% من جزرها ترتفع عن سطح البحر بمتر واحد؛ ما سيعرضها للغرق إذا ارتفعت مياه البحر، وهو ما حدث خلال عام 2004 عند تعرضها لموجات "تسونامي"؛ حيث غرق عدد من جزر المالديف.

وعلى الصعيد الخارجي، كانت القضية الرئيسية لحملة مويزو العلاقات مع الهند؛ إذ وجه انتقادات حادة للرئيس المنتهية ولايته لأنه توسع في التحالف مع الهند، حتى إنه صرح بعد إعلان فوزه أنه "ملتزم بوعده الذي قطعه خلال حملته الانتخابية بإخراج الأفراد العسكريين الهنود المتمركزين في المالديف".

6- تبني الرئيس الجديد خطاباً تصالحياً: أعلن الرئيس المالديفي المنتخب "محمد مويزو"، في كلمته لأنصاره بعد إعلان فوزه يوم 30 سبتمبر 2023، عن رغبته في "توحيد البلاد بغض النظر عن الانتماء السياسي؛ لأن جميع المواطنين مالديفيون يتمتعون بالحقوق نفسها وعليهم الواجبات عينها"، كما لوح بأنه يرغب في "انتقال سلمي" للسلطة. وقد حذر "مويزو" من "وجود أشخاص يسعون إلى زرع الاضطرابات وتعطيل مصالح البلاد، ودعا المواطنين إلى عدم السماح بأي اضطرابات من شأنها تعريض أمن واستقرار البلاد للخطر"، وقد فسر ذلك على أنه حديث موجه للرئيس السابق "صليح" والأحزاب المؤيدة للتقارب مع الهند التي أصبحت حالياً في صف المعارضة.

7- مساعي أطراف دولية عديدة لتعزيز العلاقات مع الرئيس الجديد: بالرغم من التوقعات بأن يؤدي وصول "مويزو" إلى سدة الرئاسة إلى بعض التحولات في العلاقات الخارجية للدولة في ظل ترجيحات بأنه سيسعى إلى تعزيز العلاقات مع الصين على حساب الهند؛ سارعت أطراف دولية عديدة إلى تهنئة الرئيس الجديد، وفي مقدمتها الهند، وكذلك الولايات المتحدة التي عبرت عن رغبتها في العمل والتعاون مع الرئيس الجديد، كما هنأت الصين الرئيس الجديد، وذكر بيان لوزارة الخارجية الصينية أن بكين "مستعدة للعمل مع المالديف لتوطيد الصداقة التقليدية وتعميق التعاون الذي يعود بالفائدة على الجانبين وإحراز تقدم في شراكة التعاون الشاملة بين البلدين التي تتطلع إلى المستقبل".

تداعيات محتملة

يعرف عن رؤساء جزر "المالديف" مراوحة تحالفاتهم الإقليمية بين الهند والصين باستمرار؛ فقد كان "عبد الله يمين" حليفاً لبكين، ثم تولى "صليح" المقرب من الهند (2018-2023)، ثم خسر الانتخابات وفاز "مويزو" المقرب من الصين لتعود بكين مرة أخرى حليفاً استراتيجياً للمالديف. وهذه النتائج ستؤدي إلى عدد من التداعيات المحتملة على السياسة الخارجية للمالديف، وكذلك طبيعة التفاعلات في الهندوباسيفيك، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تصاعد النفوذ الصيني في المالديف: يعد فوز "مويزو" انتصاراً للصين حليفته، وقد برز ذلك من خلال الإفراج عن "يمين" الرئيس الأسبق المقرب من بكين ونقله من سجنه للإقامة الجبرية؛ وذلك بعد الحكم عليه بالسجن 11 عاماً في ديسمبر 2022 بتهم تتعلق بالفساد. وهذا الفوز سيؤدي إلى تعزيز التعاون بين بكين وماليه، وتعزيز التنافس الصيني الإقليمي بمنطقة الهندوباسيفيك وبحر الصين الجنوبي، وهي المنطقة التي تشهد خلافات صينية آسيوية متعددة، بين بكين ودول الآسيان كالفلبين وفيتنام اللتين تعترضان على سلوك بكين ببحر الصين الجنوبي، واعتراض اليابان وكوريا الجنوبية على الدعم الصيني لكوريا الشمالية، فضلاً عن مخاوف الدول الجزرية الصغيرة بالهندوباسيفيك من تصاعد النفوذ الصيني؛ ما دفعها إلى إبرام اتفاقيات دفاعية مع أستراليا والهند واليابان مثل (جزر ميكرونيزيا)،  فضلاً عن تعاون بعض تلك الدول مع تايوان الذي تعترض عليه بكين.

2- مساعي الهند لتخفيف التوتر مع الرئيس الجديد: تبنى الرئيس الجديد خطاباً سلبياً تجاه العلاقات مع نيودلهي، وهو ما يعطي مؤشرات سلبية حول مستقبل العلاقات بين الطرفين. هذا التوجه السلبي ربما يدفع نيودلهي إلى البحث عن مسار للتعاون مع الرئيس الجديد. ولعل هذا ما يفسر مسارعة الهند إلى تهنئة الرئيس الجديد؛ حيث تعهد رئيس الوزراء الهندي، في 1 أكتوبر الجاري، بمواصلة دعم العلاقات الثنائية مع المالديف.

من المرجح أن تعمل الهند على تسوية أي خلافات مع الرئيس الجديد، وخاصة أنها  تصف "جزر المالديف" بأنها الجار البحري الرئيسي لها بالمحيط الهندي، وتحتل كذلك مكانة خاصة في رؤية رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" (الأمن والنمو للجميع في المنطقة) التي تقضي بأن المحيط الهندي وجزره ضمن المجال الحيوي الاستراتيجي الهندي؛ لذا يجب تعزيز التعاون والتحالف مع كافة دوله، وقد تحقق ذلك خلال زيارة الرئيس المنتهية ولايته "صليح" إلى نيودلهي في أغسطس 2022؛ حيث وقع على 6 اتفاقيات تعاون في البنية التحتية والأمن السيبراني بين بلاده والهند التي تمول مشروعات المياه والصرف الصحي في 34 جزيرةً، وتقوم ببناء ميناء بحري ومستشفى وملعب للكريكيت؛ ولذا فإن التعاون بينهما يحقق مصلحة استراتيجية للطرفين.

ومع ذلك، فإن الهند ستواجه تحدياً رئيسياً على المستوى الشعبي والمجتمعي؛ حيث ستكون مطالبة بتحسين التواصل الثقافي والشعبي لتعزيز "الثقة" وتغيير الصورة الذهنية لها بين قطاعات واسعة من سكان المالديف الذين يرونها "دولة محتلة".

3- تعزيز التنافس بالهندوباسيفيك: هنأت واشنطن "مويزو" وأعلنت عن "تطلعها إلى استمرار العلاقات القوية المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة" بين الطرفين، وهي تهدف بذلك إلى استمرار العمل بالاتفاقية الدفاعية التي وقعتها واشنطن مع جزر المالديف في سبتمبر 2020 دون معارضة من الهند التي أصبحت تتشارك مع واشنطن الرغبة في كبح جماح الطموح الصيني للهيمنة على منطقة الهندوباسيفيك وبحر الصين الجنوبي. وبررت المالديف الاتفاق بأنه سيساهم في مواجهة "القرصنة والإرهاب وإرساء السلام بالمنطقة".

وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق تم التوقيع عليه خلال حكم الرئيس السابق "صليح" الذي كان حليفاً للهند، التي ترى أن الوجود الأمريكي بالمنطقة سيعزز المصالح الاستراتيجية للهند في مواجهة الصين، وهو ما دفعها للانضمام إلى تحالف "كواد" الذي ضم (أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية). وأجرت هذه الدول حوارات أمنية وتدريبات عسكرية في الهندوباسيفيك، وصفتها الصين بأنها موجهة ضدها، وبأن هذه التحركات والاتفاقيات الأمريكية تهدف إلى احتواء نفوذ الصين بالمنطقة، ضمن تفعيل الاستراتيجية الأمريكية لجعل منطقة الهندوباسيفيك "حرة ومفتوحة" للتجارة والنقل ودعم الديمقراطية بدولها، وهو ما تعده الصين تحركاً ضدها؛ ما يعزز التنافس بين بكين وواشنطن.

4- احتمالية تبني رئيس المالديف الجديد سياسة الموازنة: رغم إعلان انحياز رؤساء المالديف السابقين إلى قوى إقليمية كالصين أو الهند، فإنهم حرصوا على التوازن في علاقاتهم بين القوتين؛ فقد قام "صليح" – وهو حليف الهند – بزيارة إلى بكين في يناير 2022، وعقد عدة اتفاقيات استراتيجية معها. والتزم "يمين" بتنفيذ الاتفاق العسكري مع الهند رغم اعتراضه عليها؛ حيث قاد بعد انتهاء حكمه حملة "الهند للخارج" الهادفة إلى إخراج القوات والمعدات الهندية العسكرية من "المالديف" التي دعمت ترشيح "مويزو". والأخير رغم تعهده بإنهاء التعاون العسكري مع الهند، تعهد باستمرار العلاقات الوثيقة اقتصادياً معها؛ وهذا لتحقيق أهداف بلاده التي تعتمد على المنح والقروض الصينية والهندية لتطوير بنيتها التحتية؛ ولذا قد يلجأ الرئيس الجديد للمالديف إلى إحداث توازن بصيغة جديدة في علاقاته مع بكين ونيودلهي، وكذلك واشنطن، بما يحقق المصالح الاستراتيجية لبلاده.

خلاصة القول أن رئيس المالديف الجديد "محمد مويزو" سيواجه عدداً من التحديات الداخلية المتعلقة بالوضع الاقتصادي لبلاده والخارجية المرتبطة بتحديد علاقات بلاده مع القوى الإقليمية بالمحيط الهندي، والأحرى به العمل على تحقيق التوازن في سياسته الخارجية وفي علاقاته مع الصين والهند وعدم الانحياز التام إلى أيٍّ منهما؛ لأن ذلك سيحمي دولته الصغيرة بالهندوباسيفيك من ضغوط الاستقطاب الدولي وسط تصاعد التنافس الصيني الهندي الأمريكي بالمنطقة.