إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
-حذر كل من النائب الجمهوري الأمريكي جوس بيليراكيس، الرئيس المشارك للجنة الكونجرس المعنية بالشؤون الأرمينية، والنائب الديمقراطي براد شنايدر، في 21 أبريل 2025، من نية تركيا نشر منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية S-400 في قاعدة جوية تسعى إلى إقامتها في سوريا. وقد جاءت هذه التحذيرات بعد ورود تقارير عن مناقشات بين مسؤولين أمريكيين وممثلين أتراك حول مقترح تركي لنقل منظومة S-400 إلى دمشق، ما أثار قلقاً بالغاً في الأوساط السياسية الأمريكية. إذ ترى واشنطن أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تغييرات في توازن القوى الإقليمي، خاصةً وأن نشر المنظومة قد يحد من حرية التحركات الجوية الإسرائيلية في الأجواء السورية. وفي هذا السياق، يُثار التساؤل حول التحديات التي قد تحول دون تنفيذ أنقرة لهذه الخطوة.
تحركات مكثفة
منذ صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق، كثفت تركيا تحركاتها لتوسيع نفوذها الأمني والعسكري داخل سوريا، وتتجلى هذه التحركات في عدة خطوات رئيسية هي:
1- تعيين أنقرة ملحقاً ومستشاراً عسكرياً في دمشق: في مطلع مارس 2025، قامت أنقرة بتعيين ملحق عسكري في سفارتها بدمشق، في خطوة تؤكد حرصها على تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع الحكومة السورية الجديدة. ويُعد هذا التعيين تمهيداً لمشاركة تركية فاعلة في جهود إعادة هيكلة الجيش السوري، حيث تخطط تركيا لتزويده بمنتجات من صناعاتها الدفاعية المتقدمة. كما تقرر تعيين مستشار عسكري تركي ضمن فريق العمل مع الجيش السوري، في سياق استعدادات أنقرة للاضطلاع بدور رئيسي في تدريب وتأهيل هذا الجيش.
2- إجراء زيارات أمنية رفيعة المستوى إلى سوريا: شهدت الأشهر الماضية تكثيفاً واضحاً للزيارات الأمنية التركية إلى سوريا، في تأكيد على عمق التنسيق المتزايد بين الجانبين. فقد زار رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم كالن، دمشق في 12 ديسمبر 2024، أعقبتها في 13 مارس 2025 زيارة وفد رفيع المستوى ضم وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس جهاز المخابرات. وهدفت هذه الزيارة إلى بحث آليات توسيع التعاون العسكري، ووضع أسس عملية لعلاقات أمنية أعمق.
3- التحضير لتوقيع اتفاق أمني مشترك مع سوريا: بالتوازي مع هذه التحركات، ومع تشديد الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، على ضرورة تحويل العلاقات مع أنقرة إلى شراكة استراتيجية شاملة، بدأت ترتيبات لإبرام اتفاق أمني مشترك بين البلدين. ومن المتوقع أن يتضمن هذا الاتفاق إنشاء قواعد جوية تركية في وسط سوريا، إلى جانب منح تركيا دوراً مباشراً في تدريب الجيش السوري الجديد. وتُعد هذه الخطوة تجسيداً لرغبة الطرفين في تحويل العلاقة الأمنية إلى تحالف طويل الأمد يخدم مصالحهما المشتركة في المنطقة.
تحديات مركبة
رغم مساعي أنقرة لتطوير القدرات العسكرية السورية من خلال شراكة أمنية متنامية مع السلطة الجديدة في دمشق، إلا أن احتمالية نشر منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 في سوريا تظل مستبعدة، نظراً لجملة من الاعتبارات السياسية والعسكرية، التي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- تخوف أنقرة من العقوبات الأمريكية المحتملة: تخشى أنقرة من أن تؤدي خطوة كهذه إلى إثارة غضب واشنطن، التي لا تزال تعتبر امتلاك تركيا منظومة S-400 الروسية انتهاكاً لمصالح الولايات المتحدة الأمنية، لا سيما وأن التحركات داخل الكونجرس تشير إلى توجه متزايد لتصعيد الضغط على أنقرة في حال مضت قُدماً في نشر المنظومة داخل سوريا. وقد أعرب عن ذلك النائبان الأمريكيان جوس بيليراكيس وبراد شنايدر، اللذان حذرا من أن هذه الخطوة "ستبعث برسالة مقلقة للحلفاء والمنافسين، وتعد مكافأة لموسكو"، كما أشارا إلى أن إعادة إدخال منظومة روسية إلى المشهد السوري قد يُحدث تحولاً جوهرياً في موازين الدفاع الجوي بالمنطقة، بغض النظر عن الجهة المُشغّلة.
في المقابل، تعي أنقرة أن الخسائر المحتملة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى خسارة الامتيازات الدفاعية واللوجستية المرتبطة بتحالفها مع واشنطن، فضلاً عن تأثير محتمل على طموحاتها للعودة إلى برنامج تصنيع مقاتلات إف-35.
2- احتمالية تفاقم التوتر بين إسرائيل وتركيا: ثمة تقديرات تفيد بأن نشر منظومة S-400 قد يفاقم التوتر القائم بين أنقرة وتل أبيب، خصوصاً في ظل رفض إسرائيل المتكرر لتنامي التعاون العسكري بين تركيا والقيادة الجديدة في دمشق. وقد تجلى هذا الرفض في الغارات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي في 22 مارس 2025 على مواقع تُعد ضمن دائرة النفوذ التركي داخل سوريا، شملت مطار حماة، ومطار T4 بريف حمص، وثكنة عسكرية في الكسوة جنوب دمشق. وتخشى إسرائيل أن يؤدي نشر S-400 إلى إعاقة تحركاتها الجوية في المجال السوري، ما قد يدفعها إلى ردود فعل أكثر حدة تجاه أنقرة، وربما تصعيد المواجهة على الأرض.
3- حساسية العلاقة بين تركيا وحلف الناتو: ترتبط تركيا بتحالف طويل الأمد مع الناتو، غير أن العلاقة تمر بمرحلة من التوتر الصامت، على خلفية موقف أنقرة من الحرب في أوكرانيا، وتنامي انفتاحها على تكتلات دولية أخرى مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة "بريكس". ونظراً لمعارضة الناتو الصريحة لأي انتشار لأنظمة تسليح روسية في الإقليم، فإن خطوة من هذا النوع قد تُفاقم الشكوك داخل الحلف حيال نوايا تركيا، وتدفع نحو تدهور العلاقات. من هنا، تبدو أنقرة حريصة على الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن، في إطار ما يُعرف بسياسة "الاحتواء المتبادل"، والتي تجلّت سابقاً في موافقتها على انضمام السويد إلى الناتو مطلع عام 2024.
4- حذر أنقرة من ردود الفعل الأوروبية: بالرغم من التصريحات الإيجابية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي في 12 أبريل 2025 بشأن أهمية الدور الأوروبي في تعزيز الاستقرار السوري، إلا أن احتمالية نشر منظومة S-400 لا تحظى بقبول أوروبي. فهناك قلق متصاعد داخل أوروبا من التوسع العسكري الروسي، وسط مؤشرات على استعداد روسي لخوض صراعات طويلة الأمد، سواء في أوكرانيا أو على جبهات أخرى كمنطقة البلطيق. وفي هذا السياق، تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى الحد من النفوذ الروسي في سوريا، وهو ما يفسر تحركاتها الأخيرة نحو الانخراط في علاقات مباشرة مع القيادة السورية الجديدة. وبالتالي، فإن نشر تركيا للمنظومة الروسية قد يُنظر إليه كتهديد مباشر لمصالح أوروبا الأمنية.
ورقة تفاوضية
وختاماً، يمكن القول إنه رغم جهود أنقرة في تطوير منظومة التسليح السورية وتعزيز شراكتها العسكرية مع دمشق، إلا أن خيار نشر منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S-400 في سوريا لا يزال مستبعداً بفعل تحديات سياسية وعسكرية ضخمة. إذ من شأن هذه الخطوة أن تُفاقم العلاقات المتوترة أصلاً بين تركيا والغرب، وقد تدفعها إلى نقطة الذروة في التأزم، ما يجعل اتخاذ مثل هذا القرار محفوفاً بكلفة استراتيجية باهظة. ومع ذلك، لا يُستبعد أن تُوظف أنقرة هذه الورقة كورقة ضغط تفاوضية في مواجهة القوى الغربية، ولا سيما فيما يتعلق باستمرار دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال سوريا، أو في إطار سعيها لتحييد الانتقادات الأوروبية المرتبطة بالأوضاع الداخلية، خاصةً بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول.
جميع الحقوق محفوظة لموقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية 2023