ميرال حسين


        
<p><strong>أثار قرار </strong><strong>المحكمة العليا الأمريكية </strong><strong>إلغاء السياسات المتعلقة بزيادة التنوع العرقي والإثني في الجامعات – التي تندرج تحت ما يمكن وصفه بالتمييز الإيجابي الهادف إلى تعزيز حظوظ الأمريكيين من أصول إفريقية وباقي الأقليات في الالتحاق بالجامعات – مخاوف جمَّة في الولايات المتحدة؛ بسبب حساسية توقيت الصدام بين الرئيس "جو بايدن" والمحكمة العليا الأمريكية، خاصةً أنه يأتي ضمن سلسلة من الأحكام المناهضة لأجندة "بايدن"؛ أبرزها إلغاء المحكمة العليا أيضاً قبل ذلك بأسبوع برنامج الإعفاء من قروض الطلاب الذي وضعه الرئيس "بايدن"، والذي كان يهدف إلى الإعفاء من ديون قروض الطلاب لأكثر من 43 مليون مقترض أمريكي، وغير ذلك من الإجراءات التي تربك حسابات "بايدن" في وقت يستعد فيه للانتخابات الرئاسية القادمة في 2024، ومحاولته استقطاب أصوات متنوعة، وكذلك أصوات الشباب في الانتخابات؛ ما أثار التساؤلات حول أبعاد هذا الصدام، بل تداعياته على المستقبل القريب للخريطة السياسية الأمريكية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>إذ قضت المحكمة العليا </strong><strong>في قضيتين أن سياسة القبول في جامعتَي "هارفارد" و"نورث كارولينا"، بها تمييز غير قانوني ضد المتقدمين الأمريكيين. في المقابل، رفضت الجامعتان هذه الادعاءات، وقالت إن العرق مسألة حاسمة في عدد قليل فقط من الحالات، وأن منع مثل هذه السياسات سوف يقود إلى انخفاض لافت في عدد الطلاب من الأقليات في الجامعات.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أبعاد متشابكة</span></strong></p>



<p><strong>في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأمريكية إلى معالجة عدم المساواة المنهجية، أظهرت أحكام المحكمة العليا الأخيرة تشابك الأبعاد العرقية والمساواة، وكذلك الصدام بين السلطتين التنفيذية والقضائية في عملية صنع القرار الأمريكي؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- الحضور المؤثر لأنصار "ترامب" في المحكمة:</strong> جاء قرار إلغاء السياسات المتعلقة بزيادة التنوع العرقي والإثني بدعم قوي من ثلاثة قضاة عيَّنهم الرئيس السابق "دونالد ترامب"؛ حيث صوَّت ستة قضاة محافظون لصالح حظر تلك السياسات، بينما صوَّت القضاة الثلاثة الليبراليون ضد القرار. وقد صاغ نص القرار رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، الذي أوضح أن "التمييز الإيجابي" كانت نواياه "حسنة"، لكن لا يمكن تطبيقه إلى الأبد، وكان فيه تمييز يتعارض مع الدستور، وأضاف أنه يجب أن يُعامل الطلاب بناءً على خبراتهم بصفتهم أفراداً لا بناءً على العرق، مضيفاً أن قبول الطلاب بناءً على لون بشرتهم ينطوي على تمييز، فيما احتفى الرئيس السابق ترامب بالقرار وقال إنه "يوم عظيم لأمريكا".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تخلي الرأي العام عن "بايدن":</strong> على الرغم من أن البلاد منقسمة على أحكام عديدة رفيعة المستوى، وينظرون بشكل متزايد إلى المحكمة على أنها مدفوعة بالسياسة أكثر من القانون، فإن استطلاعاً لـABC News / Ipsos، في الفترة من 30 يونيو إلى 1 يوليو 2023، أظهر موافقة 52% من الأمريكيين على حكم المحكمة العليا الذي يُقيِّد استخدام العرق عاملاً في القبول بالجامعة، بينما يعارض 32%. ويوافق غالبية الجمهوريين (75%) والمستقلين (58%) على الحكم، بينما توافق أقلية مميزة من الديمقراطيين (26%). كذلك أيد 45% من الأمريكيين، في هذا الاستطلاع، إلغاء المحكمة العليا أيضاً برنامج الإعفاء من قروض الطلاب الذي وضعه الرئيس "بايدن"، بينما يرفض 40% القرار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- محاولات لإحراج "بايدن":</strong><strong> </strong>يمكن القول إن قرار المحكمة إلغاء التمييز الإيجابي استبطن محاولة لإحراج الرئيس الأمريكي، وخاصةً أنه جاء عقب إلغاء المحكمة العليا أيضاً برنامج الإعفاء من قروض الطلاب الذي وضعه الرئيس "بايدن". وفي هذا الصدد، &nbsp;جادل المشرعون بأن البرنامج المقترح من الإدارة، الذي أعلنه بايدن في أغسطس الفائت، وكان من المقرر أصلاً أن يدخل حيز التنفيذ في الخريف الماضي، ينتهك الدستور والقانون الفيدرالي جزئياً؛ لأنه تحايل على الكونجرس الذي قالوا إن له السلطة الوحيدة في وضع قوانين تتعلق بإعفاء قروض الطلاب. والجدير بالذكر أن "بايدن" قد طرح مقترح إلغاء ديون قروض الطلاب خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2020.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تصاعد استياء الحزب الديمقراطي: </strong>انتقد الرئيس "جو بايدن" قرار المحكمة، وأعرب عن "خيبة أمله الشديدة"، قائلاً إن التمييز لا يزال موجوداً في الولايات المتحدة. وأوضح "بايدن" أن قرار المحكمة لن يكون الخطوة الأخيرة، وسوف تتحرك الإدارة لمواجهتها؛ لأن الجامعات تكون "أقوى بالتنوع العرقي". كما قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ "تشاك شومر" إن الحكم كان "مخيباً للآمال وقاسياً"، وأشار إلى أن إدارة بايدن لديها "طرق قانونية متبقية" ستستخدمها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات مقلقة</span></strong></p>



<p><strong>لا شك أن هذه الأحكام تطرح تحديات كبيرة أمام تعزيز التنوع والاندماج في التعليم العالي، كما أنها تسلط الضوء على الصدام</strong><strong> </strong><strong>&nbsp;المتواصل بين مؤسسة الرئاسة والسلطة القضائية؛ الأمر الذي ينطوي على بعض التداعيات على المشهد الأمريكي، وأبرزها ما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تزايد حدة الانقسام حول فرص بايدن في انتخابات 2024:</strong> يأمل الديمقراطيون أن تؤدي تحركات المحكمة لوقف الإعفاء من ديون الطلاب، وإنهاء الإجراءات التمييزية في القبول بالجامعات؛ إلى مساعدة الرئيس "بايدن" مرة أخرى على تسخير غضب الناخبين وهو يدخل في معركة إعادة انتخاب صعبة، مستشهدين بأجواء ما قبل الانتخابات النصفية للعام الماضي، بعد قرار المحكمة العليا إلغاء حق الإجهاض، وتعرض البيت الأبيض لانتقادات من قبل مؤيدي حقوق الإجهاض الذين قالوا إنه استجاب ببطء شديد لانقلاب قضية رو ضد وايد؛ لذلك يتطلع الديمقراطيون إلى أن يعيد التاريخ نفسه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>في المقابل، يرى أنصار توجه آخر أن حكم المحكمة العليا بإلغاء برنامج الإعفاء من القروض الطلابية لجو بايدن يمكن أن "يضعف بعض الدعم" للديمقراطيين في عام 2024؛ ما يضر بفرص إعادة انتخاب الرئيس؛ حيث يشكل الناخبون الشباب الحاصلون على تعليم جامعي جزءاً رئيسياً من الائتلاف الديمقراطي. وقد ارتبط الارتفاع الكبير في تصويت الشباب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 على نطاق واسع بتفوق الديمقراطيين على التوقعات، مع فشل توقع "الموجة الحمراء" للجمهوريين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تصاعد المطالبات بإصلاح هيكل المحكمة:</strong> على الرغم من انتهاء الولاية الأخيرة للمحكمة العليا الأمريكية، فإن الأخيرة قررت إنهاءها بقرار مصيري ساخن؛ لذلك استجاب التقدميون لقرارات المحكمة العليا برسالة واضحة مفادها: "حان الوقت لإعادة تشكيل المحكمة العليا"؛ الأمر الذي قد يضع "بايدن"، وهو في طريقه إلى انتخابات 2024، على خلاف مع الناخبين الشباب التقدميين الذين ينتقدون المحكمة؛ وذلك فيما يتجنب "بايدن" طرح هذه القضية بقوة، لكن بعض مستشاري بايدن يؤكدون أن إحجام "بايدن" عن تبني هذه القضية قد يجذب الناخبين المعتدلين الذين يحتاجهم إذا كان يريد الفوز بإعادة انتخابه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- إصرار ديمقراطي على إنجاح برنامج "بايدن" الانتخابي:</strong> تضع الأحكام الأخيرة للمحكمة العليا على الفور ضغوطاً على الإدارة لإيجاد وسيلة بديلة لإسقاط ديون الطلاب يمكن أن تصمد أمام الطعن القانوني؛ حيث شدد "بايدن" على أنه سيستند إلى قانون التعليم العالي لعام 1965، وهو قانون مختلف عن القانون المطروح في قضايا المحكمة العليا، الذي قال بعض الخبراء إنه يمنح وزارة التعليم سلطة واسعة، على الرغم من أن هذا الاقتراح قد يستغرق وقتاً لتنفيذه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تراجع أعداد طلاب الأقليات في الحرم الجامعي:</strong> سيجبر الحكم الصادر الجامعات المرموقة على تغيير سياساتها والبحث عن سبل جديدة لضمان التنوع العرقي بين طلابها. وقالت العديد من الكليات إن أي إجراءات أخرى سيتم اتخاذها لن تكون فعَّالة، وسينتهي الأمر إلى تراجع أعداد طلاب الأقليات في الحرم الجامعي؛ لذلك يشعر قادة التعليم العالي والحقوق المدنية بالقلق من أن قرار المحكمة العليا بشأن التمييز الإيجابي قد يشجع "من لديهم كره في أذهانهم" على حرمان الطلاب الملونين من الالتحاق بكليات النخبة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- إنهاك محتمل للاقتصاد الأمريكي:</strong> من ناحية أخرى، من المتوقع أن يكون لقرار المحكمة العليا إلغاء خطة الرئيس "بايدن" لمحو مليارات الدولارات من ديون الطلاب، تأثير مضاعف على الاقتصاد؛ حيث تبدأ ملايين الأسر في إفساح المجال لميزانياتها لسداد مدفوعات قروضها الشهرية. &nbsp;</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فمنذ مارس 2020، عندما أوقف الرئيس السابق "دونالد ترامب" مدفوعات قروض الطلاب في بداية جائحة "كورونا"، توقف ملايين المقترضين عن دفع مليارات الدولارات من مدفوعات القروض الشهرية، ووجهوا تلك الأموال بدلاً من ذلك نحو فواتير وضروريات أخرى. أما الآن، ومع إعادة بدء المدفوعات خلال الشهرين المقبلين، يثير الاقتصاديون مخاوف بشأن إذا ما كان الكثيرون قادرين على تحمل مدفوعاتهم وسط مؤشرات مقلقة للمستهلك الأمريكي، بما في ذلك معدلات الادخار المتناقصة، وارتفاع ديون بطاقات الائتمان، وزيادة حالات التخلف عن سداد قروض السيارات. كذلك قد يشهد تجار التجزئة انخفاضاً في مبيعاتهم بنسبة تصل إلى 2% بدءاً من النصف الثاني من العام نتيجةً لاستئناف عمليات السداد، وفقاً لتقرير بحثي صادر عن "كريستوفر هورفرز" المحلل في "جيه بي مورجان".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- زيادة الضغط على سوق الإسكان:</strong> يمكن أن يؤدي استئناف مدفوعات القروض أيضاً إلى زيادة الضغط على سوق الإسكان المتوترة بالفعل لمشتري المساكن لأول مرة؛ إذ كانت ديون الطلاب تشكل حاجزاً كبيراً أمام الذين يتطلعون إلى شراء منزلهم الأول، كما وجد استطلاع للرأي أجرته الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، أن 52% من جميع حاملي قروض الطلاب قالوا إن الديون أخَّرتهم عن شراء منزل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وإجمالاً لما سبق، أبرزت الأحكام الأخيرة للمحكمة العليا الأمريكية، شدة الانقسام الأمريكي؛ فمن ناحية، أبرزت القيود المفروضة على الإدارة الأمريكية، تاركةً لـ"بايدن" خيارات قليلة بخلاف الإجراءات التنفيذية الصغيرة لتخفيف قرارات المحكمة. في المقابل، سعى المرشحون الجمهوريون للرئاسة، من جانبهم، إلى الاستفادة من أحكام المحكمة باعتبار ذلك دليلاً على اتباع "بايدن" أجندة متطرفة. أما بالنسبة إلى المرشحين البارزين – مثل الرئيس السابق "دونالد ترامب" وحاكم فلوريدا "رون ديسانتيس" – فإن تصوير الرئيس باعتباره مديناً "لإيقاظ" المصالح الخاصة، هو مبدأ أساسي في برنامجهم.</strong></p>

      

كيف أصبحت قضايا "الطلاب" أداة للصراع بين "بايدن" والمحكمة العليا؟