طموحات الشتات:

تعود قضية الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة إلى تاريخ طويل ومشحون، كان قد وُضع له حد في عام 1882، عندما أقر الكونجرس الأمريكي قانون استبعاد الصينيين، استجابةً للمشاعر المعادية للصين وجماعات الضغط العمالية المنظمة؛ ما أسفر عن توقف وصول العمال الصينيين بشكل كامل لفترة طويلة. أضف إلى ذلك ضوابط الهجرة التي فرضتها الحكومة الصينية بعد الحرب العالمية الثانية والثورة الشيوعية الصينية، والتي ساهمت بقدر كبير في إعاقة الصينيين عن الحركة والهجرة إلى الولايات المتحدة.


غير أنه خلال العقد الأخير، مثلت الصين واحدة من أكبر الدول المرسلة للمهاجرين إلى الولايات المتحدة، في إطار الزيادة المطردة في أعداد المواطنين الصينيين الذين يقدمون طلبات لجوء منذ عام 2012 ليصل مجموعهم إلى أكثر من 850 ألف مواطن صيني، فضلاً عن أولئك الذين يمرون برحلة محفوفة بالمخاطر في هجرة غير شرعية إلى الحدود بين سان دييجو والمكسيك، والذين زاد وجودهم بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. ولعل العامل المشترك بين الصينيين المهاجرين هجرة شرعية وغير شرعية، هو الرغبة في البحث عن "الفرصة والحماية". وفي هذا الصدد، أعادت زيادة أعداد المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة بدون أوراق في الآونة الأخيرة، القضية إلى زخمها بعد فترة هدوء نسبي منذ تفشي جائحة كوفيد–19، وسياسات الإغلاق الصينية.


مؤشرات رئيسية

يشكل الأشخاص القادمون من الصين واحدة من أكبر مجموعات المهاجرين في الولايات المتحدة، وإن كان قد تأثر حجم وتركيبة هؤلاء السكان بشكل كبير بفعل جائحة كوفيد–19 التي قلبت الهجرة العالمية رأساً على عقب. وفيما يأتي يمكن استعراض بعض المؤشرات على عودة زخم قضية الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة.


1– ارتفاع أعداد المهاجرين الصينيين المقبوض عليهم: في الآونة الأخيرة، ارتفع عدد المهاجرين الصينيين الذين تم القبض عليهم في المكسيك والولايات المتحدة؛ حيث وصل عددهم على الحدود، بحسب تقديرات في يونيو 2023، إلى ما يقرب من 10 آلاف شخص منذ أكتوبر 2022، وهو أعلى رقم مسجل للمهاجرين الصينيين عبر الحدود على الإطلاق، وإن كان هذا أقل بقليل من 1% من أكثر من 2.2 مليون مهاجر أبلغ عنهم ضباط حرس الحدود ومسؤولو الجمارك على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك في الفترة بين أكتوبر 2022 وأغسطس 2023، وهو الشهر الأخير الذي تتوافر عنه البيانات، فيما يقدر معهد سياسات الهجرة بأن نحو 4% من 11 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة هم من الصين.


2– عودة الزيادة في أعداد الوافدين الصينيين إلى الولايات المتحدة: تشير البيانات إلى ارتفاع أعداد الوافدين الصينيين إلى الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، بعد انخفاض من 2.5 مليون مهاجر في عام 2019 إلى أقل من 2.4 مليون في عام 2021، وهو الانخفاض الذي تم إرجاعه جزئياً إلى القيود التي فرضتها إدارة ترامب على الهجرة من الصين في الأشهر الأولى من الوباء، مع وضع قواعد تأشيرة أكثر صرامة للطلاب الدوليين والعمال الأجانب طوال عام 2020، وسياسات الحكومة الصينية "صفر كوفيد" التي كانت سارية المفعول حتى أواخر عام 2022.


لكن رغم تلك الانخفاضات، ظل المهاجرون الصينيون يمثلون ثالث أكبر مجموعة من بين المهاجرين للولايات المتحدة بعد المكسيك والهند؛ حيث يمثلون ما نسبته 5% من إجمالي 45.3 مليون مهاجر في الولايات المتحدة اعتباراً من عام 2021.


3– منح المواطنين الصينيين حق اللجوء بمعدل كبير في الولايات المتحدة: تظهر بيانات وزارة العدل الأمريكية أن المواطنين الصينيين يمنحون حق اللجوء بمعدل 58%، مقارنة بـ10% لجواتيمالا، و9% لهندوراس، و11% للسلفادور. ويرجع ذلك غالباً إلى أنه من الأسهل على المواطنين الصينيين إثبات لجوئهم.


4– تحول في مسارات الانتقال المفضلة للمهاجرين الصينيين: خلال الفترة بين أكتوبر 2022 ومايو 2023، تم تسجيل ظهور أعداد كبيرة من المهاجرين الصينيين على طول الحدود بين مقاطعة سان دييجو والمكسيك في شهر واحد بنحو 366 مهاجراً، وفي يونيو 2023، قفز العدد إلى 490 قبل أن يتضاعف خمس مرات تقريباً؛ حيث ارتفع العدد إلى 2234 في يوليو 2023 و2243 في أغسطس 2023. وخلال تلك الفترة تحول الطريق المفضل للمهاجرين الصينيين من ولاية كاليفورنيا، وبالتحديد مقاطعة سان دييجو إلى ولاية تكساس، التي شهدت ارتفاعاً حاداً للغاية، ثم عاد النشاط مجدداً إلى سان دييجو؛ إذ إنه خلال الفترة الأخيرة، ظهر المهاجرون بأعداد كبيرة من جميع أنحاء العالم على حدود مقاطعة سان دييجو؛ ما دفع مجلس المشرفين بالمقاطعة إلى التصويت على إعلان أزمة إنسانية على الحدود وطلب المزيد من الدعم الفيدرالي.


محفزات رئيسية

ساهمت عدد من العوامل في تحفيز كثير من المواطنين الصينيين على الهجرة إلى الولايات المتحدة، رغم العلاقات المتوترة بين الإدارة الصينية والأمريكية، وهي العوامل التي يمكن تسليط الضوء على أبرزها فيما يأتي:


1– تباطؤ معدلات النمو في الصين: ترجع زيادة أعداد المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة، وزيادة طلبات اللجوء إلى الظروف الاقتصادية المتراجعة، على خلفية ما شهدته الصين مؤخراً من تباطؤ معدلات النمو، في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعرض لها الاقتصاد الصيني، نتيجة عمليات الإغلاق الصارمة التي فرضتها الصين لاحتواء تفشي فيروس كوفيد–19، وهو الأمر الذي دفع العديد من الأفراد إلى البحث عن فرص بالخارج، وبخاصة الولايات المتحدة.


2– ارتفاع معدل البطالة: وصل معدل البطالة بين الشباب الصينيين في المناطق الحضرية مؤخراً إلى مستوى قياسي بلغ 20.4%، أي أربعة أضعاف معدل البطالة الوطني، وهو الواقع الذي يترك آلاف الخريجين الجدد أمام آفاق محدودة، تدفعهم إلى البحث عن سبل للهجرة إلى الولايات المتحدة، خاصة أن قطاع التصنيع بالصين الذي كان فرصة جذابة من قبل، فقد بريقه في ظل تنامي تطلعات الشباب الصيني نحو فرص عمل أفضل ومغايرة عن طبيعة العمل في المصانع التي ينظر إليها البعض بالدونية.


3– تضرر أصحاب المشروعات الصغيرة في الصين: عانى أصحاب الأعمال الصغيرة في الصين خلال السنوات الأخيرة من جراء الأزمات الاقتصادية المتتالية والمتلاحقة التي شهدها العالم، وكذلك الأزمات الخاصة بالاقتصاد الصيني الناجمة عن طول فترات الإغلاق وضعف الطلب الاستهلاكي، وهي الأوضاع التي جعلت المشروعات الصغيرة وأصحابها يكابدون تحت وطأتها؛ ما دفع بعضها إلى الإغلاق، وبحث أصحابها عن سُبل للهروب من الضغوط الاقتصادية في الصين والسعي للحصول على فرص اقتصادية أفضل في الولايات المتحدة.


4– البحث عن واقع سياسي ومجتمعي مختلف: تشير العديد من التقارير الغربية إلى أن تراجع الحريات الاجتماعية والدينية من العوامل الرئيسية الأخرى المشجعة للهجرة، كما تفيد التقارير بأن تضييق السلطات الصينية على حقوق المثليين والحركات النسوية والممارسات الدينية وغيرها يدفع العديد من الأفراد إلى التفكير في الهجرة. ووفقاً لمعهد سياسات الهجرة، فإن كثيراً من طلبات اللجوء الصيني إلى الولايات المتحدة، جاءت "هرباً من القمع الحكومي ورغبة في الحصول على قدر أكبر من الحرية الدينية والسياسية والثقافية".


5– التراجع عن سياسات الحدود الأمريكية: أدى التراجع عن القيود التي فرضتها إدارة ترامب على الهجرة من الصين في أعقاب تفشي جائحة كوفيد–19، ووضعها قواعد تأشيرة أكثر صرامة على الطلاب الدوليين والعمال الأجانب خلال عام 2020، إلى اعتبار ذلك فرصة مواتية لكثير من الصينيين للبحث عن فرص الهجرة إلى الولايات المتحدة.


6– تحقيق أكبر قدر من الاستقلالية والحرية: يقدر أعداد الشتات الصيني في العالم بنحو 60 مليون نسمة، وهو ما يشير إلى أن الصين ليست غريبة عن الهجرة الواسعة النطاق، غير أنه على عكس الموجات السابقة للهجرة الصينية، فإن الموجات الجديدة من المهاجرين باتت مجهزة بشكل أفضل برأس المال والمعرفة حول العالم في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني أن المهاجريين الصينيين لا يبحثون فحسب عن فرص لتحسين ظروف معيشتهم، بل يرغبون في الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية والحرية؛ ما يجعلهم يلجؤون إلى الطرق غير النظامية في الهجرة كملاذ أخير. ولعل مفهوم "الحلم الصيني" هو ما يشجع المواطنين على ملاحقة تطلعاتهم الشخصية، بجانب تحقيق الرخاء الاجتماعي حتى إن كان خارج دولتهم.


7– تأثير الضغوط الأسرية وطريقة التربية: وفق بعض الدراسات الثقافية والتربوية، فإن الآباء الصينيين عادة ما يميلون إلى ممارسة الأبوة والأمومة بصورة تسلطية أكثر من غيرهم. ذلك الضغط الأسري هو ما يجبر أطفالهم على أن يكونوا أكثر اجتهاداً وانضباطاً من تلقاء أنفسهم، بالدرجة التي تدفعهم حين يكبرون إلى البحث عن وظائف أكثر مهارة، وعدم الاستسلام للوظائف التقليدية، حتى إن اضطرهم ذلك إلى الهجرة.


تداعيات محتملة

تدفع الموجة الأخيرة من الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة نحو عدد من التداعيات المحتملة، وفيما يأتي يمكن الوقوف على أبرزها في إطار سيناريوهين:


1– تحويل المهاجرين الصينيين إلى قوة عمل والاستفادة من قدراتهم: ثمة مؤشرات على وجود توجه عام لدى الإدارة الأمريكية لتعزيز الاستفادة من المهاجرين غير النظاميين وتحويلهم إلى قوة عمل، فضلاً عن وجود مؤشرات على انفراجة في العلاقات الصينية الأمريكية، بما يدفع إلى القول باحتمالية استغلال الولايات المتحدة المهاجرين الصينيين بصورة إيجابية، وهو ما يمكن استعراضه في ضوء ما يأتي:


أ– إطلاق الولايات المتحدة عملية لخلق مسارات شرعية للهجرة: في أبريل 2023، أعلنت الولايات المتحدة وكولومبيا وبنما عن عملية مدتها شهران للحد من تهريب المهاجرين في منطقة "دارين جاب" الواقعة على الحدود بين بنما وكولومبيا؛ وذلك باستخدام "مسارات قانونية ومرنة جديدة لعشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين بدلاً من الهجرة غير النظامية"، كما تضمن الإعلان بث استثمارات في سبيل خلق فرص عمل في المجتمعات الحدودية الكولومبية والبنمية، بهدف توفير المزيد من الفرص الاقتصادية للحد من تهريب البشر. ولعل ذلك يعد مؤشراً إيجابياً على وجود رغبة وتوجه عام لدى الإدارة الأمريكية للاستفادة من المهاجرين غير الشرعيين وتحويلهم إلى قوة عمل؛ ما يخدم بكل تأكيد المهاجرين الصينيين.


ب– محادثات أمريكية صينية للوصول إلى تفاهمات مشتركة: ثمة مؤشر على احتمال حدوث انفراجة في العلاقات الصينية الأمريكية، على خلفية المحادثات التي أجراها عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانج يي مع ممثلي مجتمع الأعمال الأمريكي والقطاعات الأخرى في واشنطن العاصمة في 28 أكتوبر 2023. وقد أبدت الصين خلال تلك المحادثات استعدادها للعمل مع الجانب الأمريكي، واتخاذ إجراءات ملموسة لتوسيع الأجندة الإيجابية للعلاقات الثنائية والحد من الأجندة السلبية.


ج– تعزيز الشراكة الثقافية والشعبية من خلال المهاجرين الصينيين: يمكن للإدارة الأمريكية الاستفادة من الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة في تعزيز التبادل الثقافي والتفاهم بين الثقافتين الأمريكية والصينية. ولعل التطورات الإيجابية الراهنة للعلاقات الثنائية الصينية الأمريكية قد تدفع ملف الهجرة الصينية للولايات المتحدة إلى جني فوائد ذلك التحسن. ومع زيادة أعداد الصينيين في الولايات المتحدة، فإن ذلك يعني وجود مجتمع صيني أمريكي أكبر، يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تعزيز العلاقات الثقافية والشعبية بين البلدين، بما يعزز التفاهم والتعاون بينهما.


د– تحفيز التبادل التجاري والاقتصادي: تتيح الهجرة الصينية للولايات المتحدة فرصاً لتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، إذا ما أراد البلدان فعلياً إحداث تقارب حقيقي بينهما وتنحية خلافاتهما جانباً؛ وذلك في ظل ما يوليه مجتمع الأعمال الأمريكي من اهتمام بالسوق الصينية، ووجود توقعات حول توسيع التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والابتكار من أجل تحقيق المزيد من الفوائد لشعبي البلدين.


وهو ما يمكن أن يحدث عبر دعم رواد الأعمال من الصينيين في المجتمع الأمريكي، وتشجيع مشاريعهم الناشئة في الولايات المتحدة، وربما دفعهم نحو العمل بوصفهم وسطاء لتسهيل التجارة بين البلدين، كأن يحفزوا الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، بما يجعلها جوهر مشاريعهم، وهو ما من شأنه أن يحفز التبادل التجاري الذي تراجع خلال السنوات الأخيرة في ظل احتدام الحرب التجارية بينهما، ومن ثم فتح قنوات للشراكات الاقتصادية بين مجتمع الأعمال الأمريكي ورواد الأعمال والمستثمرين الصينيين المهاجرين إلى الولايات المتحدة.


2– استخدام الهجرة كورقة ضغط ضد الصين: في إطار ذلك السيناريو، إذا أخفقت مساعي التقارب بين البلدين، أو احتدمت حدة الحرب التجارية بينهما مجدداً، فمن الممكن أن تعمد الإدارة الأمريكية إلى توظيف ملف الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة، وزيادة أعداد المهاجرين الصينيين إليها مؤخراً، كورقة ضغط سياسية؛ وذلك في إطار عدد من المحددات:


أ– تشويه مكانة الصين الدولية: تناولت عدد من التقارير الغربية الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة واهتمت بتحليل أسبابها، وقد وضعت على رأسها الهرب من الأوضاع الاقتصادية المتراجعة، وتضاؤل الحقوق والحريات في الصين، ومع الزيادة السريعة في الهجرة غير النظامية من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن ذلك يتعارض بشكل كبير مع الصورة المحلية والدولية المرغوبة للصين؛ لذا ربما تعمد الإدارة الأمريكية، إذا احتدمت الخلافات والحرب التجارية بينهما مجدداً، إلى توظيف المهاجرين الصينيين كورقة سياسية عبر وسائلها الإعلامية لتشويه صورة ومكانة الصين كوطن "يطرد أبناءه ويقيد حرياته".


ب– تضاعف تهديدات الأمن القومي الأمريكي: ثمة اتجاه داخل الولايات المتحدة ينظر إلى تزايد معدلات الهجرة الصينية على أنه يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، في ظل مضاعفة الحكومة الصينية جهودها للتجسس على الشركات والمؤسسات التعليمية؛ حيث يرون أن الصين من خلال مهاجريها إلى الولايات المتحدة قادرة على سرقة نشاط الملكية الفكرية المحلية والأسرار التجارية للشركات الأمريكية، وهو محدد رئيسي قد يدفع إلى استغلال ورقة المهاجرين الصينيين بصورة سلبية.


ج– استمرار التضييق على الطلاب الصينيين خشية التجسس: لا يزال الطلاب الصينيون يشكلون أكبر مجموعة من الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، لكن أعدادهم انخفضت بشكل كبير منذ وباء كورونا؛ حيث أضحت الولايات المتحدة تصدر تأشيرات أقل نتيجة المخاوف بشأن التجسس وامتداد نفوذ الحكومة الصينية إلى الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة. ولعل ذلك التوجه في حال استمراره، قد يدفع الجامعات الأمريكية في تشجيع المزيد من الطلاب الهنود عبر تقديم مِنَح مغرية لهم، باعتبارهم ثاني أكبر مجموعة من الطلاب الدوليين، بغية تعويض النقص في أعداد الطلاب الصينيين. وربما تثير مزيد من حالات التمييز ضد المهاجرين الصينيين كهذه، مخاوف واحتجاجات داخل الولايات المتحدة، بشكل قد يؤثر على العلاقات بين البلدين.


د– مآلات فشل مشروع قانون توفير الإغاثة للعمال المهاجرين: في عام 2022، طُرح مشروع قانون (HR 3648) من أجل توفير الإغاثة للعمال المهاجرين في الولايات المتحدة من أجل الحصول على البطاقات الخضراء التي تتيح للحاصلين عليها القدرة على الإقامة بشكل دائم في الولايات المتحدة، وتزويدهم بفرصة الحصول على الجنسية الأمريكية.


غير أن ذلك المشروع قوبل برفض شديد من قبل بعض الأعضاء في مجلس النواب الأمريكي؛ حيث رأوا أن ذلك يشكل دافعاً نحو زيادة أعداد المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة، وهو وضع اعتبروه تهديداً للأمن القومي الأمريكي. ولعل ذلك التوجه الرافض لتحسين أوضاع العمالة المهاجرة داخل الولايات المتحدة، ربما يعيق فرص الكثيرين من المهاجرين الصينيين في البقاء في وضع اقتصادي مريح بالشكل المتوقع.


إجمالاً، على الرغم من الفوائد المحتملة من جراء التقارب الصيني الأمريكي في الوقت الحالي في حال استمراره، على ملف الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة، فإنه إذا لم تنجح تلك المساعي الإيجابية، وزادت التوترات السياسية بين البلدين، فقد يتضرر ذلك الملف بشكل كبير، وربما يُستغل كورقة ضغط ضد الصين.


وعلى جانب آخر، استثمرت الصين تريليونات الدولارات في مبادرة الحزام والطريق على مدار عقد من الزمان، سعياً إلى ترسيخ مكانتها كقوة صاعدة وتقديم بديل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومن ثم، فإن وجود عشرات الآلاف من المهاجرين الصينيين المحبطين من سياسات حكومتهم على الحدود الأمريكية، يشير إلى أن هناك حاجة ملحة لضرورة نظر الصين إلى الداخل والاستجابة لمتطلبات شبابها من أجل تحقيق طموحاتها العالمية.