إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أعلنت حركة الشباب المجاهدين الصومالية، في 4 يناير الجاري 2024، عن موقفها الرافض لمذكرة التفاهم التي وقعتها كل من إثيوبيا وإقليم أرض الصومال في 1 يناير الجاري، وهددت – في بيان لها – الطرفين بشن هجمات انتقامية، كما دعا علي محمود راج المتحدث الرسمي للحركة، إلى حمل السلاح والقتال ضدهما.وتكشف هذه الخطوة عن رغبة الحركة في استعادة الزخم حولها مجدداً على الساحة الصومالية من خلال استمالة الرأي العام الصومالي، وما قد يصاحبه من حشد وتعبئة للمزيد من المناصرين الجدد للانضمام إليها، بما يعزز حضورها في الداخل الصومالي، الذي يخفف بدوره من حدة العمليات العسكرية التي يقودها الجيش الصومالي منذ أغسطس 2022 للقضاء على مخاطر الحركة في مناطق سيطرتها بوسط وجنوب البلاد، إضافة إلى توسيع نفوذها على الصعيد الإقليمي بما يعزز مكانتها في الساحة الإرهابية العالمية، لا سيما في ضوء دينامية التفاعلات المعقدة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي مع مطلع العام الجديد 2024؛ الأمر الذي يرجح تصعيد الحركة نشاطاتها الإرهابية في الصومال ومحيطه الإقليمي خلال المرحلة المقبلة.فرص متاحةهناك عدد من العوامل المحفزة التي يمكن أن تلعب دوراً في استعادة حركة الشباب المجاهدين نشاطها الإرهابي في الداخل الصومالي ومحيطه الإقليمي، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:1- توتر العلاقات الصومالية الإثيوبية: ربما تخدم التوترات الراهنة بين إثيوبيا والصومال مصلحة حركة الشباب التي قد تستغل انشغال الحكومة الصومالية بمواجهة الجانب الإثيوبي لإجباره على التراجع عن الاتفاق المبدئي الذي وقعته مع حكومة أرض الصومال مؤخراً. ولعل هذا ما اتضح من البيان الذي أصدرته الحركة في 4 يناير 2024، وتضمن رفض مذكرة التفاهم التي وقعتها كل من إثيوبيا وإقليم أرض الصومال في 1 يناير الجاري، كما هددت الحركة الطرفين بشن هجمات انتقامية. ودعا علي محمود راج المتحدث الرسمي للحركة، إلى حمل السلاح والقتال ضدهما.وهكذا قد يمثل تصعيد التوتر مع أديس أبابا فرصة للحركة لبناء خطاب معادٍ لها تستطيع من خلاله استقطاب المزيد من المناصرين لها، وفتح جبهة جديدة للقتال في ضوء احتمالات شن هجمات إرهابية في العمق الإثيوبي انتقاماً من توقيع الاتفاق الأخير.2- الانعكاسات السلبية للأزمات السياسية في الصومال: قد تستغل حركة الشباب التوترات السياسية في المشهد السياسي الداخلي في ضوء توترات العلاقة بين الحكومة المركزية وبعض الولايات الفيدرالية، بجانب بطء المفاوضات المتعلقة بالمسائل الدستورية، والانتقال من النظام العشائري إلى الاقتراع المباشر في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتتجلى ملامح التأزم السياسي الداخلي في حالة ولاية بونتلاند واعتراض العديد من القوى السياسية، وكذلك بعض المكونات العسكرية لإعادة انتخاب "سعيد عبد الله دني" رئيساً للولاية، وتشكيكهم في انتخابات الولاية.&nbsp;3- مساعي حركة الشباب لاستغلال أزمات الشرق الأوسط: تسعى الحركة إلى وضع نفسها مدافعاً عن قضايا الأمة الإسلامية بعدما أعلنت دعمها لحركة حماس عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة. وتستغل الحركة الاتفاق الأخير لمحاولة تنصيب نفسها كمدافع عن وحدة أراضي الصومال بعدما أعلنت نيتها شن هجمات ضد كل من أديس أبابا وهارجيسا، كما أنها تحث مقاتليها على الاستعداد للحرب مع إثيوبيا؛ الأمر الذي يشكل حافزاً لها لتحسين صورتها لدى الرأي العام الصومالي، الذي يعزز بدوره مكاسبها الاستراتيجية في عملية الحشد لانضمام مقاتلين جدد إليها، وزيادة الموارد المالية للحركة.4- توافر التمويل المادي لنشاطات الحركة: تشير تقديرات غربية إلى قدرة الحركة – التي يتراوح عدد عناصرها بين 7000 و12000 عنصر – على توفير نحو 100-150 مليون دولار سنويّاً من خلال عمليات الابتزاز وفرض الضرائب؛ وذلك من أجل تمويل أنشطتها في داخل الصومال ومحيطها الإقليمي، كما أن هناك المزيد من الشكوك حول علاقة تربط بين عناصر الحركة ومجموعة من القراصنة الذين يتورطون في اختطاف السفن التجارية قبالة سواحل الصومال، إضافة إلى تفاوض الحركة مع القراصنة وجماعة الحوثي اليمنية بخصوص شراء بعض الأسلحة لتعزيز عملياتها الإرهابية في القرن الأفريقي.5- قرب انسحاب قوات أتميس من الصومال: تجد الحركة فرصة جيدة لتوسيع نفوذها على نطاق جغرافي واسع في داخل الصومال مع اقتراب موعد خروج قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في البلاد (أتميس) بحلول ديسمبر 2024؛ فمن المرجح أن تتضاعف الهجمات الإرهابية للحركة أملاً في تكرار تجربة طالبان بأفغانستان، لا سيما أن الجيش الصومالي لا يزال بحاجة إلى مزيد من التدريب والكفاءة القتالية لكي يتحمل المسؤولية الأمنية في البلاد بشكل كامل.6- استمرار قدرة الحركة على تنفيذ بعض الهجمات المؤثرة: ترغب حركة الشباب في تخفيف حدة الضغوط عليها منذ إطلاق الحكومة الصومالية العملية العسكرية الشاملة ضد عناصر الحركة في أغسطس 2022، بمساندة شركائها المحليين والدوليين، خاصة بعد تصريحات بعض مسؤولي الحكومة الصومالية، وفي مقدمتهم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الذي أكد التزامه في ديسمبر 2023 بتحرير البلاد من حركة الشباب، وتفاؤل مستشاره للأمن القومي حسين معلم محمود حول تحرير ولايتي هيرشبيلي وجلمدغ من مقاتلي الحركة بحلول فبراير 2024 في ضوء استمرار العمليات العسكرية لحسم الصراع مع الحركة.وفي هذا الصدد، نفذت حركة الشباب بعض الهجمات الإرهابية المؤثرة التي تستهدف بها القوات الصومالية، مثل قوات "دنب" وقوات "جور جور" الخاصة واستهدفت بعض قادتها واستولت على أسلحتهم ومعداتهم العسكرية، إضافة إلى السيطرة على طائرة تابعة للأمم المتحدة وطاقمها عقب سقوطها إثر عطل فني في إحدى المناطق التي تسيطر عليها الحركة في وسط الصومال. ونفذت الحركة أيضاً – بحسب تقارير – يوم 20 يناير الجاري، هجوماً ضد قاعدة للشرطة العسكرية في مقديشو أفضى إلى مقتل عدد من الجنود الصوماليين.&nbsp;&nbsp;وتحاول الحركة الالتفاف على بعض حالات الانشقاقات والاستسلام من جانب بعض قياداتها ومقاتليها خلال الفترة الأخيرة، بجانب استهداف بعض قادة الحركة مثل عمراني محمد ملاق ومعلم أيمن في ديسمبر الماضي؛ حتى لا تنتشر روح الهزيمة بين صفوف مقاتليها، ومن ثم تسعى إلى الدفع نحو الأمام للتغلب على تلك التحديات التي تواجهها، خاصة أنها تتميز بالتكيف مع كافة التطورات والتفاعلات التي تشهدها الساحة القتالية والسياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي.7- إمكانية اختراق أمن دول الجوار الإقليمي: تعد هجمات حركة الشباب وتمددها إلى بعض دول الجوار الإقليمي، مثل كينيا، بمنزلة رسالة إلى المجتمع الدولي بقدرتها على تهديد المصالح الإقليمية والدولية في منطقة القرن الأفريقي. ويعزز هذا الطرح شن عناصر الحركة هجوماً إرهابيّاً على مقر شركة الاتصالات الكينية "سفاريكوم" في منطقة شمال شرق كينيا، التي تعرضت للعديد من الهجمات المتتابعة على مدار السنوات الماضية؛ الأمر الذي يعزز المخاوف من نواياها بشأن شن هجمات إرهابية ضد كل من إثيوبيا وإقليم أرض الصومال خلال المرحلة المقبلة.8- الاستفادة المحتملة من قرار مجلس الأمن برفع حظر الأسلحة: ربما تشعر حركة الشباب بارتياح تجاه قرار مجس الأمن الدولي بشأن رفع حظر الأسلحة عن الصومال؛ لكونها تتوقع أن تستفيد من الأسلحة والزي الرسمي والذخيرة التي سيتم توافرها خلال الفترة المقبلة؛ ما يشير إلى اختراق الحركة بعض الدوائر الحكومية الصومالية، بجانب تيقنها من الاستيلاء على الأسلحة والمعدات العسكرية في ساحات القتال مع القوات الصومالية، ناهيك عن أن هذا القرار يشجع العديد من القوات الدولية على الانسحاب من الصومال وترك مسؤولية مواجهة التهديدات الأمنية للحكومة الصومالية، وهو ما قد يحفز حركة الشباب على مضاعفة هجماتها ضد القوات الصومالية.مخاوف محتملة تشير تطلعات حركة الشباب إلى تعزيز نشاطها وهجماتها الإرهابية في الصومال والمنطقة، إلى جملة من التداعيات المحتملة السلبية، التي يتمثل أبرزها في:1- انعدام الأمن في الداخل الصومالي: وذلك نتيجة التوسع المحتمل لنشاط حركة الشباب بحيث تصبح أكثر قدرة على تعبئة مقاتليها لاستئناف هجماتها في أنحاء البلاد، واستعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها لصالح القوات الحكومية التي تجد صعوبة في الحفاظ على تلك المناطق المحررة من الحركة.2- التفاوض على تمديد بعثة أتميس: قد تضطر الحكومة الصومالية إلى التفاوض مع الاتحاد الأفريقي لتمديد عمل بعثة أتميس في البلاد، للمساعدة في مواجهة الإرهاب بالبلاد، وربما تذهب – في حالة فشل إقناع أتميس – إلى توقيع اتفاقات ثنائية للتعاون الأمني مع بعض دول المنطقة لاستمرار قواتها بجانب الجيش الصومالي خلال المرحلة المقبلة.3- مخاوف من استمرار حالة ضعف الدولة الصومالية: يعد استمرار العملية العسكرية الشاملة للجيش الصومالي ضد حركة الشباب بمنزلة استنزاف للقدرات العسكرية الصومالية، وتهديد مباشر لمقدرات الدولة الصومالية التي تصنفها العديد من المؤشرات الدولية على أنها دولة هشة، بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في استتباب الأمن وإنقاذ الاقتصاد الوطني الصومالي، وهو ما يشكل تهديداً لمستقبل وحدة وتماسك البلاد في المرحلة المقبلة.4- تزايد الاضطراب الإقليمي في القرن الأفريقي: ينذر توتر العلاقات الصومالية الإثيوبية بتصعيد محتمل في المنطقة ربما يدفع إلى اندلاع حرب إقليمية، بما يهدد أمن واستقرار المنطقة المضطربة أمنيّاً منذ سنوات. ويُلاحظ أن حركة الشباب تجد في هذا المناخ المضطرب مجالاً حيويّاً للتمدد وتوسيع نشاطها وعملياتها الإرهابية في المنطقة، بما يعزز دورها باعتبارها فاعلاً إقليمياً قادراً على زعزعة استقرار المنطقة، وما يعنيه من توسع نشاط الإرهاب والعنف في الإقليم.5- تصاعد التدخلات الخارجية في القرن الأفريقي: إن استمرار اعتماد الحكومة الصومالية على الدعم الخارجي في ضوء حاجتها إلى التعاون العسكري والأمني والأسلحة لمواجهة حركة الشباب المجاهدين التي يتوقع أن يتمدد نشاطها في بعض دول الجوار الإقليمي، من شأنه أن يعزز التدخلات الأجنبية من خلال انخراط القوات الأجنبية في الصومال والمنطقة، وما يترتب عليه من تفاقم عسكرة المنطقة التي تهدد أمنها ومستقبلها.وإجمالاً، لا تزال حركة الشباب المجاهدين تشكل واحداً من أقوى الفروع المرتبطة بتنظيم القاعدة في أفريقيا، وارتبط نشاطها بكونها أكثر الحركات الإرهابية دموية في العالم، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، ومن المرجح أن تعزز نفوذها في شرق أفريقيا خلال السنوات المقبلة، في ضوء احتمال إخفاق الجهود الإقليمية والدولية في القضاء على أخطارها في المديين القصير والمتوسط بالمنطقة؛ الأمر الذي يعزز المخاوف من تصاعد نشاط الحركة في الداخل الصومالي وتهديدها دول الجوار الإقليمي خلال الفترة المقبلة.

هل تنجح حركة الشباب في استغلال أزمات الصومال؟