مواقف متباينة:

قوبل الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 بردود فعل مختلفة من المجتمع الدولي. ونظراً إلى المواقف المتباينة بشأن القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل و/أو فلسطين، أدانت الدول والكتل الإقليمية الصراع في غزة أو دعمت حق إسرائيل في القضاء على حماس. داخل الاتحاد الأفريقي، كان لدى الدول الأعضاء استجابات مختلفة للصراع بناءً على المصالح التقليدية والتاريخية والاقتصادية والجيوسياسية لكل دولة.


اختلافات أفريقية

انقسمت دول الاتحاد الأفريقي إلى ثلاث مجموعات فيما يتعلق بمواقفها بشأن الصراع بين إسرائيل وغزة: الدول الداعمة لإسرائيل (كينيا وزامبيا وغانا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية)، والدول الداعمة لفلسطين (الجزائر وتونس وجنوب أفريقيا)، والدول المحايدة (نيجيريا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا). إن تنوع المواقف داخل الكتلة الأفريقية هو نتاج عدم إلزام الدول الأعضاء بتبني سياسة خارجية مشتركة.


لا يُطلب من دول الاتحاد الأفريقي تبني مواقف بعينها في السياسة الخارجية. وقد تختلف مواقفها بشكل كبير اعتماداً على مصالحها السياسية والجيوسياسية. وعلى الرغم من مرور ستين عاماً منذ تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية لأول مرة في عام 1963 لتعزيز المواقف الأفريقية المشتركة بشأن القضايا العالمية، فإن التكامل الإقليمي يظل غير مكتمل، ويتطلب المزيد من الجهود.


إن جواز سفر الاتحاد الأفريقي – الذي تم إطلاقه رسمياً في القمة السابعة والعشرين للاتحاد الأفريقي في يوليو 2016 – لم يصبح حقيقة بعد. أثناء تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس 2022 على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، امتنع أكثر من نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي عن التصويت أو تغيبت. وعلى نحو مماثل، عندما وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت سابق على فرض منطقة حظر جوي وتدخل في ليبيا تحت حكم القذافي في عام 2011، سارعت الدول الأعضاء في الكتلة للتواصل من أجل طرح استجابة متوافقة للأحداث.


ولم تتفق دول الاتحاد الأفريقي في الاستجابة للصراع في غزة، وتجاهلت معظم الدول الأفريقية دعوة الاتحاد الأفريقي في فبراير 2023 إلى إنهاء جميع التبادلات التجارية والعلمية والثقافية المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل. وفي الوقت الحالي، اعترفت 44 دولة من أصل 55 دولة عضواً في الاتحاد الأفريقي بدولة إسرائيل.


حضور "تل أبيب"

منذ البداية، كانت الدول الأفريقية متعاطفة مع القضية الفلسطينية بسبب تجربتها الخاصة مع الاستعمار ومرارة الاحتلال الأجنبي. وبعد حرب عام 1973، أعرب أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية عن دعمهم القضية العربية والفلسطينية، وقطعت جميع دول أفريقيا جنوب الصحراء، باستثناء عدد قليل منها، علاقاتها مع إسرائيل بشكل أحادي.


لكن الوضع تغير بمرور الوقت نتيجة لعدة عوامل: اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، واتفاقيات أوسلو عام 1993، وسقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عام 1994، والتطبيع العربي الإسرائيلي، وهي العوامل التي أوضحت للدول الأفريقية أنها لا تستطيع تجنب العلاقات مع إسرائيل. وقد دفعت هذه التطورات الدول الأفريقية إلى إعطاء الأولوية للفوائد الاقتصادية المحتملة من التكنولوجيات والموارد المالية والاستثمارات الإسرائيلية، فضلاً عن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، على حساب الأيديولوجيات والالتزامات السياسية.


هناك العديد من الأسباب التي تجعل أفريقيا غير قادرة على التخلي عن علاقاتها مع إسرائيل أو تقليصها، بما في ذلك المصالح الاقتصادية والتجارية والتعاون الاستخباراتي العسكري. وربما يفسر هذا سبب قيام ما يقرب من 30 دولة أفريقية بفتح سفارات أو قنصليات في إسرائيل.


وعندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أفريقيا في عام 2016، قال عبارته الشهيرة: "إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل". وقد أدى ذلك منذ ذلك الحين إلى تعميق العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين، بما في ذلك تطبيق التقنيات الإسرائيلية في مجالات الزراعة وإدارة المياه والتكنولوجيا السيبرانية والمناخ والأمن الغذائي في مختلف البلدان الأفريقية.


وفي خطوة كبيرة، أطلقت إسرائيل مبادرة "إمبروفايت 2020" (IMPROVATE 2020) في أفريقيا لتطوير الزراعة وتحسين الأمن الغذائي. ويوفر القطاع الزراعي في أفريقيا نحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وسبل العيش لأكثر من 50% من السكان؛ أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي.


يعد تطوير القطاع الزراعي الأفريقي أولوية قصوى بالنسبة إلى القارة بسبب افتقارها الحالي إلى التكنولوجيا، فيما كانت غلات المزارع الأفريقية منخفضة، وكان قطاع الزراعة هو الأقل إنتاجية في العالم؛ حيث يبلغ متوسط معدل الإنتاجية 36%.


وفي العقود الأخيرة، أنشأت إسرائيل شبكات تجارية قوية مع أفريقيا. وفي عام 2021، وصلت التجارة بين إسرائيل ودول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى أكثر من 750 مليون دولار أمريكي. وشكلت جنوب أفريقيا – وهي واحدة من أشد منتقدي إسرائيل في القارة – ما يقرب من ثلثي حجم التجارة هذا، تليها نيجيريا بمبلغ 129 مليون دولار.


تمتد علاقة إسرائيل مع أفريقيا إلى ما هو أبعد من المصالح التجارية والاقتصادية. وتوفر مكافحة الجماعات الإرهابية والانفصالية في أفريقيا فرصاً واضحة للتعاون الوثيق في مجال الاستخبارات العسكرية بين تل أبيب والدول الأفريقية.


ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تلقت الكاميرون وتشاد وغينيا الاستوائية وليسوتو ونيجيريا ورواندا وسيشيل وجنوب أفريقيا وأوغندا أسلحة من إسرائيل خلال الفترة 2006–2010. وارتفعت صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى أفريقيا بنسبة 40% في عام 2014. وفي الفترة 2015–2016، ورد أن إسرائيل صدرت أسلحة بقيمة 275 مليون دولار إلى العملاء الأفارقة. وفي عام 2021، شكلت أفريقيا 3% من صادرات الدفاع الإسرائيلية.


وقد اكتسبت المصالح الاقتصادية والعسكرية الأولوية على العوامل السياسية والأيديولوجية في العلاقات الأفريقية مع إسرائيل؛ حيث تتشكل العلاقات بين الطرفين بناءً على الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية والعرقية، فضلاً عن المصالح التقليدية والمعيارية.


ومع ذلك، فإن مواقف الجزائر وجنوب أفريقيا تجاه إسرائيل تشكلت من خلال قتال إسرائيل منذ عام 1948 ومحاربة الفصل العنصري. وفي الوقت نفسه، تأثرت مواقف رواندا والكاميرون بشأن إسرائيل وفلسطين بالاستثمار الإسرائيلي في هذين البلدين. قامت شركة "جيجاوات جلوبال" Gigawatt Global الإسرائيلية بتطوير أول منشأة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في شرق أفريقيا في عام 2015 في رواندا، في حين قامت شركة "إن يو فيلتراشين" NUFiltration – ومقرها إسرائيل – بتركيب أنظمة لتنقية المياه في عام 2018 في الكاميرون. ويتشكل موقف إثيوبيا من إسرائيل من خلال الجالية اليهودية الإثيوبية التي يبلغ عددها نحو 140 ألف شخص، في حين سعت كينيا إلى شراء أسلحة من إسرائيل في السنوات الأخيرة لمعركتها ضد جهاديي حركة الشباب من الصومال المجاورة.


تزايد الاعتراضات

صحيح أن المصالح الاقتصادية المترابطة بين أفريقيا وإسرائيل دفعت الدول الأفريقية إلى توخي الحذر فيما يتعلق بالصراع في غزة، لكن صمتها الحالي لا يعني موافقتها على تصرفات إسرائيل.


لقد أدت الهجمات الجوية والبرية الإسرائيلية على غزة إلى زيادة إراقة الدماء والإصابات بين المدنيين. وقد أثار هذا ردود فعل من المجتمع الدولي. وفي 11 نوفمبر 2023، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إسرائيل إلى التوقف عن قتل المدنيين. ومثلها مثل بقية المجتمع الدولي، لا تستطيع الدول الأفريقية أن تواصل التعاطف مع إسرائيل مع استمرار الحرب.


كما طالب المجتمع المدني الأفريقي الحكومات الأفريقية بإدانة الهجمات الإسرائيلية على غزة. وقد خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع في جنوب أفريقيا والمغرب وتونس والجزائر لمطالبة حكامهم باتخاذ موقف واضح لصالح فلسطين عقب "الهجمات الإسرائيلية الوحشية". ورداً على التطورات الأخيرة، استدعت جنوب أفريقيا وتشاد سفيريهما من إسرائيل، في حين ناقشت تونس مشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل، كما سمح البرلمان الجزائري للرئيس بدخول الحرب دعماً لفلسطين.


ومن الممكن أن يشكل العمل الجماعي من جانب الاتحاد الأفريقي ردود الفعل الفردية للدول الأفريقية في إدانة الهجمات الإسرائيلية. وأدان موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، "تصرفات إسرائيل التي امتدت إلى نحو 56 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي". وقد أدى العمل الجماعي من قبل الاتحاد الأفريقي في السابق إلى تعليق وضع إسرائيل بصفتها مراقباً في الاتحاد الأفريقي في فبراير 2023، في حين احتفظت فلسطين بوضع مراقب منذ عام 2013. ويمكن أن يصبح العمل الجماعي للاتحاد الأفريقي عاملاً في تقييد النشاط الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي في جميع أنحاء أفريقيا.


خلاصة القول: يتعين علينا أن نفهم الاستجابات الأفريقية للصراع في غزة بشكل منفصل عن الاستجابة الجماعية للاتحاد الأفريقي للأزمة. اعتماداً على مصالحها الوطنية، واصلت الدول الأفريقية إقامة علاقات مع إسرائيل في العقود الأخيرة، ومن ثم ظلت صامتة أو محايدة إزاء الهجوم الإسرائيلي على غزة. ومع ذلك، إذا استمرت الحرب فقد تنتهي سياسة الاسترضاء الحالية، وقد تقاوم الدول الأفريقية بقوة أكبر إسرائيل وقصف المدنيين والمستشفيات في غزة.