الإيكونوميست

عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجيةشهدت الإكوادور تصاعداً في الاضطرابات الأمنية التي تجلت ملامحها مع اقتحام مسلحين، في 9 يناير 2024، أحد البرامج الإخبارية الأكثر مشاهدةً في الدولة، El Noticiero؛ حيث أظهرت اللقطات التي بُثت على الهواء مباشرةً ضرب رجال العصابات المقنعين للموظفين في الاستديو، والتقاطهم الصور وهم يلوحون بالمناجل والديناميت والمدافع الرشاشة، في لقطات شاهدها المواطنون على مدار 15 دقيقة كاملة.وفي هذا الصدد، اهتمت مجلة "إيكونوميست" بعرض تسلسل لأحداث الفوضى التي شهدتها الإكوادور مؤخراً، وشرح العوامل التي تسببت في تحول البلاد من أكثر دول أمريكا اللاتينية أماناً إلى أكثر دول القارة دمويةً؛ وذلك من خلال التقرير المنشور في يناير 2024، وحمل عنوان "كيف أصبحت الإكوادور أخطر دولة في أمريكا اللاتينية؟".الانفلات الأمنييشير التقرير إلى أن الاعتداءات التي بثتها قناة مملوكة للدولة tc Televisión، لم تكن سوى الحلقة الأحدث والأكثر دراماتيكيةً في انزلاق الإكوادور المستمر منذ أربع سنوات إلى قبضة عصابات المخدرات، الذي اتخذ أبعاداً أكثر خطورةً خلال الأسبوع الثاني من يناير 2024، ومن خلال تسلسل الأحداث التالي:1– هروب أحد أباطرة المخدرات من محبسه: بدأت الأحداث التي شهدتها الإكوادور في صباح يوم 7 يناير، عندما اكتشف الحراس في سجن "جواياكيل" أكبر مدينة في الإكوادور، أن "أدولفو ماسياس" رئيس عصابة المخدرات "لوس تشونيروس"، لم يكن في زنزانته؛ حيث كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 34 عاماً بتهمة القتل وتهريب المخدرات.2– انتشار أعمال الشغب في سجون الإكوادور: بدأ أعضاء العصابات في السجون في جميع أنحاء البلاد أعمال الشغب مع انتشار أنباء هروب "ماسياس"، وانتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهِر رجال عصابات يحتجزون حراس السجن رهائن، ويطلقون النار عليهم، بل تم شنق بعض الحراس.3– إعلان حالة الطوارئ في الدولة: في اليوم التالي لتلك الأحداث، أعلن الرئيس "دانييل نوبوا" حالة الطوارئ في الإكوادور، التي من المقرر أن تستمر حتى أوائل مارس، وفرض حظر التجول ليلاً، وقد أرسل الجيش للسيطرة على السجون التي تنطلق منها عمليات العديد من العصابات.4– رد العصابات على إعلان الطوارئ: رد أفراد العصابات على الإجراءات التي أعلنها الرئيس "نوبوا" في شوارع المدن في جميع أنحاء الإكوادور، ففجَّروا القنابل وأحرقوا السيارات وخطفوا رجال الشرطة. وفي اليوم الذي اقتحم فيه رجال ملثمون قناة TC Televisión، داهمت مجموعة مسلحة أخرى جامعة جواياكيل، واحتجزت الطلاب رهائن، وتبادلت إطلاق النار مع الشرطة.5– تأكيد رئيس الدولة الدخول في "نزاع مسلح داخلي": مع توسع أعمال العنف من جانب رجال العصابات، دفع ذلك الرئيس ليُعلن في 9 يناير أن الدولة في حالة "نزاع مسلح داخلي"، وأمر الجيش بـ"تحييد" نحو 22 جماعة إجرامية منظمة، بما في ذلك "لوس تشونيروس". وبحلول العاشر من يناير، كانت المركبات المدرعة والجنود تجوب الشوارع، وتم إلقاء القبض على المسلحين الذين اقتحموا محطة التليفزيون، لكن عشرة أشخاص على الأقل قُتلوا بالفعل خلال أعمال العنف بالدولة التي هي في حالة إغلاق.نشاط إجراميالمفارقة فيما تشهده الإكوادور من أحداث، أنها كانت تعتبر في عام 2019 واحدة من أكثر الدول أماناً في أمريكا اللاتينية؛ حيث بلغ معدل جرائم القتل 6.7 لكل 100 ألف، وهو ما يشبه نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم ذلك تقدر بعض المصادر الإكوادورية أنه بحلول عام 2023 ارتفع معدل جرائم القتل بأكثر من ستة أضعاف، ليصل إلى 45 لكل 100 ألف، مع تبني أفراد العصابات أساليب مروعة، بما في ذلك الشنق العلني، وقطع الرؤوس والتضحية بالنفس، وهذا من شأنه أن يجعل الإكوادور الدولة الأكثر دمويةً في أمريكا اللاتينية، وهو ما يعود إلى الأسباب الآتية:1– انتقال مراكز تهريب المخدرات من كولومبيا إلى الإكوادور: أصبحت الإكوادور، وخاصةً ميناء جواياكيل، مركزاً أكثر أهميةً لنقل الكوكايين من بيرو وكولومبيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا؛ وذلك بعد أن شددت الموانئ الكولومبية إجراءاتها الأمنية في عام 2009؛ حيث كانت التجارة تحتكرها في السابق القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، وهي ميليشيا كولومبية قوية أبقت العنف عند الحد الأدنى. ولكن عندما وقعت (فارك) اتفاق سلام مع الحكومة الكولومبية في عام 2016، تم تسريح معظم أعضائها، لتعمل العصابات المحلية والإقليمية والدولية على محاولة ملء هذا الفراغ.حيث قامت العصابات المكسيكية بتمويل العصابات الإكوادورية، ووسعت المافيا الألبانية وجودها في الإكوادور، وقد تم تسهيل التدفق السريع لعناصر الجريمة المنظمة الدولية من خلال اقتصاد الإكوادور المعتمد على الدولار، مع سهولة متطلبات التأشيرة للأجانب (حتى عام 2020).2– الارتباطات الخارجية لعصابات المخدرات: مع انتقال مراكز التهريب إلى داخل كولومبيا، أصبح أفراد العصابات الإكوادوريون الصغار، مثل "ماسياس" زعماء عصابات، وبدا أن "لوس تشونيروس" اكتسبت ميزة الريادة من خلال كونها واحدة من أولى المجموعات الإكوادورية التي أقامت علاقات مع عصابة "سينالوا" المكسيكية. ويُعتقد أنها وعصابات محلية أخرى سلحت نفسها بأسلحة حصلت عليها من رعاتها المكسيكيين مقابل شحنات الكوكايين، وهم يمتلكون الآن أسلحة آلية وبنادق وقنابل يدوية تسمح لهم بمواجهة القوات المسلحة الإكوادورية السيئة التدريب.3– الاستفادة من الطلب الأوروبي على الكوكايين: نجحت العصابات الإكوادورية كذلك في توليد المزيد من التدفقات النقدية من خلال إنشاء موطئ قدم مربح في أوروبا؛ حيث يتزايد استهلاك الكوكايين؛ وذلك ما يفسر تحذير عمدة أمستردام، في الخامس من يناير، من أن هولندا قد تصبح "دولة مخدرات"، مع الإشارة إلى أن الطريق الأكثر ازدحاماً لتهريب الكوكايين في العالم اليوم يمتد من جواياكيل إلى ميناء "أنتويرب" في بلجيكا، وفقاً لهيئة تحقيقات World of Crime ومقرها هولندا؛ حيث تتم تعبئة جزء كبير من هذا الكوكايين في حاويات شحن تحتوي على الموز، الذي يعد أحد أكبر صادرات الإكوادور.وبهذا الصدد، يقول "ويل فريمان" من "مجلس العلاقات الخارجية" في نيويورك إن الطلب الأوروبي "حوَّل الموانئ الإكوادورية إلى واحدة من أهم أجزاء البنية التحتية التي يمكنك السيطرة عليها إذا كنت تمثل مجموعة لتهريب المخدرات في أمريكا اللاتينية".4– الفساد وتنامي القدرة على استقطاب حراس السجون: يساعد تنامي القدرات المالية لعصابات المخدرات على تنامي قدرتها على شراء ولاء حراس السجن. وقد قام "ماسياس" وغيره من زعماء العصابات بتحويل ما يقرب من ربع سجون الإكوادور البالغ عددها 36 إلى مقرات لهم؛ حيث ينظمون الهجمات، ويجندون أعضاء جدداً، مع الإشارة كذلك إلى أن هروب "ماسياس" كان قبل وقت قصير من نقله إلى وحدة أكثر أماناً في مجمع السجن، في مؤشر واضح على تلقيه بلاغاً بذلك من مسؤولين فاسدين.والفساد من هذا النوع منتشر في الإكوادور؛ ففي عام 2023، بدأت الشرطة التحقيق مع العديد من المسؤولين الحكوميين لصلاتهم بالمافيا الألبانية. وفي عام 2022، عوقب 25 مسؤولاً في القوات الجوية بتهمة تخريب معدات الرادار التي كانت تراقب نشاط عصابات المخدرات في المجال الجوي الإكوادوري.5– تنامي مخاطر مواجهة عصابات المخدرات: ذلك أن وقوف أي شخص أو مسؤول في وجه عصابات المخدرات وشبكاتها الفاسدة يعني تعرضه للخطر. ويكفي الإشارة إلى اغتيال "فرناندو فيلافيسينسيو" المرشح الرئاسي والصحفي الاستقصائي السابق، في أغسطس الماضي، قبل 11 يوماً من الانتخابات وبعد أن هدد بالقضاء على العصابات.وفي الخامس من يناير، تم القبض على "فابريسيو كولون بيكو" زعيم عصابة "لوس لوبوس" المنافسة لـ"لوس تشونيروس" بتهمة التآمر لاغتيال المدعية العامة "ديانا سالازار" التي كانت تحقق في الروابط بين تجار المخدرات والبيروقراطيين، وأمرت في ديسمبر بالقبض على 31 شخصاً، منهم قضاة ومدعون عامون وضباط شرطة ورئيس المجلس القضائي، وبعد أن كان "كولون بيكو" قد تمكن من الفرار من السجن بعد أربعة أيام فقط من اعتقاله.6– صعوبات محاكاة تجربة السلفادور في مواجهة مافيا المخدرات: بعد خوض حملته الانتخابية حول قضايا أقل إثارةً للجدل، استخدم الرئيس "نوبوا"، الذي تولى منصبه في نوفمبر، قبضة من حديد في مواجهة عناصر العصابات، وأعلن أنه سيتم بناء سجنين جديدين مشددي الحراسة، مع إعلان العصابات منظمات إرهابية، والتحذير من تقديم المسؤولين المتعاونين معهم إلى العدالة، ودعا كذلك إلى إجراء استفتاء في الأسابيع المقبلة من شأنه إضفاء الشرعية على تسليم المجرمين ومصادرة أصول المجرمين المشتبه بهم.ويبدو أن بعض هذه التكتيكات تحاكي تلك التي يتبعها رئيس السلفادور "نجيب بقيلة"، الذي وضع نحو 2% من السكان البالغين خلف القضبان، وأصبح واحداً من أكثر الرؤساء شعبيةً في العالم في هذه العملية. ومع ذلك، فإن التحديات التي يواجهها الزعيمان مختلفة؛ فالعصابات الإكوادورية أكثر تطوراً بكثير من تلك الموجودة في السلفادور، كما يعتبر "نوبوا" أضعف بكثير من "بقيلة". وحتى رغم نجاح "بقيلة" إلى الآن، فإن نهج الرجل القوي في التعامل مع عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية عادةً ما يفشل.7– إيقاف التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة المخدرات: بجانب كل العوامل السابقة، جعل السياسيون في الإكوادور الأمور أسوأ فيما يرتبط بمواجهة أفراد العصابات وعناصر الجريمة المنظمة؛ فباسم مناهضة الإمبريالية، قام "رافائيل كوريا" الرئيس اليساري الشعبوي الذي حكم من عام 2007 إلى عام 2017، بإغلاق قاعدة عسكرية أمريكية على الساحل، وخفض التعاون مع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، وفكَّك نخبة من شرطة مكافحة المخدرات، كان قد تم تدريبها من قِبل عملاء الولايات المتحدة.وفي الختام، وعلى ضوء التحديات المشار إليها، يشير التقرير إلى أنه يتعين على الرئيس "نوبوا" وضع خطط غير اعتيادية لمواجهة نفوذ عصابات المخدرات بالدولة، وأن يحث مسؤوليه على تبادل البيانات مع نظرائهم في دول وأماكن أخرى في المنطقة، كما يتعين عليه أن يعمل على إنشاء سجل للأسلحة، وإعادة بناء وحدات مكافحة المخدرات الضعيفة في البلاد، وتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة التي سبق أن عرضت المساعدة؛ وذلك مع العمل أيضاً على تعزيز وجود الدولة على طول الحدود مع كولومبيا، وفي جواياكيل على نحو خاص، ليكون خوض الحرب مع العصابات التي أصبحت أكثر تمكناً في الإكوادور أمراً ذا جدوى.المصدر:"How Ecuador became Latin America’s deadliest country", The Economist, January 10, 2024.&nbsp;

لماذا تفاقمت المعضلة الأمنية في الإكوادور؟