جيل بارندولار

عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجيةانضمت السويد رسمياً إلى حلف الناتو في الآونة الأخيرة لتصبح العضو رقم 32 في الحلف، وأحدث حليف للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول حدود تأثير هذه العضوية على سياسة السويد التي باتت تنظر إلى عضوية الحلف باعتبارها أداة لمواجهة التهديد الروسي المتصاعد، كما تعطي العضوية لحلف الناتو المزيد من الزخم ليعيد تشكيل تحركاته على الساحة الأوروبية والدولية بوجه عام. ولكن مع ذلك، أثارت عضوية السويد تساؤلات حول أوضاع الجيش والقدرات العسكرية للسويد. ولقد سارع المحللون والمراقبون إلى تسليط الضوء على الفوائد العسكرية والجغرافية التي يمكن أن تقدمها السويد للناتو. وفي هذا الصدد، نشر موقع "فورين بوليسي" مقالاً للكاتب "جيل بارندولار" – وهو زميل أول في مؤسسة "أولويات الدفاع" – وذلك بعنوان "الجيش النموذجي الجديد في السويد". ويركز المقال على نظام التجنيد الانتقائي الذي أعادت السويد إقراره في عام 2017؛ إذ يعتبره الكاتب مثالاً ملهماً للعديد من جيوش الناتو الأوروبية التي تواجه تهديداً وجودياً في الداخل عبر النضال من أجل العثور على جنود لقواتها المتقلصة. تقلص الجيوش يشير المقال إلى أن الجيوش الأوروبية تواجه أزمة داخلية تتمثل فيما يلي:1- إنهاء الخدمة الإجبارية وتقليص حجم القوات في العديد من الدول الأوروبية: يشير بارندولار إلى أن حرب روسيا في أوكرانيا، التي دفعت السويد وفنلندا المجاورتين إلى السعي للحصول على عضوية الناتو، ذكَّرت الدول الغربية بأنها في حرب كبرى، وكذلك تحتاج إلى مراجعة سياساتها العسكرية السابقة؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبافتراض زوال التهديد الروسي، قامت الدول الأوروبية بنزع سلاحها، وخفَّضت قواتها بشكل كبير، وأنهت الخدمة العسكرية الإجبارية التي كانت بمنزلة حجر الأساس للعديد من جيوش الناتو. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان حجم الجيش الألماني يبلغ نصف حجمه أثناء الحرب الباردة، في حين كان الجيش البريطاني قادراً على توفير لواء واحد فقط في أفغانستان، فيما كانت حالة جيوش الناتو الأصغر حجماً أكثر خطورة.وبحسب المقال، انخفض عدد القوات المسلحة الألمانية الآن إلى 180 ألف رجل وامرأة، في حين أن الجيش البريطاني هو الأصغر منذ الحروب النابليونية. أما القوات الفرنسية، فعلى الرغم من تهديدات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإنها غير قادرة "على فعل أي شيء على نطاق واسع ولأي فترة من الزمن"؛ وذلك بحسب محلل بارز؛ إذ تشهد نهاية حملته في مالي على محدودية قواته البرية. وقد وجدت دراسة أجرتها مؤسسة راند في عام 2017 أن كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا سوف تستغرق عدة أسابيع لإنشاء لواء مدرع واحد للقتال في منطقة البلطيق، "مع قدرة فائضة قليلة لأي حالات طوارئ أخرى".2- معضلة استعداد الدول ذات القدرة البشرية الكبيرة في الناتو: بحسب المقال، فإن هناك عدداً قليلاً من قوات حلف الناتو المتبقية، ولكنها ليست دول خط المواجهة؛ إذ تحتفظ تركيا واليونان بقوات كبيرة من المجندين، لكن قدرة أو استعداد أي منهما لمحاربة روسيا أمر مشكوك فيه. وبحسب المقال، تفتخر الولايات المتحدة بوجود نحو مليون عسكري نشط، لكن العودة المحتملة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وضعت استعداد واشنطن لخوض الحرب من أجل حلفائها موضع شك.3- تزايد الشيخوخة السكانية وتراجع جاذبية الخدمة العسكرية: رغم أن حلف الناتو يعيد تسليح نفسه الآن فيما يتصل بالأسلحة، فإن القوى البشرية تظل بمنزلة العمود الأساسي؛ إذ إن الشيخوخة السكانية، والجاذبية المحدودة للخدمة العسكرية المهنية تجعل الدول الأوروبية تكافح من أجل تجهيز حتى الجيوش الصغيرة. وعلى الرغم من التهديد الروسي الواضح، فإن مشكلة التجنيد الأوروبية آخذة في التفاقم؛ إذ أنهى الجيش الألماني عام 2023 بعدد أقل بمقدار 1500 جندي مقارنة بالعام السابق، على الرغم من الالتزامات الصارخة بإعادة التسلح. أما الجيش البريطاني، فقد شهد عام 2022 انخفاضاً مذهلاً بنسبة 30% في المجندين الجدد. وأشارت صحيفة لوموند إلى "تبخر" الأفراد العسكريين الفرنسيين في عام 2023، مع زيادة بنسبة 6% في صافي التدفقات إلى الخارج.4- رفض تجنيد الأجانب وانخفاض الرواتب العسكرية: يرى بارندولار أن هناك احتمالاً ضئيلاً بحدوث أي تحسن كبير في التجنيد العسكري الأوروبي؛ إذ إن جميع الدول الأوروبية تقريباً تتقدم في السن، ويواجه العديد منها انكماشاً سريعاً في عدد السكان، كما أن تدهور الصحة البدنية والعقلية بين الشباب، الذي تزايد بشكل كبير بسبب جائحة فيروس كورونا، يؤدي إلى تقليص مجموعة التجنيد المؤهلة بشكل أكبر، بجانب أن العداء المتزايد للهجرة الجماعية يجعل الحديث عن تجنيد أعداد كبيرة من الأجانب أمراً غير مقبول، في حين أن المسار المالي المتفاقم، الذي تسارع بفعل الجائحة والحرب بين روسيا وأوكرانيا تعني أن الزيادات الكبيرة في الرواتب العسكرية الضعيفة غير ممكنة أيضاً.5- تزايد الفجوة بين الجيش والمجتمع: يواجه أعضاء الناتو الأوروبيون مشكلة هيكلية يبدو أنها تؤثر على جميع الجيوش المتطوعة في القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك جيوش الولايات المتحدة، وهي فجوة آخذة في الاتساع بين الجيش والمجتمع، وخاصةً بالنسبة إلى الشباب؛ فقد أصبح الانضمام إلى الجيش يقتصر غالباً على الأفراد من العائلات العسكرية، تماماً كما كانت الحال في الجيوش الصغيرة في عصر ما قبل الصناعة. أما الذين ليس لديهم علاقات سابقة بالجيش فينظرون إليه على أنه أمر غريب، ومن غير المرجح أن يفعلوا ذلك، ومن ثم يصبح الجزء الأكبر من السكان أكثر انفصالاً عن جيوشهم.وفي ضوء تلك المشكلات، لا عجب أنه حتى مع أهداف التجنيد السنوية الضئيلة تاريخياً، فإن الجيوش الأوروبية المحترفة تكافح من أجل العثور على عدد كافٍ من الشباب المستعدين للخدمة.جاذبية التجنيدمن ناحية أخرى، يجادل المقال بأن السويد تقدم نموذجاً ملهماً لدول لأعضاء الناتو الآخرين؛ وذلك للأسباب الآتية:1- تطبيق نظام التجنيد الإجباري الانتقائي: بعد الحرب الباردة، أصبح السياسيون والمواطنون السويديون ينظرون على نحو متزايد إلى جيشهم باعتباره مزوداً لقوات حفظ السلام وداعماً لعمليات أخرى متعددة الأطراف، و"هو في جوهره سلعة فاخرة لدولة لا تحتاج إلى القلق بشأن أمنها". وقد تم تعليق جميع التجنيد الإجباري (رغم أنه لم يتم إلغاؤه قانونياً) في عام 2010، وتقلص الجيش السويدي إلى أقل من 20 ألف جندي؛ ففي مجتمع السويد الثري، لم تكن الخدمة العسكرية التطوعية تحظى بقبول كبير. وبحلول عام 2013، أكمل 579 مجنداً فقط 11 شهراً كاملة من التدريبات الأولية للالتحاق بالجيش.وفي ضوء ذلك، أوقفت السويد سياستها الفاشلة، وأعادت الخدمة العسكرية الإلزامية في الأول من يناير عام 2018. ولكن على عكس نظام الحرب الباردة، أصبح التجنيد الإجباري السويدي الآن انتقائياً ومحايداً بين الجنسين؛ إذ يتم فحص مائة ألف شاب يبلغون من العمر 18 عاماً للخدمة سنوياً، لكن نحو 5% فقط من هذه المجموعة يخدمون. وتهدف السويد إلى مضاعفة هذا العدد بحلول عام 2030. وبحسب المقال، فإن ما يقرب من 10% من أولئك الذين يخدمون في الخدمة العسكرية يفعلون ذلك على مضض، ولكن السجن هو البديل.2- تفعيل خدمة الاحتياطي العسكري: كما هو الحال في أي نظام تجنيد مختص، تتمتع الخدمة الوطنية السويدية بميزتين رئيسيتين تتجاوزان العدد الأساسي للجيش، وهما اكتساب المواهب وتوسيع الاحتياطيات؛ فعلى الواجهة الأمامية، يمكن للسويد فحص جميع الشباب في البلاد، واختيار أكثرهم مناسبة للخدمة العسكرية، ثم محاولة حث الأفضل على البقاء لفترة طويلة. وفي النهاية، تصبح كل مجموعة من المجندين بمنزلة لواء آخر من الجنود في الاحتياط العسكري. ورغم أن جنود الاحتياط يحتاجون إلى استدعاءات منتظمة للحفاظ على الاستعداد والكفاءة، يرى المقال أنه حتى قوات الاحتياطي التي تدار بشكل سيئ، لها فائدة عسكرية في الأزمات، ويستشهد بروسيا، عندما حشدت ثلاثمائة ألف رجل لم يتدربوا أو يقاتلوا منذ خدمتهم العسكرية الأولية قبل سنوات. ورغم أن التعبئة الجزئية لروسيا كانت متسرعة، لكنها كانت لا تزال ضرورية لتحقيق استقرار الخطوط الروسية خلال هجوم خاركيف المضاد في أوكرانيا؛ وذلك وفقاً للمقال.3- إدماج النساء ضمن قوات الجيش وتكوين قوات محترفة: تضمن نظام التجنيد الانتقائي تغييرات كبيرة أيضاً؛ إذ تم دمج النساء بالكامل (فهن يشكلن الآن نحو 15% من المجندين)، كما أنشأت السويد هيئة ضباط صف محترفة للخدمة الطويلة، وهو الأمر الذي كان غائباً في الجيش أثناء الحرب الباردة.4- إعادة الخدمة المدنية الإلزامية: في يناير الماضي، أعادت السويد أيضاً الخدمة المدنية الإلزامية، وألزمت عمال الإنقاذ في البلديات وموظفي البنية التحتية الحيوية بتعزيز الاستراتيجية الوطنية الرسمية للبلاد القائمة على "الدفاع الشامل" المجتمعي. وفي ضوء ذلك، قال رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون صراحةً: "المواطنة ليست مجرد وثيقة سفر".5- القدرة على تحسين سمعة التجنيد بين الشباب: بعد أن كانت قوة هرمة وغير ذات أهمية اجتماعية، اكتسبت قوات الحرس الوطني فجأة شعبية بين الشباب السويدي، الذين رأوا في استعادة التجنيد الإلزامي وجدية السويد الجديدة في الدفاع الوطني دليلاً على أن الخدمة العسكرية تشكل عنصراً مشرفاً وضرورياً للمواطنة.وفي هذا الصدد، نجحت سياسات السويد في مضاعفة أعداد المجندين في أوائل عام 2024؛ فقد شهد الحرس الداخلي السويدي – وهو احتياطي طوعي للدفاع الإقليمي – زيادة في عدد التجنيد أربع مرات في أوائل عام 2024 مقارنة بالوقت المناظر من العام السابق.تفعيل التجربةختاماً، يشير المقال إلى أنه بالنسبة إلى الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الناتو، فإن نموذج التجنيد الانتقائي الذي طبَّقته السويد، يُقدِّم نموذجاً أكثر فائدةً للدول التي تكافح من أجل القوة البشرية العسكرية والالتزام الوطني، ولكنها غير راغبة في اتخاذ خطوة جذرية نحو الخدمة الإلزامية الشاملة، كما يؤكد المقال أنه حتى لو تم إيقاف روسيا في نهاية المطاف في أوكرانيا وتقلص تهديدها لأوروبا في الوقت الحالي، فإن المستقبل الأقل استقراراً مع دعم أقل من الولايات المتحدة سوف يتطلب دفاعاً إقليمياً أكثر قوةً ومرونةً من الدول الأوروبية. المصدر: -&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;Gil Barndollar, Sweden’s New Model Army, Foreign Policy, March 15, 2024. Accessible at: https://foreignpolicy.com/2024/03/15/sweden-nato-military-conscription-model-defense/

كيف يمكن أن تساعد سياسات التجنيد السويدية الدول الأوروبية؟