إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

استطاعت المعارضة المحسوبة على تيار يمين الوسط، والممثلة بالتحالف الديمقراطي، الفوز في الانتخابات التشريعية التي جرت في البرتغال في 10 مارس 2024، بعد أن سجلت تقدماࣧ طفيفاࣧ على الحزب الاشتراكي المستمر في الحكم منذ ثماني سنوات. صحيح أن نتائج هذه الانتخابات أظهرت تحول البلاد نحو اليمين، مع حلول حزب شيجا Chega المتطرف في المركز الثالث، ولكن الدعوات التي أطلقها زعيمه أندريه فنتورا لتوحيد اليمين، بقيت دون استجابة مع إعلان لويس مونتينيجرو زعيم التحالف الديمقراطي التزامه بعدم التفاوض من اليمين المتطرف.دلالات رئيسيةتدور أهم الدلالات التي كشفت عنها الانتخابات التشريعية الأخيرة في البرتغال حول ما يلي:1- انتصار باهت للتحالف الديمقراطي: حصل التحالف الديمقراطي&nbsp;(Aliança Democrática, AD) بقيادة لويس مونتينيجرو Luis Montenegro على 29.5% من الأصوات و79 مقعداً من إجمالي 230. وعلى الرغم من احتلاله المركز الأول فإن جريدة جورنال دي نوتياساس Jornal de Noticias لاحظت أن عدد أصواته لم يزد بشكل كبير مقارنة بالأصوات التي نالها في انتخابات عام 2022. والتحالف الديمقراطي هو ائتلاف من الأحزاب المحافظة التي تنتمي إلى خط يمين الوسط بقيادة الحزب الديمقراطي الاجتماعي (PSD) الذي يضم بجانبه حزبين آخرين صغيرين هما&nbsp;&nbsp;CDS و&nbsp;PPM.2- تقدم تاريخي لأقصى اليمين: يعتبر حزب شيجا اليميني المتطرف، الفائز الأكبر في هذه الانتخابات بعد أن عزز مكانته كقوة سياسية ثالثة في البلاد مع حصوله على 18% أي أكثر من&nbsp;ضعف نتيجته التي حصل عليها في انتخابات 2022 البالغة 7.2%، كما ذكر تقرير نشر على موقع ستراتفور Stratfor في 11 مارس 2024 أن شيجا ضاعف تمثيله في البرلمان البرتغالي أربع مرات من 12 إلى 48 مقعداً من 2022 إلى 2024.ولقد رحب زعيمه أندريه فنتورا André Ventura بهذا التقدم، معتبراࣧ أن حزبه حقق نتيجة تاريخية. والجدير بالذكر أن النتيجة التي حققها هذا الحزب الذي تم إنشاؤه&nbsp;في عام 2019 والذي بنى خطابه السياسي على مناهضة النظام والهجرة والأقليات وانتقاد الفساد، توافقت مع استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات.3- نهاية حقبة سيطرة اليسار: تراجع الحزب الاشتراكي تراجعاً كبيراً بعد حصوله على 28.7% من الأصوات الموازية&nbsp;إلى 77 مقعداࣧ، وهو رقم بعيد جداࣧ عن نتيجته في الانتخابات السابقة في عام 2022 التي حصل فيها وحده على الأغلبية المطلقة مع ما يقارب من 41.4% من الأصوات. ولقد اعترف الاشتراكيون بالهزيمة، معلنين انتقالهم إلى صفوف المعارضة على لسان رئيس حملتهم الانتخابية بيدرو نونو سانتوس الذي استلم قيادة هذا التيار من بعد رئيس الوزراء المستقيل أنطونيو كوستا على وقع شبهات بالفساد طالت حكومته؛ ما أدى إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، منهياࣧ بذلك حقبة من الحكم استمرت ثماني سنوات؛ أي منذ عام 2015.4- تصاعد التصويت الاحتجاجي: وترى بعض الآراء أن النتيجة التي حققها حزب شيجا لا تعني أن 18% من البرتغاليين عنصريون ومعادون للأجانب، بل تعني أن هناك الكثير منهم غاضبون من فضائح الفساد العديدة التي أجبرت أعضاء من الحكومة الاشتراكية على الاستقالة بعد فتح تحقيق في مخالفات مزعومة، لا سيما في مسألة منح امتيازات تعدين الليثيوم.&nbsp;ويتساءل المراقبون إذا ما كانت زيادة شعبية شيجا هي زيادة مرحلية نتيجة لتصويت احتجاجي، أم أنها بنيوية ومبنية على اقتناع تام بأفكار الحزب. ومن الجدير بالذكر أن حزب شيجا الذي يرفع شعار "تنظيف البرتغال" Limpar Portugal قد ركز خلال الحملة الانتخابية على الاهتمامات الرئيسية التي تشغل البرتغاليين، واعداࣧ بمحاربة الفساد ومكافحة الهجرة وخفض الضرائب وزيادة معاشات التقاعد والأجور المنخفضة ومعالجة أزمة الإسكان وتدهور قطاع الصحة العامة.5- تراجع نسبة الامتناع عن التصويت: بعد 20 عاماࣧ من ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت، التي اقتربت من 50% خلال الانتخابات التشريعية في 2019 ووصلت إلى 43% في انتخابات عام 2022، ارتفعت نسبة المشاركة بشكل كبير في انتخابات 10 مارس 2024 لتتجاوز نسبة&nbsp;66%، حسب أرقام وزارة الداخلية البرتغالية. ويدل هذا الارتفاع على تزايد أهمية الاقتراع لدى الناخبين البرتغاليين، حسبما ما ذكر موقع بوليتيكو في 11 مارس 2024؛ حيث شعر البرتغاليون بأنه يجب عليهم التصويت حتى يكون لهم رأي في الخيارات السياسية المقبلة وتأثير في من سيحكم البلاد، بعد الاستقالة المفاجئة لأنطونيو كوستا في نوفمبر 2023.تداعيات جوهريةيمكن الإشارة إلى أبرز التداعيات المقبلة التي ستخلفها نتائج هذه الانتخابات بما يأتي:1- التوجه نحو حكومة أقلية: تعهد لويس مونتينيجرو، خلال الحملة الانتخابية بعدم تشكيل حكومة بدعم من اليمين المتطرف. ويعول مونتينيجرو على التحالف مع حزب المبادرة الليبرالية Iniciativa Liberal الذي حل في المرتبة الرابعة بثمانية مقاعد. ولأن الحزبين معاࣧ لن يصلا إلى عتبة 116 نائباً من أصل 230، فإن مونتينيجرو قد أعلن عشية إعلان نتائج الانتخابات أنه يريد أن يحكم بأغلبية نسبية، معولاࣧ على مسؤولية الاشتراكيين عن عدم التصويت لصالح سحب الثقة عن حكومته بجانب حزب شيجا؛ الأمر الذي سيؤدي إلى إسقاطها.ولقد أبدى زعيم الاشتراكيين الجديد بيدرو نونو سانتوس، الذي أعلن أنه يريد أن يلعب دور زعيم المعارضة، تجاوبه بالامتناع عن التصويت على حجب الثقة؛ لأنه لا يريد أن يتسبب في "مأزق دستوري"، لكن مع اعتبار أن ذلك لن يتكرر مع مسألة مناقشة&nbsp;الميزانية القادمة لعام 2025.2- تهديد استقرار المشهد السياسي التقليدي: حسب بعض القراءات، سيشكل صعود حزب شيجا نهاية لنظام الحزبين المهيمن في البرتغال، كما أنه سيرسل مجموعة وازنة من النواب المتطرفين إلى البرلمان البرتغالي في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للاحتفال بمرور 50 عاماࣧ على نهاية نظام سالازار الدكتاتوري، كما من المرجح أن يحتل حزب شيجا، في المستقبل، المساحة التي كانت مخصصة في السابق للأحزاب الموجودة على يسار الحزب الاشتراكي، في تصدر الاحتجاجات ومناهضة النظام والتعبير عن الساخطين، في إشارة مهمة إلى تحول هذا الدور من قوى أقصى اليسار إلى قوى أقصى اليمين.3- تزايد الضغوط على الأحزاب المعتدلة لدعم شعبيتها: إن جزءاࣧ مهماࣧ من نجاح حزب شيجا يعود إلى استغلاله المشاكل الموجودة في المجتمع البرتغالي، التي لم يكن أحد يرغب في التحدث عنها؛ لذلك فإن بعض المحللين يدعون القوى الديمقراطية في البرتغال إلى الاهتمام بهذه المشاكل من الآن وصاعداࣧ. وأملت&nbsp;صحيفة Público البرتغالية ، في 12 مارس 2024، أن تتضافر جهود الأحزاب المعتدلة من أجل دفع البلاد إلى الأمام، معتبرة أنه يجب على القادة أن يفهموا أن ترددهم وإهمالهم أصبح أكثر ضرراࣧ، وأنهم مطالبون بالعمل في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم، كما أن عليهم عدم تجاهل التحديات الجديدة كالهجرة.4- احتمالية قصر عمر الحكومة المقبلة: سيتعين على حكومة الأقلية التي سيتم تشكيلها من قبل التحالف الديمقراطي إقناع أحزاب أخرى بالتصويت لصالح كل نص قانون تريد تقديمه للحصول على الأغلبية المطلقة؛ حيث إنه ينقصها إذا تحالفت مع الليبراليين 28 صوتاً لتمرير القوانين. وهذا الوضع الهش يدفع المراقبين إلى استنتاج أن متوسط ​​العمر المتوقع لهذه الحكومة سيكون قصيراࣧ، وأن استقالتها ليس أمراࣧ مستبعداࣧ إذا فشلت&nbsp;في الحصول على الأصوات الكافية لتمرير موازنة عام 2025.واعتبرت صحيفة El País&nbsp;الإسبانية في 12 مارس 2024 أن هذه المسألة كانت سبباࣧ في إسقاط حكومات برتغالية سابقة في الماضي، وأن إجراء الانتخابات في عام 2022 جاء نتيجة عدم قدرة الاشتراكيين على إقرار الموازنة حينها. وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تضطر فيها حكومة برتغالية، سواء كانت يسارية أو يمينية، إلى طلب الدعم البرلماني على أساس كل حالة على حدة. ولكن الجديد هذه المرة هو وجود طرف ثالث قوي، مقروناࣧ برفض الفائز في الانتخابات التفاوض معه.ومما يزيد من تعقيد الوضع في المستقبل اعتماد التحالف الديمقراطي على الحزب الاشتراكي من أجل تمرير قوانينه؛ لأن ذلك سيكون بمنزلة هدية ثمينة للغاية لحزب شيجا، الذي يمكن أن يقدم نفسه على أنه البديل الوحيد للمنظومة القائمة في الانتخابات القادمة. وهذا هو&nbsp;السبب الذي يفسر إصرار الاشتراكيين على لعب دور زعماء المعارضة وعدم السماح لحزب شيجا بأن يصبح صوتها الرئيسي.5- نهاية الاستثناء البرتغالي فيما يتعلق بنفوذ اليمين:&nbsp;تؤكد نتائج هذه الانتخابات، قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الأوروبية، أن اليمين المتطرف يتقدم في جميع أنحاء أوروبا. ومثلما ظهر ذلك سابقاࣧ من خلال الناخبين الفرنسيين والإيطاليين والهولنديين، فإنه يظهر اليوم من خلال الناخبين البرتغاليين؛ علماࣧ أن البرتغال كانت واحدة من الدول القليلة في أوروبا التي تجنبت، في العقد الأخير، تقدم التيارات اليمينية الشعبوية حتى في اللحظات الأكثر حساسيةً، عندما تآكلت سيادة البلاد على يد خبراء الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، الذين حضروا إلى البرتغال لإدارة التقشف. ونصحت صحيفة أفتونبلاديت Aftonbladet السويدية البرتغاليين في 12 مارس 2024، بعدم اتباع النموذج السويدي المطبق حالياࣧ في الحكم بوجود حكومة أقلية من اليمين متعاونة من خارجها مع اليمين المتطرف (أي حزب SD السويدي)؛ لأن هذا النموذج خلف اقتصاداࣧ شبه مدمر، وفرض شروطاࣧ من أجل الحصول على المساعدات الاجتماعية، وزاد في القمع والعنصرية وتقييد الحريات.6- تراجع الاشتراكيين في أوروبا: كما تؤكد نتائج&nbsp;هذه الانتخابات، انحسار نفوذ اليساريين في أوروبا؛ حيث لم يعد الاشتراكيون يتولون السلطة إلا في 4 دول فقط من بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة (وهي ألمانيا وإسبانيا وسلوفينيا والدنمارك) في حين أن عددها كان يبلغ 13 دولة في عام 2013.وتعود أسباب هذا التراجع إلى استغلال قوى&nbsp;اليمين المتطرف الإجراءات غير الشعبية كمكافحة تغير المناخ ومسألة الحرب في أوكرانيا، واجتذابها بقوة للناخبين الساخطين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم. وفي هذا السياق رأت صحيفة تاجبلات (Tageblatt) اللوكسمبورجية في 12 مارس 2024 أنه على الرغم من أن الحكومة الاشتراكية في البرتغال قد رفعت الحد الأدنى للأجور، فإن ذلك لم يساعد الكثير من البرتغاليين على تغطية نفقاتهم؛ ولذلك&nbsp;فإنه بدلاً من التصويت لليسار تحول العديد من الناخبين إلى التصويت لليمين.وختاماً.. بالنسبة إلى المشهد السياسي الداخلي، فإن التحالف الديمقراطي سيجد نفسه محاصراࣧ بين حزب أعلن أنه لن يصوت على الموازنة القادمة إلا بعقد تحالف واضح معه، وبين الحزب الاشتراكي الذي يأمل استعادة السلطة بعد فترة وجيزة يقضيها في المعارضة. أما بالنسبة إلى المشهد الأوروبي، فإن اختراق حزب شيجا في البرتغال سيشكل إشارة قوية حول توسع حيز الحركات الشعبوية في أوروبا التي تستعد لانتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو القادم. ويبقى التصنيف النهائي لأندريه فينتورا، أوروبياࣧ، غير مكتمل؛ حيث يثور التساؤل: إلى أي نموذج سيكون أقرب: النموذج الشعبوي القريب من جورجيا ميلوني والمتعاون مع الاتحاد الأوروبي؟ أم النموذج الشعبوي القريب من فيكتور أوربان والمغرد خارج السرب الأوروبي.

إلى أين تتجه البرتغال بعد الانتخابات التشريعية؟