إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تدفع عوامل متعددة الحزب الديمقراطي نحو الزج بمرشح جديد ينافس بقوة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2024، خاصةً أن الرئيس الحالي جو بايدن، الذي أعلن ترشحه لفترة رئاسية ثانية، يتعرَّض لانتقادات عدة، في مُقدِّمتها عمره الذي يطرح التساؤلات حول مدى قدرته على أداء مهامه الوظيفية إذا فاز من جديد بالانتخابات الرئاسية القادمة، بجانب تراجع نِسَب ومُعدَّلات الرضا عن أدائه إزاء ملفات السياسة الخارجية، وفي مقدمتها الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرار الدعم الأمريكي لآلة الحرب الإسرائيلية دون توضيح أي سبيل لإنهاء هذه الحرب.ويرى البعض أن بايدن قد أضرَّ بصورة الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى العالم، وأظهرها بمظهر القوة الضعيفة غير القادرة على حسم الحرب الروسية الأوكرانية، وغير قادرة على التصدي لتقدُّم الصين وتوسُّعها في شتَّى ربوع العالم. وفي ضوء ذلك، تزداد احتمالية الدفع بمرشح ديمقراطي قوي جديد، ولكن يتأخَّر الحزب في القيام بهذه الخطوة بسبب مجموعة من المخاوف، في مُقدِّمتها الخوف من حدوث انقسامات داخل الحزب.دوافع الديمقراطيينعلى الرغم من تمسُّك الحزب الديمقراطي حتى الآن بالرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن باعتباره مرشحاً رئيسياً للحزب في انتخابات الرئاسة 2024، فإن هناك دوافع عدَّة قد تُؤثِّر على قرار الحزب، وتساعد على اختيار مرشح بديل، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:1– غضب من السياسة الخارجية لإدارة بايدن: لم تكن قضايا السياسة الخارجية تأتي في طليعة اهتمامات الناخب الأمريكي، ولكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، التي جاءت رداً على هجمات حركة حماس، أشعلت اهتمام الناخب الأمريكي بقضايا السياسة الخارجية، وعلى رأسها قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من الأبرياء المدنيين الفلسطينيين، تحت دعم عسكري ولوجستي ومعنوي من الإدارة الأمريكية، التي عرقلت قرار مجلس الأمن، واستخدمت حق الفيتو لمنع وقف إطلاق النار؛ الأمر الذي أثار احتجاجات واسعة داخل الولايات المتحدة، وهي الاحتجاجات التي باتت تُحاصِر بايدن في مختلف المناطق التي يُوجَد بها، متهمةً إياه بالمشاركة في "الإبادة الجماعية" بحق الشعب الفلسطيني، وهو أمر سيكون له تأثير سلبي على بايدن خلال الانتخابات القادمة، خاصةً أن هناك ملفاتٍ أخرى لا زالت عالقة، ولم يتم معالجتها، على غرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي النفوذ الصيني على مستوى العالم.2– تقدم بايدن في العمر: هناك قطاع واسع من الناخبين الأمريكيين ينظرون بريبة إلى عمر بايدن البالغ 81 ربيعاً، الذي من المُتوقَّع إذا فاز من جديد أن يبلغ 82 عاماً خلال عام 2024؛ حيث يرى الكثيرون أن عمره لن يساعده على أداء المهام المطلوبة منه، كما أنه سيؤثر على صورة الولايات المتحدة الأمريكية أمام العالم، ويُظهِرها بموقف ضعيف؛ لأن قائدها ضعيف ومتخبط، لا سيَّما أن بايدن خلال أكثر من لقاء أمام الصحافة تعثَّر في الكلمات، واختلطت عليه الأمور، كما أنه تعثَّر أكثر من مرة أثناء صعوده إلى طائرة الرئاسة الأمريكية وهبوطه منها.3– نتائج متدنية في استطلاعات الرأي العام: تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تخلُّف الرئيس الحالي عن سلفه دونالد ترامب في العديد من الاستطلاعات داخل الولايات المتأرجحة التي تلعب دوراً هاماً في حسم الانتخابات الأمريكية؛ وذلك خلال شهر نوفمبر، كما أنه وفقاً لاستطلاع أجرته رويترز/إيبسوس في 7 نوفمبر الفائت، تراجعت نسبة تأييد بايدن بالمقارنة بإبريل الماضي؛ حيث حاز 39%؛ الأمر الذي دفع ديفيد أكسلرود أحد كبار مستشاري البيت الأبيض خلال رئاسة باراك أوباما، إلى القول إن بايدن يجب أن يكون "حكيماً" في قراره بشأن الترشح من جديد للوصول إلى البيت الأبيض، مشيراً إلى أن إصرار بايدن على الترشح للرئاسة قد يصبُّ في مصلحة بايدن الشخصية أكثر من "مصلحة البلاد".4– إخفاقات في تعامل مع قضية الهجرة: تظل مشكلة الحدود الأمريكية مؤرقاً للإدارة الأمريكية الراهنة؛ لأنها لم تنجح في التعامل معها، لا سيَّما أنها بالرغم من اتهامها لإدارة ترامب بالتطرف والعنصرية تجاه المهاجرين، فإن التقارير الإخبارية تفيد بأن إدارة بايدن كانت أكثر قسوةً في التعامل مع المهاجرين، كما أن ضغوط الجمهوريين على مسألة تهريب مخدر الفنتانيل عبر الحدود، وعدم القدرة على وقف تدفق المهاجرين، ستكون عائقاً أمام الدفع بمرشح آخر، مثل نائبة الرئيس كامالا هاريس التي فشلت في إدارة ملف المهاجرين، ومن ثم لن تكون منافساً قوياً يمكن للحزب الاعتماد عليه، والتربح من شهرتها بالنظر إلى إمكانية استغلال وجودها بجانب بايدن على بطاقة حملته الانتخابية الراهنة.مخاوف متعددة هناك بعض المخاوف لدى الديمقراطيين قد تمنعهم من التخلي عن الرئيس الحالي جو بايدن، ويمكن إيجاز أهمها فيما يلي: 1– ضيق الوقت المتبقي على إجراء الانتخابات: إن الزج بمرشح جديد منافس للرئيس بايدن قد يُواجِه مشكلة تتعلق بضيق الوقت المتبقي على انتخابات عام 2024، خاصةً أن الانتخابات التمهيدية للحزب ستبدأ في ولاية نيو هامبشاير في 23 يناير، وستستمر حتى أوائل يونيو.وصحيح أنه لا يزال هناك نحو 11 شهراً على الانتخابات، لكنها تحتاج إلى استعدادات مطولة؛ حيث يتم الترويج للمرشحين من خلال الحملات الانتخابية. وحتى يتم الدفع بمرشح على ثقل قادر على منافسة مرشحي الحزب الجمهوري الذين يتمتعون بشعبية واسعة، وفي مقدمتهم بالطبع الرئيس السابق ترامب، فإن عامل الوقت هنا لن يكون مساعداً، إلا إذا قرر الحزب الديمقراطي الدفع بشخصية من الشخصيات التي تحظى بشعبية واسعة، على غرار نائبة الرئيس كامالا هاريس، لكنها لا تحظى بدعم واسع، أو "ميشيل أوباما" زوجة الرئيس الأسبق أوباما، أو غيرهما.2– انقسامات بين الديمقراطيين: اختار الحزب الديمقراطي منذ الإعلان عن الحملة الانتخابية الرئاسية 2024 التوحُّد حول المرشح الديمقراطي الأقوى؛ أي شاغل المنصب الرئيس الحالي جو بايدن؛ حيث لم يرغب الحزب في حدوث تفتيت وانقسامات بين أعضاء الحزب الديمقراطي؛ لذلك حرصوا على الدفاع عن بايدن، وعلى قدرته على أداء مهامه على أكمل وجه. وعدم رغبة الحزب في حدوث انقسامات ربما ستظل مثبطاً يحول دون الدفع بمرشح ديمقراطي جديد خلال الانتخابات القادمة. وقد أكَّد دانييل ويسيل المتحدث باسم حملة بايدن، أن "جو بايدن سيكون المرشح الديمقراطي، وسيهزم أي متطرف يقدمه الجمهوريون".3– غياب المنافسة الجادة داخل الحزب الديمقراطي: منذ أن أعلن بايدن عن نيته في الترشح، لا يوجد مرشحون على درجة عالية من القوة أعربوا عن رغبتهم في منافسة بايدن داخل الحزب؛ حيث يتنافس الرئيس مع النائب الديمقراطي دين فيليبس والكاتبة ماريان ويليامسون، وهو يتفوَّق عليهما بالطبع في مختلف استطلاعات الرأي، بما يعني أنه إذا قرر بايدن إيقاف حملته الانتخابية، وإذا وقع حدث مفاجئ، فسيواجه الحزب الديمقراطي اضطراباً وفوضى؛ حيث سيكون عليه التوافق سريعاً حول مرشح جديد، وهو أمر صعب مع "انقضاء مواعيد المشاركة في الانتخابات التمهيدية للحزب بالولايات الحاسمة، مثل نيفادا وكارولاينا الجنوبية وجورجيا"؛ وذلك مع عدم وجود شخصية تحظى بشعبية قوية لدى الناخبين.4– استمرار ضغوط الحزب الجمهوري: حتى مع ضيق الوقت، لو حدث أمر طارئ فسيكون أمام أعضاء اللجنة الوطنية الديمقراطية الذين سيجتمعون في شيكاغو بولاية إلينوي في أغسطس القادم، فرصة لاختيار مرشح بديل؛ وذلك على غرر حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم، أو نائبة الرئيس كامالا هاريس، لكن الترويج للمرشح البديل في تلك الفترة الضئيلة سيكون صعباً، بما سيمنح بطاقة رابحة للحزب الجمهوري الذي يتمتع بوجود بدائل للرئيس السابق ترامب، على غرار حاكمة ولاية كارولاينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي، وحاكم ولاية فلوريدا الحالي رون ديسانتيس.5– الخوف من تكرار هزيمة انتخابات 1972: ربما يخشى الديمقراطيون تكرار ما حدث عام 1972؛ حينما تم الدفع بنائب جديد للمرشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي جورج ماكجفرن، بديلاً للسيناتور توماس إيجلتون؛ الأمر الذي تسبب في خسارة ماكجفرن للانتخابات. وإذا تكرر هذا الأمر الآن، فقد يخسر الحزب الديمقراطي الانتخابات.مستقبل غامضختاماً، يمكن القول إن غياب المنافسة الجادة أمام بايدن داخل الحزب الديمقراطي ستظل العائق الحقيقي الآن في تخلي الديمقراطيين عنه في هذا الوقت الحرج، لكن تطورات الأحداث، ومدى قدرة بايدن وإدارته الراهنة على معالجة عدد من القضايا، في مقدمتها الاقتصاد، ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قد تكون أوراقاً رابحةً ترفع من مستويات التأييد لشاغل المنصب الحالي، وتساعده على الفوز في الانتخابات القادمة، لكن بوجه عام سيظل هناك غموض حول المرشح الذي سيستطيع انتزاع النصر الانتخابي في نوفمبر المقبل، في ظل سيولة الأحداث الوطنية والعالمية.

هل أصبح الحزب الديمقراطي بحاجة إلى مرشح بديل لـ"بايدن"؟