شكلت الأزمات المتواترة التي تعرضت لها الدول الاسكندنافية في الآونة الأخيرة، والتي كان أبزرها تزايد التهديدات الأمنية والجرائم في بعض الدول مثل السويد، تقويضاً للصورة النمطية للدول الاسكندنافية بوصفها دولاً مستقرة وتتصدر المؤشرات الدولية المرتبطة بالمستويات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بالتعليم والصحة والمساواة بين الجنسين. ومع ذلك، أوضحت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة عام 2015، بدء تلاشي الطبيعة المتسامحة والودية للدولة الاسكندنافية؛ نتيجة لتزايد حالات التمييز والعنف وانتشار وتيرة الجريمة المنظمة، وتحديداً تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، وعلى نطاق أوسع تجاه الملونين والمسلمين، مثلما شهدنا مرات عديدة حرقاً للمصحف الشريف في السويد والدنمارك، وهو ما قد يشير إلى بدايات تراجع نموذج الدولة المستقرة والآمنة داخل دول الشمال الأوروبي، خاصة في ضوء توسع حدود حلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية، وهو ما قد يهدد الأمن الخارجي لهذه الدول.
ملامح التراجع
ثمة مؤشرات عديدة تشير إلى مدى التراجع الأمني والاستقرار داخل الدول الاسكندنافية، وهي المؤشرات التي يمكن تناول أبرزها على النحو التالي:
1- تصاعد الممارسات العنصرية: بدا خلال السنوات الماضية أن ثمة انتشاراً في الخطاب العنصري في الكثير من الدول الغربية، بما في ذلك بلدان الشمال الأوروبي؛ فقد أوضحت دراسة أجرتها وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، في 2018، بعنوان "أن تكون أسود في الاتحاد الأوروبي"، تعرض 63% من المنحدرين من أصل أفريقي في فنلندا لمضايقات بدوافع عنصرية، بينما بلغت النسبة مستوى الـ41% في كل من الدنمارك والسويد، مقارنة بمتوسط مجموعه يبلغ 30% في دول الاتحاد الأوروبي الـ12 التي شملتها الدراسة.
وترتبط الاتهامات الموجهة نحو هذه الدول بممارسة العنصرية بعدد من الملفات؛ فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة الدنماركية بتجميع "قائمة الجيتو" للأحياء لمدة عقد من الزمن، بينما حددت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذه الأحياء باعتبارها مثيرة للقلق الشديد، وتهدد بزيادة التمييز العنصري ضد المهاجرين؛ ما يزيد من عزلتهم.
أما في السويد، فقد تزايد عدد حوادث خطاب الكراهية العنصرية والمعادية للأجانب خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما في سياق وصول أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين؛ إذ صرح أشخاص من سوريا ورومانيا وأفغانستان في مقابلات بأنهم قد واجهوا سلوكيات متعصبة وتهكمات مستمرة من جانب المواطنين السويديين. وبحسب تقديرات الفرع السويدي لمنظمة إنقاذ الطفولة غير الربحية، يتعرض واحد من كل أربعة أطفال من أصول مهاجرة للإيذاء العنصري أو الاعتداء بسبب لون بشرتهم، أو موطن والديهم، أو دينهم.
2- انتشار العنف والجريمة المنظمة: تعد السويد هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي زادت فيها حوادث إطلاق النار المميتة بشكل كبير؛ فبعدما كانت البلاد تتمتع بأدنى معدلات العنف المسلح في أوروبا، فإنها الآن واحدة من أعلى المعدلات، في غضون عقدين فقط، وهو ما دفع الحزب الديمقراطي السويدي (الحزب اليميني المتطرف بالبلاد) إلى إلقاء اللوم على الوافدين في تصاعد الجرائم المسلحة والفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء، على الرغم من نقاط القوة الاقتصادية في السويد.
ووفقاً لإحصائيات الشرطة السويدية، فقد شهدت السويد حوالي 360 حادث إطلاق نار خلال عام 2022، وهي الحوادث التي وجهت إلى العديد من المساكن والشركات والمباني، وسقط على إثرها 62 قتيلاً. وفي ذات السياق، يوضح تقرير نشره المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة الفوارق بين السويد وبقية أوروبا؛ فقد سجلت أوروبا ككل 1.6 حالة وفاة بسبب العنف المسلح لكل مليون شخص، في حين سجلت السويد ما يقرب من 4 حالات وفاة لكل مليون شخص في عام 2017.
3- تشديد القيود على المهاجرين: اكتسبت روايات التهديد المناهضة للهجرة في كل من السويد والدنمارك جاذبية لدى عامة الناس، الذين أصبحوا يخشون ارتكاب اللاجئين جرائم مسلحة أو ممارسات ذات طابع عنيف؛ ولذلك عدلت كوبنهاجن سياسات الهجرة الخاصة بها ما لا يقل عن سبعين مرة، خلال الفترة بين عامي 2015 و2018، وقد كان لهذه التعديلات تأثيرات كبيرة، وترجمت إلى جعل الدنمارك وجهة غير جاذبة قدر الإمكان لطالبي اللجوء، خاصة بعدما أصبحت الظروف في مراكز الاحتجاز الدنماركية مزرية، ناهيك عن انخفاض حجم المساعدات الموجهة للاجئين، فضلاً عن استيلاء الحكومة على أصول اللاجئين لتغطية تكاليف الاستقبال.
وبعدما كانت السويد محافظة على سياسات الهجرة المفتوحة إلى حد ما حتى وقت قريب، باعتبارها كانت واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي توفر حقوق العمل الفورية لطالبي اللجوء، فإن النهج السويدي قد بدأ في التغير، خاصة بعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى البلاد في عام 2015. ومنذ ذلك الحين، تم تخفيض مزايا الرعاية الاجتماعية، وتضاءلت فرص الحصول على الإقامة الدائمة، لكن التغييرات الأكثر أهميةً في السويد تتمثل في مقترح اتفاق "تيدو الجديد" الخاص بخفض حقوق "لم شمل الأسر" وتقليص حصة اللاجئين القادمين إلى السويد بشكل كبير من 5000 إلى 900 لاجئ، وهو ما يمثل ضربة قوية لجهود إعادة توطين اللاجئين على مستوى العالم؛ نظراً إلى المساهمة الرائدة التي تقدمها السويد.
4- تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا: شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في حدة الصدام بين الدول الإسلامية وكل من الدنمارك والسويد؛ وذلك بعد قيام جماعة يمينية تُدعَى داينش باتريوت "الوطنيون الدنماركيون" بحرق المصحف الشريف خارج السفارة العراقية في كوبنهاجن، وكرر خمسة أعضاء من الجماعة الراديكالية نفسها هذا التصرف، وأحرقوا القرآن أمام السفارة المصرية في الدنمارك في شهر يوليو الماضي.
وفي الفترة ذاتها، قام متطرف سويدي من أصول عراقية بحرق نسخة من المصحف أمام سفارة بلاده في ستوكهولم، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً بفعل ذلك إثر قرار قضائي. هذا وقد قام أحد السياسيين المتطرفين خلال تظاهرة مناهضة لأنقرة أمام السفارة التركية، بحرق نسخة من القرآن الكريم خارج السفارة في ستوكهولم؛ ما أعاد المناقشات حول جرائم الكراهية في البلاد إلى الواجهة مرة أخرى، في وقت يجاهد فيه المجتمع الدولي للتصدي للحوادث الإرهابية على مستوى العالم.
5- احتمالات نشوب حروب خارجية: مما لا شك فيه أن انضمام كل من فنلندا والسويد إلى حلف الناتو سيغير من طبيعة البنية الأمنية لشمال أوروبا؛ حيث ستجعل المنطقة في مرمى الضربات الروسية حال نشوب حرب عالمية ثالثة، وهو ما يثير مخاوف أمنية طويلة الأمد على سكان الدول الاسكندنافية؛ لذلك قد تحرص الدولتان على عدم استفزاز روسيا من دون مبرر، فضلاً عن احتمالية إبداء كل منهما تحفظهما بشأن نشر أسلحة نووية على أراضيهما، مثلما فعلت كل من الدنمارك والنرويج حين انضمتا إلى الحلف. وترجع تلك التحفظات إلى تهديدات موسكو عدة مرات بأن عضوية البلدين (السويد وفنلندا) في الحلف ستضر بأمنهما وأمن أوروبا، كما وعدت باستعادة التوازن العسكري من خلال تعزيز موقفها الدفاعي في منطقة بحر البلطيق، بما في ذلك نشر الأسلحة النووية في شبه جزيرة "كولا" المتاخمة للأراضي النرويجية والفنلندية.
6- التعرض للهجمات السيبرانية: وفقاً لأحدث الإحصاءات، تعتبر السويد واحدة من أكثر البلدان اتصالاً بالإنترنت في العالم؛ حيث إن أكثر من 93% من الأسر لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت. ومع ذلك، بدأت الشركات التي تقع مقراتها في السويد تدرك حاجتها إلى حماية أنظمتها من الهجمات السيبرانية بأنواعها المختلفة، حتى لا تتأثر أعمالها سلباً، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى حدوث خسائر مالية لهذه الشركات؛ فوفقاً لأحدث الإحصاءات، شهدت الهجمات السيبرانية ضد الشركات في السويد زيادة واضحة خلال عامي 2021 و2022 بمقدار ثلاثة أضعاف، مقارنة بعامي 2019 و2020؛ ما أدى إلى خسارتهم أكثر من 30 مليار كرونة سويدية (2.66 مليار دولار تقريباً).
أسباب دافعة
لم تكن الاضطرابات الأمنية السابقة مرتبطة فقط بتركيبة المجتمعات الاسكندنافية، بل كانت وليدة مجموعة متنوعة من الأسباب التي دفعتها للنمو والظهور مؤخراً، ومنها:
1- اتساع فجوة التفاوت الاجتماعي: تعتبر الأسر في الدول الاسكندنافية من أغنى الأسر في العالم. ومع ذلك، فإن حالات عدم المساواة في السويد، مثل عدم المساواة في الدخل وفقر الدخل النسبي، قد زادت بوتيرة أسرع من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)؛ فقد ارتفع معامل "جيني" في السويد – وهو مقياس لعدم المساواة في الدخل – بشكل حاد في عام 2021، ليصل إلى (0.333)، وهو الأعلى منذ بدء القياسات في عام 1975. وهذا يشير إلى أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع.
وفي الإطار ذاته، وجدت دراسة أجريت بين عامي 2006 و 2014 أن احتمال حدوث حالات إطلاق نار يقترب بمعدل 5 مرات في المناطق المصنفة على أنها "ضعيفة اجتماعياً"؛ وذلك نتيجة للحقيقة الراسخة بأن عدم المساواة الاقتصادية يؤدي إلى زيادة العنف والجريمة والفقر وعدم المساواة في الصحة، وكلها يمكن أن يكون لها تأثير دائم على الأجيال. علاوة على ذلك، يشير التقرير الذي نشره المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة إلى أن الزيادة في جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية في السويد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوساط الإجرامية في المناطق المحرومة اجتماعياً.
2- تدفقات المهاجرين والتغيرات الديموغرافية: شهدت الدول الإسكندنافية زيادة كبيرة في الهجرة في السنوات الأخيرة، حتى وصل عددهم إلى نحو 3.6 مليون مهاجر عام 2019، وقد أدى ذلك إلى الضغط على الخدمات العامة وأنظمة الرعاية الاجتماعية، وهو ما يثير غضب الشعوب الأصلية، وربما يدفعهم إلى ممارسات الكراهية والعنصرية تجاه هؤلاء المهاجرين، خاصة مع تباطؤ الاقتصادات الاسكندنافية في السنوات الأخيرة، على خلفية أزمتي كورونا والحرب الأوكرانية، ولا سيما زيادة صعوبة تمويل برامج الرعاية الاجتماعية.
هذا ويُعتقد عادةً أن أحد الأسباب الرئيسية للتمييز العنصري هو أن مجتمعات الشمال كانت منذ فترة طويلة متجانسة، بيد أنها قد مرت مؤخراً بتغيرات ديموغرافية سريعة بسبب زيادة الهجرة منذ فترة تسعينيات القرن الماضي؛ حيث تشير أحدث الإحصاءات إلى وجود زيادة مستمرة في حصة الوافدين من إجمالي سكان دول الشمال الأوروبي خلال الفترة (2012–2021)؛ إذ تلامس حصتهم في السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا نسب 20% و16% و13% و8% من إجمالي سكان الدول الأربعة على التوالي في عام 2021، مقارنة بنحو 15% و13% و10% و5% على التوالي في عام 2012.
والجدير ذكره أن السويد قد تدفق إليها أكبر عدد من المهاجرين مقارنة بالدول الاسكندنافية الأخرى؛ وذلك خلال الفترة بين عامي 2001 و2021، تليها النرويج والدنمارك وفنلندا، بينما تأتي أيسلندا في المرتبة الأخيرة بينها، ولعل هذا ما يفسر السبب وراء ارتفاع أحداث الكراهية والعنصرية والجريمة المنظمة في السويد والدنمارك مقارنة بدول الشمال الأوروبي الأخرى، ناهيك عن ضعف عملية اندماج المهاجرين مع شعوب تلك الدول؛ إذ تزعم الحكومة السويدية أن جرائم العصابات المدفوعة بتجارة المخدرات، مرتبطة بضعف اندماج مجتمع المهاجرين الكبير في السويد.
3- الصعود السياسي للأحزاب اليمينية المتطرفة: حققت الأحزاب الشعبوية مكاسب عديدة في السنوات الأخيرة في أغلب الدول الأوروبية، ومنها الدول الاسكندنافية. وغالباً ما تعارض هذه الأحزاب برامج الهجرة والرعاية الاجتماعية الموجهة لهم؛ فعلى سبيل المثال، حدثت تغييرات كبيرة في سياسات كوبنهاجن تجاه المهاجرين منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ حيث قدمت الخطابات الدنماركية المهاجرين على أنهم استنزاف لأنظمة الرعاية الاجتماعية بالبلاد. ومع نشأة حزب الشعب الديمقراطي التقدمي (اليميني المتطرف) عام 1995، نجح في جذب أعداد متزايدة من الناخبين من خلال تأكيد التهديد الذي يشكله المهاجرون (وخاصة المسلمين) على القيم الثقافية والأمن ونظام الرعاية الاجتماعية في الدنمارك، حتى أصبح هذا الحزب ثاني أكبر حزب في البرلمان بحلول عام 2015.
وفي السويد التي كانت معروفة ذات يوم بأنها أكثر تسامحاً، أصبحت الآن أكثر عنصرية بشكل علني، خاصة مع ارتفاع شعبية الحزب الديمقراطي السويدي (القوة الكبرى في الائتلاف اليميني) الذي تمكن من زيادة حصته في انتخابات سبتمبر 2022 إلى 20.5%، بل يرأس أعضاؤه أربع لجان برلمانية. وكما هو الحال في الدنمارك، يقدم الحزب المهاجرين باعتبارهم تهديداً لدولة الرفاهية، واستنزافاً للموارد العامة، ومسؤولين عن زيادة معدلات الجريمة.
4- الدعم الشعبي لليمين المتطرف: يأتي صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في دول الشمال الأوروبي مدفوعاً بدرجة كبيرة بالدعم الشعبي الكبير لأفكارها؛ فمع تراجع مؤشرات الأمن الاجتماعي، يخلط بعض الناس بين الهجرة الجماعية وتدهور الخدمات الاجتماعية؛ حيث يحسبون أن هناك علاقة سببية تربط بينهما. وفي هذا الصدد، فإن ما حدث مؤخراً في انتخابات السويد الأخيرة كان متوقعاً؛ حيث كانت الاهتمامات الرئيسية للناخبين – وفقاً لقياس العديد من معاهد الرأي خلال الحملة الانتخابية – هي: الرعاية الصحية، والقانون والنظام، والتعليم، والهجرة، والطاقة والمناخ، والاقتصاد، في حين كانت الحملات الانتخابية السويدية تقتصر تاريخياً على القضايا الاجتماعية والاقتصادية مثل التوظيف والتعليم والرعاية الصحية. ولكن بعد انتخابات عام 2014 وصعود الديمقراطيين السويديين، أصبحت الهجرة والاندماج والجريمة هي الموضوعات الأكثر بروزاً؛ وذلك على الرغم من التضخم المتزايد، وارتفاع أسعار الطاقة.
5- تساهل التعامل مع الجريمة المنظمة: سهلت عدة عوامل الارتفاع الكبير في معدلات الجريمة المنظمة في الدول الاسكندنافية؛ فمثلاً في جميع أنحاء السويد، يمكن أن يُعزى تصاعد الوفيات نتيجة للعنف المسلح جزئياً إلى قوانين الأحكام الجنائية المتساهلة إلى حد ما؛ حيث قد يتلقى المراهقون عقوبة قصوى تصل إلى 4 سنوات فقط بتهمة القتل المرتبط بالأسلحة النارية. ووفقاً لتقارير الشرطة، فإن الزيادة في أعمال العنف المسلح كانت مدعومة بالتدفق الكبير للأسلحة المهربة القادمة من دول غرب البلقان.
تداعيات حرجة
في نهاية المطاف، يمكن القول إن الدول الاسكندنافية لا تزال من بين الدول الأكثر ازدهاراً وعدالة في العالم، بيد أن التحديات المذكورة أعلاه قد تؤدي إلى انهيار النموذج الآمن والمستقر في هذه الدول مستقبلاً، ومن ثم سيكون من المهم بالنسبة إلى هذه الدول التصدي لها من أجل الحفاظ على مستوى معيشي مرتفع لسكانها، عن طريق إجراء إصلاحات على برامج الرعاية الاجتماعية، والاستثمار في التعليم والتدريب، وتعزيز التماسك الاجتماعي بين مختلف أطياف المجتمع؛ وذلك من أجل الوفاء بمسؤولياتها الدولية والتزاماتها القانونية تجاه طالبي اللجوء والمهاجرين؛ حتى لا تستمر سمعتها الدولية في التدهور نتيجة لممارساتها المرفوضة حالياً، ومن ثم سيظل التحدي قائماً في العثور على السياسيين والقادة الذين يمكنهم تقديم خطابات سياسية أكثر شجاعة، تعزز التسامح والتماسك الاجتماعي لدعم هذه الجهود.
ومما لا شك فيه أن الاقتصادات الاسكندنافية قد تتأثر سلباً إذا استمرت تلك الاضطرابات الأمنية العنيفة تجاه المهاجرين واللاجئين، خاصة أنهم يمثلون نسبة لا بأس بها من مجتمعاتهم، ومن ثم فهم يسهمون بدرجة معقولة في حجم النشاط الاقتصادي لهذه الدول، ناهيك عن تحول البيئة الاستثمارية إلى بيئة ضبابية وغير مطمئنة؛ الأمر الذي قد يدفع إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من دول الشمال الأوروبي، ومن ثم انخفاض معدلات التوظيف، وتراجع مصادر تمويل برامجهم الاجتماعية.