د. محمد عباس ناجي
-أعلنت إيران أنه سيتم عقد الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا مع مجموعة 4+1) التي تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر، في 9 ديسمبر 2021، بعد إخفاق جولة المفاوضات السابعة في الوصول إلى تسوية تعزز استمرار العمل بالاتفاق النووي، في ظل الخلافات العالقة بين إيران والقوى الدولية، التي اتسع نطاقها بعد الرسائل التي وجهتها إيران خلال تلك المفاوضات، لا سيما ما يتعلق بضرورة استبعاد التفاهمات التي سبق التوصل إليها خلال الجولات الست الأولى التي توقفت في 20 يونيو الماضي. وفي كل الأحوال، فإن السياسة الإيرانية تسببت في تحشيد القوى الغربية ضدها، وربما تدفع روسيا والصين إلى تبني سياسة أكثر مرونةً إزاء المطالبات الغربية بممارسة ضغوط أقوى على إيران في المرحلة القادمة.
عقبات عديدة
ولا يبدو أن إيران قد نجحت في تسويق المقاربة الجديدة التي تبنتها خلال الجولة السابعة من المفاوضات؛ ففضلاً عن أنها طالبت بالعودة إلى التفاوض على كل بنود الاتفاق؛ ما يعني عدم الاعتداد بالتفاهمات التي سبق أن توصلت إليها إيران والقوى الدولية في الجولات الست السابقة التي عُقدت في عهد حكومة الرئيس حسن روحاني؛ فإن إيران قدمت في الجولة السابعة وثيقتين تتضمنان رؤيتها لرفع العقوبات الأمريكية والالتزامات التي سوف تتقيد بها على صعيد الأنشطة النووية في حالة اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية للخطوة الأولى. وفي الواقع، فإن هناك مؤشرات عديدة توحي بأن الدول الغربية لن توافق على مجمل تلك المقاربة التي أعلنتها إيران، والتي ربما تدخل في إطار نوع من المساومة بين الطرفين خلال الجولة الجديدة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1– تبني الدول الأوروبية سياسة أكثر تشدداً: بدأت الدول الأوروبية الرئيسية، لا سيما فرنسا وألمانيا، توجه رسائل إلى إيران بأنها سوف تتبنى سياسة أكثر تشدداً خلال المفاوضات القادمة، نتيجة محاولات إيران لكسب مزيد من الوقت وفرض رؤيتها على القوى الدولية، فيما يتعلق برفع العقوبات والالتزامات النووية. وربما يعود ذلك إلى "إحباط" الدول الغربية من الموقف الإيراني الجديد؛ فرغم أنه لم تكن هناك مؤشرات توحي بأن إيران سوف تتبع سياسة أكثر مرونة في الجولة السابعة، فإنه لم يكن متصوراً أن تسعى طهران إلى العودة من جديد إلى نقطة الصفر في المفاوضات، ومحاولة فرض شروطها على طاولة المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية تستوعب مصالحها في المقام الأول.
وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا،ً في 7 ديسمبر 2021، قالت فيه إن "المقترحات التي تقدمت بها إيران الأسبوع الماضي لا تشكل أساساً معقولاً يتوافق مع هدف الإبرام السريع (للاتفاق) مع مراعاة مصالح جميع الأطراف"، معبرةً عن "خيبة أمل" حيال فشل المحادثات في تحقيق تقدم، في حين ركزت ألمانيا على ضرورة الالتزام بما تم التوصل إليه من توافقات في الجولات الست الأولى، رافضةً في الوقت نفسه الوثيقتين الجديدتين اللتين تقدمت بهما إيران في الجولة السابعة؛ إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في بيان في اليوم نفسه، إن "المقترحات لا توفر أساساً لنهاية ناجحة للمحادثات.. درسنا المقترحات بعناية وباستفاضة، وخلصنا إلى أن إيران انتهكت تقريباً جميع التسويات التي تم التوصل إليها من قبل خلال شهور من المفاوضات الصعبة".
2– سعي إيران إلى التنسيق مع روسيا: كان لافتاً أن إيران سارعت إلى إيفاد مساعد وزير الخارجية رئيس وفد التفاوض علي باقري كني إلى موسكو، في 7 ديسمبر 2021؛ لإطلاع المسؤولين الروس على الموقف الإيراني، واستشراف رد فعل موسكو إزاء المقاربة التي عرضتها إيران في الجولة السابعة؛ حيث التقى "كني" مساعد وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف. ويعني ذلك في المقام الأول أن إيران لا تبدو مطمئنة إلى الموقف الروسي بعد عرض تلك المقاربة، وأنها لا تستبعد أن تبدأ موسكو في تغيير موقفها تدريجياً إذا واصلت إيران المماطلة وكسب الوقت في المرحلة القادمة. ووفقاً لتقارير عديدة، فإن روسيا والصين أبدتا استياءهما من المقاربة الإيرانية الجديدة في الجولة السابعة، لا سيما ما يتعلق بمحاولة البدء من نقطة الصفر مجدداً رغم الجهود التي بُذلت في الجولات الست الأولى من أجل تقليص حدة الخلافات حول بعض البنود.
3– تلميح إيران إلى إمكانية طرح مسودة ثالثة: كان لافتاً أن الوفد الإيراني المشارك في المفاوضات أوضح إلى أن هناك وثيقة أخرى ثالثة عزف الوفد عن طرحها في المفاوضات، بما يعني أن إيران تسعى في الوقت الحالي إلى تقييم ردود فعل القوى الدولية واستشراف مواقفها من الوثيقتين قبل عرض أي مبادرة جديدة، على نحو يوحي بأن إيران ليست متأكدة من أن القوى الدولية سوف تقبل بما تضمنته الوثيقتان من تصورات جديدة حول رفع العقوبات والالتزامات النووية، وأنها في الغالب مستعدة لمواجهة فرض جماعي، أو على الأقل غربي، لهذه المقاربة.
4– تحميل واشنطن مسؤولية فشل المفاوضات: حرصت إيران، عقب انتهاء الجولة السابعة، على الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن أي فشل محتمل للمفاوضات، في ظل رفضها المقاربة التي تبنتها إيران حول رفع العقوبات تحديداً، بما يعني أن إيران تستبق الجولة الجديدة بالترويج لكون احتمال الفشل قائماً بقوة، وأن السبب في ذلك يعود إلى السياسة الأمريكية في المفاوضات، لا إلى المماطلة الإيرانية التي تتوازى مع الإمعان في مواصلة الأنشطة النووية على نحو بات يفرض تهديدات جديدة على مستوى المنطقة عامةً في ظل اقتراب إيران من مرحلة امتلاك القنبلة النووية.
5– تلويح إيران بالخيارات البديلة: تعمدت إيران –عقب انتهاء الجولة السابعة من المفاوضات دون الوصول إلى نتائج إيجابية تذكر– الإشارة إلى أن لديها خيارات عديدة في التعامل مع احتمال فشل المفاوضات، وهي محاولة من جانبها لممارسة أقصى درجة من الضغوط على القوى الدولية لدفعها إلى القبول بالمقاربة الجديدة التي تتبناها، بالتوازي مع استمرار أنشطتها النووية على صعيد إنتاج كمية أكبر من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وبدء عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% داخل مفاعل "فوردو"؛ ففي هذا الإطار، قال مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية محمد حسيني، في 5 ديسمبر 2021، إنه "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في فيينا، فإن بلاده ستتوجه نحو الصين والهند لتحقيق مصالحها"، مضيفًا أن "القوة الاقتصادية تتجه الآن نحو الصين والهند"، وأنه "إذا لم يكن هناك اتفاق، فيمكننا الحصول على مصالحنا من هذا الجانب".
عقبات مختلفة
مع ذلك، فإن إيران تخاطر في هذا السياق بخسارة هامش جديد من المناورة وحرية الحركة المتاحة أمامها، ففضلاً عن أن الدول الغربية سوف ترفض المماطلة وإجراء مزيد من الجولات التفاوضية دون الوصول إلى صفقة أو توافقات تعزز احتمال تحقيق ذلك؛ فإن كلًّا من روسيا والصين قد تجريان تغييراً في مواقفهما من المفاوضات؛ إذ قد ترى موسكو تحديداً أن موقفها الداعم باستمرار للسياسة الإيرانية كان سبباً رئيسياً في دفع إيران إلى تبني سياسة أكثر تشدداً، مطمئنةً إلى أن هناك ظهيراً دولياً يستطيع حمايتها أو دعمها عند اللزوم.
وختاماً، فإن موسكو قد ترى توجيه رسائل مباشرة إلى إيران بأن الإمعان في تبني السياسة الحالية قد يفرض معطيات عكسية في النهاية، لا سيما أن هذه السياسة تحرج موسكو وتعرضها لانتقادات وضغوط غربية لا تستطيع مواجهتها بسهولة، ما دامت إيران تواصل تطوير برنامجها النووي الذي يثير قلقاً واضحاً لدى تلك الدول بجانب روسيا تحديداً التي تمنح الأولوية في الوقت الحالي لمنع وصول إيران إلى المرحلة التي تستطيع فيها امتلاك القدرات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية، كما أن الدول الغربية حريصة بدورها على رفع مستوى التنسيق مع موسكو في المفاوضات؛ وذلك بهدف دفعها إلى محاولة الضغط على إيران لتبني سياسة أكثر مرونةً يمكن أن توفر المجال للوصول إلى صفقة في الجولة القادمة تعزز استمرار العمل بالاتفاق النووي الحالي.
جميع الحقوق محفوظة لموقع إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية 2023