هل تتضرر منظومة الصناعات الدفاعية الروسية بحزمة العقوبات الغربية؟

فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في 2 مارس 2022، حزمة عقوبات على روسيا طالت قطاعات التكنولوجيا العسكرية، رداً على العملية العسكرية التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضد أوكرانيا، منذ 24 فبراير 2022. وبحسب بيان البيت الأبيض في هذا الصدد، فإن حزمة العقوبات هذه "تهدف إلى إضعاف القدرات الدفاعية والقوة العسكرية الروسية لسنوات عديدة"، وستؤدي إلى فرض "تكاليف كبيرة على شركات تطوير وإنتاج الأسلحة الروسية"، لا سيما أن تلك العقوبات ستطال أكثر من عشرين مؤسسة مرتبطة بوزارة الدفاع الروسية، ومنها شركات تصنيع طائرات مقاتلة وعربات مشاة قتالية، وأخرى معنية بأنظمة الحرب الإلكترونية والصواريخ والطائرات المسيرة "درونز".

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قد أعلنت، في 25 فبراير 2022، عن اتفاق زعماء الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على موسكو تستهدف 70% من السوق المصرفية الروسية والشركات الرئيسية المملوكة للدولة، بما فيها شركات عاملة في مجال الدفاع؛ الأمر الذي يثير التساؤل بشأن مدى نجاعة تلك العقوبات وتأثيرها على الصناعات الدفاعية الروسية في المستقبل المنظور.

صناعة استراتيجية

تعد الصناعات الدفاعية الروسية صناعات استراتيجية ذات أهمية خاصة على الصعيد العالمي، كما تعد من المرتكزات الرئيسية التي يعول عليها الاقتصاد الروسي بدرجة كبيرة، وهو ما يمكن بيانه على النحو الآتي:

1- ثاني أكبر مورد للأسلحة والمنتجات الدفاعية حول العالم: تظل روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) في عام 2021؛ حيث تمثل الصادرات العسكرية الروسية نحو 20% من صادرات الأسلحة حول العالم، وتشكل روسيا مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين، معاً نحو 76% من إجمالي حجم صادرات الأسلحة العالمية خلال الفترة من 2016-2020، في حين كانت روسيا تحتكر نحو 26% من مبيعات الأسلحة العالمية خلال الفترة 2010-2015.

2- رابع أكثر الدول من حيث الإنفاق العسكري عالمياً: احتلت روسيا المرتبة الرابعة عالمياً في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على الصعيد العسكري، وفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، لعام 2021؛ حيث أنفقت روسيا 61.7 مليار دولار، بما يمثل نحو 3.1% من الإنفاق العسكري العالمي، بعد الولايات المتحدة والصين والهند. وقد زاد الإنفاق العسكري لروسيا بما نسبته 30% بين عامي 2010 و2020، في حين زادت هذه النسبة مقارنة بمطلع الألفية الثالثة بنحو 175% وتحديداً خلال العقدين الماضيين 2000-2020.

3- مكانة دولية للمقاتلات والأنظمة الدفاعية الروسية: تحظى الأسلحة الروسية بسمعة طيبة ومكانة مرموقة في سوق الصادرات الدفاعية حول العالم، وخاصة المقاتلات الروسية وأنظمة الدفاع الجوي. ويعد الجيل الرابع من مقاتلات "Su-30" والجيل الخامس من مقاتلات "Su-57″، ومنظومة الدفاع الجوي الروسية "S 300" و"S 400″، من أهم الأسلحة الروسية؛ الهجومية والدفاعية، التي تتمتع بقبول واسع بين الجيوش في كل من الدول النامية والمتقدمة على حد سواء؛ الأمر الذي دفع تركيا العضو في حلف الناتو إلى التمسك بإتمام صفقة "S 400" على الرغم من الأزمة العميقة التي أحدثتها تلك الصفقة في علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً إلى فرض واشنطن عقوبات على أنقرة على خلفية تلك الأزمة.

4- حصيلة ضخمة لمبيعات الأسلحة الروسية خلال عقدين: تدر الصناعات الدفاعية لموسكو حصيلة ضخمة من الإيرادات على الخزينة المالية الروسية. وبحسب تقديرات وكالة سبوتنيك الروسية الحكومية، مطلع عام 2021، فإن مبيعات السلاح الروسي خلال العقدين الماضيين من الألفية الثالثة بلغت نحو 180 مليار دولار، وشملت 122 دولة حول العالم. وقد جاءت المقاتلات المتقدمة في مقدمة السلع العسكرية الروسية الأكثر رواجاً بما يصل إلى 85 مليار دولار، تلتها أنظمة الدفاع الجوي وأسلحة القوات البرية، التي قدرت مبيعاتها بنحو 30 مليار دولار، ثم أسلحة القوات البحرية بما يزيد عن 28 مليار دولار. وتذهب تقديرات غربية إلى أن السبب في رواج الأسلحة الروسية حول العالم يعود في جزء منه إلى عدم وضع موسكو قيوداً أو شروطاً سياسية لمبيعاتها من الأسلحة كما هو الحال في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى.

تأثيرات محدودة

وفي ظل العقوبات الأمريكية والغربية المتزايدة على روسيا كورقة ضغط لثني موسكو عن المضي قدماً في عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا، فإن من المتوقع أن يكون لتلك العقوبات تداعيات محتملة على الصناعات الدفاعية الروسية، وهو ما يمكن بيانه على النحو الآتي:

1- ضعف تأثر سوق الأسلحة الروسية بالعقوبات: من غير المتوقع أن تتأثر مبيعات الأسلحة الروسية من جراء العقوبات الأمريكية والغربية على الصناعات الدفاعية لموسكو، بالنظر إلى نوعية وخريطة سوق الأسلحة الروسية حول العالم. وفي هذا الإطار، تتصدر الهند (23%) والصين (18%) والجزائر (15%) قائمة أكثر الدول المتلقية للأسلحة الروسية حول العالم، وتشكل الدول الثلاث معاً نحو 56% من مبيعات الأسلحة الروسية، بحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، في عام 2021. وتبدو تلك الدول بعيدة إلى حد كبير عن الالتزام بالعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا في هذا الصدد؛ فللهند حساباتها الخاصة في التوازن العسكري مع باكستان، في حين أن الصين تشكل مع روسيا المحور العالمي المضاد للمحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة، في حين تبدو الجزائر ملتزمة بعلاقاتها التاريخية مع روسيا، لا سيما في ظل إرثها العدائي مع أوروبا الاستعمارية السابقة، وخاصةً فرنسا.

وبجانب الدول الثلاث: الهند، والصين، والجزائر، فإن السوق الإفريقية باتت تشكل نحو 18% من مبيعات الأسلحة الروسية عالمياً. وتحتكر شركة روسوبورون إكسبورت Rosoboronexport نحو 49% من صادرات روسيا الدفاعية إلى دول القارة الإفريقية. وبالنظر إلى النفوذ الروسي المتزايد في عدد غير قليل من دول القارة، لملء الفراغ الغربي –وخاصة الفرنسي والأمريكي– في إفريقيا، وخاصة على الصعيدين الأمني والعسكري؛ فليس من الوارد أن تقلص تلك الدول مشترياتها من الأسلحة الروسية ولا أن تلتزم حرفياً بالعقوبات الغربية المفروضة في هذا الصدد، خاصةً مع غياب المشروطية السياسية لروسيا فيما يتعلق بصادراتها الدفاعية. 

2- رمزية العقوبات على الصناعات الدفاعية الروسية: في حين تهدف حزمة العقوبات الأمريكية والغربية المتعلقة بمنظومة الصناعات الدفاعية الروسية، إلى إضعاف القدرات الدفاعية والقوة العسكرية الروسية، وفرض تكاليف كبيرة على شركات تطوير وتصنيع الأسلحة الروسية، فإن المردود الحقيقي لتلك العقوبات على أرض الواقع يبدو رمزياً إلى حد كبير، ويأتي في إطار الضغوط السياسية المتزايدة على موسكو لإجبارها على وقف الحرب المشتعلة في أوكرانيا.

صحيح أن بريطانيا قد علقت تراخيص تصدير السلع التي يمكن استخدامها في أغراض مدنية وعسكرية بروسيا، وأوقفت تصدير السلع ذات التقنية العالية، ومنها معدات تكرير النفط، كما وافق الاتحاد الأوروبي على تأسيس قوة تعمل عبر المحيط الأطلسي للبحث عن الأصول الروسية والعمل على تجميدها، سواء كانت مملوكة لأشخاص أو شركات روسية، بالإضافة إلى منع بيع قطع غيار الطائرات للشركات الروسية، ومنع بيع السلع ذات التقنية العالية إلى موسكو، ولكن ما النسبة التي تمثلها المكونات ذات المنشأ الغربي في الصناعات العسكرية لروسيا؟ وإذا وجدت تلك النسبة فهل هي مؤثرة إلى حد عرقلة منظومة التصنيع العسكري الروسي؟ من شأن الإجابات الدقيقة على أسئلة كتلك أن تجعل حزمة العقوبات الغربية في شقها العسكري ذات صبغة دعائية في الأساس تم إطلاقها كورقة ضغط سياسية على موسكو لا أكثر.

3- تلويح روسيا بورقة قطع إمدادات الغاز عن أوروبا: تمتلك روسيا عدداً من أوراق الضغط المضادة التي تمثل تهديداً حقيقياً للأمن الاقتصادي وأمن الطاقة للدول الأوروبية؛ فقد أعلنت روسيا، في 2 مارس 2022، إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من 36 دولة سبق أن اتخذت إجراءً مماثلاً بحقها. وأصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يمنع المواطنين والشركات المحلية من منح ديون خارجية بالعملات الأجنبية أو إيداع عملات أجنبية في حسابات خارج البلاد، كما هددت وزارة الخارجية الروسية بفرض عقوبات ضد الغرب، تتضمن تقليل أو قطع إمدادات الغاز لأوروبا، وهي ورقة ضغط رادعة لأي عقوبات غربية على روسيا.

إذ تستورد أوروبا من الخارج كميات تتجاوز 560 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، يأتي ثلثها تقريباً من روسيا، ويمر الغاز الروسي عبر أربعة خطوط أنابيب كبرى إلى أوروبا، هي؛ خط "نورد ستريم"، وخط "الترانزيت" عبر أوكرانيا، وخط "يامال" عبر بيلاروسيا وبولندا، وخط "ترك ستريم" عبر تركيا. وتحصل دول الاتحاد الأوروبي على نحو 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، الذي يمر أكثر من 80% منه عبر الأراضي الأوكرانية. وعلى الرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي السابقة لخفض الاعتماد على واردات الغاز الروسي، حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا بسنوات، فإن غالبية دول الاتحاد، لا سيما القريبة من روسيا لا تزال تعتمد اعتماداً شبه كامل على إمدادات الغاز الروسي.

وختاماً، فإنه مع تأكيد فرنسا أن أوروبا بصدد بحث حلول مستقبلية لتصبح مستقلة عن الغاز الروسي، واعتقاد المفوضية الأوروبية بأن الاتحاد الأوروبي بإمكانه التخلي عن الاعتماد على النفط الروسي بحلول عام 2030، بالتوازي مع إعلان شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية عن وقف عملياتها في روسيا باستثناء إمدادات المعدات الطبية وخدمات الطاقة الحالية، إخراجاً للشركة العملاقة من قرار الرئيس "بايدن" غير المؤثر بحظر واردات النفط والغاز من روسيا؛ حيث لا يمثل النفط الروسي سوى 8% من الواردات الأمريكية، و4% من استهلاك المشتقات النفطية في الولايات المتحدة، في حين لا تستورد واشنطن الغاز الروسي أصلاً، إلى غير ذلك من المؤشرات التي تؤكد أن الغرب يبدو غير مستعد حتى إشعار آخر لتفعيل العقوبات الاقتصادية لتطال قطاع الطاقة الروسي المؤثر بشدة على أمن الطاقة الأوروبي والغربي بوجه عام، والأكثر تأثيراً على الاقتصاد الروسي، فإنه يمكن القول إن العقوبات الغربية المتعلقة بقطاع الصناعات العسكرية الروسية ستظل تتمتع بصفة الرمزية، ولن يكون لها تأثير ملموس على القطاع الدفاعي الروسي في المستقبل القريب.