د. حمدي بشير

أعلنت الخارجية التايوانية، في 30 أبريل 2025، أن هيئة الطيران المدني الصومالية أبلغت شركات الطيران التايوانية أن جوازات السفر التايوانية "لن تكون صالحة للدخول إلى جمهورية الصومال الفيدرالية أو المرور عبرها"، وقالت الخارجية التايوانية في بيانها إنها احتجت بشدة على الإجراء الذي اتخذه الصومال بتحريض من الصين لتقييد حرية السفر وسلامة المواطنين التايوانيين، وطالبت الحكومة الصومالية بإلغاء الإشعار على الفور. وقالت الخارجية التايوانية إنها "ترفض وتدين بشدة سوء تفسير الحكومة الصومالية لقرار الأمم المتحدة رقم 2758 ومحاولتها ربطه بما يسمى "مبدأ الصين الواحدة" لخلق انطباع خاطئ بأن تايوان جزء من جمهورية الصين الشعبية".واتهمت الخارجية التايوانية الصومال بالتحرك بتحريض من الصين، متهمة بكين بفرض أجندتها الجيوسياسية من خلال الضغط الدبلوماسي. كما حذّرت تايوان مواطنيها من السفر إلى الصومال أو أرض الصومال، مشيرةً إلى قيود محتملة وغموض دبلوماسي. وجددت الخارجية التايوانية دعمها لأرض الصومال، واصفةً إياها بالشريك الملتزم بالديمقراطية والحرية. وقالت الوزارة إن محاولة الحكومة الصومالية السيطرة على المجال الجوي لأرض الصومال تُلحق الضرر بالتعاون الإقليمي وتُقوّض العلاقات الدبلوماسية. وأضافت الخارجية التايوانية: "هذا ليس مجرد حظر سفر، بل هو محاولة أوسع نطاقاً للحد من التبادلات الدولية بين الشركاء الديمقراطيين". وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب حظر الصومال دخول جوازات السفر التايوانية للبلاد في هذا التوقيت.دوافع عديدةيبدو أن ثمة جملة من العوامل التي تقف وراء حظر الحكومة الصومالية جوازات السفر التايوانية من دخول أراضيها، ومن أبرزها:1- تفكيك التحالف المتنامي بين تايوان وأرض الصومال: يأتي قرار هيئة الطيران المدني الصومالية حظر دخول جوازات السفر التايوانية إلى الأراضي الصومالية في سياق تصاعد التوترات السياسية بين مقديشو وتايبيه بسبب ما تعتبره الحكومة الصومالية اعترافاً من جانب الأخيرة باستقلال هرجيسا؛ حيث افتتحت كل منهما مكاتب تمثيل دبلوماسي متبادلة في كل منهما في عام 2020، فيما قام نائب وزير خارجية تايوان، تيان تشونغ كوانغ، بزيارة إلى أرض الصومال للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الجديد لأرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبدالله "عرو"، في 14 ديسمبر 2024، وهي الزيارة التي يبدو أنها فاقمت من حدة التوترات السياسية بين مقديشو وتايبيه. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن التحركات التايوانية في أرض الصومال ظلت تثير قلقاً متنامياً لدى مقديشو؛ حيث عملت تايبيه على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية في هرجيسا، واستثمرت تايبيه في مبادرات تتراوح من الرعاية الصحية إلى التكنولوجيا مصورة الشراكة على أنها فوز للديمقراطية، وقدمت تايبيه منحاً دراسية لضباط عسكريين لتحديث القدرات العسكرية لهرجيسا. ووقّع الجانبان اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة والموارد المعدنية. لذلك، وجدت هرجيسا في الشراكة مع تايوان فرصة نادرة لجذب الاهتمام والدعم الدوليين، فهي تسمح لهرجيسا بتجاوز مقديشو والترويج لنفسها ككيان ذي سيادة يلتزم بالقيم الديمقراطية. بينما ترى تايبيه في التحالف مع هرجيسا مزايا استراتيجية تسمح لها بالحصول على موطئ قدم استراتيجي في أفريقيا، مما يعزز وجودها العالمي مع تجاوز هيمنة بكين، ومن ثم تعمل مقديشو على استهداف هذا التحالف المتنامي بين تايبيه وهرجيسا من خلال فرض المزيد من الضغوط على التحركات التايوانية في المنطقة.2- تكثيف الضغوط السياسية على أرض الصومال: حيث يأتي هذا القرار في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الصومالية على تكثيف ضغوطها السياسية على أرض الصومال، وجاءت هذه الخطوة بعد مرور أسبوعين على زيارة رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، إلى مدينة لاسعانود، العاصمة الإدارية لادارة "خاتمة" الانتقالية، في أبريل 2025، وهي الزيارة التي لم تفصح مقديشو عن موعدها، وأثارت توترات سياسية جديدة بين مقديشو وهرجيسا.إذ هدفت الزيارة إلى دعم سكان المنطقة الرافضين لخيار الانفصال عن مقديشو، فيما أعلنت هرجيسا تعليق مفاوضاتها مع مقديشو، وذلك احتجاجاً على زيارة بري إلى مدينة لاسعانود. ولذلك يبدو أن قرار حظر الجوازات التايوانية يهدف إلى تكثيف المزيد من الضغوط السياسية على أرض الصومال من خلال تطويقها واستهداف علاقاتها مع تايوان، مثلما تعمل مقديشو على عزل إدارة خاتمة عنها.3- استطلاع الموقف الأمريكي بشأن الاعتراف بأرض الصومال: حيث يمكن اعتبار هذه الخطوة اختباراً لرد الفعل الأمريكي واستطلاع موقف إدارة ترامب حول خيار الاعتراف الأمريكي باستقلال أرض الصومال، في الوقت الذي أكدت فيه العديد من التقارير أن إدارة ترامب تدرس الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة في مقابل بناء الجيش الأمريكي قاعدة عسكرية في أرض الصومال لموازنة النفوذ الصيني المتنامي في منطقة القرن الأفريقي، واستخدام القاعدة في توجيه الضربات العسكرية للحوثيين الذين يهددون حركة مرور السفن والبوارج الأمريكية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ويأتي ذلك في الوقت الذي تنافست فيه كل من مقديشو وهرجيسا على استمالة الموقف الأمريكي ضد بعضهما بعضاً من خلال تقديم العروض وإبداء استعدادهما لاستضافة قاعدة عسكرية على أراضيها، وهو الأمر الذي لا تزال إدارة ترامب تدرس خياراته وتداعياته على علاقاتها مع الجانبين، ويبدو أن مقديشو تستعجل وتستطلع هذا الموقف الأمريكي تجاه أرض الصومال، وتختبر رد الفعل الأمريكي الذي سوف يحدد مستقبل العلاقات مع إدارة ترامب.4- تعزيز التحالف مع الصين في مواجهة تحالف "هرجيسا" و"تايبيه": فقد حثت بكين مقديشو دائماً على التمسك بمبدأ الصين الواحدة في مواجهة تنامي علاقة تايوان مع أرض الصومال، وأدانت الحكومة الصينية في أكثر مناسبة تدخل تايوان في أرض الصومال، لاسيما في سياق التفاهمات السياسية بين الصين والصومال حول رفض محاولات تايوان وأرض الصومال الانفصال. وفي 15 ديسمبر 2024، وبعد يوم واحد فقط من زيارة نائب وزير الخارجية التايواني فرانسوا تشيتشونغ إلى أرض الصومال لحضور حفل تنصيب الرئيس عبد الرحمن محمد عبد الله، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ أن بكين تعارض الاتصالات الجارية بين تايوان وأرض الصومال وحث جميع الأطراف على "التمسك بمبدأ الصين الواحدة"، معرباً عن امتنانه لمقديشو لامتثالها. وفي الأسبوع التالي، أدلى المبعوث الصيني الخاص إلى منطقة القرن الأفريقي، شيوي بينج، بتصريح بعد اجتماع مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وقال: "لن نتركهم وشأنهم إذا تجرأ أي شخص على القيام بأي شيء لتخريب السيادة الوطنية وسلامة أراضي الصين". كما طمأن المسؤولين في مقديشو بدعم بكين لوحدة أراضيهم، مجدداً تحذيره للمسؤولين التايوانيين من تعزيز العلاقات مع هرجيسا.لذلك، يبدو أن الصومال يسعى لتعزيز تحالفاته مع الصين لموازنة تحركات تايوان، وقد دعمت بكين مقديشو في المحافل الدولية، بما في ذلك توقيع قرار الأمم المتحدة الذي رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال. كما زودت بكين مقديشو بمعدات دعم عسكري للمساعدة في مكافحة الإرهاب وإعادة بناء جيشها. وعارضت بكين مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا بشأن الوصول إلى البحر. وبعد لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مع الرئيس الصيني شي جين بينج على هامش منتدى التعاون الصيني الأفريقي في سبتمبر 2024، حصلت مقديشو على منحة قدرها 28 مليون دولار. كما تبرعت الصين بـ 1300 طن من المساعدات الغذائية في إطار جهودها لتعزيز حضورها ودعمها للصومال. انعكاسات محتملةمن المتوقع أن يكون لهذه الخطوة انعكاساتها على التفاعلات السياسية بين الصومال وأرض الصومال من ناحية، وعلاقات الصومال بكل من واشنطن وبكين من ناحية أخرى، وذلك على النحو التالي:1- استمرار التصعيد السياسي بين مقديشو وهرجيسا: من المتوقع أن تؤدي الضغوط السياسية المستمرة من جانب مقديشو لتطويق هرجيسا إلى زيادة التوترات السياسية بين البلدين، وهو ما قد يدفع أرض الصومال إلى احتواء توتراتها مع بونتلاند وربما التحالف في مواجهة مقديشو، وقد أجرت سلطات بونتلاند وأرض الصومال في 30 ابريل 2025 عملية تبادل أسرى شملت مقاتلين أُسروا خلال صراع عام 2023 في منطقة سول المتنازع عليها.2- تعزيز واشنطن التقارب السياسي والأمني مع أرض الصومال: حيث يتوقع أن تعمل إدارة ترامب على تعزيز التعاون السياسي والأمني مع هرجيسا في مواجهة التحركات الصينية لتعزيز التعاون مع مقديشو، وخاصة مع تزايد الضغوط على إدارة ترامب لتعزيز التعاون مع هرجيسا في سياق اهتمام واشنطن بتعزيز حضورها العسكري لمواجهة تهديدات الحوثي في البحر الأحمر.3- تكثيف الضغوط الأمريكية على مقديشو: إذ يعد الصومال من بين الدول التي تواجه حظراً كاملاً للسفر بموجب القيود المقترحة من إدارة ترامب. وتبدي مقديشو مخاوف متنامية من تراجع الدعم الأمريكي لعمليات مكافحة الإرهاب في الصومال. لذلك قد يتجه الرئيس ترامب الى ممارسة الضغوط على مقديشو من خلال تقليص الدعم المقدم لعمليات مكافحة الإرهاب، أو الاعتراف باستقلال أرض الصومال كتحرك مضاد لتوجه مقديشو لتعزيز التقارب والاصطفاف مع بكين.4- زيادة التوترات السياسية بين بكين وهرجيسا: إذ اتهمت هذه الأخيرة بكين في أكثر من مناسبة بتقديم الدعم للجماعات المعارضة في لاسعانود، وأشارت تقارير عديدة إلى مقاومة هرجيسا محاولات بكين ترويضها من خلال وعود بمساعدات تنموية، شريطة أن تتخلى هرجيسا عن تايبيه، وقد حاولت بكين أيضاً ممارسة ضغوط اقتصادية على هرجيسا من خلال سحب شركات صينية من الإقليم. وهي الممارسات التي يتوقع أن تتزايد من جانب بكين في سياق تصاعد التوترات السياسية بين الجانبين.وإجمالاً، يمكن القول إن اتجاه الحكومة الصومالية لتصعيد ضغوطها على تايوان يأتي في سياق الصراع المتنامي بين مقديشو وهرجيسا، حيث تسعى هرجيسا للحصول على الاعتراف الدولي بها في مقابل رفض صومالي لهذا الاعتراف، بينما تسعى تايبيه إلى استثمار الصراع بين مقديشو وهرجيسا لتعزيز حضورها وتعزيز التحالفات في مواجهة بكين التي لا تعترف بها، لذلك من المتوقع أن تشهد منطقة القرن الأفريقي تصاعداً متنامياً بين الصين والولايات المتحدة خلال إدارة ترامب الثانية، وربما تتجه واشنطن إلى حسم خياراتها والاعتراف باستقلال أرض الصومال بعد التوصل إلى صفقة سياسية تسمح لها ببناء قاعدة عسكرية أمريكية في أرض الصومال.

لماذا حظرت مقديشو جوازات السفر التايوانية من دخول أراضيها؟