د. حمدي بشير

في تطور لافت، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية، في 9 مايو 2025، دعماً عسكرياً لولاية بونتلاند، تَمثَّل في مقاتلات أمريكية؛ لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب. وقد أشارت تقارير عديدة إلى حصول الولاية على طائرات مخصصة للاستطلاع وتنفيذ غارات جوية دقيقة لإسنادها في معركتها ضد التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم "داعش"، لا سيما في مرتفعات باري الجبلية. وتأتي هذه المساعدات الأمريكية في إطار الاستعدادات التي تجريها الولاية للمشاركة في "عملية عسكرية" جارية ضد تنظيم "داعش" في مرتفعات باري؛ وذلك بعد تدريب عناصر مختارة من قوات الأمن التابعة للولاية على تشغيل هذه الطائرات.دلالات عديدةيطرح تصاعد الدعم العسكري الأمريكي لولاية بونتلاند في هذا التوقيت دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في الآتي:1– تزايد أهمية بونتلاند في التصعيد مع الحوثيين: يأتي هذا الدعم العسكري الأمريكي في وقت تعمل فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إعادة تقييم وجودها في الصومال، وقد تعهَّد الأخير في أبريل 2025 بدعم ولاية بونتلاند في الحرب ضد تنظيم "داعش"، وحذر الصوماليين أيضاً من السماح للمسلحين الحوثيين بالحصول على موطئ قدم في البلاد. ويشير هذا التركيز المتزايد لترامب على منطقة بونتلاند إلى أنها باتت تمثل نقطة ارتكاز استراتيجية في حملة واشنطن الأوسع ضد الحوثيين في اليمن؛ حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إنشاء قاعدة عسكرية في الولاية؛ لتسهيل توجيه الضربات العسكرية ضد الجماعة الموالية لإيران، بعد أن رفضت جيبوتي – وهي موطن قاعدة أمريكية كبيرة – السماح بعمليات هجومية من أراضيها بسبب مخاوفها من هجمات انتقامية.ويعني ذلك أن واشنطن ربما لا تستبعد عودة التصعيد العسكري مع الحوثيين مرةً أخرى حتى بعد الوصول إلى اتفاق برعاية سلطنة عُمان في 6 مايو 2025، ينهي الهجمات الحوثية ضد السفن الأمريكية في البحر الأحمر، ويوقف الضربات العسكرية الأمريكية ضد الجماعة، التي بدأت في 15 مارس 2025.2– موازنة التنسيق الصيني–الصومالي ضد تايوان: شهدت العلاقات الصينية–الصومالية تقارباً متنامياً وتنسيقاً متزايداً في مواجهة التحركات التايوانية لدعم أرض الصومال. وقد أعلنت هيئة الطيران المدني الصومالية، في أول مايو 2025، عن منع حاملي جوازات السفر التايوانية من دخول الصومال، مستندةً إلى مبدأ "الصين الواحدة"، وقرار الأمم المتحدة رقم 2758. ورغم أن الصومال يسعى عبر ذلك إلى استقطاب دعم الصين، فإن منع حاملي جوازات السفر التايوانية من دخول أراضيها يمكن تفسيره في ضوء التقارب المتزايد بين أرض الصومال وتايوان، وهو ما مثَّل أحد المتغيرات التي دفعت واشنطن إلى اتخاذ خطوة جديدة بتقديم دعم عسكري لبونتلاند.3– تصاعد التنافس الأمريكي–التركي في الصومال: أبدت واشنطن مخاوف متنامية إزاء الوجود التركي في الصومال، لا سيما بعد أن أرسلت تركيا 500 جندي إلى العاصمة مقديشو، في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من خطة لإرسال قوة قوامها 2500 جندي؛ بهدف تعزيز دفاعات الحكومة الصومالية ضد التهديد المتزايد الذي يشكله مسلحو حركة "شباب المجاهدين". ويمثل هذا الوجود العسكري جزءاً من استراتيجية تركيا الأوسع لتعزيز قدرات الجيش الصومالي ودعم جاهزيته القتالية على المدى الطويل. ويستند هذا الانتشار إلى الاتفاقية الدفاعية التي وُقِّعت في 22 فبراير 2024 بين وزير الدفاع التركي يشار جولر ونظيره الصومالي عبد القادر محمد نور.وفي هذا السياق، كشفت تقارير عديدة إلى أن إقالة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وزير دفاعه عبد القادر محمد نور، في 19 مارس 2025، جاء بعد ضغوط من جانب واشنطن؛ حيث إن جهود نور لتعزيز التعاون العسكري والفضائي والتعاون في الطاقة بين الصومال وتركيا، أثارت استياء إدارة الرئيس ترامب، التي وجهت إليه اتهامات في الوقت نفسه بوضع عقبات أمام توسيع نطاق التعاون الثنائي مع واشنطن. ومن هنا، يبدو أن هذه الخطوة التي أقدمت عليها إدارة ترامب تهدف إلى موازنة التعاون البارز بين تركيا والصومال في مجالات مختلفة.4– تأسيس تحالف موازٍ مع بونتلاند: ترى اتجاهات عديدة في الولايات المتحدة أنه يمكن استقطاب بونتلاند في ضوء العلاقات المتوترة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والولاية، لا سيما بعد مقاطعة رئيس الولاية سعيد عبد الله دني، في 7 مايو 2025، اجتماع المجلس الاستشاري الوطني. وجاء ذلك بعد تجديد بونتلاند قبل أيام تمسكها بمقاطعة المحادثات، متهمةً الحكومة بانتهاك المبادئ الدستورية، ومُطالِبةً بالعودة إلى الالتزام بسيادة القانون، وهو ما يمكن أن يوفر، وفقاً لهذه الاتجاهات، فرصة للولايات المتحدة من أجل تأسيس تحالف موازٍ مع الولاية في المرحلة القادمة.تداعيات محتملةمن المتوقع أن تفرض هذه التحركات الأمريكية ردود فعل مختلفة من جانب الحكومة الصومالية والقوى الدولية المنافسة للولايات المتحدة؛ وذلك على النحو التالي:1– زيادة التعاون الأمني بين واشنطن وبونتلاند: ربما يتجه الطرفان نحو توسيع نطاق التعاون على المستوى الأمني، خاصةً بعد أن نفذت الولايات المتحدة عدة غارات جوية ضد مواقع تنظيم "داعش" في بونتلاند في الأشهر الأخيرة، كان آخرها في نهاية مارس 2025. وقد أدت هذه العمليات إلى القضاء على عدد كبير من مقاتلي "داعش"، كان من بينهم أحمد ماء العينين، الذي يُعتبر شخصية قيادية داخل التنظيم، والمعروف بدوره كمجنِّد ومموِّل وقائد للعمليات الخارجية، بالإضافة إلى مسؤوليته عن إرسال مقاتلين أجانب إلى الولايات المتحدة وأوروبا.2– تفاقم التوتر بين واشنطن ومقديشو: سوف يثير ذلك، من دون شك، استياء الحكومة الفيدرالية الصومالية التي لا تعترف بأي تعاون عسكري بين أي قوة دولية وبين الولاية دون الرجوع إليها، باعتبار أن ذلك يمثل "انتقاصاً" من سيادتها الوطنية، وهو ما يمكن أن يدفعها إلى تعزيز التعاون مع الصين، على نحوٍ سوف يفرض مزيداً من التوتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة. 3– تصاعد التوجهات الانفصالية في الولاية: يمكن القول إن حصول بونتلاند على طائرات حربية بشكل مستقل، ينذر بظهور كيانات شبه مستقلة ذات طابع عسكري على نحوٍ يمكن أن يساهم في تعزيز التوجهات الانفصالية، ومن ثم يوجه تهديدات مباشرة لسيادة الصومال واستقراره، كما أن امتلاك بونتلاند طائرات استطلاع حربية قد يفتح الباب أمام سباق تسلُّح فيدرالي بين الولايات، على نحوٍ قد يفرض عواقب وخيمة على استقرار الصومال.4– توسيع نطاق العمليات العسكرية ضد "داعش": ربما تتجه ولاية بونتلاند إلى استغلال تصاعد الدعم العسكري الأمريكي من أجل تنفيذ مزيد من العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش"، خاصةً أن ذلك يمكن أن يدفع الولايات المتحدة ودولاً أخرى إلى اتخاذ خطوات إجرائية جديدة من أجل تقديم مزيد من الدعم إلى الولاية.تأثيرات سلبيةإجمالاً، يمكن القول إن هذه التحركات العسكرية الأمريكية لتعزيز التعاون مع ولاية بونتلاند، من المتوقع أن تُعزِّز فرص واشنطن للتوصل الى اتفاق بشأن إقامة قاعدة عسكرية في بونتلاند، ولكن هذه التحركات قد تدفع بعض الولايات الصومالية – وفي مقدمتها بونتلاند – إلى تصعيد مطالبها بالانفصال عن الصومال، على نحوٍ قد يفرض تداعيات سلبية؛ ليس على استقرار الأخيرة فقط، بل أيضاً على جهود مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة.

دلالات تصاعُد الدعم العسكري الأمريكي لولاية بونتلاند