عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية"، حلقة نقاشية، في 7 أغسطس 2024، بعنوان "أجندة الإصلاحيين: هل تتغير السياسة الخارجية لإيران في عهد بزشكيان؟"، وهي الحلقة التي استضاف فيها المركز د. محمد عباس ناجي، رئيس تحرير دورية "مختارات إيرانية"، والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة.

قرار المرشد

لفت المتحدث الرئيسي إلى أن المرشد الإيراني "علي خامنئي" سمح بوصول "مسعود بزشكيان" إلى مقعد الرئاسة، دون اعتراض، وذلك لعدد من الأسباب يمكن تناولها فيما يلي:

1- عدم إقصاء "بزشكيان" من خلال مجلس صيانة الدستور: أوضح المتحدث الرئيسي أن المرشد الإيراني سمح بصعود الرئيس الإيراني الجديد إلى الحكم دون عرقلة طريقه إلى الانتخابات، وذلك بعد أن نجح في تجاوز قرارات مجلس صيانة الدستور الذي كان من الممكن أن يُقصي "بزشكيان". بما يؤكد أن المرشد الإيراني "علي خامنئي" كان راضياً عن تولي "بزشكيان" منصب الرئيس الإيراني خلفاً لإبراهيم رئيسي.

2- الموافقة على الفريق الإصلاحي الخاص بـ"بزشكيان": لفت المتحدث الرئيسي ضمن المؤشرات العديدة على سماح واهتمام المرشد الإيراني بوصول "مسعود بزشكيان" إلى رئاسة الجمهورية وممارسة مهامه بأجندة إصلاحية، إلى تجنُّب "علي خامنئي" الاعتراض على الفريق الرئاسي للرئيس "بزشكيان" الذي يضم كوادر من تيار المعتدلين والإصلاحيين مثل "محمد جواد ظريف" الذي عُيّن مساعداً للرئيس للشؤون الاستراتيجية.

وكذلك "عباس عراقجي" الذي تولى وزارة الخارجية في الحكومة الجديدة، خاصةً في ظل خبراته السابقة كمساعد لوزير الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية وكبير المفاوضين الإيرانيين وأحد أفراد فريق التفاوض الذي توصل إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، بعد أن تم إبعاده بشكلٍ كبير خلال فترة رئاسة "رئيسي". فضلاً عن السفير الإيراني السابق لدى روسيا "مهدي سنايي" الذي تم تعيينه نائباً للشؤون السياسية في مكتب رئيس الجمهورية.

3- رغبة المرشد الإيراني في رئيس جديد بنهج أكثر مرونة: أوضح د. محمد عباس ناجي أن فوز "مسعود بزشكيان" على اثنين من أقطاب تيار المحافظين الأصوليين، هما رئيس مجلس الشورى الإيراني "محمد باقر قاليباف"، وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام "سعيد جليلي"، وعدم اعتراض المرشد على ترشيح "بزشكيان"، يوحي بأن "خامنئي" كان يريد رئيساً أكثر مرونة في التعامل مع الأزمات التي تواجهها إيران. وذلك في ظل رؤية من المرشد ترى أن السياسة الخارجية الإيرانية تحتاج إلى رئيس من التيار الإصلاحي في ظل التوترات المتصاعدة، وليس إلى رئيس محسوب على التيار المتشدد، خشية زيادة تعقيد الملفات الشائكة والمعلّقة، ومن بينها الملف النووي، والصراعات الإقليمية.

4- تعرُّض السياسة الإيرانية لأزمات خلال عهد "رئيسي": أوضح المتحدث الرئيسي أن السياسة الخارجية الإيرانية واجهت العديد من الأزمات خلال سنوات حُكم "إبراهيم رئيسي"، وصفها بأنها "غير مسبوقة"، وهي الأزمات التي دفعت المرشد الإيراني إلى تفضيل تولي "مسعود بزشكيان" رئاسة الجمهورية، وإنهاء حقبة الأصوليين.

ومن تلك الأزمات -على سبيل المثال- فشل المفاوضات النووية، حيث جرت مفاوضات نووية مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق رغم كل المفاوضات التي عُقدت منذ أبريل 2021، من أجل عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وعودة طهران إلى الالتزام ببنوده. كما أن إيران في عهد "رئيسي" واجهت تصعيداً عسكرياً غير مسبوق مع دولة نووية، حينما تبادلت إيران وباكستان الضربات العسكرية، وشهدت العلاقات بين البلدين توتراً كبيراً.

5- تآكل الردع الإقليمي الإيراني بعد الضربات الإسرائيلية: من الأزمات التي تواجهها السياسة الإيرانية، وفق ما ذكر المتحدث الرئيسي أيضاً، اندلاع هجمات عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حتى لو كانت مواجهات محدودة وقصيرة الأمد، وهي المواجهات التي بدأت منذ قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي اعتبرته طهران اعتداءً على السيادة الإيرانية، ووجهت هجمات بواسطة طائرات بدون طيار تجاه إسرائيل، أعقبها هجوم إسرائيلي محدود على قاعدة عسكرية بمحافظة أصفهان.

وذلك بالإضافة إلى تآكل الردع الإقليمي لإيران في المنطقة، من خلال توجيه الضربات الإسرائيلية والأمريكية للمليشيات الموالية لإيران في المنطقة، وهو ما يقوّض استراتيجية الردع التي حاولت طهران بناءها في الإقليم من خلال وكلائها على مدى عقود. وكذلك نجاح إسرائيل في اغتيال قيادات ومستشارين عسكريين إيرانيين، وقيادات في المليشيات الموالية لطهران ووكلائها في الإقليم.

6- رغبة "خامنئي" في دفع بعض ملفات السياسة الخارجية: يرى "د. محمد عباس ناجي" أن المرشد الإيراني يريد من الرئيس "مسعود بزشكيان" تجديد المفاوضات مع الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، بغية التوصُّل إلى اتفاق نووي جديد، بهدف رفع الجزء الأكبر من العقوبات الأمريكية على إيران، وزيادة صادرات النفط الإيرانية، بما يُساهم في معالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة في إيران.

وكذلك تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، حيث سبق وأشار "بزشكيان" إلى أهمية العلاقات مع البلدين، سواء على المستوى الثنائي أو في المنظمات والتكتلات متعددة الأطراف مثل "منظمة شنغهاي للتعاون" و"مجموعة بريكس". بالإضافة إلى مواصلة تحسين العلاقات مع الدول العربية.

معضلة إسرائيل

توقّع المتحدث الرئيسي عدداً من الاتجاهات الرئيسية المتوقعة فيما يتعلق بحدود المواجهات العسكرية المحتملة بين إسرائيل وإيران، والرد الإيراني على اغتيال "إسماعيل هنية" و"فؤاد شكر"، وذلك على النحو التالي:

1- الربط بين اغتيال "هنية" في طهران ووصول "بزشكيان" إلى الحكم: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، قام بزيارة إيران 4 مرات منذ اندلاع الحرب في غزة، في نوفمبر 2023، وفي مارس ومايو ويوليو من عام 2024، ولم تستهدفه إسرائيل سوى في الزيارة الأخيرة. بما يعني وجود علاقة بين وصول "بزشكيان" إلى السلطة واغتيال "هنية" في هذا التوقيت تحديداً. حيث شعرت إسرائيل بالقلق من صعود رئيس إصلاحي إلى السلطة في إيران، وسعيه نحو إصلاح العلاقات مع الغرب، على شاكلة ما فعله "حسن روحاني". فيما أرادت إسرائيل بعملية الاغتيال في العاصمة طهران أن تضع حدوداً لاتجاهات العلاقات بين إيران والغرب في عهد "بزشكيان".

2- إجراء إيران تقييمات لجدوى الرد العسكري المتوقع ضد إسرائيل: في ظل تساؤلات مطروحة حول الضربة الإيرانية المتوقعة تجاه إسرائيل، وحدود وتوقيت هذه الضربة، وما إذا كانت إيران ستقوم بتلك الضربة من الأساس، أوضح الخبير في الشؤون الإيرانية أن طهران ما زالت تُجري عمليات حسابية لتقييم عوائد وتكلفة الضربة العسكرية المتوقعة ضد إسرائيل رداً على اغتيال "إسماعيل هنية" على أراضيها، واغتيال "فؤاد شكر" أبرز قيادي عسكري في "حزب الله"، وكذلك الهجمات الإسرائيلية على الحُديدة في اليمن.

3- خيارات متنوعة لمهاجمة إسرائيل مباشرة أو عبر الوكلاء: كشف المتحدث الرئيسي خلال الجلسة عن وجود العديد من الخيارات المحتملة فيما يتعلق بالرد الإيراني المتوقع، وذلك بما يشمل توجيه ضربات عسكرية مباشرة من إيران باتجاه إسرائيل، أو توجيه ضربات متوازية مع المليشيات الموالية لطهران في الإقليم. فضلاً عن احتمالية توجيه ضربات متفرقة من جانب إيران والمليشيات الموالية لها. فيما يُعد خيار عدم توجيه ضربة عسكرية مباشرة والاقتصار على دور المليشيات خياراً مطروحاً أيضاً.

4- احتمالية اللجوء إلى استهداف المصالح الإسرائيلية بالخارج: لفت الخبير في الشؤون الإيرانية إلى وجود عدد من الخيارات البديلة التي يمكن أن تفكر فيها طهران بدلاً من توجيه ضربة عسكرية مباشرة تجاه إسرائيل، سواء بنفسها أو عبر وكلائها. وتتضمن قائمة الخيارات البديلة المطروحة أمام القيادة الإيرانية: استهداف مصالح إسرائيلية في الإقليم والعالم بما يشمل السفارات والجاليات والمراكز الثقافية في الدول الأخرى، واستهداف سفن إسرائيلية في المياه الدولية والإقليمية، على غرار ما كان يحدث خلال الفترة الأخيرة.

5- التفكير في رفع التخصيب إلى مستوى القنبلة النووية: من ضمن الخيارات الإيرانية المطروحة للرد على التصعيد الجاري، احتمالية التفكير في رفع مستوى الأنشطة النووية إلى مستوى 90% اللازم لإنتاج القنبلة النووية. مع الأخذ في الاعتبار أن كمية اليورانيوم المُخصب لدى إيران بحسب تقديرات مايو 2024، تصل إلى نحو 6201.3 كلجم، بينها 142.1 كلجم بنسبة 60%، بالإضافة إلى 751.3 كلجم بنسبة 20%، والباقي بنسب أخرى أقل.

حسابات واشنطن

استعرض المتحدث الرئيسي مسارات مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وخاصةً تلك المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتفضيلات الإيرانية بشأن تلك الانتخابات، وذلك على النحو التالي:

1- ترقُّب إيراني لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية: أكد المتحدث الرئيسي وجود ترقُّب كبير في الداخل الإيراني للانتخابات الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024، وخاصةً انتخابات الرئاسة. وفي حين أن التصريحات الإيرانية تقول إن طهران لا تفضّل أياً من المرشحين الرئيسيين، لكنْ ثمة تفضيلات واضحة داخل طهران، واهتمام بنتائج تلك الانتخابات، نظراً للدور الأمريكي المحوري في العديد من الملفات الإيرانية، وعلى رأسها التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط، والحرب في قطاع غزة، والبرنامج النووي الإيراني، والعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.

2- تفضيل فوز "كامالا هاريس" بالانتخابات الأمريكية: أوضح خبير الشؤون الإيرانية أن الاتجاه الأبرز داخل إيران يُفضّل فوز نائبة الرئيس الأمريكي "كامالا هاريس" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويستندون في ذلك إلى توقعات بأن تحاول إدارة "هاريس" الديمقراطية تجديد المفاوضات النووية مع إيران حتى الوصول إلى اتفاق جديد. كما أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بدأ ولايته برفع اسم مليشيا الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية، رغم إعادة إدراجها في يناير 2024 بعد التهديدات الحوثية لأمن البحر الأحمر.

مع الأخذ في الاعتبار أن تغاضي إدارة الرئيس "بايدن" عن التفاف إيران على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، ساهم في وصول حجم الصادرات النفطية الإيرانية خلال أول 4 شهور من عام 2024 إلى 1.5 مليون برميل، أي ما يعادل 60% من حجم الصادرات النفطية الإيرانية قبل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018. ومقارنةً بالشهور نفسها من عام 2023 فإن أرقام عام 2024 تُظهر زيادة بنحو 40% في الصادرات الإيرانية النفطية. فضلاً عن التغاضي الأمريكي عن تمدُّد النفوذ الإيراني في بعض دول الإقليم.

3- وجود اتجاه داخل إيران يُفضّل فوز "ترامب" بالانتخابات: لفت المتحدث الرئيسي إلى وجود اتجاه آخر داخل إيران يرى أن فوز "دونالد ترامب" ليس بالضرورة خياراً سلبياً لإيران. ويجادل هذا التيار المحدود بأن عقلية "ترامب" الاقتصادية قد تدفعه نحو التوصل إلى صفقة جديدة مع طهران فيما يتعلق بالبرنامج النووي. مع الأخذ في الاعتبار أن المستوى الذي وصل إليه البرنامج النووي الإيراني مختلف عن فترة رئاسة "ترامب" السابقة، بما يحد من بعض الخيارات الأمريكية، وعلى رأسها الخيار العسكري.

4- تكثيف النشاط التفاوضي حول الاتفاق النووي الإيراني: بصرف النظر عمن سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، فإن الاتفاق النووي الإيراني سيكون ضمن ملفات السياسة الخارجية المهمة للإدارة الأمريكية، خاصة أن "يوم النهاية" بالنسبة للاتفاق الحالي سيكون في 18 أكتوبر 2025، وهو اليوم الذي من المقرر أن تُلغى فيه كافة العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي تم تعليقها بموجب هذا الاتفاق. وخروج الملف النووي الإيراني من مجلس الأمن الدولي.

ومن المرجح حال عدم الوصول إلى اتفاق جديد قبل 18 أكتوبر 2025، وعدم النجاح في إقناع الإدارة الأمريكية بالعودة إلى اتفاق جديد، أن تُفعّل الدول الغربية "آلية الزناد" التي تقضي بإعادة تفعيل العقوبات الدولية المفروضة على طهران. ومن المتوقع تكثيف النشاط التفاوضي للإدارة الأمريكية وبقية دول مجموعة "5+1" حول البرنامج النووي الإيراني، للوصول إلى اتفاق جديد أو إعادة فرض العقوبات الدولية قبل "يوم النهاية".

5- سعي إيران لضمان عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق الجديد: لفت المتحدث الرئيسي إلى وجود صعوبات أمام الوصول إلى صفقة جديدة قبل نهاية الاتفاق النووي الإيراني في أكتوبر 2025. ومن جانبها من المتوقع أن تسعى إيران إلى الحصول على ضمانات بعدم انسحاب واشنطن من أي اتفاق نووي جديد، وهو أمر من المرجح ألا توافق الإدارة الأمريكية عليه، حتى لا تُلزم الرئيس الذي يليها بهذا الاتفاق. ولكن على الجانب الآخر، وفي ظل التصعيد الإقليمي عقب اغتيال "هنية" و"شكر" هناك توقعات بأن تنجح واشنطن في إقناع طهران بخفض التصعيد تجاه تل أبيب مقابل الوصول إلى تفاهمات في ملفات أخرى على رأسها الملف النووي.

6- احتمالات استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم: في حالة استمرار التصعيد العسكري مع إسرائيل، وتفاقم التوترات مع الولايات المتحدة، فإن ذلك قد يؤثر على العلاقات بين إيران ودول المنطقة، بفعل توتر العلاقات الإيرانية – الأمريكية. حيث يلفت المتحدث إلى احتمالات استمرار التهديدات الإيرانية باستهداف القواعد والقوات الأمريكية في المنطقة. فقد تسعى إيران إلى تجنيد عملاء لاستهداف مصالح أمريكية في بعض دول المنطقة. وهي خيارات سبق أن لجأت إليها إيران في فترات سابقة.

الصين ورسيا

حدد المتحدث الرئيسي مستويات ومجالات التعاون الإيراني مع روسيا والصين، وذلك على النحو التالي:

1- سعي إيران إلى تطوير مستويات التعاون العسكري مع روسيا: يتوقع المتحدث الرئيسي أن تُعوّل إيران في عهد "مسعود بزشكيان" على تطوير التعاون العسكري مع روسيا، ولفت إلى أن زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرجي شويجو، ولقاءه الرئيسَ الإيراني "مسعود بزشكيان" تناولت سُبل تطوير التعاون بين البلدين في المجال الدفاعي.

وحتى مع تعويل "بزشكيان" على إبرام معاهدة الشراكة الاقتصادية مع موسكو لمدة 20 عاماً، فإن المرشد الإيراني والحرس الثوري يهتمان بشكل أكبر بالتعاون الدفاعي مع موسكو، والحصول على الاحتياجات التسليحية الإيرانية من الجانب الروسي. ولكن ترغب روسيا من جانبها في وضع حدود لمستويات التعاون العسكري مع إيران، بسبب رغبتها في خفض التصعيد الإقليمي، والحفاظ على تفاهماتها مع تل أبيب، خاصةً في أوكرانيا وسوريا.

2- مساعٍ إيرانية للحصول على مقاتلات "سوخوي-35" الروسية: تهتم طهران بتطوير قدراتها العسكرية الجوية بالاعتماد على موسكو، في ضوء القناعة بضعف سلاح الجو الإيراني. وترى طهران أن سلاحها الجوي يمثّل ثغرة لم تستطع احتواءها في الفترة الماضية، مع تصاعد أهميته في الصراعات الإقليمية، وهو ما أثبتته تطورات ما بعد حرب غزة. ولذلك ستسعى حكومة "بزشكيان" إلى تكثيف الضغوط من أجل الحصول على مقاتلات "سوخوي-35" الروسية.

3- العمل على ترقية منظومة الدفاع الجوي إلى "إس-400": تسعى إيران كذلك، على نحو ما كشف المتحدث الرئيسي خلال الجلسة، إلى شراء منظومة الدفاع الجوي "إس-400" من روسيا، في ظل قناعتها بضعف منظومة السلاح الجوي لديها، خاصةً بعدما أثبت الهجوم الإسرائيلي على قاعدة "هشتم شكاري" في أصفهان، عدم قدرة منظومة الدفاع الجوي "إس-300" التي تمتلكها طهران على حماية القاعدة، أو حماية منشأة "نظنز" النووية. كما ستعمل طهران على زيادة تأمين مفاعل "فوردو" النووي الذي شيّدته تحت الأرض.

4- اهتمام إيراني كبير بتطوير العلاقات الاقتصادية مع بكين: هناك تعويل اقتصادي كبير على بكين من جانب طهران، باعتبارها الشريك التجاري الأهم والمشتري الأكبر للنفط الإيراني. ولذلك تسعى إيران إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية أو العمل المشترك من خلال التكتلات الدولية. فقد سعت طهران من خلال "منظمة شنغهاي للتعاون" و"مجموعة بريكس" إلى تطوير التعاون الاقتصادي مع الصين، وتوسيع مجالاته، بحيث لا يقتصر على قطاع النفط.

5- عدم تحقيق عوائد كبيرة من اتفاقية الشراكة مع الصين: لم تُسفر اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وُقعت بين البلدين، في مارس 2021، عن عوائد اقتصادية كبيرة كما كانت تأمل طهران، وذلك لأسباب من بينها منع إيران من استخدام نظام "سويفت" المالي بمقتضى العقوبات الأمريكية، فضلاً عن رفض إيران التوقيع على اتفاقية "فاتف" الخاصة بالعمل على مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.

حيث رفض تيار المحافظين الأصوليين في مجلس الشورى انضمام إيران إلى الاتفاقية بسبب تخوفاتهم من فرض قيود على دعم إيران على المليشيات الموالية لها، التي يُصنف كثير منها بالفعل كتنظيمات إرهابية، فيما كانت حكومة "روحاني" تدفع باتجاه الانضمام إلى تلك الاتفاقية. ومع ذلك من غير المرجح أن تتخلى الحكومة الإيرانية عن اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الصين مقابل تفاهمات أخرى مع الدول الغربية.

6- العمل على الاستفادة من "فيتو" روسيا والصين بمجلس الأمن: لفت المتحدث الرئيسي إلى جانب مهم في المساعي الإيرانية للحفاظ على العلاقات الوطيدة مع روسيا والصين، والعمل على تعزيزها، يرجع إلى اهتمام الحكومة الإيرانية بضمان الاستفادة من حق "الفيتو" بمجلس الأمن في القرارات المتعلقة بها، باعتبار أن روسيا والصين من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وذلك بما يساعد على التنسيق المشترك لفرض "فيتو" على القرارات التي تهدف إلى الإضرار بطهران أو حلفائها أو وكلائها الإقليميين.

7- عدم تفضيل الإصلاحيين الاعتماد الكامل على موسكو وبكين: أوضح "د. محمد عباس ناجي" أن التيار الإصلاحي في إيران لديه هواجس تاريخية من روسيا باعتبارها تهديداً محتملاً للأمن القومي الإيراني. فضلاً عن أن ذلك التيار يدعو إلى عدم اعتماد السياسة الإيرانية على موسكو بشكلٍ كامل، والدفع باتجاه تنويع العلاقات الخارجية. وبشكل عام، يُلاحظ أن التيار الإصلاحي الإيراني لا يُحرز تقدماً كبيراً في العلاقات مع روسيا والصين، مقابل إعطاء الأولوية لتحسين العلاقات مع الدول الغربية. ويرتبط مستقبل العلاقات الإيرانية مع روسيا والصين بمستقبل التوترات مع إسرائيل والولايات المتحدة، وبتطورات ملف المفاوضات النووية أيضاً.

الجوار الإقليمي

حدد المتحدث الرئيسي في مداخلته عدداً من الاتجاهات الرئيسية التي توضح مستقبل العلاقات الإيرانية مع دول الجوار الإقليمي، خلال ولاية "بزشكيان"، وذلك على النحو التالي:

1- تأثير التطورات الإقليمية على العلاقات الإيرانية مع دول الجوار: يلفت المتحدث الرئيسي إلى أن العلاقات الإيرانية مع دول الجوار الإقليمي ليست محكومة في هذه المرحلة بتوجهات المرشد الإيراني، وحكومة "بزشكيان" الجديدة فقط. لكن ستلعب التطورات الإقليمية دوراً كبيراً في رسم خريطة وملامح تلك العلاقات. وبالتحديد هناك تأثيرات مُرجحة لاستمرار التصعيد العسكري مع إسرائيل، وتفاقم التوتر مع الولايات المتحدة، على العلاقات بين إيران وبعض دول الجوار.

2- استكمال "بزشكيان" خطط تطوير العلاقات مع الدول العربية: سيحاول الرئيس الإيراني الجديد "مسعود بزشكيان" استكمال برنامج "إبراهيم رئيسي" فيما يتعلق بتطوير العلاقات مع دول الجوار، وخاصةً الدول العربية، رغم أنه كان ملفاً منسياً في عهد حكومة "روحاني" الإصلاحية، وذلك رغم الخبرة التاريخية التي تُشير إلى أن السياسة الخارجية للحكومات الإصلاحية في إيران تركز على العلاقات مع الدول الغربية أكثر من تركيزها على تحسين العلاقات مع دول الجوار الإقليمي، وخاصةً الدول العربية. حيث يُلاحظ أن العلاقات العربية مع إيران عادةً ما تشهد تحسناً واهتماماً أكبر في عهد حكومات المُحافظين.

3- سعي حكومة "بزشكيان" إلى تطوير العلاقات مع تركيا: اعتبر المتحدث الرئيسي أن العلاقات بين إيران وتركيا تجمع بين التنافس والصداقة، باعتبارهما دولتين لهما تطلعات إقليمية تخلق ندية وخلافات، لكنهما تعملان على احتواء تلك الخلافات. وتوقّع أن يعمل الرئيس "بزشكيان" على احتواء ومعالجة أية خلافات مع النظام التركي. ورأى أن الخلافات الحالية لا تمثّل تهديداً كبيراً لعلاقات البلدين. بل تتوافق عملية تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري مع مصالح طهران، رغم استيائها من كون تلك العملية تتم بعيداً عن الرعاية الإيرانية. كما أن أنقرة من البلاد التي تشكّل أهمية اقتصادية لطهران. ولذلك سيعمل "بزشكيان" على تطوير العلاقات مع تركيا.

وختاماً، أوضح المتحدث الرئيسي أن العراق يُعد أيضاً من الدول المهمة لإيران بالنسبة لتطلعات التعاون الاقتصادي، بجانب تركيا. كما أكد أن المتغير الرئيسي الحاكم بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية لا يتوقف على رغبات المرشد الإيراني أو توجهات الرئيس "بزشكيان" أو أجندة الإصلاحيين ذاتها بمعزل عن السياق الإقليمي، حيث ستلعب المتغيرات والتطورات الإقليمية الدور الأساسي في تحديد اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية في المرحلة المقبلة، وخاصةً تلك التطورات المرتبطة بتداعيات الحرب في قطاع غزة.

هل تتغير السياسة الخارجية لإيران في عهد بزشكيان؟ (حلقة نقاشية)