إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أنهى فوز باسيرو ديوماي فاي من الجولة الأولى بالانتخابات الرئاسية السنغالية التي جرت في 24 مارس 2024، حقبة في تاريخ السنغال السياسي تزعَّمها الرئيس ماكي سال، اقترنت بأزمات سياسية واقتصادية خلال السنوات الأخيرة. ويفتح هذا الفوز المجال أمام بدء حقبة جديدة يرتفع فيها سقف توقعات الرأي العام السنغالي إزاء مشروع ممثل المعارضة الجديد في الحكم، الذي يرتكز بشكل أساسي على عملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي في البلاد.ويشير فوز مرشح المعارضة في السباق الرئاسي إلى أن السنغال بصدد تغييرات جوهرية على صعيد السياسات الداخلية والخارجية، التي تجلت بعض مؤشراتها في مشروع باسيرو/سونكو الذي عرضه على الناخبين خلال فترة الحملة الانتخابية قبيل إجراء الانتخابات، لا سيما أن الرئيس المنتخب حديثاً، كان يُنظَر إليه على أنه يمثل الخطة البديلة لحليفه الرئيسي عثمان سونكو الذي استُبعِد من الترشح للانتخابات، ويعد هو مهندس مشروع باسيرو فاي المتوقع تنفيذه خلال الولاية الأولى للرئيس الخامس في تاريخ البلاد.ومع ذلك، تبرز جملة من التحديات التي قد تعرقل مسار باسيرو في إحداث تغيير جوهري باعتباره مرشح التغيير السياسي في السنغال، وهو ما قد يُبطِّئ عملية التغيير المُنتظَرة من قبل قطاعات واسعة في المجتمع السنغالي، لا سيما، الشباب عقب سلسلة من الأزمات خلال السنوات الأخيرة أسفرت عن الإطاحة بنظام ماكي سال بهزيمة مرشح الائتلاف الحاكم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.أجندة داخلية يطمح الرئيس الجديد باسيرو فاي إلى إجراء جملة من الإصلاحات الداخلية عقب توليه السلطة في البلاد، وهو ما أشار إليه في خطابه الأول عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات التي كشفت عن فوزه بمنصب الرئيس. ويمكن الإشارة إلى أبرز أولويات الرئيس باسيرو فاي بالنسبة إلى قضايا الشأن الداخلي على النحو التالي:1– تشكيل حكومة وطنية: أوضح باسيرو أن حكومته الأولى ستضم كفاءات سنغالية من الداخل والشتات، وأن الاختيار سيكون على أساس الكفاءة والنزاهة والوطنية، وأنها ستعمل منذ اللحظة الأولى عقب توليها المهمة على تنفيذ مشروع باسيرو الذي اختاره الشعب السنغالي رئيساً جديداً للبلاد على أساسه. ومن المتوقع أن يعطي اختيار أعضاء الحكومة مؤشراً واضحاً على توجهات الرئيس باسيرو خلال الفترة المقبلة.2– تأكيد الطابع الديمقراطي للحكم: يدرك باسيرو ضرورة استعادة زخم الديمقراطية في السنغال التي تضرَّرت سمعتها كواحدة من أكثر الديمقراطيات استقراراً في منطقة غرب أفريقيا؛ وذلك بعد تورُّط الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال في تأجيل الانتخابات التي كان مقرراً لها في 25 فبراير 2024.وقد تعهَّد باسيرو بالحكم بتواضع وشفافية، ومحاربة الفساد على جميع المستويات، وتكريس جهوده لإعادة بناء مؤسسات الدولة؛ إذ يَعتبر الرئيس الجديد أن أساس مشروعه السياسي في البلاد يرتكز على إعادة تأهيل المؤسسات الوطنية، بما في ذلك إصلاح المنظومة القضائية في البلاد، باعتباره أمراً ضرورياً بهدف إعادة الثقة بين المواطنين والمؤسسة القضائية، والحد من سلطات الرئيس، واستحداث منصب نائب الرئيس، خاصةً بعدما وقَّع باسيرو على الميثاق الوطني للحكم الديمقراطي الرشيد، إضافةً إلى تحقيق المصالحة الوطنية باعتبارها أولوية لتعزيز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، بعد فترة من التوترات السياسية التي مرَّت بها البلاد على مدار السنوات الأخيرة، انعكست سلباً على تزايد التوترات بين مختلف قطاعات المجتمع السنغالي. وتُعَد هذه الخطوة ضرورية من أجل استعادة ثقة المواطن السنغالي بالنظام الحاكم ومؤسسات الدولة السنغالية خلال ولاية باسيرو.3– تعزيز نفوذ تحالف ديوماي: وذلك من أجل إحلاله محل الائتلاف الحاكم الذي خسر مرشحه أمادو با الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويحاول باسيرو الحفاظ على الظهير الشعبي المؤيد له، والاستفادة من زخم عملية الحشد والتعبئة للتصويت له في ترسيخ نفوذ تحالفه في المشهد السياسي السنغالي، والاستعانة بمهندس الانتخابات عثمان سونكو، وما يمتلكه من نفوذ قوي في الداخل السنغالي في اجتذاب قطاعات واسعة من المؤيدين للتحالف الجديد. وربما يسعى باسيرو إلى هذه الخطوة بقوة من أجل الفوز بالأغلبية في البرلمان القادم؛ ليتسنَّى له تنفيذ سياساته دون أي عرقلة.4– العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي: تسود حالة من التفاؤل بأن صعود باسيرو إلى الحكم سوف يتبعه تبنِّي سياسات اقتصادية من شأنها تخفيف الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلاد منذ السنوات الأخيرة، وتخفيض تكاليف المعيشة؛ حيث تعهد باسيرو خلال خطابه الأول عقب فوزه في الانتخابات بأن لديه اهتماماً خاصاً بالنساء والشباب، وأنه سيخصص جزءاً كبيراً من موارد البلاد لتخفيف المعاناة الاقتصادية لتلك الفئتين، كما أكد أن السياسات العامة التي سوف تتبناها حكومته، هدفها الوحيد هو تلبية احتياجات الشعب السنغالي، لا سيما الاحتياجات الغذائية والصحة والتعليم والإسكان والعمل وغيرها.5– تعزيز السيادة على الموارد المحلية: فقد تعهد باسيرو بتحسين السيطرة على الموارد والثروات التي تتمتع بها السنغال؛ وذلك من خلال تشجيع الشركات الوطنية على توسيع نشاطاتها والترويج لها؛ بهدف حماية البلاد من الانزلاق إلى ما سمَّاه "الاستعباد الاقتصادي".السياسة الخارجيةيحظى ملف السياسة الخارجية بأهمية كبيرة لدى الرئيس الجديد باسيرو فاي في ظل تطلعاته إلى تعزيز مكانة ودور السنغال على الصعيدَين الأفريقي والدولي. ويشير أبرز ملامح السياسة الخارجية في عهد باسيرو إلى الآتي:1– تعزيز دور السنغال في أفريقيا: تشير تطلعات باسيرو إلى سياسة خارجية فعَّالة، تقوم على تعظيم المنفعة المتبادلة، وحماية المصالح السنغالية إقليميّاً ودوليّاً؛ فهو يرغب في تعزيز الوجود الدبلوماسي للسنغال في مختلف أنحاء القارة، بهدف تنامي النفوذ والدور الإقليمي للسنغال، لا سيما على صعيد المنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي وتكتل إيكواس.2– إصلاح تكتل إيكواس: يتطلع باسيرو – بالتعاون مع الشركاء الأفارقة – إلى إحداث تغييرات إيجابية داخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" التي تُواجِه بعض التحديات خلال السنوات الأخيرة، لا سيما على صعيد توتر علاقاتها مع بعض الدول الأعضاء؛ حيث دعا باسيرو الدول الأفريقية إلى العمل معاً من أجل تعزيز عملية التكامل الإقليمي في غرب أفريقيا، والسعي إلى تصحيح بعض نقاط الضعف، وتغيير الاستراتيجيات والأولويات السياسية بالنسبة إلى تكتل إيكواس، في محاولةٍ لإعادة تعزيز دورها الإقليمي في المنطقة.3– تحفيز إصلاح السياسة النقدية الإقليمية: كان باسيرو قد تعهَّد بإنشاء عملة وطنية في البلاد قبل أن يتراجع عن هذا المقترح مؤخراً، وفضَّل السعي أولاً إلى إصلاح العملة الإقليمية (الفرنك الأفريقي) التي تتقاسمها نحو 14 دولة في غرب ووسط أفريقيا، في ضوء إدراك أهمية السيادة النقدية على المستوى الإقليمي؛ ما قد يدفع باسيرو إلى التفاوض مع دول غرب أفريقيا من أجل إنشاء عملة مشتركة جديدة بعيداً عن السيطرة الغربية، وهو ما يعزز التكهنات بشأن احتمالية خروج داكار من الاتحاد المالي الأفريقي المرتبط باليورو إذا أخفق باسيرو في التوصل إلى حلول مع الشركاء الإقليميين، وانعكاسات ذلك المحتملة على تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا بشكل أوسع.4– التركيز على تعظيم المكاسب الاستراتيجية للسنغال: حاول باسيرو طمأنة الفاعلين الدوليين بأن السنغال ستظل حليفاً آمناً وموثوقاً به لأي شريك يتعاون معها في إطار المنفعة المتبادلة وتعزيز مبدأ "الكل رابح"؛ وذلك في إطار حرصه على توطيد مكانة بلاده الإقليمية والدولية خلال المرحلة المقبلة، بما يعكس رؤية جديدة للسياسة الخارجية السنغالية تهدف إلى تعظيم مكتسباتها الاستراتيجية.5– إعادة تقييم العلاقة مع الغرب: يبدو أننا بصدد حقبة جديدة تستهدف إعادة التوازن لعلاقات داكار مع العالم الخارجي؛ حيث يرغب الرئيس المنتخب باسيرو في إعادة تقييم الشراكات الدولية مع القوى الفاعلة، لا سيما فرنسا، خاصة عقب تصريحاته خلال فترة الحملة الانتخابية التي تعهد فيها بالابتعاد عن باريس، وهو ما قد يضعنا أمام صياغة جديدة محتملة لمحددات السياسة الخارجية السنغالية في علاقاتها بفرنسا القوة الاستعمارية السابقة في البلاد. وربما تتفاقم معضلة نفوذ فرنسا خلال المرحلة المقبلة في الغرب الأفريقي بخسارة أحد أبرز حلفائها – أي السنغال – في حالة تصاعد الخلافات مع السلطة الجديدة في البلاد.6– إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية: يرتبط هذا التوجه بتعهد باسيرو باستعادة السيادة السنغالية على الصعيد الخارجي، وهي كلمة استخدمها نحو 18 مرة في خطابه الأول عقب الفوز بالانتخابات، الذي يتضمن التزاماً بإعادة التفاوض على عقود التعدين والهيدروكربون. ويبدو أن هناك إصراراً من جانب باسيرو بشأن إعادة تقييم اتفاقيات الصيد مع القوى الأجنبية؛ حيث تتضاءل الموارد السمكية التي تدعم قطاعاً كبيراً من السنغاليين.كما تعهد باسيرو بإعادة التفاوض على عقود النفط والغاز؛ حيث يبلغ حجم الاكتشافات في حقول الغاز بالبلاد نحو 110 مليارات متر مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 50% من حقل الغاز الذي تشاركه البلاد مع موريتانيا، ووجود مناطق غنية بالغاز في جنوب البلاد، وهو ما قد ينذر بصدام مبكر محتمل بين السنغال وموريتانيا خلال الفترة المقبلة؛ بسبب الخلاف المحتمل حول اتفاق الشراكة الثنائية في حقل الغاز الطبيعي، بالرغم من الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس باسيرو ونظيره الموريتاني محمد الغزواني لتأكيد عمق العلاقات والتعاون بين البلدين.إجمالاً، يمتلك باسيرو فاي فرصة قوية لتعزيز نفوذه الداخلي، في ضوء الحماس القوي لتجربته الجديدة في الحكم لدى قطاعات كبيرة من المجتمع السنغالي، وبخاصة الشباب. وإن كان سقف التوقعات المرتفع يمثل سلاحاً ذا حدين بالنسبة إلى الرئيس الجديد وشعبيته التي يسعى للحفاظ عليها وتعزيزها خلال الفترة المقبلة، لاستمرار ثقة الرأي العام السنغالي بالنخبة الحاكمة الجديدة. وفي هذا السياق، يواجه باسيرو جملة من التحديات التي ربما تعرقل مسيرته، على رأسها عدم وجود أغلبية برلمانية تدعمه في تنفيذ سياساته خلال المرحلة المقبلة، وربما يدفعه ذلك إلى حل البرلمان إذا استمرت معارضة الأغلبية الموالية للنظام الحاكم السابق لقراراته وسياساته، والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، ومحاولة الحصول على الأغلبية البرلمانية لضمان عدم معارضته. كما أن الشروط المالية التي يفرضها صندوق النقد الدولي على السنغال من المتوقع أن تشكل تحدياً أمام باسيرو، لا سيما أن الوضع الاقتصادي السنغالي بحاجة إلى سياسات عاجلة لمعالجته في أقرب وقت؛ خوفاً من انتقادات داخلية للنظام الجديد. وربما يمثل عثمان سونكو عبئاً على الرئيس الجديد الذي قد يسعى إلى تحجيم نفوذه في مرحلة تالية خوفاً من انقسام السلطة، وحتى يستطيع باسيرو ترسيخ نفوذه في الحكم، بحيث يضطلع بإدارة السلطة منفرداً دون وجود قوة أخرى موازنة له متمثلة في سونكو القوي.أما على الصعيد الخارجي، فمن المستبعد أن يتبنى باسيرو توجهات راديكالية في سياسته الخارجية وعلاقاته مع الخارج، وخاصةً فرنسا، وإعادة تقييم عقود الاتفاقيات مع الدول الأجنبية؛ خوفاً من توتر العلاقات بين الطرفين، الذي قد تصاحبه ممارسة المزيد من الضغوط الدولية على نظام باسيرو الجديد، وتأثيرات ذلك سلباً على مكانة السنغال إقليميّاً ودوليّاً.

ما السياسات المحتملة للرئيس السنغالي الجديد؟