تعاني الصين من جغرافيا ومحيط إقليمي غاية في التعقيد؛ حيث تمتلك الصين حدوداً برية طولها 22800 كيلومتر، مشتركة مع أربع عشرة دولة. وبالإضافة إلى ذلك المحيط الجغرافي البالغ التعقيد، فإن هذا المحيط يصعب أيضاً من إمكانية وصول الصين إلى الممرات البحرية الرئيسية، وبخاصة تلك الواقعة في منطقة الهندوباسيفيك. وقد استخدمت الولايات المتحدة هذا التحدي الجغرافي لمنع الصين من الوصول إلى المعابر البحرية الرئيسية، وعلى رأسها مضيق ملقا الماليزي، والمعابر البحرية القائمة في كل من سريلانكا وميانمار؛ وذلك عبر العمل والتعاون مع هذه الدول لعزل الصين جغرافياً. وقد عملت الصين بدورها على التغلب على مثل هذه التحديات بالتركيز على بناء قوة عسكرية بحرية ضخمة لفرض الهيمنة في المنطقة، والتحالف مع النُّخب الحاكمة في بعض الحالات؛ هذا بجانب الأداة الاقتصادية ومبادرة الحزام والطريق.

محيط مضطرب

شهدت الأشهر الأخيرة لعام 2023، عدداً من التطورات حملت في طيَّاتها القليل من الفرص وبعض التحديات بصورة مزدوجة لصانع القرار الصيني فيما يتعلق بالمحيط الجغرافي الخارجي، وقد تمثلت هذه التحديات في الآتي:

1– مواجهة النظام الحاكم في ميانمار حركات تمرد واسعة: تعد الصين شريكاً تجارياً مهماً لميانمار، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع قيادات المجلس العسكري الذي يحكم ميانمار في الوقت الحالي، بل إن بعض التقارير الغربية قد أكدت أن بكين تقف وراء نجاح الانقلاب العسكري الذي قادته قيادة الجيش ضد الحكومة المدنية في 2021.

وتخوض الحكومة العسكرية في ميانمار صراعاً عسكرياً داخلياً ضد تحالف من الأقليات العرقية المسلحة معروف باسم "تحالف الإخوان الثلاثة"، وهو التحالف الذي شكل تحدياً خطيراً للمجلس العسكري في ميانمار؛ وذلك منذ إطاحته بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً في عام 2021. وقد دعت السفارة الصينية مواطنيها في ميانمار إلى مغادرة البلاد بصورة عاجلة؛ وذلك مع استمرار الاشتباكات بين الجيش والجماعات المسلحة هناك.

ما يثير مخاوف بكين في اللحظة الراهنة أن يتزايد نفوذ الحركات المتمردة داخل الدولة، فتهدد الأمن والمصالح الصينية، ولعل هذا ما ظهرت ملامحه في 26 نوفمبر الماضي حينما سيطرت مجموعة عرقية مسلحة في ميانمار اسمها "جيش تحالف ميانمار الوطني الديمقراطي" على منفذ كيين سان كياوت الحدودي مع الصين، كما بدا أن ما يحدث يؤثر بالسلب على مصالح بكين، مع اشتعال النيران في قافلة شاحنات من الصين تحمل بضائع إلى ميانمار. وقد ذكرت وسائل إعلام رسمية في ميانمار أن هذا الحريق ناجم عن هجوم لمتمردين.

2– تعاظم حالة عدم الاستقرار في أفغانستان: على الرغم من أنه قد تم النظر إلى خروج الولايات المتحدة غير المنظم من أفغانستان في عام 2021، باعتبار أنه يمثل فرصة عظيمة للصين من أجل تعظيم وجودها في كابول، والمضي قدماً في طريقها لتضمينها ضمن مشروع الحزام والطريق؛ فإن وصول طالبان إلى الحكم قد رافقته العديد من المعضلات والتحديات الأمنية التي جعلت من إمكانية دخول الصين باستثمارات موسعة في البلاد، أمراً مثيراً للقلق وغير محمود العواقب.

ولذلك أظهرت الصين قدراً من التأني والحذر في التعاطي مع الاستثمارات في أفغانستان، خاصة مع تعرض البلاد لزلزال قوي، وتعرض بعض العمال الصينيين لحوادث فردية عرَّضت أمنهم الشخصي للخطر، ناهيك عن تشكيل الحدود مع أفغانستان خطراً على الداخل الصيني، في ظل تعاظم أزمة المهاجرين الأفغان في دول أخرى، على غرار باكستان، وتخوف بكين من انتقال عدد من المهاجرين المُرحَّلين من هذه الدول إلى الصين.

3– تنامي الأزمة السياسية في باكستان: تشهد باكستان منذ شهور حالة من عدم الاستقرار السياسي؛ وذلك عقب عزل رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق "عمران خان" عن منصبه، ودخول أنصاره في مناوشات مع القيادات العسكرية التي تدير العملية السياسية في البلاد بصورة أو بأخرى. أضف إلى ذلك تزايد معدلات الهجمات الإرهابية في الدولة، وتصاعد نشاط حركة طالبان باكستان.

وقد ضاعفت هذه الحالة من الضغوط التي تواجهها الصين في باكستان، خاصةً مع اتهام الكثير من الأطراف الصينَ بعدم توفير الدعم اللازم لمساندة "خان" في أزمته الحالية، وبروز بعض المؤشرات التي تُرجِّح مساندة الولايات المتحدة للنظام السياسي القائم في باكستان حالياً. وتمتلك الصين العديد من المشروعات الاقتصادية في باكستان؛ حيث تُعَد إسلام أباد، ركيزة أساسية في مبادرة الحزام والطريق، خاصةً الممر الاقتصادي الذي تسعى الصين إلى تدشينه بالبلاد، وسعيها إلى استغلال ميناء جوادر الاستراتيجي الباكستاني.

4– تصاعد حدة التوترات البحرية في بحر الصين الجنوبي: بدأ الوجود الصيني ببحر الصين الجنوبي يتنامى منذ عقود؛ حيث استولت بكين على جزر باراسيل التي كانت تتبع فيتنام سابقاً في عام 1974، كما سيطرت على ميستشيف ريف في جزر سبراتلي الخاضعة للسيادة الفلبينية خلال عام 1995، إلا أن محكمة في لاهاي، بناءً على دعوى رفعتها الفلبين، قد قضت في عام 2016 بأن الصين ليس لديها حق تاريخي في مياه بحر الصين الجنوبي، لتقر الأمم المتحدة تطبيق قانون البحار لعام 1982 على هذه الواقعة، إلا أن الصين قد تجاهلت هذا الحكم واستمرت في توسعاتها بالمنطقة.

وتُطالِب الصين في الوقت الحالي بالسيادة على منطقة شاسعة بشرق آسيا، ومنطقة بحر الصين الجنوبي على وجه التحديد، وقد ظهر ذلك جلياً في الخريطة الوطنية الجديدة التي أصدرتها وزارة الموارد الطبيعية الصينية في 28 أغسطس لعام 2023. وقد أثارت هذه الخريطة الجديدة للتراب الصيني غضبَ واستياءَ العديد من الدول المجاورة للصين، خاصةً الفلبين وفيتنام وتايوان والهند.

أظهرت هذه الخريطة تأكيد بكين سيادتها على منطقة بحر الصين الجنوبي، وهي منطقة غنية بالموارد وذات أهمية استراتيجية؛ حيث تتدفق عبرها تريليونات من الدولارات كل عام؛ وذلك بفعل مواردها ودورها الهام في حركة التجارة بشرق وجنوب شرق آسيا. وقد اعترضت الدول التي لديها تاريخ صراعي حدودي مع الصين؛ فعلى سبيل المثال، صرحت وزارة الخارجية الفلبينية بأن هذه محاولة من بين العديد من المحاولات التي تعمل فيها الصين على إضفاء شرعية لسيادتها، وولايتها المزعومة على المعالم والمناطق البحرية الفلبينية بدون أي أساس بموجب القانون الدولي.

كما أظهرت الخريطة تايوان جزءاً من الأراضي التابعة للسيادة الصينية، وقد أكدت الجزيرة ذات الحكم الذاتي مراراً وتكراراً أنها جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي وليست جزءاً من الصين، وهي التصريحات التي أثارت غضب الساسة في بكين. وقد قالت وزارة الخارجية الصينية إن موقفها من بحر الصين الجنوبي ثابت وواضح ولن يتغير، وإن السلطات الصينية تنشر بوتيرة دورية وروتينية خرائط قياسية من مختلف الأنواع في كل عام.

5– استمرار التوترات بين الصين والهند: لا تزال الحدود الهندية الصينية موضع صراع وخلاف كبير بين الدولتين، وتسببت في مناسبات عديدة في مواجهات عسكرية بين الطرفين. وجاءت الخريطة التي نشرتها الصين في شهر أغسطس الماضي لتُجدِّد الصدام بين الطرفين؛ حيث قدَّمت الهند احتجاجها إلى الصين بسبب الخريطة التي تُظهِر هضبة "أكساي تشين" في الجانب الصيني، بينما هي منطقة مُتنازَع عليها تسيطر عليها الصين وتطالب الهند بها. وعلى الجانب الآخر، قالت وزارة الخارجية الهندية إن الخريطة تقف عائقاً أمام محاولات حل النزاع الحدودي القائم بين نيودلهي وبكين بهذا الشأن.

آليات للمجابهة

لجأت الصين إلى التعاطي مع التحديات السابقة الذكر عبر استخدام الأداة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية على النحو التالي:

1– الدخول في مفاوضات عسكرية مع الهند: على الرغم من استمرار النزاع الحدودي بين الهند والصين، فإن الجانبين يحاولان إبقاء الوضع على ما هو عليه، مع رعاية جولات من المحادثات العسكرية الحثيثة؛ للحفاظ على السلام والهدوء على الأرض في المناطق الحدودية، ولإيجاد اتفاق لحل القضايا المتبقية بسرعة.

وقد أنهت نيودلهي وبكين الجولة الأخيرة للمحادثات الدبلوماسية الرسمية بشأن الحدود في شهر أكتوبر 2023؛ إذ تعهَّد المسؤولون بحل النزاع الحدودي في أقرب وقت ممكن. وقالت وزارة الخارجية الهندية إن البلدين استعرضا رؤيتهما للترسيم النظري للأراضي المُتنازَع عليها، بما في ذلك مناطق النفوذ التي تسيطر عليها الهند، ومنطقة الهمالايا التي تسيطر عليها الصين.

وقدَّم الطرفان مقترحاً لتحقيق فك الارتباط الكامل، وقد تمَّ بالفعل تطبيق جزء من هذا الاقتراح في منطقة جوجرا، وهي تقع في غرب جبال الهمالايا، منذ سبتمبر 2022، أي عقب مرور عامين من الاشتباك في منطقة جالوان، وهو الأمر الذي أسفر عن مقتل أربعة صينيين على الأقل و20 هندياً من الجنود.

ويسعى الطرفان إلى إنجاح هذه المفاوضات، خاصةً الهند المُقبِلة على انتخابات نيابية جديدة خلال عام 2024؛ حيث إن تجدُّد أي صراعات حدودية لن يُساهم في دعم "مودي" وحزب "بهاراتيا جاناتا". وعلى الرغم من ذلك فإن العلاقات الهندية–الصينية ما زالت تواجه العديد من التحديات مع استمرار التنافس بين الطرفين، ورفض الصين تقديم أي تنازلات للجانب الهندي فيما يتعلق بمسألة الحدود، خاصةً مع إعلان الصين في أبريل 2023، أنها ستُوحِّد أسماء 11 مكاناً في أروناتشال براديش، بما في ذلك بلدة قريبة من عاصمة أروناتشال براديش إيتاناغار، التي تنظر إليها الهند باعتبارها جزءاً من أراضيها الخالصة، ناهيك عن تضمُّن الخريطة الجديدة للصين التي تم الإعلان عنها في أغسطس 2023، الرؤية الصينية التي لا تُقدِّم أي جديد فيما يتعلَّق بحل المسألة الحدودية بين الطرفَين. يُضَاف إلى ذلك مسألة التحالف الكبير فيما بين الهند والولايات المتحدة، ونظرتهما المعادية والرافضة للصعود الصيني العالمي، وتوسُّع نفوذهما بصورة خاصة في منطقة الهندوباسيفيك.

2– تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع بوتان: تقع بوتان في جبال الهيمالايا بين العملاقَين الآسيويين الصين والهند، وما زال النزاع الحدودي قائماً بينها وبين الصين. ويفرض الصعود الصيني المتزايد في القارة الآسيوية، ضغوطاً على بوتان من أجل التوصل الى اتفاق مع بكين، لكن هذه الخطوة تحتاج أيضاً إلى موافقة حليفتها الاستراتيجية في المنطقة: الهند.

وترتبط نيودلهي بعلاقة وثيقة مع تيمفو؛ حيث قدَّمت الأولى مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لدولة بوتان. ويشير الخبراء إلى أن الهند لديها أسبابها الخاصة لدعم بوتان؛ فهضبة "دوكلام" الواقعة في بوتان ذات أهمية أمنية كبيرة للهند؛ حيث إن هيمنة الصين على المنطقة من شأنها أن تشكل تهديداً لممر "سيليجري" الذي يسمى عنق الزجاجة، والذي يربط بدوره البر الرئيسي الهندي بعضه ببعض.

وقد أجرى وزير خارجية دولة بوتان محادثات مع وزير الخارجية الصيني في أكتوبر2023 للعمل على إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين، وتعزيز المحادثات السياسية من أجل تسوية مبكرة لقضية الحدود. وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية إن الصين مستعدة للعمل مع بوتان في الاتجاه نفسه، واغتنام الفرصة التاريخية واستكمال هذه العملية المهمة في أقرب وقت ممكن لتطوير العلاقات بين الصين وبوتان في شكل قانوني.

وتؤكد الصين مطالبها فيما يقرب من 764 كيلومتراً مربعاً في المناطق الشمالية الغربية والوسطى من بوتان، وهي التي كانت في الأصل جزء من النزاع الحدودي بين الهند والصين. وكانت الصين قد طالبت أيضاً في يونيو 2020 بمحمية "ساكنتنج" البرية الواقعة شرق بوتان باعتبارها ملكاً لها. ويشير الخبراء إلى أن الترسيم الحدودي يجب أن يتم تسويته بين الدول الثلاث: الهند والصين وبوتان، وأن هذه المناقشات منوطة بحل الخلافات بين الهند والصين على طول الحدود بينهما، وهو الأمر الذي عبَّرت بوتان عن استعدادها لحله، في حالة استعداد الطرفَين الآخرَين للمضي قدماً والاتفاق على إطار مناسب لإنهاء هذا النزاع.

3– العمل على التقارب مع طالبان لتحجيم التهديدات: سعت بكين إلى تأمين حدودها مع أفغانستان من خلال تبني سياسة الانفتاح على طالبان عقب سيطرتها على الحكم في أغسطس 2021. ولعل هذا ما عبر عنه قرار تقديم السفير الصيني لدى أفغانستان "تشاو شينج"، في أغسطس 2023، أوراقه إلى رئيس وزراء أفغانستان من حكومة طالبان "محمد حسن أخوند"، ليكون هذا أول تعيين لسفير منذ وصول طالبان إلى الحكم، في عام 2021.

هذا التطور السياسي ارتبط بتحركات صينية لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وسعي بكين لدعم استثماراتها في أفغانستان، وخصوصاً مع امتلاك أفغانستان العديد من الموارد الطبيعية الكبيرة. وتسعى الصين إلى تعزيز استثماراتها هناك، من خلال إنشاء المشاريع المشتركة مع البلاد، في مجالات مثل البنية التحتية والطاقة والتعدين.

4– اللجوء إلى الأداة العسكرية للتعاطي مع الفلبين: تصاعدت حدة التوترات بين الصين والفلبين مرة أخرى بعد أن اتهمت السلطات الفلبينية خفر السواحل الصينيين باستخدام خراطيم المياه خلال شهر أغسطس 2023، لمنع قارب إمداد عسكري فلبيني من توصيل الغذاء والوقود إلى القوات المتمركزة على سفينة حربية راسية بالقرب من الشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي.

وقد أكد الخبراء أن المواجهة التي حدثت في أغسطس 2023 بالقرب من منطقة "سكند توماس شول" المُتنازَع عليها إقليمياً، تعود بصورة أساسية إلى أنها منطقة غنية بالموارد. ووصفت الفلبين تصرُّف الخفر الصينيين بأنه مفرط وخطير، واستدعت مبعوث الصين في البلاد لتقديم احتجاج رسمي؛ هذا بجانب إعلانها تجميد العمل بخط الاتصالات الرابط بين الفلبين والصين، الذي كان يعمل على تنسيق العمل البحري في المنطقة فيما بين الطرفين. ومن جانبها، حثت بكين الجيش الفلبيني على إزالة السفينة الراسية في المنطقة، إلا أن السلطات الفلبينية قد رفضت بشدة هذا الطرح، مشيرةً إلى أنها لن تتخلى أبداً عن مواقعها.

وعلى الرغم من عقد محادثات بين الرئيس الصيني ونظيره الفلبيني خلال مشاركة الطرفين في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "الأبيك"، الذي استضافته مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية خلال نوفمبر الماضي؛ فإن التوترات بين البلدين بالمنطقة ما زالت مستمرة. وقد أقدمت الفلبين على عقد مناورات عسكرية مشتركة مع عدد من الدول، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والهند؛ هذا بجانب القيام بدوريات أمنية مشتركة مع أستراليا والولايات المتحدة لتمشيط المنطقة، وهو الأمر الذي عبَّرت الصين في أكثر من مناسبة عن رفضها له، وقامت في المقابل بالرد عبر نشر عدد كبير من السفن الحربية والبحرية، وبإجراء مناورات عسكرية بالقرب من المنطقة.

5– سلاح المناورات كأداة لتأمين الحدود الصينية–الميانمارية: لحماية استثماراتها ومصالحها الواسعة في البلاد، تتبنى الصين العديد من السياسات والاحتياطات العسكرية والدبلوماسية عبر حدودها مع ميانمار، وخاصةً مع دخول عدد من الجماعات المتمردة في مواجهات عسكرية مباشرة مع قيادة المجلس العسكري الحاكمة للبلاد. وقد بدأت الصين خلال نوفمبر 2023 ومطلع ديسمبر الجاري، تُجرِي تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية على طول الحدود الصينية مع ميانمار. ويؤكد الجيش الشعبي الصيني أن هذه التدريبات تهدف إلى حماية السيادة الصينية واستقرار المنطقة الحدودية، وسلامة الأفراد من الحرب الأهلية القائمة في ميانمار.

وقد علقت صحيفة "جلوبال تايمز الصينية" على هذه المناورات بالقول إن قيادة المسرح الجنوبي لجيش التحرير الشعبي ترعى مناورات قتالية عبر الحدود؛ حيث تُجري القوات العسكرية المشاركة في المناورات تدريبات بالذخيرة الحية في مناطق مختلفة واتجاهات مختلفة وفترات زمنية مختلفة، في حين مهدت وحدات إزالة الألغام والتخلص من المتفجرات الطريق أمام وحدات الهجوم المدرعة التي شكَّلتها مركبات المشاة القتالية، لاتخاذ مواقعها.

وقال التليفزيون الصيني، نقلاً عن ضابط قائد في التدريبات، أن التدريبات القتالية تحاكي العديد من السيناريوهات التي تضمن الدفاع عن قوة السيادة الوطنية الصينية، واستقرار الحدود. وتتسم الحدود بين الصين وميانمار بغلبة التضاريس الجبلية، وانتشار الغابات؛ ما يجعل البحث عن الأهداف والضربات الدقيقة أمراً صعباً؛ ولذلك فإنه من خلال ممارسة حصار الحدود، يستطيع جيش التحرير الشعبي الصيني إغلاق المنطقة على الفور، والسيطرة على الوضع في حالة عبور قوات مسلحة أجنبية على الحدود، وهو الأمر الذي يضمن استقرار الحدود على الجانب الصيني وسلامة أراضيه.

جيش قوي

خلاصة القول: تبرز هذه الاستراتيجيات بجانب العمل بوجه عام على بناء جيش صيني قوي؛ حيث ضاعفت الصين ميزانيتها المخصصة للدفاع خلال مارس 2023، بنسبة وصلت إلى 7.2% بالمقارنة بعام 2019، كما لجأت إلى أداة العصا والجزرة للتعاطي مع حلفاء الولايات المتحدة (اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وتايوان) في المنطقة للحد من خطورة استراتيجياتها الأمنية والسياسية المتوافقة بصورة كبيرة مع الرؤية الأمريكية للمنطقة. وبوجه عام، شهد عام 2023، تضاعفاً لأزمات المحيط الإقليمي والجغرافي الصيني، وهو ما دفع القيادة الصينية إلى اتخاذ خطوات تصعيدية عسكرية ودبلوماسية لمجابهة هذا التحدي الوجودي.

أبعاد تصاعد مشكلات الجوار الصيني