د. ياسمين كالميت

تواجه أمريكا اللاتينية أزمات عدة؛ على رأسها ضعف المؤسسات الديمقراطية، وتراجع النمو الاقتصادي، وخاصة في أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى تحديات إقليمية أخرى تستحق المتابعة عن كثب، مثل عدم المساواة الاجتماعية، والتدهور البيئي، وأعمال العنف، وأزمة الهجرة، وتزايد كراهية الأجانب، والتهديد بالحرب بين فنزويلا وجيانا. ومع دخول عام 2024، يظهر التساؤل حول مدى تأثير تلك الأزمات المتشابكة على حكومات أمريكا اللاتينية.العامل الانتخابيسيكون عام 2024 عاماً محورياً بالنسبة إلى المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية؛ حيث تستعد ست دول (السلفادور وبنما والمكسيك وجمهورية الدومينيكان وأوروجواي وفنزويلا) لإجراء انتخابات رئاسية، بينما تستعد دولتان (البرازيل وتشيلي) لإجراء انتخابات بلدية. هل ستحرك هذه الانتخابات المنطقة نحو تيار اليمين أم ستخلق توازناً في الأيديولوجيات؟في انتخابات 2023، اختارت باراجواي والإكوادور والأرجنتين رؤساء يمينيين، بينما اختارت كوبا وجواتيمالا زعيمين يساريين. تثير هذه الانتخابات مخاوف تجاه العديد من القضايا الإقليمية؛ هل ستكون الانتخابات في فنزويلا نزيهة وشفافة؟ وفي السلفادور؛ حيث من المؤكد أن الرئيس الحالي نجيب بوكيلي سيفوز بفترة رئاسية جديدة، هل يستمر الأمن والنظام على رأس أولويات حكومات أمريكا اللاتينية عن حقوق الإنسان والدستورية؟ وإلى متى سيستمر المجتمع الأرجنتيني في مقاومة الإصلاحات المالية والحرمان من الحقوق الاجتماعية التي فرضها خافيير ميلي؟متغيرات اقتصاديةعلى الصعيد الاقتصادي، تتوقع اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CEPAL) نمواً بنسبة 1.9% فقط في عام 2024 (أقل من عام 2023 بنسبة 2.2%)، مع متوسط تضخم يبلغ نحو 3.8%. وهذه ليست توقعات مشجعة للمنطقة؛ لأن التباطؤ الاقتصادي يعني انخفاض الاستثمار في المجالات الاجتماعية والسياسية مثل التعليم والصحة والأمن الغذائي، أو في البنية التحتية الاقتصادية نفسها. وينتج عنه تضاؤل في فرص العمل في حين أن القطاع غير الرسمي آخذ في الارتفاع، وهو ما ستكون له آثار على جودة العمالة، وعدم استقرار الوظائف، واتساع الفجوات بين الجنسين، والتنمية المحدودة للقطاعات العلمية والتكنولوجية والصناعية.ورغم أن التضخم ينخفض بشكل ملحوظ (باستثناء الأرجنتين)، فإن هذا لا يعني أن السياسة النقدية في المنطقة سوف تصبح أقل تقييداً، ومن المرجح أن ترتفع أسعار الفائدة؛ لأن خفض أسعار الفائدة سيكون له تأثير سلبي على التدفقات النقدية واحتمال انخفاض قيمة العملة.ومن ثم، فإنه رغم انخفاض الدين الخارجي لأمريكا اللاتينية، فإنه يظل مرتفعاً بالنسبة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومن الممكن أن يؤدي انخفاض معدلات النمو إلى انخفاض الإيرادات الضريبية؛ ما يحد من الحيز المالي في المنطقة. وقد يكون لهذا تأثير أكبر في البلدان الهشة ديمقراطياً، من خلال تفاقم التوترات الاجتماعية، وتشجيع ظهور حكومات استبدادية جديدة أو تعزيز الحكومات القائمة.إن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي يعني نقص الاستثمار في القضايا الإقليمية الملحة، وسيصعب ذلك تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مثل القضاء على الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وظلت معدلات الفقر في المنطقة ثابتة (نحو 29.1%). ويشمل ذلك 11.4% ممن يعيشون في فقر مدقع، وهو ما يؤكد عدم اكتمال التقدم نحو القضاء على الفقر.تنعكس هذه التحديات أيضاً في معدلات عدم المساواة الاجتماعية. ووفقاً لتقرير اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي الصادر في أواخر عام 2023، يوجد تفاوت كبير بين الشريحة العشرية الأعلى في المنطقة والأدنى منها؛ حيث يزيد دخل الأولى 21 مرة عن دخل الأخيرة. ويتجلى هذا التفاوت فيما يتعلق بامتلاك الأصول؛ ففي عام 2021، ارتفعت ثروات مليارديرات المنطقة البالغ عددهم 105 – أي أولئك الذين تتجاوز أصولهم مليار دولار أمريكي – من مستويات عامي 2019 و2020 إلى ما يقرب من 4% من إجمالي الثروة.تكنولوجيا الاستدامةقد يساعد الاستثمار في التكنولوجيات المستدامة للموارد الطبيعية في تخفيف الإشكاليات الاقتصادية التي تواجهها دول أمريكا اللاتينية وتعزيز النمو الإقليمي، خاصةً إذا كان هناك تحول إلى الاقتصاد الأخضر. ومن شأن مثل هذا الاستثمار أن يساعد في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في حين يعمل أيضاً على توليد المزيد من فرص العمل في القطاع الرسمي.ومع ذلك، يتعين على أمريكا اللاتينية أولاً أن تعالج تحديين ملحين: الأول خلق الإجماع حول هذه الأجندة في مختلف أنحاء المنطقة، والثاني تطوير استراتيجيتها للتخفيف من آثار تغير المناخ. وتمتلك المنطقة بالفعل أنظف شبكة كهربائية في العالم، واحتياطيات وفيرة من المعادن مثل الليثيوم والنحاس، وإمكانية توليد الهيدروجين الأخضر، واحتياطيات كبيرة من الغابات.بالرغم من ذلك، هناك عدد قليل من الحكومات ترغب في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري. يذكر أن المناطق الساحلية في المحيط الهادئ تضررت بوجه خاص من ظاهرة النينيو في العام الماضي. وكان لذلك عواقب اجتماعية واقتصادية مختلفة. على سبيل المثال، كان للأمطار الغزيرة آثار سلبية على القطاع الزراعي؛ ما أدى إلى زيادة تكلفة الغذاء وكذلك تكلفة البنية التحتية الحضرية والإسكان.وختاماً، تواجه دول أمريكا اللاتينية العديد من التحديات الداخلية، وكذلك التحديات الإقليمية المرتبطة ببعض الصراعات بين دول الجوار؛ فعلى سبيل المثال تعمل التوترات بين فنزويلا وجيانا على إبقاء المنطقة والعالم في حالة تأهب. إن الحرب المحتملة بين هاتين الدولتين على أراضي إيسيكويبو يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقات بين دول أمريكا الجنوبية الأخرى؛ ما يزيد اتساع الانقسامات الأيديولوجية. وقد يؤدي هذا النزاع أيضاً إلى تفاقم أزمة الهجرة خارج فنزويلا، مع احتمال أن تشهد بلدان أخرى في المنطقة مستويات متزايدة من العنف الناجم عن كراهية الأجانب.

ما أهم التطورات المحتملة في أمريكا اللاتينية في 2024؟