إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

بعد أيام من فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 5 نوفمبر 2024، شرع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في تسمية العديد من الموالين له لتولي مناصب عليا في إدارته الثانية؛ لتنفيذ أجندة الإدارة الجمهورية القادمة، التي تنطلق من مقاربته "أمريكا أولاً"، والتي سيسعى ترامب إلى ترسيخها أثناء رئاسته في بيئة عالمية متزايدة التعقيد. ومن أبرز ترشيحات "ترامب" السيناتور ماركو روبيو، الذي سيكون أول لاتيني يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي، وبيت هيجسيث لمنصب وزير للدفاع، وإليز ستيفانيك لتكون السفيرة الأمريكية القادمة بالأمم المتحدة، وجون راتكليف الذي اختاره "ترامب" ليكون مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية. وقد عيَّن الرئيس المنتخب تولسي جابارد في منصب مديرة الاستخبارات الوطنية، ومايكل والتز مستشاراً للأمن القومي، كما سمى مايك هاكابي سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، وستيفن ويتكوف مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط.ملامح رئيسيةتكشف اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخَب دونالد ترامب لمسؤولي السياسة الخارجية والاستخبارات والدفاع، في إدارته القادمة، عن محددات السياسة التي ستتعامل واشنطن من خلالها مع التحديات الأمنية والسياسية، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1– استمرار الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل: يعد ترشيح "ترامب" لحاكم أركنساس السابق مايك هاكابي لشغل منصب سفير واشنطن لدى تل أبيب، مؤشراً واضحاً على موقف الإدارة الجمهورية القادمة المؤيد لإسرائيل، في ظل العديد من الأزمات المتصاعدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة عقب هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، والضربات العسكرية في جنوب لبنان حيث يتمركز حزب الله اللبناني الذي شكَّل جبهة إسناد للجبهة الفلسطينية منذ بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية.ويشير تاريخ "هاكابي" إلى دعم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ فقد رفض خلال حملته للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية للانتخابات الرئاسية لعام 2016 فكرة "الضفة الغربية المحتلة". وبدلاً من ذلك، أشار إليها باستخدام المصطلحات التوراتية "يهودا والسامرة"، وقد سبق أن قال إن على الفلسطينيين الذين يريدون دولة خاصة بهم أن يبحثوا عن مكان آخر، ووجَّه العديد من الانتقادات من قَبل إلى الرئيس جو بايدن، بعد ضغطه على إسرائيل بسبب عملياتها العسكرية في غزة. وفي أعقاب ترشيحه، ذكَّر "هاكابي" بالدعم غير مسبوق الذي قدمه "ترامب" لإسرائيل خلال ولايته الأولى، من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وأضاف أنه يتوقع أن يستمر هذا الدعم.وبالنظر إلى تعيين "هاكابي" ودعم ترامب السابق لإسرائيل، فمن المرجح أن تدعم الإدارة الجمهورية القادمة بقوة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات مع الدول العربية، التي ستُعارِض الخطط والسياسات الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، التي ستكون منفصلة عن الأسس التقليدية التي حكمت الدور الأمريكي في عملية السلام، وبما يهدد مصالحها وأمنها القومي في مقابل خدمة المصالح الإسرائيلية، وهو ما قد يُعقِّد العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط، مع سياسات أمريكية تقدم مزيداً من الدعم غير المحدود لتل أبيب، الذي يتفوق على الدعم الذي قدمته إدارة جو بايدن، وأثار حفيظة الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، مع تراجع عن دعم خيار حل الدولتين.2– انتقاء فريق من الصقور المعارضين للصين: تكشف اختيارات الرئيس الأمريكي عن تشكيل فريق من الصقور لمواجهة الصين، تضمَّن اختيار السيناتور ماركو روبيو وزيراً للخارجية، والنائب مايك والتز مستشاراً للأمن القومي، وكلاهما يُعرف بمواقفه الحادة تجاه الصين. ويمثل تعيين "روبيو" الذي يخضع لعقوبات صينية ويحظر عليه السفر إلى الصين كأول وزير خارجية أمريكي تحت العقوبات الصينية، رمزاً لمزيد من التصعيد في العلاقات بين واشنطن وبكين، في حين يُعد "والتز" المعروف بتصريحاته الحادة تجاه الصين، ووصفه العلاقات معها بأنها "حرب باردة"، من أشد المنتقدين للحزب الشيوعي الصيني في الكونجرس. ومن المتوقع أن يشغل روبرت لايتهايزر، الذي يسعى إلى تقييد وصول الصين إلى الأسواق الأمريكية بشكل كبير، منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة في الإدارة الجديدة؛ ما سيجعل الاقتصاد الصيني في مواجهة صعوبات كبيرة.وتشير تعيينات "ترامب" إلى أن الصين ستظل في طليعة التحديات التي تتقدم السياسة الخارجية الأمريكية لإدارته الثانية، وأنه من المرجَّح أن تتبع نهجاً أكثر تصعيداً تجاه الصين. ويمكن أن يظهر ذلك في زيادة الضغط الاقتصادي والقيود التكنولوجية ضد بكين، وتعزيز الوضع العسكري الأمريكي في منطقة الهندوباسيفيك، وهو ما قد يُفاقِم التوترات في المنطقة، ويُثير نزاعات تجارية جديدة.3– تواصل نهج "الضغوط القصوى" على إيران: تشير التعليقات السابقة للعديد من الشخصيات التي اختارها "ترامب" لتولي مناصب مسؤولة عن صياغة السياسة الخارجية للإدارة الجمهورية تجاه إيران، إلى استمرار نهج الرئيس السابق الذي تبنَّاه في إدارته الأولى، القائم على استراتيجية الضغوط القصوى؛ حيث يتبنى العديد من المسؤولين بالإدارة القادمة مواقف متشددة تجاه إيران.ويُعَد براين هوك المبعوث الأمريكي السابق لشؤون إيران في إدارة دونالد ترامب الأولى، الذي يقود الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب في وزارة الخارجية، من أبرز المسؤولين الذين يُتوقَّع أن يتولوا دوراً مؤثراً في وزارة الخارجية القادمة؛ حيث أشرف هوك على حملة "الضغوط القصوى" لإدارة ترامب على إيران خلال الولاية الأولى؛ ما يشير إلى استمرار هذا النهج وتكثيفه المحتمل. ويشير هذا التعيين، بجانب ماركو روبيو ومايكل والتز – وهما عضوان في الكونجرس معروفان بمواقفهما المناهضة لإيران ودعمهما مزيداً من العقوبات ضدها – بجانب صقور أمريكيين آخرين من المرجح أن ينضموا إلى فريق السياسة الخارجية لترامب؛ إلى أن استراتيجية الإدارة القادمة تركز على إضعاف النظام بدلاً من الانخراط الدبلوماسي معه.4– تنفيذ تعهد "ترامب" بوقف الحرب الأوكرانية: تطرح أغلب تعليقات كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية دلالة مهمة تتمثل في أن هناك شكوكاً في استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا؛ حيث يشيرون إلى أن الإدارة الديمقراطية التي لم تأخذ المخاوف الأمنية الروسية في الاعتبار هي السبب الرئيسي للحرب الروسية–الأوكرانية. ومن المرجح أن تتأثر سياسة ترامب الخارجية فيما يتعلق بالصراع الروسي–الأوكراني بهدفه المعلن المتمثل في إنهاء الحرب؛ فخلال حملته الانتخابية، أكد ترامب رغبته في التوسط من أجل السلام بين موسكو وكييف؛ ما قد يشير إلى تحول من نهج إدارة بايدن المتمثل في تقديم مساعدات عسكرية واسعة النطاق لأوكرانيا.وتشير اختيارات ترامب لفريق السياسة الخارجية الذي يضم شخصيات مثل روبيو ووالتز وستيفانيك، إلى إعادة توجيه للاستراتيجية الأمريكية تجاه الصراع الروسي–الأوكراني؛ فمن المرجح أن يعطي نهج الإدارة الأولوية للتفاوض وحل النزاعات على الدعم العسكري المطول. ويمكن أن يكون لهذا التحول آثار كبيرة على الصراع المستمر والمشهد الجيوسياسي الأوسع في أوروبا الشرقية.5– ممارسة المزيد من الضغوط على حلفاء واشنطن: ظلت علاقة "ترامب" مع حلف الناتو والحلفاء التقليديين معقدة ومثيرة للجدل خلال إدارته الأولى. ويكشف نهج تعيينات "ترامب" عن استمرار هذا الاتجاه؛ لذلك قد يواجه الحلفاء ضغوطاً متزايدة للمساهمة بشكل أكبر في أعباء الدفاع المشتركة والتوافق بشكل أوثق مع مصالح الولايات المتحدة؛ فرغم أن "روبيو" لعب دوراً رئيسياً في ضمان الدعم الأمريكي لحلف شمال الأطلسي، فإنه "ووالز" قد عدَّلا مؤخراً مواقفهما لتتماشى بشكل أوثق مع شكوك ترامب تجاه المساعدات العسكرية الأمريكية المستمرة لأوكرانيا. ويشير هذا التحول إلى أن الدعم الأمريكي للحلفاء الأوروبيين، لا سيما في سياق الصراع الروسي–الأوكراني، قد يتضاءل. وهناك مخاوف بين المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين في أوروبا وآسيا بشأن انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من الالتزامات الدولية؛ ما قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار الإقليمي.وقد انتقد "هيجسيث" حلفاء الولايات المتحدة في حلف الناتو، وأعرب عن إحباطه من أن الولايات المتحدة هي من تتحمل عبء دفاع الحلف، وهو ما قد يزيد من التوترات داخل التحالف، ويفضي إلى تآكل الثقة والتعاون بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين. وتتوافق آراء "هيجسيث" مع مطالب ترامب لأعضاء الناتو بزيادة إنفاقهم الدفاعي. وقد يؤدي ذلك إلى ضغوط مكثفة على الحلفاء الأوروبيين لتحقيق أو تجاوز هدف النفقات العسكرية بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.إحياء الشعارختاماً، تكشف تعيينات "ترامب" للمناصب الرئيسية للسياسة الخارجية والأمن القومي خلال السنوات الأربع القادمة عن إعادة إحياء شعار "أمريكا أولاً" الذي يعطي الأولوية للمصالح الأمريكية المتصورة على التعاون الدولي، وتؤكد أن الإدارة الثانية للرئيس دونالد ترامب تستعد لتبني سياسة خارجية أكثر عدوانيةً، وأحادية الجانب، وربما تعمل على إعادة تعريف دور الولايات المتحدة في الشؤون العالمية. وفي حين أن هذا النهج قد يروق لقاعدة ترامب، فإنه يخاطر أيضاً بمزيد من توتر العلاقات مع الحلفاء، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار العالمي.

كيف تكشف تعيينات "ترامب" عن توجهات السياسة الخارجية الأمريكية؟