كرم سعيد

بإعلانه فوزه بالانتخابات الرئاسية، وكتب على منصة إكس: "أهنئ صديقي دونالد ترامب الذي فاز بالانتخابات الرئاسية وانتخب مرة أخرى رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية". وعلى الرغم من أن رئاسة ترامب السابقة ارتبطت ببعض القضايا الخلافية مع أنقرة، إلا أن السمة الرئيسية للعلاقات ظلت تحافظ على سياسة الحوار، بالإضافة إلى متانة العلاقة الشخصية بين ترامب وأردوغان. وفي الرؤية التركية، فإن نجاح ترامب قد يسفر عن اتخاذ سلسلة من الإجراءات بشأن حل الأزمة الأوكرانية، ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر وإيجابي على الاقتصاد التركي، ودعم المصالح التركية في الإقليم.دعم لافتحرصت تركيا طوال المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية على إظهار الدعم الضمني لفوز ترامب، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي:1- المسارعة بتهنئة ترامب لفوزه في الانتخابات: كانت تركيا من أوائل الدول التي سارعت بتهنئة ترامب بعد فوزه بالاقتراع الرئاسي، وقال أردوغان في تغريدة له: "نأمل في أن تتعزز العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وأن تنتهي الأزمات والحروب الإقليمية والعالمية، خصوصاً القضية الفلسطينية والحرب بين روسيا وأوكرانيا". وفي قناعة تركيا، فإن ترامب كان أكثر تقديراً للشراكة مع أنقرة. وخلافاً لبايدن، التقى ترامب خلال رئاسته الأولى نظيره التركي تسع مرات.2- الترحيب بفوز الجمهوريين بالأغلبية التشريعية: أبدت تركيا ترحيباً بفوز الحزب الجمهوري في انتخابات مجلس الشيوخ والسيطرة على المجلس لأول مرة منذ أربعة أعوام. ويمنح ذلك الفوز الجمهوريين مركز قوة واسعاً في واشنطن، وسلطة مهمة في إدارة ملفات السياسة الخارجية بعيداً عن تأثير الديمقراطيين في الهيئات التشريعية. وتجدر الإشارة إلى أن أردوغان كان قد كشف في يوليو 2024 عن أن التغيير في الإدارة الأمريكية بعد انتخابات نوفمبر 2024، في إشارة إلى فوز ترامب، ربما يكون له مردود إيجابي على قطاع الدفاع المتنامي في تركيا، وأضاف: "أعتقد أن المؤشر يتحول لصالح تركيا".3- إدانة محاولة اغتيال ترامب: أظهرت تركيا استياء تجاه محاولة الاغتيال التي تعرض لها المرشح الجمهوري دونالد ترامب في يوليو 2024، وظهر ذلك في إدانة أردوغان في 18 يوليو 2024 خلال اتصال هاتفي مع ترامب، الهجوم المسلح الذي استهدف الأخير، خلال تجمع انتخابي، وتمنى له السلامة. كما وصف أردوغان محاولة اغتيال ترامب بأنها اعتداء على الديمقراطية، مبيناً أن "موقف ترامب الشجاع بعد الهجوم الشنيع كان مثيراً للإعجاب".4- محورية البعد الشخصي في العلاقات بين ترامب وأردوغان: على الرغم من أن خطوات ترامب لا يمكن التنبؤ بها، فإن البعد الشخصي بين ترامب وأردوغان خدم تركيا في كثير من الملفات، لا سيما وأن ترامب معجب بشخصية أردوغان، وكان يصفه بالزعيم القوي. وفي ضوء ذلك، من المرجح أن تمر العلاقات مع تركيا خلال المرحلة المقبلة وفقاً لما يراه ترامب مناسباً، وليس من خلال المؤسسات الأمريكية التي أبدت في عهد بايدن تشدداً لافتاً تجاه المطالب والمصالح التركية.وتجدر الإشارة إلى أن المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي جون بولتون كشف في كتابه "الغرفة التي شهدت الأحداث" الصادر في العام 2020 عن أن ترامب مغرم بالزعماء السلطويين الأجانب، ومنهم أردوغان. وأضاف بولتون في كتابه إن ترامب قال لأردوغان "إنه صديقه الحميم"، كما عبر ترامب عن عدم ارتياحه لفرض عقوبات على تركيا في العام 2018 على خلفية أزمة القس برونسون الذي كان محتجزاً لدى أنقرة، واعتبر ترامب أن هذه العقوبات فيها إهانة لتركيا. ووفقاً لــ"بولتون"، تعود علاقة أسرة ترامب التجارية مع تركيا إلى عام 2012 مع تدشين "برج ترامب" في إسطنبول.تطورات محتملةقد تشهد العلاقات التركية-الأمريكية خلال المرحلة المقبلة تطورات مغايرة، خاصة بعد حسم ترامب للاقتراع الرئاسي، ويتمثل أبرزها على النحو التالي:1- احتمالية توسيع الدور الإقليمي التركي: من المرجح أن تؤدي رئاسة ترامب الجديدة إلى إعطاء الدور التركي المزيد من الزخم الإقليمي، خصوصاً أن ترامب ينظر إلى تركيا باعتبارها حليفاً استراتيجياً وليست تهديداً للنفوذ الأمريكي، كما أن تصريحاته بشأن الرغبة في وقف الحرب الأوكرانية، وتحييد النفوذ الإيراني، يمثل رسائل إيجابية لتركيا، باعتبار أنها تمثل ورقة رابحة في تسكين أوجاع هذه الأزمات، خصوصاً أن رؤية ترامب تتماهى في جانب واسع منها مع رغبة تركيا في لجم الطموحات الإيرانية في المنطقة، ووقف الحرب الأوكرانية، وهو ما ظهر في جهود الوساطة التي قادتها أنقرة بين طرفي الأزمة. وفي ضوء ذلك، يرجح أن تستعيد أنقرة تمدد نفوذها في أقاليم مختلفة سواء في الشرق الأوسط أو وسط آسيا والبلقان.2- إمكانية استفادة تركيا من سياسات ترامب المحتملة في سوريا: بالرغم من حالة الصدام المتوقعة بشأن عدد من الملفات بين أنقرة وترامب، فإن وصول الأخير للبيت الأبيض قد يمثل فرصة جيدة بالنسبة إلى تركيا لمحاصرة الإدارة الذاتية الكردية، ونسف المشروع الكردي شمال شرق سوريا، وكذلك تأني تركيا سواء في التطبيع مع دمشق أو تقديم تنازلات لأكراد الداخل لتسوية الأزمة الكردية، وخاصةً مع النهج السلبي الذي قد يتبنَّاه ترامب تجاه أكراد سوريا.وفي هذا الصدد، تشير بعض التقديرات إلى أن أنقرة قد تستفيد من خطوات محتملة لترامب مثل خفض أو سحب الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، والحد من الدعم لوحدات حماية الشعب الكردية مقابل العمل على إقامة مناطق آمنة لتشجيع عودة اللاجئين السوريين، وهو ما سيشجع تركيا على العودة لعسكرة الأزمة ضد حزب العمال الكردستاني وروافده في سوريا والعراق، أو على الأقل التراجع عن تقديم تنازلات لمعالجة المسألة الكردية.3- تحييد الضغوط الأوروبية على أنقرة: ربما يؤدي وصول ترامب إلى البيت الأبيض إلى دفع الاتحاد الأوروبي لإعادة صياغة علاقاته مع تركيا من خلال تخفيف حدة الانتقادات سواء الموجهة لممارسات أردوغان الداخلية، أو تلك المتعلقة بمحاولة اصطفاف تركيا مع العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو بسبب حربها على أوكرانيا. وبالنظر إلى مخاوف أوروبا من المواقف السلبية التي يتبناها ترامب تجاه الناتو، والتكتلات الأمنية الغربية، فإن هذا قد يدفع أوروبا لتصحيح العلاقة مع تركيا.4- تحجيم جماعات الضغط المدعومة من الديمقراطيين: يرجح أن يساهم فوز ترامب في تعزيز نفوذ أردوغان في الداخل التركي، ولا سيما فيما يتعلق بتحييد ضغوط خصومه المحليين، ومواجهة عدد من جماعات الضغط التي حظيت بدعم إدارة بايدن، وخاصة المثليين. وفي الوقت الذي يصر أردوغان فيه على دحر "المثلية" وجماعات الضغط الداعمة لها، فإن وصول ترامب الرافض للمثلية إلى سدة السلطة يمثل خياراً استراتيجياً لتركيا لتوسيع مواجهتها ومكافحتها لتلك الأيديولوجيا.5- تجاهل انتقاد الملفات الحقوقية في الداخل التركي: يرجح أن تكون واشنطن أقل حدة بشأن إدانة الأوضاع الحقوقية في تركيا بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، وذلك خلافاً لإدارة بايدن التي وجهت انتقادات حادة لعدد من سلوكيات الداخل التركي، واتهام أردوغان بالسعي لتفصيل المشهد الداخلي على مقاس طموحاته السياسية، من خلال محاصرة نشاط خصومه المحليين، وهو ما يجعل المعارضة التركية أكثر قلقاً مع وصول ترامب للسلطة، والذي في مجمل سياسته لا يركز على المسائل التي تتعلق بالديمقراطية والحريات، ويركز على المصالح المشتركة.6- تعزيز العلاقات الأمنية الأمريكية التركية: لم تتمكن تركيا طوال فترة إدارة بايدن من تحقيق اختراق ملموس بشأن حل القضايا الأمنية العالقة، وفي الصدارة منها عودة تركيا إلى برامج إنتاج مقاتلات F35 أو إزالة كافة القيود المتعلقة بحصول تركيا على صفقة طائرات F16 المتقدمة، خاصة مع رفض التيار الديمقراطي في الكونجرس تعزيز مشاريع التعاون الدفاعي مع أنقرة. وانطلاقاً من هذه التطورات، ومع الأخذ في الحسبان الصداقة التي تجمع ترامب وأردوغان، وهيمنة الجمهوريين على مجلس الشيوخ في الاقتراع الأخير، يُرجَّح أن تكون واشنطن أكثر ليونة بشأن مشاريع التعاون الدفاعية مع تركيا.فرص وتحدياتختاماً، يمكن القول إن وصول ترامب للرئاسة قد يعزز من فرص التعاون التركي-الأمريكي خلال المرحلة المقبلة، بيد أن ثمة تحديات تظل قائمة، أهمها دعم ترامب المطلق لإسرائيل، بالإضافة إلى صعوبة حدوث تغيير جدي في مقاربة إدارة ترامب بشأن قضية منظومة إس-400 الروسية. كما يرجح أن يؤثر تعهد ترامب بزيادة التعريفة الجمركية لتصل إلى نحو 20% على حجم الواردات التركية للولايات المتحدة.

لماذا رحبت تركيا بفوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟