د. محمد عباس ناجي

تواصل الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات على إيران بالتوازي مع استمرار المفاوضات التي تجري بين الطرفين حول البرنامج النووي، والتي انقسمت إلى محور فني خاص بالتفاوض حول عمليات التخصيب وكمياته وأجهزة الطرد المركزي، وآخر سياسي حول التفاصيل العامة والبنود المقترحة للاتفاق المحتمل. وفي الواقع، فإن ذلك جاء على عكس توقعات عديدة أشارت إلى إمكانية أن تقوم واشنطن بوقف فرض عقوبات جديدة ضد طهران على الأقل خلال فترة المفاوضات، من أجل تهيئة المجال أمام الوصول إلى اتفاق معها، وتعزيز فرص تسوية الخلافات العالقة بين الطرفين، والتي لا تبدو هينة، في ظل تمسكهما ببعض الشروط والمطالب التي لا يمكن التراجع عنها بسهولة. إلا أن تعمد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبني السياسة نفسها خلال فترة المفاوضات يرتبط بالمقاربة التي تتبعها ليس فقط إزاء إيران، وإنما أيضاً تجاه إسرائيل والحلفاء، والداخل الأمريكي الذي ما زال منقسماً حول مدى جدية استخدام الخيار الدبلوماسي في إدارة الخلافات مع إيران. عقوبات جديدةكان لافتاً أن وزارة الخزانة الأمريكية تعمدت فرض عقوبات جديدة على إيران بالتوازي مع انعقاد كل جولة من جولات التفاوض. ففي 10 أبريل 2025، وقبيل انعقاد الجولة الأولى في مسقط بيومين، أعلنت الوزارة عن فرض عقوبات جديدة على ما يسمى "أسطول الظل" الإيراني، والذي يتمثل في الشركات التي تمتلك سفناً تتهمها الوزارة بالمساهمة في نقل وتهريب النفط الإيراني، حيث استهدفت فرداً واحداً هو الهندي جوجويندر سينغ برار، الذي قالت الوزارة إنه مقيم في الإمارات، ويمتلك شركات شحن بأسطول يضم حوالي 30 سفينة، فضلاً عن كيانين في الإمارات والهند. وفي 22 أبريل 2025، وقبيل انعقاد مفاوضات الخبراء الفنيين في مسقط، في اليوم التالي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على ما يسمى "قطب النفط المسال" الإيراني، في إشارة إلى أسد الله إمام جمعة وشبكته التجارية المسؤولة -بحسب الوزارة- عن تهريب النفط المسال إلى الخارج. ورغم أن إيران وجهت انتقادات قوية لهذه الإجراءات العقابية التي تواصل الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذها بالتوازي مع إجراء المفاوضات، إلا أنها حرصت في الوقت نفسه على تحييد تأثيرها على سير المفاوضات وما يمكن أن تؤول إليه في النهاية.أهداف عديدةوفي كل الأحوال، يمكن تفسير تعمد الإدارة الأمريكية تبني هذه السياسة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:1- ممارسة ضغوط أكبر على إيران: تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تلك العقوبات إلى ممارسة ضغوط أكبر على إيران، لدفعها إلى تقديم تنازلات نوعية في بعض الملفات الخلافية، على غرار نقل كميات اليورانيوم المخصب إلى الخارج، أو عدم إجراء عمليات تخصيب جديدة. وقد ظهر هذا المطلب الأمريكي مؤخراً، وكشف عنه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في 23 أبريل 2025، عندما قال إن على إيران أن تتخلى عن كل عمليات تخصيب اليورانيوم إذا كانت ترغب في الوصول إلى اتفاق جديد، مضيفاً: "إذا كانت إيران تريد امتلاك برنامج نووي مدني، على غرار دول أخرى، فيمكنها أن تفعل ذلك من خلال استيراد المواد النووية المخصبة". ومن دون شك، قد يواجه هذا الطلب الأمريكي "المُفاجِئ" برفض إيران التي ما زالت تصر على مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم، حتى لو بنسبة ضعيفة (3.67%)، في حالة الوصول إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا، يبرز تأثير الإجراءات العقابية الأمريكية التي تسعى إلى دفع إيران للتماهي بإيجابية مع مثل هذه المطالب.2- تأكيد الاختلاف عن سياسة بايدن: وهو هدف يرتبط بحسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصياً. إذ إنه دائماً ما يؤكد أن السياسة التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن أنتجت عواقب سلبية فادحة على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بينها السياسة التي اتبعها في إدارة الخلافات مع إيران. ففي رؤية ترامب، فإن إدارة بايدن تغاضت عن إصرار إيران على تهريب النفط إلى الخارج، إلى درجة أدت إلى وصول صادرات النفط الإيرانية، في بعض الفترات، إلى نحو 1.5 مليون برميل نفط يومياً، بما يمثل 60% من جملة ما كانت تصدره إيران قبل العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى وتحديداً في 6 أغسطس 2018 بعد انسحابه من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه. ومن هنا، وعبر هذه العقوبات الجديدة، يسعى الرئيس ترامب إلى توجيه رسالة حازمة لإيران مفادها أن إدارته لن تتغاضى عن تهريب النفط الإيراني مجدداً، وأن على إيران أن تتوقع إجراءات صارمة في هذا الصدد، على غرار احتجاز السفن والشاحنات التي تحمل النفط الإيراني في المياه الإقليمية والدولية ومصادرتها، خاصة في حالة فشل المفاوضات التي تجري حالياً من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد.3- توجيه رسائل طمأنة إلى إسرائيل: تبدي إسرائيل قلقاً واضحاً إزاء السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس ترامب تجاه إيران. إذ يبدو أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لم تتوقع هذا التحول المُفاجِئ في الموقف الأمريكي باتجاه الانخراط في مفاوضات مع إيران حول البرنامج النووي، على نحو بدا جلياً في اللقاء الذي عقد بين الأخير والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن، في 6 أبريل 2025، والذي أعلن فيه ترامب عن إجراء مفاوضات مع إيران في مسقط.هنا، كان لافتاً أن إسرائيل بدأت في توجيه رسائل تعبر فيها عن هذا القلق المتنامي إزاء التداعيات التي يمكن أن يفرضها الاتفاق المحتمل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية على مصالحها، على غرار تأكيد نتنياهو الإصرار على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع إيران من الوصول إلى مرحلة امتلاك القنبلة النووية، وهو ما دفع إيران إلى تكثيف الإجراءات الأمنية وتأكيد أن الأجهزة الأمنية في كامل استعدادها لأي عمل "تخريبي" قد تتعرض له المنشآت النووية الإيرانية، حسب تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي في 23 أبريل 2025.وصول التوتر بين إيران وإسرائيل إلى هذا المستوى دفع إدارة ترامب بدورها إلى توجيه رسائل طمأنة إلى الأخيرة، عبر تأكيد عدم تغير سياستها إزاء إيران، حتى مع إجراء مفاوضات جديدة معها حول برنامجها النووي. وقد بدا ذلك واضحاً في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 22 أبريل 2025، والتي توازت مع الإعلان عن العقوبات الأخيرة. إذ قال الرئيس ترامب إنه أجرى محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأنه يقف إلى جانبه على جميع الصعد، وأضاف: "المكالمة على ما يرام، فنحن متفقون بشأن جميع القضايا".4- احتواء الانقسامات الداخلية المستمرة: يبدو أن السياسة التي تتبعها إدارة ترامب حالياً تجاه إيران أثارت انقسامات داخلية أمريكية شديدة، حيث بدا واضحاً أن هناك اتجاهين، كل اتجاه يرى ضرورة اتباع نهج مختلف في إدارة الخلافات مع إيران. ففي مقابل نهج التفاوض الذي يتبعه الرئيس ترامب، فإن هناك اتجاهاً آخر يرفض ذلك، ويرى أن هناك فرصة سانحة لتسوية الخلافات مع إيران عبر الخيار العسكري، على نحو لن ينحصر في البرنامج النووي وإنما يمتد إلى البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي. وربما يفسر ذلك، إلى حد ما، أسباب الارتباك أو التضارب الملحوظ في التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأمريكيون حول الملفات العالقة مع إيران، والتي بدت جلية في التشدد الذي بدت عليه تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو بشأن ضرورة توقف إيران عن تخصيب اليورانيوم، والتي تتناقض مع تقارير تشير إلى إمكانية قبول واشنطن بقيام طهران بالتخصيب بمستوى متدنٍ.لذا، فإن إصرار إدارة ترامب على فرض عقوبات جديدة على قطاع النفط الإيراني، والشركات والأفراد، التي تتهمهم بالمساهمة في تهريبه، يعني أنها تحاول أيضاً احتواء هذه الانقسامات، وتحييد تأثيراتها على السياسة التي تتبعها بالفعل تجاه إيران، عبر توجيه رسائل إلى الداخل، مفادها أنها لن تتوقف عن مساعيها لإنهاء "مصادر التهديد" التي يمثلها برنامجا إيران النووي والصاروخي، فضلاً عن نفوذها الإقليمي.عقبات عديدةفي ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن الإدارة الأمريكية تسعى في الوقت الحالي إلى الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران. لكن ذلك لا ينفي أنه حتى في هذه الحالة، فإن خلافاتها مع إيران لن تنتهي أو تتراجع، خاصة أن هناك اتجاهاً في إيران يتماهى بدوره مع الاتجاه المتشدد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يرفض فكرة التفاوض، وربما يسعى، في حالة إبرام اتفاق، إلى وضع عقبات عديدة تحول دون تنفيذه.&nbsp;

لماذا تواصل واشنطن فرض عقوبات على طهران خلال المفاوضات؟