عمرو عبدالعاطي


        
<p>نشر البيت الأبيض، في 23 فبراير 2023، مذكرة بشأن السياسة الجديدة التي ستتبناها إدارة الرئيس جو بايدن لتصدير الأسلحة التقليدية الأمريكية، والتي تضع ضوابط متعددة لنقل الأسلحة؛ بحيث تكون أكثر صرامةً تجاه انتهاكات الدول المتلقية لحقوق الإنسان، ولا سيما مع الانتقادات الكثيرة التي توجهها المنظمات الحقوقية الأمريكية والعالمية إلى أن أسلحة الولايات المتحدة تغذي الحروب الأهلية وحالات عدم الاستقرار الإقليمي؛ حيث تتصاعد المخاوف من استخدام الدول أسلحة أمريكية لانتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وزيادة خطر إلحاق الضرر بالمدنيين، والإضرار بمصالح الأمريكية في الخارج.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وكثيراً ما أثار المشرعون الأمريكيون المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان عند معارضتهم مبيعات الأسلحة الأمريكية لأحد حلفاء الولايات المتحدة؛ فعلى سبيل المثال، يُعارض رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، موافقة واشنطن على بيع طائرات من طراز إف–16التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن لتركيا؛ لأسباب منها انتهاكات الرئيس رجب طيب أردوغان لحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية وحرية التعبير.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد كان من المتوقع إعلان الضوابط الأمريكية الجديد لتصدير الأسلحة التقليدية مع بداية إدارة الرئيس "بايدن"، في عام 2021، ولكن تأخر الكشف الرسمي عنها كان بسبب انشغال واشنطن بعملية الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، في 31 أغسطس 2021، قبل حلول الذكري العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم الحرب الروسية–الأوكرانية، التي أدت إلى تأخر إصدار العديد من الوثائق والاستراتيجيات الأمريكية، وفي مقدمتها استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي أصدرتها الإدارة الأمريكية في 12 أكتوبر 2022.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف عديدة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>أشارت المذكرة التي تتضمن السياسة الجديدة لإدارة "بايدن" لتصدير الأسلحة التقليدية إلى أنها تدعم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة والأمن القومي الأمريكي؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تعزيز الشراكات الأمريكية في الخارج: </strong>تنطلق المذكرة من أن نقل الأسلحة الأمريكية إلى دول أخرى يعد جزءاً من هدف أوسع للولايات المتحدة لتعزيز الأمن العالمي؛ من خلال مساعدة الحلفاء والشركاء على زيادة مساهماتهم فيه، وتعزيز المصالح المشتركة معهم؛ لكون استحواذهم على المواد والخدمات الدفاعية الأمريكية يُعزز العلاقات الدبلوماسية، ويعمق قابلية التشغيل البيني العسكري، وهو ما يُشكل بدوره البيئة الأمنية الدولية بطريقة تُعزز السياسة الخارجية للولايات المتحدة ومصالح الأمن القومي الأمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– خدمة المصالح والأمن القومي الأمريكي: </strong>يُعد نقل الأسلحة والخدمات الدفاعية أداة مهمة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة؛ لذلك أشارت المذكرة إلى قيام وزير الخارجية بتنسيق القرارات المتعلقة بتصدير الأسلحة مع الوزارات والوكالات التنفيذية الأخرى، بجانب تشاور السلطة التنفيذية مع الكونجرس لضمان أن عمليات نقل الأسلحة التقليدية تتوافق مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأهداف الأمن القومي. وستُدمَج سياسة نقل الأسلحة في استراتيجيات دبلوماسية أوسع تعزز السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأهداف الأمن القومي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– ردع المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة: </strong>أشارت المذكرة إلى أن السياسة الجديدة لنقل الأسلحة التقليدية ستعمل على تعزيز القاعدة الصناعية والدفاعية للولايات المتحدة، وضمان المرونة في سلاسل التوريد العالمية، وضمان حفظ القوات المسلحة الأمريكية للمزايا التكنولوجية على الخصوم الحاليين والمحتملين، وتعزيز الميزة النسبية لواشنطن ضد منافسيها الاستراتيجيين، ولا سيما روسيا والصين، وخاصةً مع تصدر سياسات منافسة القوى العظمى تحركات الإدارة الأمريكية عالمياً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– وضع قيود للانتهاكات الحقوقية: </strong>تنص السياسة الجديدة على عدم نقل الأسلحة أو بيعها والحصول على موافقة الحكومة الأمريكية إذا وجدت أن المتلقين من المرجح أن يستخدموا الأسلحة لارتكاب أو تسهيل الأعمال، بما في ذلك الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو انتهاكات اتفاقيات جنيف، أو غيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– تدقيق مراجعات تصدير الأسلحة: </strong>تتطلب المذكرة التأكد من أن عمليات تصدير الأسلحة لا تُغذي الفساد أو تُقوض الحكم الرشيد، مع تحفيز حوكمة قطاع الأمن الفعالة والشفافة والخاضعة للمساءلة، وكذلك منع انتشار المعدات والتكنولوجيا التي تزعزع الاستقرار الداخلي أو الإقليمي، وتلك التي من شأنها أن تعزز القدرة على تطوير أو تسليم أسلحة الدمار الشامل، أو توفر قدرات لا تتفق مع الاتفاقات والترتيبات والمعايير الدولية لعدم الانتشار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6</strong><strong>– التزام صادرات الأسلحة بالقوانين الأمريكية: </strong>أكدت المذكرة أن قرارات تصدير الأسلحة الأمريكية ستكون متسقة مع متطلبات جميع لوائح مراقبة الصادرات المعمول، بها والالتزامات الدولية للولايات المتحدة، ومن أبرزها قانون مراقبة تصدير الأسلحة لعام 1976 بصيغته المعدلة، وقانون إصلاح رقابة الصادرات لعام 2018، وقانون المساعدة الخارجية، وقانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية، وقانون تفويض الدفاع الوطني السنوي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7– مراعاة اعتبارات الأمن والسلامة والشفافية:</strong> أشارت المذكرة إلى أن جميع القرارات المتعلقة بعمليات تصدير الأسلحة المحتملة ستراعي جملة من الاعتبارات؛ من أبرزها استقرار النظام السياسي للدولة المتلقية للأسلحة، وامتلاكها مؤسسات أمنية تخضع لسيادة القانون، مع آليات مساءلة فعالة لقطاع الأمن لديها، والسيطرة المدنية الفعالة على قوات الأمن، والالتزام الواضح بتحسين الشفافية ومكافحة الفساد، وألا يكون للتصدير آثار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ضارة داخل الدولة، أو المساهمة في إفلات قوات الأمن من العقاب، أو تقويض الحكم الديمقراطي أو سيادة القانون.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>بجانب مدى تقليل عملية نقل الأسلحة من اعتماد الحليف والشريك على منافسي الولايات المتحدة الاستراتيجيين، وكذلك مساهمتها في مكافحة الإرهاب، أو الاتجار بالمخدرات، أو الجريمة المنظمة عبر الوطنية، أو التهديدات المماثلة للأمن القومي الأمريكي، وتعزيزها مصالح الولايات المتحدة في الاستقرار الإقليمي. وأخيراً إذا ما كان نقل الأسلحة سيزيد التوترات الإقليمية، أو يساهم في سباق التسلح الإقليمي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دلالات مختلفة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>تحمل الضوابط الجديدة التي أعلنتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتصدير الأسلحة التقليدية الأمريكية جملة من الدلالات، يتمثل أبرزها فيما يلي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– التحول عن سياسة الإدارة السابقة: </strong>تمثل الضوابط الجديدة التي أعلنتها الإدارة الديمقراطية، والتي تتضمن إرشادات لوزارات الخارجية والدفاع (البنتاجون) والتجارة، باعتبارها الجهات الأمريكية الرئيسية التي تشرف على تصدير الأسلحة الأمريكية للخارج، تحولاً كبيراً عن سياسات الإدارة الجمهورية السابقة؛ إدارة دونالد ترامب، التي كانت أكثر تركيزاً على الفوائد الاقتصادية والتجارية لمبيعات الأسلحة الأمريكية مع تقليل الاهتمام بإساءة استخدامها، ومدى احترام الدول المتلقية لها حقوق الإنسان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– تسييس عمليات نقل الأسلحة للخارج: </strong>انتقد عديد من المشرعين الجمهوريين، وفي مقدمتهم العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جيم ريش، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب النائب الجمهوري مايكل ماكول، مذكرة الإدارة الأمريكية التي تتضمن سياسات جديدة بشأن تصدير الأسلحة التقليدية؛ لكونها – من وجهة نظرهما – تُسيس عمليات نقل الأسلحة الأمريكية وتعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر؛ حيث تحُد من قدرة الولايات المتحدة على دعم حلفائها وشركائها في مواجهة العدوان من روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– التوفيق بين حقوق الإنسان والمصلحة الأمريكية:</strong> كثيراً ما أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن خلال أوائل أيامها في البيت الأبيض عن وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية لعدد من حلفائها، ومراجعة صفقات الأسلحة الأمريكية التي وقعتها الإدارة السابقة خلال أيامها الأخيرة؛ لكون متلقيها ينتهكون حقوق الإنسان، ولكن التهديدات الإقليمية التي تهدد أمنهم، الذي يُعد صونُه أولوية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والأمن القومي الأمريكي، فرضت على الإدارة الديمقراطية التراجع عن تصريحاتها السابقة، والموافقة على مبيعات أسلحة لتلك الدول، فضلاً عن أن مقتضيات المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين ستفرض على واشنطن التخلي عن المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نهاية المطاف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– قيادة سياسات واشنطن مبيعات السلاح عالمياً: </strong>تُعد الولايات المتحدة أكبر مصدر للأسلحة في العالم؛ حيث تبيع ما يزيد قيمته عن 150 مليار دولار من الأسلحة والخدمات الدفاعية والتدريبات سنوياً بحسب تقرير لوكالة رويترز، وقد شكلت صادراتها نحو 39% من تجارة الأسلحة الدولية بين عامي 2017 و2021، وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام؛ ولذلك ستعطي هيمنتها على سوق السلاح العالمية زخماً للسياسات الجديدة التي أقرها البيت الأبيض، وقد تقود مختلف مبيعات الأسلحة العالمية، ولا سيما مع تزايد الطلب الدولي على الأسلحة في أعقاب الحرب الروسية–الأوكرانية؛ بحيث ستكون السياسات الأمريكية الجديدة المعيار للدول المصدرة للأسلحة، وأيضاً المستوردة، حتى تستمر الأخيرة في تلقي الأسلحة الأمريكية الأكثر تطوراً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولذلك أشارت المذكرة إلى أن الولايات المتحدة تهدف من سياساتها الجديدة لتصدير الأسلحة تعزيز معاييرها وضوابطها، وضبط عمليات نقل الأسلحة التي قد تكون مزعزعة للاستقرار، أو تمثل خطورة على السلام والأمن الدوليين؛ لذلك فإنه في الحالات التي ترفض فيها واشنطن تصدير الأسلحة لأي من الأسباب المذكورة بالمذكرة، فإنها ستشجع الدول الأخرى المصدرة للأسلحة على اتخاذ قرارات مماثلة. وتشير المذكرة إلى أن الولايات المتحدة ترغب في أن تكون بمنزلة نموذج للسياسات والممارسات الوطنية للدول الأخرى المتعلقة بالتصدير الدولي المسؤول للأسلحة التقليدية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، تفرض سياسة إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة لنقل الأسلحة التقليدية، قيوداً على مبيعات الأسلحة أمريكية؛ لتقليل خطر استخدامها في الخارج لانتهاكات لحقوق الإنسان، في تراجع عن سياسة الإدارة الجمهورية السابقة التي ركزت أكثر على الشؤون التجارية، لكن الممارسة العملية ستُظهر أن تلك السياسة الجديدة لن تختلف كثيراً عن أيٍّ من سابقاتها على مدى العقود العديدة الماضية</strong><strong>.</strong></p>

      

سياسة أمريكية جديدة لتصدير الأسلحة التقليدية للخارج