د. عمرو عبدالعاطي

مع بداية ولايته الثانية في البيت الأبيض، اتسمت سياسات الرئيس دونالد ترامب تجاه روسيا والحرب القائمة في أوكرانيا بتغيرات ملحوظة خلال الأشهر الستة الأولى؛ ففي البداية تبنَّى ترامب نهجاً تصالحياً تجاه موسكو؛ حيث عرض تقديم تنازلات كبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شملت الإقرار بسيطرة موسكو على مناطق في أوكرانيا، واستبعاد انضمام الأخيرة إلى حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو)، إضافةً إلى تخفيف العقوبات الأمريكية على موسكو، حتى إن تحليلات أشارت إلى محاولات ترامب بحث إمكانية الاعتراف الرسمي الأمريكي بضم شبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها في عام 2014؛ ما شكَّل تحولاً واضحاً عن الإدارة الديمقراطية السابقة التي كانت متشددة تجاه موسكو، لكن مع مرور الوقت وتزايُد انتقادات الحلفاء والدبلوماسيين الأوروبيين، بدأ دونالد ترامب يغير سياساته الخارجية تجاه روسيا تدريجياً.

ما دوافع تحوُّل سياسات ترامب من الانفتاح إلى التصعيد مع بوتين؟

ردع موسكو:

في خطوة غير مسبوقة، بدأت وزارة الخارجية الأمريكية، في الحادي عشر من يوليو الجاري، تنفيذ خطة لتسريح أكثر من 1,350 موظفاً من العاملين بالوزارة، بينهم 1,107 من موظفي الخدمة المدنية و246 من موظفي السلك الدبلوماسي. وقد شملت هذه الإجراءات دبلوماسيين وخبراء في السياسة الأمريكية تجاه الصين، وذلك بالتزامن مع أول زيارة رسمية لوزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إلى آسيا. كما طالت التسريحات أعضاء من المكتب المكلف بإعادة توطين الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة سابقاً، وهو ما أثار استياءً واسعاً في أوساط المهتمين بقضايا اللاجئين والحلفاء للولايات المتحدة. وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي للوظائف التي ستُلغى في إطار هذه العملية قد يبلغ نحو 3,000 وظيفة، بعد احتساب من قرروا المغادرة طواعية، من أصل 18,000 موظف.

تداعيات تخفيض وزارة الخارجية الأمريكية عدد موظفيها

تقليص الدور:

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، وتصاعد حدة التنافس الدولي في القارة الأفريقية، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة هيكلة وجودها العسكري في أفريقيا، بما يعكس تغيراً جوهرياً في أولويات سياستها الدفاعية. ولم تَعُد واشنطن تُركِّز في هذا السياق على مقاربات تقليدية تقوم على دعم الحكم الرشيد والتنمية، في ظل أولويات إدارة الرئيس "دونالد ترامب" التي تركز على حماية الداخل، وتقليص الانتشار العسكري على المستوى العالمي، بل تتجه نحو بناء شراكات أمنية قائمة على تقاسم الأعباء وتمكين الجيوش المحلية من الاعتماد على قدراتها الذاتية. وتأتي هذه الاستراتيجية الجديدة في وقتٍ تزداد فيه التهديدات الإرهابية، ويصعد فيه نفوذ الصين وروسيا في مساحات الفراغ التي تُخلِّفها واشنطن.

مساعي إدارة ترامب لإعادة هيكلة الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا

هشاشة أمنية:

في خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة جذرية لمجلس الأمن القومي الأمريكي (NSC)، أقدم الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو على تقليص عدد موظفيه بشكل كبير، وهو ما استهدف تقليص دور المجلس كمؤسسة لصنع السياسات الأمريكية الخارجية، وتحويله إلى هيئة صغيرة تُعنى بتنفيذ أجندة الرئيس بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والدفاع. وقد أُعيد العديد من الموظفين المعارين إلى وكالاتهم الأصلية، فيما تم الاستغناء عن بعض السياسيين المعينين في المجلس، في إطار ما اعتبرته الإدارة "إعادة ضبط لحجم" المجلس بما يتماشى مع رؤية ترامب لإعادة هيكلة الحكومة الأمريكية وتركيز السلطة السياسية في يده.

دوافع ترامب لإعادة هيكلة مجلس الأمن القومي

تركيز السلطة:

تُعقد قمة حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو) في 24 و25 يونيو المقبل بمدينة لاهاي في هولندا، وسط تحديات استراتيجية متصاعدة تواجه الحلف، وفي طليعتها التهديدات الروسية المستمرة، والنفوذ المتنامي للصين، والتغيرات في ميزان القوى العالمي. وتُعد هذه القمة محطة مفصلية في مسار الحلف؛ حيث تسعى الدول الأعضاء إلى إعادة تأكيد التزاماتها الدفاعية، وتوسيع قدراتها العسكرية، وتعزيز التنسيق السياسي والعسكري؛ لضمان حماية المصالح الجماعية لدول الحلف. وتأتي الولايات المتحدة إلى هذه القمة بأجندة طموحة، تهدف إلى إعادة تأكيد دورها القيادي في الحلف، وتوجيه مسار التحالف نحو مواجهة فعَّالة للتحديات الحالية والمستقبلية، ولا سيما في الوقت الذي تركز فيه الاستراتيجيات الأمريكية، السياسية والاقتصادية والعسكرية، على مواجهة النفوذ الصيني عالميّاً، ولا سيما في منطقة الإندو–باسيفيك.

أولويات واشنطن خلال قمة الناتو المقبلة في لاهاي

مشاركة الأعباء:

اندلعت جولة جديدة من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، حيث فرضت الإدارة الأمريكية تعريفات جمركية غير مسبوقة على معظم الواردات الصينية، بهدف تقليص العجز التجاري الأمريكي وتعزيز التصنيع المحلي. وقد جاءت هذه الإجراءات بعد اتهامات أمريكية للصين بممارسات تجارية غير عادلة وسرقة الملكية الفكرية. وفي المقابل، ردت بكين بفرض تعريفات انتقامية على السلع الأمريكية وتقييد تصدير المعادن النادرة الحيوية للصناعات التقنية. ولم تقتصر نتائج تلك الحرب على أقوى اقتصادين في العالم، ولكنها أدت إلى اضطرابات في الأسواق المالية العالمية، وارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، مع تزايد المخاوف من ركود اقتصادي عالمي. وتشكل تلك الحرب التجارية نقطة تحول رئيسية في العلاقات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم.

المكاسب الصينية من حرب التعريفات الجمركية الأمريكية

ارتدادات عكسية:

منذ بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب في يناير 2025، دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مرحلة جديدة تتسم بتصعيد حاد في المواجهة، وانعدام متزايد في القدرة على التنبؤ، ما يعيد إلى الأذهان أوجه الشبه القوية مع التنافس الذي ساد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق خلال الحرب الباردة، ولا سيما مع اتخاذ الرئيس الأمريكي جملة من السياسات والإجراءات التي يرى أنها ضرورية لحماية المصالح الأمريكية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، ولكنها أثارت في المقابل ردود فعل صينية سريعة وقوية.

فرص تحول الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى حرب باردة ثانية

تهديد متبادل:

أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الثالث من أبريل 2025، مدير وكالة الأمن القومي، وقائد القيادة السيبرانية الأمريكية، الجنرال تيموثي هاو، في خطوةٍ اعتُبرت جزءاً من تطهير أمني واسع النطاق؛ فبجانب هاو، أقيلت نائبته "وندي نوبل"، بالإضافة إلى عشرات الموظفين في مجلس الأمن القومي الأمريكي، منهم أربعة مديرين كبار.

ما تداعيات إقالة ترامب لمدير وكالة الأمن القومي؟

تسييس الأمن:

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه "لا يمزح" بشأن فكرة الترشح لفترة رئاسية ثالثة، رغم الحظر الدستوري الواضح الذي يمنع ذلك. فخلال مقابلة مع شبكة "إن بي سي"، في الثلاثين من مارس المنصرم، أكد ترامب أن هناك "طرقاً" يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف، لكنه امتنع عن تقديم تفاصيل محددة. ولكنه أشار إلى سيناريوهات محتملة، مثل ترشح نائب الرئيس، جي دي فانس، في الانتخابات الرئاسية لعام 2028 ثم تسليمه السلطة لاحقاً. وقد جاءت تصريحات ترامب في سياق حديثه عن رغبة العديد من مؤيديه في استمراره بالقيادة، ما أثار تساؤلات حول مدى جديته وإمكانية تجاوز القيود الدستورية المفروضة على ترشح الرئيس الأمريكي لفترة رئاسية ثالثة.

د. عمرو عبدالعاطي

د. عمرو عبدالعاطي

متجر MIR

الأكثر مشاهدة