أسماء الصفتي

أعلن الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" عن إقالة قائد الجيش الأوكراني "فاليري زالوجني" يوم 8 فبراير الجاري، في خطوة توقع الكثيرون أن تتخذ في وقت مبكر من هذا العام، بفعل تدهور العلاقة الثنائية فيما بين الرجلين. وقد أعلن الرئيس الأوكراني عن تعيين الجنرال "أولكسندر سيرسكي" على رأس الجيش، ليحل محل الجنرال المقال "زالوجني". وفي الإعلان ذاته، كشف الرئيس "زيلينسكي" عن اعتزامه الإقدام على ترقية خمسة جنرالات وعقيدين، لتمتد التغييرات إلى مستويات أخرى في الهيكل التنظيمي للجيش، دون الاكتفاء برأس القيادة.ملابسات القرارتأتي إقالة قائد الجيش الأوكراني "فاليري زالوجني" بعد أسابيع من التساؤل حول مستقبله؛ وذلك بفعل علاقته المتوترة مع الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" على مدار العام الماضي، بفعل خلافاتهما حول طرق زيادة أعداد الجيش، وتغيير الاستراتيجية الحربية الأوكرانية؛ هذا بالإضافة إلى فشل الهجوم المضاد الذي بدأته أوكرانيا ضد روسيا خلال ربيع 2023. وقد التقى الرئيس الأوكراني في السابع من فبراير رئيس الأركان، وصرح بأنه قد حان الوقت ليتولى شخص آخر مسؤولية قيادة الجيش. وبوجه عام يرتبط قرار إقالة زالوجني بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1- تحميل زالوجني مسؤولية فشل الهجوم المضاد: يعزو بعض المحللين التوترات بين الرجلين إلى اختلاف قراراتهما فيما يجب فعله في ساحة المعركة. وقد حمَّل "زيلينسكي" وإدارته الجنرال "زالوجني" مسؤولية فشل الهجوم المضاد العام الماضي، وتم الضغط عليه من أجل وضع خطط قتالية والاستعداد لشن المزيد من الهجمات ضد روسيا، ولكن الجنرال لم ينصع لهذه الضغوطات.2- تخوف زيلينسكي من تزايد شعبية قائد الجيش: يرى بعض المحللين أن قرار "زيلينسكي" إقالة قائد الجيش "فاليري زالوجني" من منصبه كان مدفوعاً بمحركات سياسية خالصة؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي تمتع "فاليري زالوجني" بشعبية واسعة في أوساط الرأي العام الأوكراني، وهي الشعبية التي تخطت في الآونة الأخيرة شعبية الرئيس "زيلينسكي" نفسه.3- رفض زالوجني القيام بأدوار سياسية داعمة للنظام: فقد رفض "فاليري زالوجني"، بحسب العديد من التقارير، القيام بعدد من الأدوار السياسية التي تخدم بصورة أو بأخرى نظام "زيلينسكي"؛ وذلك مثل قيادة الدعاية العامة التي تحث المواطنين على الانضمام إلى صفوف الجيش للمشاركة في عملية الحشد والتعبئة الجديدة؛ حيث اعتبر الجنرال هذا دوراً يجب أن يقوم به صانع القرار السياسي بصفة خالصة وحصرية دون تدخل من قيادات الجيش، الذين يتوقف عليهم القيام بالأدوار العسكرية والتكتيكية، كما رفض المشاركة في التخطيط لهجوم مضاد جديد، مع عدم اتضاح الرؤية حول حجم الموارد البشرية والمادية والعسكرية التي يمتلكها الجيش الأوكراني لبناء هذه الخطة.4- مساعي زيلينسكي لإعداد خطة هجوم جديدة: يرجح البعض الآخر أن يكون اندفاع "زيلينسكي" نحو تغيير القيادة العسكرية في البلاد، مرتبطاً برغبته في إعداد خطة هجوم شاملة سنوية جديدة، توضح أبرز وأهم الاستراتيجيات وسياسات القتال التي يعتزم الجيش الأوكراني تطبيقها، لمجابهة التقدم الذي تحرزه القوات العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، مع توضيح حجم العتاد العسكري والبشري الذي ستحتاج أوكرانيا إلى حشده خلال الفترة القادمة لممارسة عملياتها القتالية.ويدفع "زيلينسكي" نحو إعداد هذه الخطة الجديدة، في ظل مجابهة خطة الحشد الحالية التي يتم مناقشتها في البرلمان الأوكراني، قدر كبير من المعارضة والانتقاد في أوساط المشرعين، كما أنها لا تحظى بالدعم الشعبي الكافي. ويصف الرأي العام وعدد من القيادات السياسية والعسكرية الخطة المطروحة للنقاش أمام البرلمان، بأنها تفتقر إلى الموضوعية والوضوح، خاصة في ضوء سعيها إلى حشد عدد كبير من المقاتلين والعتاد العسكري، دون توضيح ماهية الحاجة لهذا العدد الضخم، أو مصادر تمويل وتوفير تلك المعدات العسكرية. وقد تضاعف الهجوم على هذه الخطة؛ لاعتمادها على آليات خطة الهجوم المضاد السابقة، التي لم ينجح الجيش وفقاً لها في تحقيق أي تقدم عسكري على الأرض خلال العام الماضي.5- محاولة كييف الحفاظ على دعم حلفائها الخارجيين: يسعى "زيلينسكي" إلى طرح خطة هجوم جديدة، يقوم على تنفيذها قيادات عسكرية جديدة، لإطلاع الحلفاء عليها، وإقناعهم بوجود رغبة حقيقية لتغيير كييف مسارها العسكري الحالي الذي يمكن وصفه بالفاشل، عبر اتخاذ عدد من الخطوات العملية على الأرض. وتأمل كييف من خلال هذه الخطوة دفع شركائها في واشنطن وبروكسل إلى تقديم التزامات صريحة وملموسة لحجم الدعم الذي ينوي هؤلاء الحلفاء تخصيصه لأوكرانيا خلال الفترة القادمة، والتخلص من حالة الغموض والضبابية المهيمنة على سياسات الدول الأوروبية والأمريكية تجاه هذا الملف.&nbsp;تبعات محتملة يتوقع أن يترتب على هذا القرار عدد من النتائج، يتمثل أبرزها في الآتي:&nbsp;1- ترويج "زيلينسكي" للقرار بوصفه تأكيداً لاستقلالية السلطة السياسية: في حديثه مع هيئة الإذاعة الإيطالية، علق الرئيس الأوكراني على خبر إقالة الجيش الأوكراني قائلاً: "عندما أتحدث عن التغيير، يدور في ذهني أمر جاد لا يتعلق بشخص واحد، بل يتعلق بإدارة البلاد، وأنها مسألة تتعلق بالأشخاص الذين سيقودون أوكرانيا". وتتماشى هذه التصريحات مع رؤية العديد من الخبراء، الذين يرون أن رحيل الجنرال هو الاختيار السياسي الصائب في ظل هذه الحرب؛ فقد تضررت سلطة الرئيس بسبب الإشاعات التي أظهرته أضعف من أن يتخلى عنه.2- احتمالية رفض الجيش التغييرات في هيكله القيادي: أحد المخاطر التي يواجهها "زيلينسكي" نتيجةً لهذا القرار، هو خسارته تأييد قطاعات عريضة داخل الجيش؛ حيث يتمتع "فاليري زالوجني" بشعبية واسعة داخل صفوف الجيش الأوكراني، ويثق الكثيرون بقدراته التخطيطية وقراراته الاستراتيجية. ويرى البعض أن عملية إعادة التنظيم ستتسبب في حدوث اضطراب مع انتقال الضباط إلى مناصب جديدة في هيكل القيادة، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى إضعاف القوة العسكرية الضاربة لأوكرانيا. يضاف إلى ذلك، حاجة أوكرانيا إلى إطلاق دعوة تعبئة جديدة، وهو الأمر الذي سيتطلب الكثير من الوقت، في ظل التغيرات الحالية في الهيكل القيادي للجيش.&nbsp;3- خسارة أوكرانيا الخبرات العسكرية لـ"زالوجني": يمتلك "زالوجني" خبرة واسعة بميدان المعركة، كما أنه أحد خريجي المدرسة العسكرية السوفييتية، التي تمتلك الخبرات اللازمة للتعاطي مع أي تحدٍّ عسكري روسي، إذا ما أتيحت لها الأدوات العسكرية الكافية. وقد أدلى الجنرال بتصريحات بعد إقالته لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، أكد فيها أن حلفاء أوكرانيا الرئيسيين على خلاف كبير بشأن الدعم المستقبلي لكييف، وأضاف أنه على أوكرانيا التعامل مع انخفاض الدعم العسكري المتوقع من الحلفاء، الذين يخوضون نزاعاتهم السياسية الخاصة بهم.4- إمكانية استمرار رفض الرأي العام لإطلاق دعوة عامة جديدة للتعبئة: أشار "زالوجني" في التصريحات التي ألقى بها أيضاً لشبكة "سي إن إن" إلى أن أوكرانيا لن تكون قادرة على تعزيز القدرات البشرية لجيشها ما لم يتخذ المشرعون إجراءات تحظى بأغلبية شعبية لتعبئة المزيد من الرجال، وهي أكثر قضية مثيرة للجدل في الداخل الأوكراني حالياً.وقد رفض البرلمان الأوكراني في يناير 2024، مناقشة مشروع قانون يهدف إلى تعبئة مزيد من القوات لاستبدال الجنود الذين أنهكتهم الحرب على الجبهة بعد سنتين من الخدمة ضد الجيش الروسي المكون من 600 ألف جندي. ويتوقع أن يساهم القرار الأخير في تعزيز حالة الرفض الشعبي لقرار التعبئة، خاصة مع تداول روايات تفيد بأن التغيرات التي كشف عنها الرئيس الأوكراني مؤخراً، قد تكون مدفوعة بمصالح "زيلينسكي" الخاصة، دون النظر إلى اعتبارات المصلحة العامة.&nbsp;5- هيمنة حالة من الضبابية على رؤية زيلينسكي لكيفية تنظيم الجيش: سيكون لإقالة الجنرال "زالوجني"&nbsp;تداعيات سياسية آخري، قد تؤدي إلى تغيرات غير متوقعة. ويعود ذلك بصورة أساسية إلى الغموض الذي أحاط خطاب "زيلينسكي" حول ما سيفعل بعد رحيل "زالوجني"، فلم يكن واضحاً كيف سيستعيد الرئيس رؤيته للحرب، وكيف ستتمكن أوكرانيا من مواجهة الهجمات الروسية.&nbsp;6- محدودية تأثير التغيرات على موقف الحلفاء من الدعم: وعلى جانب آخر، يقلل الخبراء من تأثير هذه التغيرات على موقف الحلفاء من دعم أوكرانيا. ويبرر الخبراء هذا الأمر بالقول إن تراجع الدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، تحركه دوافع داخلية، مرتبطة بالتوازنات السياسية والمتطلبات الداخلية للطرفين. وعلى الرغم من تجاوز الاتحاد الأوروبي معارضة المجر لاستمرار الدعم الأوروبي الواسع لأوكرانيا عسكرياً، والاتفاق على تقديم حزمة من المساعدات الأخرى لأوكرانيا، فإن موقف واشنطن من دعم أوكرانيا هو في موضع شك، بفعل الخلافات الداخلية فيما بين أعضاء الكونجرس الأمريكي وأعضاء الحزبين.7- ترجيح انخراط زالوجني في العمل السياسي: ربما يسعى قائد الجيش المعزول إلى الانخراط المكثف في العمل السياسي ومنافسة الرئيس الأوكراني في أي استحقاق انتخابي قادم، ويساعد على ذلك التأييد الكبير الذي يحظى به زالوجني؛ فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع أجراه "معهد كييف لعلم الاجتماع" أن 88% من الأوكرانيين يؤيدون الجنرال المعزول، بينما توقفت نسبة تأييد "زيلينسكي" عند 62%. ولطالما تكهن المحللون بأن يَظهر "زالوجني" منافساً سياسياً لـ"زيلينسكي" في الانتخابات المقبلة.في النهاية، يمكن النظر إلى قرار إقالة "زالوجني" باعتباره مقامرة سياسية غاية في الخطورة، قد تؤثر بصورة كبيرة على النظام الأوكراني في مجمله؛ فعلى الرغم من فشل الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا خلال ربيع وصيف عام 2023، فإن قائد الجيش السابق لا يزال يُنظر إليه باعتباره واحداً من أكثر القيادات العسكرية شعبيةً في البلاد. وتشير جميع هذه المعطيات إلى أن قرار تغيير القيادة العسكرية للجيش الأوكراني قد لا تنتهي تبعاته عند حدود التغييرات الهيكلية في هيكل القيادة العسكرية للجيش الأوكراني، بل يمكن أن تمتد تبعاتها لتشمل النظام السياسي في مجمله، والمسار المستقبلي للحرب الروسية الأوكرانية.

التداعيات المحتملة للإطاحة بقائد الجيش الأوكراني