د. ديانا جاليفا

قد تحمل وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي العديد من التداعيات على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى تأثيرها على الحليف الرئيسي: روسيا؛ حيث توجد تفاعلات إيجابية واضحة في التعاون الدفاعي والعسكري بين روسيا وإيران، خاصة منذ عام 2022، بالإضافة إلى زيادة التبادل الثقافي والتعليمي والعلاقات الاقتصادية، وذلك بسبب العقوبات العالمية غير المسبوقة التي يواجهها البلدان.&nbsp;لقد وصل حجم التبادل التجاري بين موسكو وطهران إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار، وفي العام الماضي وحده نما بنسبة 20%. تحتل روسيا المرتبة الأولى من حيث الاستثمار الأجنبي في إيران (في عام 2023). تشمل المشاريع المشتركة بين البلدين قطاع النفط والغاز، والطاقة، والخدمات اللوجستية. تقوم روسيا بتوريد الحبوب والبذور الزيتية، والخشب، والمواد الكيميائية غير العضوية، ومعدات بناء الآلات، والورق والكرتون، وأجهزة القياس إلى إيران. بينما تستورد إيران من روسيا الخضروات والفواكه، والمكسرات، ومنتجات الألبان، والبلاستيك، ومنتجات المعادن الحديدية، ومواد البناء والحجر، ومنتجات السباكة.&nbsp;وكان من المقرر توقيع اتفاقية عملة بين إيران وروسيا في الربع الأول من عام 2024 (ستُمكن الدولتين من التجارة بالروبل والريال). كما يجري تطوير أنظمة مالية واقتصادية بديلة بين الدولتين، فعلى سبيل المثال، اتفقت سبيربنك وبنك ملي إيران على فتح خطوط ائتمان بقيمة 6.5 مليارات روبل، وسيتم إطلاق مشروع تجريبي لقبول بطاقات نظام "مير" الروسي في إيران.&nbsp;ومع ذلك، قد تؤثر السيناريوهات المحتملة لتصعيد عسكري في المنطقة على التعاون في بناء أنظمة مدفوعات اقتصادية ومالية بديلة؛ حيث يشمل أحد المشاريع المركزية بين البلدين، بمشاركة الهند وأذربيجان، تنفيذ ممر النقل الدولي "الشمال-الجنوب". قد يؤثر عدم الاستقرار في إيران كذلك على التنفيذ الفعال للمشروع المذكور، مما قد ينعكس سلباً على الجهود المبذولة لإعادة تشكيل النظام العالمي، في ظل الجدال حول شكل النظام العالمي القادم، والذي يطلق البعض عليه داخل إيران "التغلب على المرض الغربي". ظهر هذا النقاش في الستينيات من خلال سرديات العالم الثالث في مرحلة ما بعد الاستعمار التي قدمها المفكرون الإيرانيون، مثل جلال آل أحمد، الذي اقترح مفهوم "غربزدگی" (Ghardzadegi) أو "التسمم بالغرب" على المناطق التي سيطرت عليها الإمبريالية.يمكن رؤية مفهوم "التسمم بالغرب" في تصريحات رئيسي، حيث دعا في يناير 2022، وفي ظل تصاعد أزمة أوكرانيا، في لقاء له مع بوتين في موسكو إلى تعزيز التعاون لمواجهة الضغوط الأمريكية، قائلاً: "مثلما واجهتم، وقفنا نحن أيضاً ضد العقوبات الأمريكية منذ 40 عاماً". وأكمل قائلاً: "الظروف الاستثنائية اليوم تتطلب تآزراً كبيراً بين بلدينا ضد الأحادية الأمريكية". خلال جولة رئيسي في 2023 إلى مجموعة من دول أمريكا اللاتينية (كوبا، ونيكاراجوا، وفنزويلا، التي تتشارك مع رئيسي مفهوم "الأعداء المشتركين") قال كل من إبراهيم رئيسي ورئيس كوبا "ميجيل دياز كانيل" إن دولهم "قد واجهت ببطولة، وبمقاومة عنيدة، العقوبات والضغوط والتهديدات والحصار والتجاهل من الإمبريالية الأمريكية وحلفائها".في السياق نفسه، أعربت كوريا الشمالية، في إطار تفاعلها مع حرب أوكرانيا منذ 2022، عن أن "سياسة الهيمنة الغربية" هي التي أعطت بوتين المبرر للدفاع عن روسيا بإرسال قوات إلى البلد المجاور لبلده. انضمت كوريا الشمالية أيضاً إلى روسيا وسوريا في الاعتراف باستقلال لوهانسك ودونيتسك، كما عبرت عن استعداداها لإرسال عمال بناء إلى تلك المناطق للمساعدة في جهود إعادة الإعمار. قامت روسيا والصين بمنع جهود الولايات المتحدة في مجلس الأمن لتعزيز العقوبات على كوريا الشمالية بسبب اختباراتها الصاروخية المكثفة. في سبتمبر 2023، وصل كيم يونج أون إلى روسيا للقاء بوتين، تلا ذلك زيارة نادرة لوزير الدفاع الروسي السابق "سيرجي شويجو" إلى كوريا الشمالية، بالإضافة إلى زيارة سيرجي لافروف لبحث تعزيز التعاون بينهما. هناك تشابهات أخرى مع الوضع الإيراني، حيث أدت العقوبات الثقيلة التي تقودها الولايات المتحدة إلى تقارب الدولتين كسوقين بديلين. ومن المفارقة أنّ العقوبات جعلت الدولتين شريكين أكثر جاذبية لبعضهما بعضاً، حيث يعترفان بتشاركهما في الاحتياجات.في حال تورط إيران مباشرة في حرب إقليمية جديدة في ضوء ارتدادات حرب غزة، سيتعين عليها إعادة توجيه مواردها الدفاعية والعسكرية من حلفائها. في نوفمبر 2023، صرح نائب وزير الدفاع الإيراني سيد مهدي فرحي لوكالة تسنيم بأنه تم الانتهاء من صفقة لشراء مروحيات هجومية من طراز Mi-28، ومقاتلات Su-35، وطائرات التدريب القتالية Yak-130 من روسيا. قبل ذلك، أكدت إيران طلبية لشراء مقاتلات Su-35 الروسية، بالإضافة إلى معدات عسكرية أخرى، بما في ذلك المروحيات والصواريخ. في مارس 2023، أعلنت البعثة الدائمة للبلاد لدى الأمم المتحدة عن إتمام صفقة شراء Su-35 من الاتحاد الروسي. وفي سبتمبر 2023، تسلمت القوات الجوية الإيرانية أول طائرة تدريب روسية من طراز Yak-130، كما أوضحت وكالة تسنيم. ومع ذلك، قد تواجه جميع هذه الصفقات في المجال العسكري تحديات، حيث ستحتاج إيران ببساطة لاستخدامها الخاص.علاوة على ذلك، قد تواجه المجالات الناشئة مثل التعاون في التعليم تحديات إضافية، حيث تتطلب استثمارات مالية. هناك أيضاً ديناميات مثيرة للاهتمام لنمو الروابط التعليمية منذ عام 2022. على سبيل المثال، في نوفمبر 2023، نوقش التعاون بين الدولتين في جلسة "التعاون العلمي والتقني بين روسيا وإيران"، حيث أعربت إيران عن استعدادها لإنشاء مجتمع علمي مشترك مع روسيا وتقديم منح دراسية للطلاب الروس. وقد يتم تعليق هذه الجهود في حالة التصعيد في الشرق الأوسط.ختاماً، قد يكون لحادث تحطم الطائرة الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني السابق تداعياته على الأمن الإقليمي، وأوسع من ذلك على العلاقات الثنائية مع حلفاء إيران الرئيسيين، وخاصة روسيا. وقد يكون له تأثيرات على جميع أوجه التعاون والجهود المشتركة بينهما الداعمة لما يعرف بالتخلص من "التسمم بالغرب"، والذي كان رئيسي أكبر الداعمين لها.

كيف تؤثر وفاة "رئيسي" على العلاقات بين روسيا وإيران؟