كرم سعيد

أحدثت التطورات في المشهد الأوكراني، على خلفية توجه إدارة ترامب نحو حسم الأزمة، وإجراء مفاوضات بين موسكو وكييف؛ تحولاً في المقاربة التركية تجاه الأزمة الأوكرانية؛ حيث أعلنت أنقرة في 6 مارس 2025 عن استعدادها لإرسال جنود ضمن قوة للسلام في أوكرانيا "إذا لزم الأمر"، وأكدت دعم جميع المبادرات البناءة الرامية إلى إرساء السلام في منطقة البحر الأسود، وإعادة بناء أوكرانيا. وازداد زخم الطرح التركي مع الإعلان عن مقترحات أوروبية بشأن بناء قوة حفظ سلام في أوكرانيا حال وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى إظهار أنقرة رغبتها في أن تكون جزءاً من تسوية الأزمة، خصوصاً مع تسارع وتيرة التفاهمات الروسية–الأمريكية حول إنهاء التدخل الروسي في أوكرانيا.أهداف منشودةتستهدف تركيا من وراء طرح إمكانية إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا، تحقيق جملة من الأهداف، تتمثل فيما يلي: 1– تعزيز دور أنقرة في جهود الوساطة لإنهاء الحرب: لا تنفصل رغبة تركيا في إرسال قوات إلى أوكرانيا عن رغبتها في أن تكون في صلب الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالحرب، وتعزيز دورها في جهود الوساطة؛ إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تطلعه إلى لعب دور رئيسي للتوسط بين طرفَي الأزمة الأوكرانية، مستنداً إلى دبلوماسية بلاده المتوازنة وعلاقاتها مع موسكو وكييف.ووفقاً للعديد من التقديرات، فإن ثمة قلقاً تركياً متزايداً إزاء احتمال استبعاد أنقرة من مساعي تسوية الحرب الأوكرانية، في ظل اللقاءات المباشرة بين المسؤولين الروس والأمريكيين بعد عودة ترامب إلى الرئاسة. ويُشار في هذا الصدد إلى أن تركيا استقبلت خلال الفترة الماضية مسؤولين كباراً، وتضمن ذلك زيارة الرئيس الأوكراني إلى تركيا في 17 فبراير 2025، ثم زيارة وزير الخارجية الروسي ولقاءه الرئيس التركي في 23 فبراير 2025 لبحث ترتيبات تسوية الحرب الأوكرانية.2– تفكيك الخلافات بين أنقرة والدول الأوروبية: ترتبط المقاربة التركية تجاه الأزمة الأوكرانية، في جانب منها، بالحرص على دعم العلاقات الأوروبية–التركية، وتفكيك القضايا الخلافية، وخاصةً المتعلقة بتعثر مفاوضات عضوية تركيا للحاق بالاتحاد الأوروبي؛ حيث تعتبر عملية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي "أولوية استراتيجية".وفي رؤية تركيا، فإن تعزيز الحضور في محادثات السلام بين موسكو وكييف، يمكن توظيفه للضغط على الاتحاد الأوروبي لدفعه نحو تقديم تنازلات، مثل تحرير التأشيرات، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي. وعلى ضوء ذلك، يمكن فهم إعلان تركيا عن إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا إذا لزم الأمر، وكذلك تأكيد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده تريد أن تكون جزءاً من أي هيكل أمني أوروبي جديد إذا تفكَّك حلف "الناتو".بالتوازي مع ذلك، فإن تركيا تعي أن الإعلان عن نشر قوات سلام في أوكرانيا يمثل رسالة إلى أوروبا، مفادها أن الجهد الأمني لتركيا حيال الحرب الأوكرانية لا يقتصر على ضمان أمن كييف فحسب، بل يشكل أيضاً رادعاً استراتيجياً للتهديدات التي تستهدف الأمن الأوروبي، وأن وجود قوات تركية لحفظ السلام سيرسل رسالة واضحة أن تركيا مستعدة للدفاع عن مصالح التكتل الأوروبي التي تعتبرها امتداداً لمصالحها الاستراتيجية.3– الرغبة في تعزيز العلاقات الأمريكية–التركية: أشاد أردوغان بالمبادرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب، مؤكداً أن تركيا تملك "دوراً فريداً" في تشكيل "معادلة جديدة للسلام"، بما يعزز الاستقرار الإقليمي، ويُعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة. وتعتبر أنقرة أن التلويح بورقة قوات حفظ السلام لتأمين حالة الاستقرار في أوكرانيا، يمكن أن يفتح آفاقاً أوسع لتطوير العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ويسمح في الوقت نفسه بتعزيز التفاهمات حيال تطورات المشهد السوري من خلال تحييد الضغوط الأمريكية على العمليات العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرق سوريا.4– إظهار تركيا كحليف موثوق به لدى أوكرانيا: يمثل الإعلان التركي عن إمكانية إرسال قوات سلام، رسالةَ دعم إلى أوكرانيا، خصوصاً في ظل مخاوف كييف من صفقة محتملة بين واشنطن وموسكو تنتهي بتكريس سيادة الثانية على الأراضي التي انتزعتها من أوكرانيا، كما تمثل هذه الخطوة من وجهة نظر تركيا أحد المداخل المهمة لتعميق النفوذ التركي في أوكرانيا، لا سيما أن الرئيس الأوكراني، كان قد اقترح في وقت سابق نشر "الناتو" جنوداً لتثبيت وقف إطلاق النار في أوكرانيا حال الوصول إلى اتفاق ينهي حالة الحرب. وبرغم أن تركيا قد لا تُقدِم على هذه الخطوة من دون ترتيبات مسبقة مع واشنطن وطرفي الحرب، فإن تسويق الفكرة إعلامياً يروج لصورة تركيا كحليف موثوق به لدى كييف.5– دعم حضور أنقرة في مشاريع إعادة إعمار أوكرانيا: تعي تركيا أن جانباً واسعاً من مشاريع إعادة إعمار أوكرانيا ستكون بتمويل أوروبي. ومن ثم فإن المقترح التركي بشأن قوات حفظ السلام، يمثل محاولة استباقية لتحفيز أوروبا على دعم حضور الشركات التركية في عملية إعادة إعمار أوكرانيا. وبالنسبة إلى أنقرة، فإن مشاركة الشركات التركية في برامج إعادة الإعمار بعد وقف الحرب تمثل أولوية استراتيجية؛ حيث نفذت الشركات التركية أكثر من 300 مشروع في أوكرانيا باستثمارات تجاوزت 10 مليارات دولار، منها 70 مشروعاً أُنجِزت منذ اندلاع الحرب؛ ما يعكس حرص تركيا على توسيع مساحات التعاون الاقتصادي مع أوكرانيا خلال المرحلة المقبلة.تبعات متباينةربما يسفر المقترح التركي بشأن إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا حال تنفيذه عن جملة من التداعيات المحتملة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:1– التسبب في توتير العلاقات الروسية–التركية: من المحتمل أن يؤدي هذا الطرح التركي إلى توتير العلاقات بين موسكو وأنقرة؛ حيث أعلنت الأولى عن رفضها مقترحات إرسال قوات أجنبية إلى أوكرانيا، باعتبار ذلك اختراقاً للنفوذ الروسي؛ حيث لا تزال روسيا ترى أوكرانيا جزءاً من مجال نفوذها الاستراتيجي، كما يُتوقع أن تنعكس المقاربة التركية تجاه دعم كييف على العلاقات التجارية بين موسكو وأنقرة، وهو ما قد يدفع روسيا إلى تقليص صادراتها من مصادر الطاقة والمنتجات الزراعية إلى تركيا.2– تطوير العلاقات الدفاعية بين تركيا والغرب: يُرجح أن تساهم مقاربة أنقرة في دفع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الأوروبية إلى رفع بعض العقوبات المفروضة على قطاع الصناعات الدفاعية التركية، وخاصةً عودة تركيا إلى برنامج إنتاج مقاتلات إف–35. وبينما تسعى إدارة ترامب إلى تقليص دور المهام العسكرية لـ"الناتو"، فإنها ربما تعول على أنقرة في مهام نوعية داخل أوكرانيا، كما أن الاتحاد الأوروبي بعد قرار قمته الاستثنائية في 7 مارس 2025 بالعمل على زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، قد يتجه إلى تعزيز التعاون العسكري مع تركيا خلال المرحلة المقبلة، لا سيما أن مقاربة أنقرة تتماهى بصورة كبيرة مع الرؤية الأوروبية.3– احتمال تعثر الوساطة التركية في الأزمة الأوكرانية: على الرغم من سعي أنقرة إلى لعب دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية، فإن طرح إرسال قوات عسكرية إلى كييف إذا لزم الأمر، ربما يدفع موسكو إلى تبني مواقف متشددة تجاه الوساطة التركية. وبرغم أن روسيا كانت أكثر انفتاحاً على الوساطة التركية – وهو ما تجلى في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الروسي إلى تركيا في فبراير 2025 – فإن المقترح التركي لإرسال قوات حفظ سلام، سيجعل قبول موسكو بأي وساطة تركية مشروطاً بمدى تماهي أنقرة مع المصالح الروسية، لا سيما فيما يتعلق بالاعتراف بسيطرة موسكو على بعض المناطق الأوكرانية.4– تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع كييف: وفقاً للعديد من التقديرات، فإن مقترح تركيا لإرسال قوات حفظ سلام، قد يوفر بيئة خصبة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع أوكرانيا، خاصةً في المجالات الدفاعية والاقتصادية، بالإضافة إلى توظيف هذا الموقف التركي في تأمين الدعم الأوكراني لسوريا، وهو ما ظهر في توفير كييف نحو 500 طن من القمح في 31 ديسمبر 2024 للإدارة السورية الجديدة، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الأوكراني إلى دمشق بعد سقوط الأسد، وإعلانه انفتاح بلاده على الإدارة الجديدة.ارتدادات عكسيةوختاماً، يمكن القول إن مقترح أنقرة بإرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا، بقدر ما يمكن توظيفه لتحقيق جملة من المصالح المزدوجة لتركيا في العلاقة مع القوى الأوروبية وكييف، إلا أن هذا المقترح قد يحمل في طياته ارتدادات عكسية محتملة، وخاصةً على مسار العلاقة مع موسكو التي تعارض مثل هذه الخطوات، وتعتبر أوكرانيا امتداداً استراتيجياً لنفوذها في شرق أوروبا.

ما التداعيات المتوقعة لمقترح تركيا بإرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا؟