عُقد بعاصمة كازاخستان أستانا الاجتماع الـ24 لمجلس قادة دول "منظمة شنغهاي للتعاون" (SCO) يومَي (3– 4) يوليو 2024، بمشاركة الرئيسَين الروسي "فلاديمير بوتين" ونظيره الصيني "شي جين بينج"، والأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، وعدد كبير من قادة المنظمة والمشاركين بها. وجاءت القمة تحت شعار "تعزيز الحوار المتعدد الأطراف – السعي لتحقيق السلام والتنمية المستدامَين". وبختام القمة أصدرت "إعلان أستانا" الذي دعا إلى تعزيز التعاون بشتى المجالات بين دول المنظمة، وطرح مبادرة دولية للسلام وإصلاح الأمم المتحدة. وتحظى هذه القمة بأهمية مضاعفة؛ نظراً إلى أنها شهدت الموافقة على انضمام بيلاروسيا إليها لتصبح العضو العاشر بها، فضلاً عن المتغيرات الجيوسياسية الإقليمية بشمال وجنوب القارة الآسيوية، التي تنذر بتصاعد التنافس الروسي الصيني الأمريكي على طبيعة النظام الدولي، لا سيما في ظل دعوة مباشرة من بكين وموسكو للتحول إلى "نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب".

نتائج رئيسية

انتهت قمة شنغهاي بأستانا إلى العديد من النتائج الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1– تعزيز فاعلية التعاون الاقتصادي: كشف "بوتين" عن أن دول "منظمة شنغهاي " ستعمل على زيادة استخدام العملات الوطنية في التسويات المتبادلة، وأن هناك عدداً كبيراً من الدول والمنظمات تسعى إلى إقامة حوار مع "منظمة شنغهاي للتعاون" أو الانضمام إلى عملها. جدير بالذكر أن دول المنظمة تمتلك قدرات اقتصادية كبيرة، وبحسب بعض التقديرات تملك دولها 20%من احتياطيات النفط العالمي، و44% من احتياطي الغاز الطبيعي، وبلغ إجمالي الناتج المحلي لدولها عام 2023 نحو (24.4) تريليون دولار؛ ما يمنحها فرصة لتصبح أكبر تكتل دولي في العالم لتنافس مجموعة "السبع الصناعية" و"بريكس" و"العشرين".

2– إقرار استراتيجية لمكافحة الإرهاب: أقرت القمة برنامجاً للتعاون في مكافحة "الإرهاب والحركات الانفصالية والتطرف"(2025–2027)، واعتمدت "استراتيجية مكافحة الإرهاب لمنظمة شنغهاي للتعاون" (2024–2029)، وسيتم تحويل هيكل مكافحة الإرهاب في "منظمة شنغهاي للتعاون" إلى مركز أمني عالمي؛ حيث تتخوف كافة دول المنظمة من تسلل العناصر الإرهابية من تنظيمات (داعش خراسان، وطالبان باكستان، والقاعدة) المتمركزة بأفغانستان عقب سيطرة حركة "طالبان" على الحكم. وقد دعا "بوتين" إلى التركيز على الأمن باعتباره أولوية في عمل المنظمة؛ وذلك بعدما تعرضت بلاده لحادثين إرهابيين العام الحالي راح ضحيتهما أكثر من 140 قتيلاً، اتهم بتنفيذهما تنظيم داعش.

بدوره، حذر رئيس أوزبكستان "شوكت ميرضيائيف" من التأثير السلبي للأوضاع في أفغانستان على الأمن الإقليمي بآسيا الوسطى، واقترح إحياء حوار "منظمة شنغهاي للتعاون – أفغانستان" لبحث تلك الأوضاع. من جانبه دعا رئيس طاجيكستان "إمام رحمن" أعضاء المنظمة إلى التعاون لمكافحة الجرائم المرتبطة بالإرهاب، ومنها (الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والاتجار بالمخدرات، والجرائم الإلكترونية).

3– الترويج لتغيير النظام الدولي: أكد "بوتين" في الجلسة الافتتاحية لقمة "شنغهاي " "أن القمة ستروِّج لنظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب. والبيان الختامي الذي اعتمده المشاركون يؤكد التزامهم بإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل، يستند إلى الدور المحوري لمنظمة الأمم المتحدة، والقانون الدولي، وتطلعات الدول ذات السيادة لشراكة تقوم على الفائدة المتبادلة"، وهو ما تبلور خلال لقاء الرئيس الصيني مع "بوتين" على هامش القمة؛ حيث أكد الأخير أن "العلاقات الروسية–الصينية، وشراكتنا الشاملة وتعاوننا الاستراتيجي، في أفضل فترة في تاريخهما". بدوره أكد "جين بينج" أن "العلاقات الصينية–الروسية على مستوى عالٍ، ويجب مواصلة ذلك لمواجهة الوضع الدولي المضطرب"؛ حيث يجمع الرئيسان رغبتهما في تغيير النظام الدولي من أحادي القطبية تسيطر عليه واشنطن والمؤسسات الغربية إلى متعدد الأقطاب تقوده روسيا والصين، وتصبح فيه "منظمة شنغهاي للتعاون" ومجموعة "بريكس" بديلَين للمؤسسات الغربية.

4– الترحيب بانضمام بيلاروسيا للمنظمة: أعلنت قمة أستانا عن انضمام بيلاروسيا رسمياً لها لتصبح العضو العاشر فيها. وأعلن الرئيس البيلاروسي "ألكسندر لوكاشينكو" أن "المنظمة يمكنها تحطيم جدران العالم الأحادي القطب، ووضع حد للتناقضات والنزاعات الناجمة عن التفاوت الاجتماعي والنقص في المواد الغذائية والموارد". وقد رحبت دول المنظمة بذلك القرار، لا سيما روسيا التي كانت أكثر الدول المؤيدة لضمها؛ نظراً إلى التحالف الاستراتيجي بينهما؛ حيث دعمت مينسك موسكو في حربها ضد أوكرانيا عسكرياً، وانضمامها سيعزز النفوذ الروسي بالمنظمة.

5– استكمال التفاوض لاتفاق الشراكة الشامل الروسي الإيراني: عقد "بوتين"، على هامش القمة، اجتماعاً مع القائم بأعمال الرئاسة الإيرانية "محمد مخبر"، وأعلنت موسكو أنها تستكمل مع طهران المفاوضات الخاصة باتفاق التعاون الثنائي الشامل بينهما، وهو الذي سيكون مثل الاتفاق الاستراتيجي الإيراني مع الصين الذي وُقِّع عام 2021، وينص على ضخ الاستثمارات الصينية لإيران لمدة ربع قرن بكافة المجالات مقابل امتيازات لبكين.

6– دعم مسار التفاهمات الإقليمية: تعد القمة بمنزلة فرصة مناسبة لعقد لقاءات هامة بين رؤساء الدول المشاركين؛ حيث عقد "بوتين" لقاء مع نظيره الأذربيجاني "إلهام علييف"؛ ما يؤكد رغبتهما في تعزيز التعاون المشترك بعد تغير بوصلة التحالفات السياسية لموسكو في القوقاز بعد هزيمة حليفها السابق أرمينيا على يد أذربيجان. والتقى رئيس أوزبكستان "ميرضيائيف" برئيس الوزراء الباكستاني "شهباز شريف"، وبحثا تعظيم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لا سيما أن نهاية العام الحالي سيشهد عقد الاجتماع الاعتيادي للجنة الحكومية المشتركة ومنتدى الأعمال والمعرض الصناعي الأوزبكي الباكستاني، وأكد الطرفان ضرورة استمرار الجهود الرامية إلى تنفيذ مشروع إنشاء خط السكك الحديدية؛ ما يفتح آفاق جديدة للتعاون بين شمال وجنوب آسيا، كما اتفقت الهند والصين على بدء المفاوضات لحل المشاكل على طول حدودهما.

7– مواصلة التطور الإيجابي في العلاقات التركية الصينية: عقد "بينج" اجتماعاً مع نظيره التركي "رجب طيب أردوغان"، دعا خلاله إلى الدفع نحو تنمية أكبر للعلاقة الاستراتيجية بين بكين وأنقرة، لا سيما أنهما تتوافقان على تحقيق التنمية وضرورة وقف النار في قطاع غزة وأوكرانيا، وهو ما رحب به "أردوغان" وجدد الالتزام بمبدأ "صين واحدة". ولعل هذا اللقاء يؤكد رغبتهما في تعزيز التعاون بينهما، لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية التركي الناجعة إلى بكين مؤخراً، التي أذابت الفتور في العلاقات بينهما، الذي تضاعف بفعل الانتقادات التركية لملف "الإيجور"، والتنافس بينهما بآسيا الوسطى.

دلالات جيوسياسية

تُعَد قمة أستانا الـ24 لمنظمة "شنغهاي للتعاون" من أنجح قمم المنظمة؛ لما أسفرت عنه من نتائج ودلالات جيوسياسية، لعل أبرزها:

1– الارتقاء بالدور العالمي للمنظمة: مثَّل حضور الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" القمة إضافةً جديدةً لدورها العالمي، لا سيما في ظل موقفه الرافض للنظام الدولي الأحادي، ودعوته إلى إصلاح الأمم المتحدة، وهو ما نص عليه "إعلان أستانا"، كما أشار في كلمته إلى "ضرورة حل الصراعات العالمية والتعامل مع التهديدات الوجودية، مثل تغير المناخ والذكاء الاصطناعي، لتحقيق السلام بوصفه شرطاً أساسياً للتنمية المستدامة وحقوق الإنسان"، كما دعا "بينج" خلال لقائه مع "جوتيريش" إلى ضرورة تعزيز دور الأمم المتحدة باعتبارها المنصة الأساسية لممارسة التعددية ودفع الحوكمة العالمية، وهو ما يتوافق مع هدف القمة والمنظمة وأعضائها من ضرورة إصلاح الأمم المتحدة والنظام السياسي والاقتصادي الدولي لكسر الهيمنة الأمريكية الغربية عليه.

2– توافق روسي تركي لحل الخلافات: اجتمع على هامش القمة "بوتين" و"أردوغان" الذي دعا نظيره الروسي إلى زيارة أنقرة في أقرب وقت ممكن، بينما أكد "بوتين" أن "العلاقات بين روسيا وتركيا تتقدم خطوة بخطوة عبر المشاريع الاستراتيجية"، وكشف عن زيارة 6.7 مليون سائح روسي تركيا عام 2023 في أعلى معدل بين الدولتين. ويأتي الاجتماع بعد إرجاء زيارة "بوتين" أكثر من مرة إلى أنقرة لبحث عدد من الملفات الهامة بين الدولتين، لعل أحدثها الوساطة الروسية لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، بعدما وافقت أنقرة ودمشق على بدء التفاوض حولها، وهو ما رحبت به موسكو، والدعم العسكري التركي لأوكرانيا، والتعاون الثنائي بشتى المجالات، لا سيما إنشاء روسيا محطة طاقة نووية بتركيا.

وهذا لا ينفي تصاعد التنافس بين أنقرة وموسكو في عدد من الأقاليم، أبرزها آسيا الوسطى؛ فغداة قمة "شنغهاي "، عقد بمدينة شوشة بأذربيجان "القمة غير الرسمية لمنظمة الدول التركية" بقيادة تركيا، وهو ما يمثل تنافساً على الدور الروسي في آسيا الوسطى والقوقاز. في المقابل، تعترض موسكو على الدعم العسكري التركي لكييف، وترفض وساطة أنقرة في الأزمة الأوكرانية؛ ما يؤكد وجود خلافات بين أنقرة وموسكو حول الملفين السوري والأوكراني، فضلاً عن التنافس لبسط النفوذ في غرب أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان.

3– رغبة صينية في تعزيز الوجود بآسيا الوسطى: حرص الرئيس الصيني على حضور القمة بنفسه في إطار جولة بمنطقة آسيا الوسطى شملت كازاخستان وطاجيكستان، وشهدت القمة عقد لقاء بين "بينج" و"ميرضيائيف" لتعزيز التعاون بين الصين وأوزبكستان، وتعهد "شي" بتطوير التعاون مع أوزبكستان، وتعزيز التكامل بين مبادرة "الحزام والطريق" واستراتيجية التنمية الوطنية الطاجيكية حتى 2030. وتعد الصين شريكاً تجارياً مهماً لدول المنطقة، وهذا يعزز توجه الصين لبسط نفوذها بالمنطقة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية؛ حيث تشكل آسيا الوسطى حلقة أساسية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتقوم بكين بالفعل بتدشين طرق برية ومد خط سكك حديد إلى أفغانستان وباكستان مروراً بآسيا الوسطى، كما تسعى بكين إلى تعزيز تعاونها مع كافة دول المنظمة؛ لتعويض الإجراءات التجارية الأوروبية والأمريكية ضدها؛ ولذا فإن "منظمة شنغهاي للتعاون" وفَّرت للصين فرصة مناسبة لإجراء حوار جماعي مع دول آسيا الوسطى وتعزيز نفوذها بالمنطقة.

4– بروز تنافس روسي صيني في آسيا الوسطى: يمكن تفسير زيارة الرئيس الصيني إلى كازاخستان وطاجيكستان (توصفان بالفناء الخلفي لروسيا) بأنها رد غير مباشر على زيارة "بوتين" إلى كوريا الشمالية وفيتنام اللتين تعتبران من الحلفاء المقربين لبكين، بيد أن "بوتين" نجح في تعزيز نفوذه السياسي وعقد اتفاقات عسكرية معهما؛ ما فُسِّر على أنه ينافس النفوذ الصيني بجنوب شرق آسيا، كما أعلن عن زيارة لرئيس الوزراء الهندي إلى موسكو في يوليو 2024، وهو الخصم التقليدي لبكين؛ ما يثير حفيظة الأخيرة. وهذا يعزز احتمالات تصاعد التنافس الروسي الصيني، لكنه تنافس محكوم في الوقت ذاته؛ وذلك في ضوء المصالح المشتركة التي تجمع بين الدولتين.

5– مخاوف من تصاعد الخلافات الداخلية بين دول المنظمة: رغم نجاح قمة الأستانا لمنظمة "شنغهاي للتعاون"، فإنها شهدت بروز تنافس مستمر بين أعضاء المنظمة؛ حيث انتقد وزير الخارجية الهندي "سوبرامانيام جيشانكار" التعاون الصيني الاستراتيجي مع باكستان الخصم التقليدي للهند، كما تنشب عدد من الخلافات الحدودية بين عدد من الأعضاء في المنظمة، مثل قرغيزستان وطاجيكستان، والصين والهند، والهند وباكستان؛ هذا فضلاً عن مخاوف دول آسيا الوسطى من تصاعد النفوذ الاقتصادي الصيني والوجود العسكري الروسي بالإقليم؛ ما يدفعها إلى التوازن المستمر في سياستها الخارجية.

كما أن استمرار توسع المنظمة ربما يؤثر سلباً على فاعليتها؛ حيث إن ضم العديد من الدول سيُصعِّب تحقيق التوافق السياسي بين أعضائها؛ هذا فضلاً عن فقدان المنظمة رؤية محددة لتحقيق هدفها الرئيسي، وهو تغيير النظام الدولي إلى متعدد الأقطاب، وتقليص الهيمنة الأمريكية على إدارة القضايا الدولية. وهذه الخلافات إذا تفاقمت أو فشلت الدول في احتوائها، فستكون المنظمة "منتدى دولياً غير فاعل".

ختاماً، يمكن القول إن منظمة "شنغهاي للتعاون" نجحت، على مدى عقدين، في توسيع عضويتها وتعزيز وجودها بآسيا، وسيكون لها دور مرتقب في النظام الدولي إذا أدارت دولها الخلافات بينها بحنكة سياسية تحقق مصالحها دون مواجهة بعضها بعضاً؛ ما يتيح للمنظمة تحقيق رؤيتها واستراتيجيتها لعام 2030.

فرص نجاح منظمة شنغهاي في تعزيز التعاون بين أعضائها