خلال السنوات القليلة الماضية، حرصت واشنطن على تكوين روابط أفريقية أمريكية، في إطار مساعيها لتعزيز نفوذها في القارة السمراء، في ظل تنافس القوى الإقليمية والدولية على إثبات وجودها بالقارة، وهو التوجه الذي ظهر بوضوح في ديسمبر 2022؛ حيث تم خلال اجتماع القادة في القمة الأمريكية الأفريقية تأكيد رسالة شاملة تتمثل في تعميق وتوسيع الشراكة الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وتعزيز الأولويات المشتركة بشكل تعاوني لمواجهة تحديات العصر الجديدة.

ويتولى الاتحاد الأفريقي في هذا الإطار مهمة العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة، كما يوجد لديه مكتب تمثيلي خاص به يقوم بتسهيل وتنسيق الأنشطة والمصالح التجارية بينهما في واشنطن؛ وذلك على خلفية إعطاء الإدارة الأمريكية الأولوية للعلاقات الشاملة المتعددة الأوجه مع مختلف البلدان في جميع أنحاء أفريقيا.

واستكمالاً لهذا النهج، أُطلقت قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية في الفترة 11–14 من يوليو الجاري في جابوروني عاصمة دولة بوتسوانا، وضمت نحو 100 مشارك من جميع أنحاء أفريقيا والولايات المتحدة، منهم ممثلون للقطاع العام، ومديرون تنفيذيون في القطاعين الخاصين الأفريقي والأمريكي، ومسؤولون حكوميون كبار، ومستثمرون دوليون، ووزراء حكومات، بما في ذلك الولايات المتحدة ورؤساء الدول الأفريقية.

دلالات رئيسية

اكتسبت قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية، التي انعقدت خلال الشهر الجاري، أهمية كبيرة؛ نظراً إلى عدة عوامل نستعرضها فيما يأتي:

1– فرصة للمساهمة في تطوير اقتصادات الدول الأفريقية: بحسب البنك الدولي، فإن زيادة مشاركة أفريقيا في التجارة الدولية أمر ضروري لتسريع نمو وتطور الاقتصادات الأفريقية. وعلى الرغم من أن صادرات المنتجات والخدمات الأفريقية قد نمت خلال العقد الماضي بأسرع معدلاتها، فإن القارة لا تزال تمثل 3% فقط من التجارة العالمية. ومن ثم، فإن البلدان الأفريقية من المرجح أن تستفيد من توسيع وتنويع مشاركتها في التجارة الدولية عبر تقوية روابطها مع الولايات المتحدة، بما يسهم بدوره في تحقيق أهداف التنمية لأفريقيا، ومن ثم زيادة حصة القارة السمراء في التجارة العالمية وبالتبعية المساهمة في تطوير اقتصادات الدول الأفريقية.

2– استكمال الجهود الأمريكية الأفريقية في قطاع الأعمال: في ديسمبر من العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، عن 800 صفقة تجارية واستثمارات ثنائية الاتجاه مع 47 دولة أفريقية، بقيمة إجمالية تزيد عن 15 مليار دولار. واشتملت المجالات الأساسية لتلك الشراكات على الأعمال التجارية الزراعية، والتحول الرقمي، والتمويل، والصحة، والبنية التحتية والطاقة المستدامة.

وهو الأمر الذي ترتب عليه رفع القيمة الإجمالية لمثل هذه التعهدات بين الولايات المتحدة وأفريقيا إلى أكثر من 18 مليار دولار منذ عام 2021. وبينما بلغ إجمالي استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في أفريقيا منذ عام 2021 نحو 8.6 مليار دولار، فإن إجمالي السلع والخدمات الأمريكية المتداولة مع أفريقيا تزايدت خلال السنوات الماضية؛ فعلى سبيل المثال بلغت نحو 83.6 مليار دولار في عام 2021؛.لذا جاءت قمة الأعمال الأفريقية الأمريكية الجديدة بمنزلة فرصة لاستكمال تلك الجهود، وللمساهمة في مزيد من تقوية روابط الأعمال الأفريقية الأمريكية.

3– خلق فرص جديدة للشركات الأفريقية الرائدة: ثمة إمكانات وفرص هائلة لعلاقات أقوى ومنفعة متبادلة أوسع بين أكبر اقتصاد في العالم وبين أفريقيا، وهو ما يتطلب من أجل تحقيقه مستويات أكبر من التعاون والوصول والمشاركة. ولعل الهدف من قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية كان البناء على حالة الزخم الناجحة للقمة الأمريكية الأفريقية في ديسمبر 2022، بقيادة الإدارة الأمريكية.

وانطلاقاً من كون موضوع قمة هذا العام هو تعزيز قيمة أفريقيا في سلاسل القيمة العالمية، فإن من المتوقع أن يكون هناك تطور ملموس في هذا المضمار خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة أن هناك خططاً من الجانبين تستهدف تقصي الالتزام المتجدد من قبل أصحاب المصلحة في القطاعين العام والخاص لبناء علاقات تجارية واستثمارية أقوى بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

4– متابعة مخرجات قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا: جاءت قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية كذلك باعتبارها مُتابَعةً لبعض التعهدات التجارية التي تم الإقرار بها في القمة الأفريقية الأمريكية في منتصف ديسمبر الماضي في واشنطن؛ فبينما خصص الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال تلك القمة نحو 55 مليار دولار لمشاريع استثمارية مختلفة في جميع أنحاء أفريقيا، فإن الولايات المتحدة قد أعربت أيضاً في تلك القمة عن دعمها إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وفي هذا السياق أفاد البنك الدولي بأن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، إذا نُفذت بشكل صحيح، سيكون لديها القدرة على انتشال 30 مليون أفريقي من الفقر المدقع، وزيادة دخل ما يقرب من 68 مليون شخص، يعيشون حالياً على أقل من 5.50 دولار في اليوم.

ويرى (Standard Bank) بصفته اللاعب الرائد في القطاع المالي في ممر التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا، أن نجاح السوق الأفريقية الموحدة – منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، سيتحقق إذا استمر القطاع الخاص والحكومات من الجانبين في العمل معاً لخفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية على التجارة.

5– إلقاء الضوء على التقدم المحرز عبر قطاعات الاقتصاد الأفريقي: وُصفت قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية في يوليو الجاري بأنها منصة لتسليط الضوء على التقدم المحرز عبر قطاعات الاقتصاد الأفريقي، بما في ذلك توسيع الفرص في الزراعة والتصنيع والتكنولوجيا والصحة والأعمال الزراعية والسياحة والخدمات المالية، وإظهار مدى حرص الولايات المتحدة على تدريب ودعم رواد الأعمال الشباب والنساء، كما أنها جاءت لتشكل جانباً جاداً من أجندة التعاون الأمريكي الأفريقي.

6– تأكيد تطلعات الشركات الأمريكية لتوسيع عملياتها في أفريقيا: لعل قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية جاءت لتدلل على تطلعات أمريكية حقيقية نحو توسيع الشركات الأمريكية عملياتها الحالية لتشمل المزيد من الأسواق الأفريقية؛ فبينما تقوم معظم الشركات الأمريكية بأعمال مصرفية لاستكشاف السوق القارية الموحدة، من خلال اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، بصفته مشروعاً مؤسسياً بدأه الاتحاد الأفريقي، لديه القدرة على توحيد أكثر من 1.3 مليار شخص في كتلة اقتصادية تبلغ قيمتها 2.5 تريليون دولار، وتوليد مجموعة من الفوائد من خلال دعم إنشاء التجارة، والتحول الهيكلي، والعمالة المنتجة، والحد من الفقر؛ فإن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من المتوقع أن تسهم في إتاحة المزيد من الفرص لكل من المستثمرين الأفارقة المحليين والأمريكان من جميع أنحاء العالم.

مخرجات القمة

ثمة مخرجات رئيسية لقمة الأعمال الأمريكية الأفريقية التي انعقدت في بوتسوانا في يوليو الجاري، يمكن تناول أبرزها فيما يأتي:

1– مناقشة أهداف القمة المقبلة وتقديم توصيات التعاون: خلال جلسات قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية تمت مناقشة أهداف قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا المقبلة، وتقديم توصيات للتعاون المستقبلي في السياسة العملية والشراكات التي تسمح بدورها بتحقيق الأمن الغذائي والانتعاش الاقتصادي والتحول الهيكلي والتحول الأخضر، كما تشتمل على دعم التكامل القاري وتوسيع نطاق قانون الفرص والنمو الأفريقي وجذب الاستثمارات الحدودية الواسعة النطاق عن طريق الحد من مخاطر الاستثمار المتصورة، والقضاء على التدفقات المالية غير المشروعة، وتعبئة الشتات الأفريقي في الولايات المتحدة، وكذلك تحفيز الدول الأفريقية على المساهمة في تنمية القدرة التنافسية التصديرية لأفريقيا والتنمية المستدامة.

2– تناول دور المشاريع الخاصة في تطوير شراكة حقيقية: خلال قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية تم تسليط الضوء على دور المشاريع الخاصة وتطوير شراكة حقيقية بين الولايات المتحدة وأفريقيا من شأنها أن تفيد القادة الشباب ورجال الأعمال.

كما تمتمناقشة التحديات المتمثلة في زيادة التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وكيف أدت المفاهيم الخاطئة حول أفريقيا إلى انزواء الولايات المتحدة لفترة كبيرة عنها، كما تم التشديد على أهمية دعوة القادة الأمريكيين والأفارقة في القطاعَين العام والخاص لتعزيز الحوار وبناء شراكات حقيقية تقوم على الاحترام والمنفعة المتبادلة.

3– تأكيد دور الابتكار التكنولوجي: اهتم المسؤولون الأفارقة والأمريكان خلال القمة، باستعراض الفرص والتحديات التي تحدد شكل القرن الراهن، والتركيز على أهمية الاستثمار في الابتكار التكنولوجي باعتباره سمة العصر الحديث. وانطلاقاً من كون غالبية سكان القارة الأفريقية من الشباب، فهم مهيؤون بشدة للتدريب على الابتكار التكنولوجي، خاصةً أن شبكة الإنترنت تصل إلى نحو 600 مليون مستخدم للهواتف المحمولة.

4– الدفع بأهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تضمنت أعمال القمة تأكيد أهمية تعبئة التمويل باعتباره أمراً حاسماً لكافة الجوانب المحددة للقرن الأفريقي، والتشديد على أهمية تعاون القطاعين العام والخاص في كل من أمريكا وأفريقيا من أجل الحد من الفساد وخلق بيئات عمل مواتية، كما تم خلال القمة تأكيد دور الشراكة الداعمة بين الولايات المتحدة وأفريقيا في تسهيل التنمية التي ستساعد القارة على مواجهة تحديات القرن، ومواجهة تبعات تغير المناخ وتوسيع التكامل الاقتصادي.

5– الدعوة إلى تجديد قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA): خلال قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية، دُعِيت الإدارة الأمريكية إلى تجديد قانون فرص النمو في أفريقيا، الذي من المقرر أن ينتهي في 2025؛ إذ بموجبه يمنح بعض الدول الأفريقية وصولاً تفضيلياً أو حتى معفياً من الضرائب على صادراتها إلى السوق الأمريكية. ومنذ العمل به في عام 2000، نُسب إليه الفضل في خلق أكثر من 46 ألف فرصة عمل في أفريقيا، وتعزيز الصادرات الأفريقية إلى الولايات المتحدة، كما تمت الإشارة إلى أن تجديد ذلك القانون في ذلك التوقيت سيعطي بدوره إشارة قوية وثقة للأسواق، وقد يكون بمنزلة حافز على التصنيع في أفريقيا وإدراجها في سلاسل القيمة العالمية.

وبحسب فلوري ليسر الرئيس التنفيذي لمجلس الشركات في أفريقيا، الذي ينظم قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية، فإن هناك حاجة لدراسة قانون النمو والفرص في أفريقيا، في ضوء اتفاقية تُعرف باسم منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية؛ إذ يؤدي ظهور منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والتجاري بشكل أوثق في القارة؛ ما سيحفز بدوره إنشاء سلاسل القيمة الإقليمية والقارية ويزيد القيمة المضافة عبر القطاعات الرئيسية من نواحٍ كثيرة.

6– تقديم تعهدات أمريكية بمواصلة دعم أفريقيا: قدمت الولايات المتحدة، خلال القمة، تعهدات بمواصلة دعم أفريقيا، وهو ما جاء على لسان الرئيس التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية سكوت ناثان، الذي رأس وفد الحكومة الأمريكية في القمة؛ حيث تعهد بمواصلة تقديم الدعم لأفريقيا، وأكد حرص الولايات المتحدة على تعميق الشراكة الأمريكية الأفريقية، ومواصلة تمكين الأصوات الأفريقية ودعمها على مختلف المستويات.

إجمالاً، تتجه الإدارة الأمريكية بخطى حثيثة نحو تعميق العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا، وهو ما يظهر بشكل جلي في صورة شراكات أمريكية أفريقية بين القطاعين العام والخاص، وعقد صفقات وتدشين استثمارات جديدة، فضلاً عن تقديم منح ضخمة للبلدان الأفريقية، كالتي قدمتها مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، وهي وكالة ثنائية تأسست من قبل الكونجرس الأمريكي في عام 2004، إلى 24 دولة أفريقية، وقُدِّرت بنحو 9.5 مليار دولار من المنح.

هذا فضلاً عن قيام كل من بنك التصدير والاستيراد (Exim Bank) – وهو وكالة ائتمان الصادرات الرسمية للولايات المتحدة – ووكالة التجارة والتنمية الأمريكية (USTDA)، بتمويل القروض والمشاريع الداعمة في القطاعات الرئيسية المهمة لتنمية أفريقيا. أضف إلى ذلك الحرص على عقد قمم أمريكية أفريقية لتحفيز المزيد من التعاون الاقتصادي والشراكات التجارية، وهي جميعها خطوات إيجابية نحو تسريع مسيرة التنمية في أفريقيا من ناحية، ومن ناحية أخرى تعد بمنزلة عودة قوية للولايات المتحدة الأمريكية، بعد فترة انزواء عنها. وعلى خلفية ذلك، من المتوقع أن تتسع دائرة التنافس الإقليمي والدولي في القارة السمراء، وأن تشهد أفريقيا خلال السنوات المقبلة توسعات استثمارية، وآفاقاً تنموية ضخمة من قبل مختلف القوى الدولية والإقليمية.

أبعاد انعقاد قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية