عبد الله جمال

تشهد جورجيا احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة منذ 9 أبريل 2024؛ وذلك بعد أن أعاد حزب "الحلم الجورجي" الحاكم تقديم خطط لتمرير قانون يقول منتقدوه إنه يشبه التشريع الروسي المستخدم للضغط على المعارَضة، الذي يُعرَف باسم قانون "العملاء الأجانب". في المقابل، تصف الحكومة بقيادة حزب "الحلم الجورجي"، مشروع القانون بأنه مشروع قانون "شفافية النفوذ الأجنبي". وانتقد رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه، الساسة والدبلوماسيين الغربيين بسبب الافتراء على مشروع القانون، باعتبار أنه لن يؤدي إلا إلى تعزيز شفافية التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، "بما يتوافق مع القيم الأوروبية"، على حد قوله، كما اتهم المنظمات المدنية الجورجية بمحاولة القيام بثورات شعبية مرتين على الأقل خلال السنوات الثلاث الماضية بتمويل غربي؛ الأمر الذي قد أثار شكوكاً حول بدء توتر العلاقات بين جورجيا والغرب، وتحديداً الاتحاد الأوروبي، الذي تسعى تبليسي جاهدة للانضمام إليه في أقرب وقت.القانون الروسيتمت الموافقة على مشروع القانون بقراءته الثانية في البرلمان الجورجي بأغلبية 83 صوتاً مقابل 23 صوتاً؛ وذلك على الرغم من تصاعد حدة العنف بين المتظاهرين ورجال الشرطة؛ حيث يشير المعارضون إلى القانون باسم "القانون الروسي"؛ لأنه يتشابه مع قانون سنَّته موسكو للضغط على المعارضة السياسية، فضلاً عن إعاقته جهود بلادهم من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على حد زعمهم. ومن ثم يمكن قراءة أبعاد الاعتراض على هذا القانون على النحو التالي:1– إضعاف أداء المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية: يرى معارضو القانون أن من شأنه إضعاف مؤسسات المجتمع المدني وتهديد حرية التعبير؛ إذ يتطلب القانون – في حال اعتماده – من أي منظمة غير حكومية مستقلة أو منظمة إعلامية تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج أن تسجل نفسها باعتبارها "منظمة تسعى إلى تحقيق مصالح قوة أجنبية"، فضلاً عن تقديم بيانات مالية سنوية عن أنشطتها، وهي إجراءات ستكلف المنظمة المنتهكة للقانون غرامات تصل إلى 25 ألف لاري جورجي؛ أي ما يعادل نحو 9400 دولار؛ لذلك يخشى المنتقدون من إمكانية استخدامه لتقويض عمل الصحافة والمنظمات غير الحكومية؛ الأمر الذي دفع أكثر من 450 منظمة غير حكومية ومؤسسة إعلامية جورجية إلى توقيع عريضة ضد القانون.2– الترويج لاختلاف القانون عن المعايير المعتمدة في الغرب: بالرغم من ادعاء رئيس الوزراء الجورجي اتساق معايير القانون مع قوانين الدول الغربية، فإن المعارضين يرون أن القانون الروسي ومشروع القانون المقترح في جورجيا يختلفان بشكل ملحوظ عن الإجراءات المعتمدة في الغرب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، أن الحكومة في الولايات المتحدة تحتاج إلى إثبات أن المنظمة العاملة تصبح عميلاً أجنبياً بمجرد تصرفها بموجب تعليمات قوة أجنبية أو فرد أجنبي، وليس على أساس تلقي تمويل من الخارج؛ حيث يمكن أن تستخدم هذه الأموال في أنشطة مجتمعية سليمة، وليست بالضرورة تكون هادفة لتنفيذ أجندة خارجية، مثلما يعتقد المشرعون الجورجيون.3– رفع شعارات تهديد الديمقراطية في جورجيا: يخشى العديد من المتظاهرين والنواب الجورجيين أن يؤدي التشريع المقترح إلى تقويض أسس الديمقراطية، وعرقلة فرص البلاد في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خاصةً في ظل قمع الحكومة المتظاهرين السلميين، بما يؤثر سلباً على ممارسة حقوقهم في التعبير عن الرأي، وفقاً لما يصرح به المسؤولون الغربيون في هذا الشأن؛ فعلى سبيل المثال، أوضح كل من الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن جورجيا تقف على مفترق طرق؛ حيث تواجه البلاد احتجاجات ضد خطط الحكومة لإدخال قانون النفوذ الأجنبي، الذي يخشى المنتقدون من إمكانية استخدامه لخنق الصحافة، ومن ثم تقويض حريتها في حق التعبير عن الرأي، بالإضافة إلى استنكارها قيام جهاز الشرطة بتفريق الحشود بالقوة، سواء باستخدام الرصاص المطاطي أو الغاز المسيل للدموع أو القنابل الصوتية أو خراطيم المياه.4– التشكك من الدعم الروسي للقانون: احتج العديد من المعارضين على مشروع القانون بسبب الدعم الروسي للحكومة الجورجية من أجل إقراره؛ حيث لم يكن هناك سوى الدعم من موسكو للحكومة الجورجية، وهو ما قد تجلى في دفاع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف علناً عن مشروع القانون، فضلاً عن إعلان الفيلسوف الروسي والمطلع على شؤون الكرملين ألكسندر دوجين، أن "جورجيا تسير على الطريق الصحيح" مع إعادة طرحها تطبيق هذا القانون.ويرجع تشبيه المعترضين على القانون الجورجي بنظيره الروسي، إلى قيام موسكو في عام 2012، باستخدام قانون يسمح لها بتقييد الجماعات والمنظمات الإعلامية المناهضة للكرملين، ومن ثم يرى المنتقدون أن أحد أهداف مشروع القانون الجديد، هو جعل جورجيا، الدولة السوفييتية السابقة، أقرب إلى موسكو.تداعيات محتملةفي ضوء ما تشهده البلاد من انقسامات واحتجاجات متصاعدة، من المحتمل أن تواجه مجموعة من التداعيات، لعل أبرزها ما يلي:1– تعثر مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي: من المرجح للغاية أن يحذر شركاء جورجيا الغربيون من إمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خاصةً بعدما انتقد المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون صراحة مشروع القانون، قائلين إنه يجدد التساؤلات حول الديمقراطية في جورجيا والتزام البلاد بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى رأس هؤلاء المسؤولين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي كتبت على موقع X: "أتابع الوضع في جورجيا بقلق بالغ، وأدين أعمال العنف في شوارع تبليسي". وفي وقت سابق، أوضح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أن مشروع القانون "سيُبعِد جورجيا عن الاتحاد الأوروبي"، مضيفاً أن ذلك "سيجعل جورجيا أبعد عن الاتحاد الأوروبي وليس أقرب إليه".ومن جانبه، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن بلاده تشعر بخيبة أمل شديدة إزاء قرار البرلمان الجورجي إقرار تشريع "النفوذ الأجنبي" المستوحى من الكرملين. وفي السياق ذاته، صرح الممثل الخاص لحلف شمال الأطلسي لمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى خافيير كولومينا، على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن "هذه المسودة خطوة إلى الوراء، ولا تعزز التكامل الأوروبي الأطلسي في جورجيا".والجدير ذكره أن الاتحاد الأوروبي قد منح جورجيا وضع المرشح الرسمي في ديسمبر 2023، لكن التكتل لا يزال ينتظر من تبليسي إصلاح أنظمتها القضائية والانتخابية، والحد من الاستقطاب السياسي، وتحسين حرية الصحافة قبل إطلاق محادثات العضوية رسمياً، وهو ما يتنافى حالياً مع مبادئ القانون الجديد، بالرغم من إصرار حزب "الحلم الجورجي" على أن القانون المقترح لا يتنافى مع المعايير الأوروبية؛ حيث إنه يهدف إلى "تعزيز الشفافية" فقط في التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية.2– تعزيز التقارب بين روسيا وجورجيا: بالرغم من انتهاج الحكومة سياسة رسمية تتلخص في انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، فإن الجهود التي تُبذَل لتحقيق هذا الهدف لا تزال غير كافية؛ إذ أوضح حزب "الحلم الجورجي" الحاكم أنه يرغب في الوقت ذاته في اتباع نهج أكثر حيادية تجاه روسيا، متهماً المعارضة بأنها "تلعب لعبة خطيرة" تتمثل في استفزاز موسكو؛ ما قد يؤدي إلى انتشار الحرب من أوكرانيا إلى جورجيا.وفي هذا الصدد، سبق أن شككت الحكومة الجورجية في العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية، ورفضت الانضمام إليها، بل زادت حجم التبادل التجاري مع روسيا، ناهيك عن انتقاد الحكومة الجورجيين الذين يقاتلون من أجل أوكرانيا متطوعين، وازدرائها إياهم.3– إمكانية استخدام حق النقض الرئاسي ضد القانون: بعد إقرار مشروع القانون المحتمل، سيتم إرساله إلى الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي ذات السلطات الشرفية، التي وعدت باستخدام حق النقض ضده إذا أقرَّه البرلمان، ويرجع ذلك إلى شدة الخلافات المتزايدة التي تواجهها مع الحزب الحاكم، فضلاً عن كونها من أشد منتقدي هذا القانون، ورد فعل الحكومة على التظاهرات التي اندلعت ضده؛ حيث كتبت على موقع X: "الاحتجاجات كانت سلمية، أما حملة القمع فكانت غير مبررة على الإطلاق".ولكن من ناحية أخرى، يمكن لائتلاف الحزب الحاكم – بعد ذلك – استخدام أغلبيته في البرلمان لتجاوز حق النقض، وتحويل مشروع القانون إلى قانون؛ إذ يتمتع حزب "الحلم الجورجي" وحلفاؤه بأغلبية كافية لتجاوز الفيتو الرئاسي؛ حيث يمكنه تجاوز حق النقض بجمع 76 صوتاً.4– تفاقم الانقسامات بين جورجيا والغرب: من المتوقع ألا يؤدي مشروع القانون إلى تفاقم الانقسامات الداخلية في دولة جنوب القوقاز فحسب، بل قد نشهد أيضاً انقساماً حاداً بين جورجيا والدول الغربية، خاصة بعدما عبَّر كوباخيدزه في 3 مايو الجاري، خلال محادثة هاتفية مع رئيس المجلس الأوروبي، عن خيبة أمله؛ لأن شركاء جورجيا "يترددون في الانخراط في مناقشات موضوعية" حول مشروع القانون. وفي اليوم ذاته، انتقد كوباخيدزه الولايات المتحدة أحد أكبر الداعمين لجورجيا؛ بسبب الإدلاء بتصريحات "كاذبة" حول التشريع.هذا وقد كرر كوباخيدزه مزاعم التورط النشط لمنظمات ممولة من الخارج في محاولتين للثورة في جورجيا بين عامي 2020 و2023؛ حيث اتهم كوباخيدزه السفيرة الأمريكية السابقة لدى جورجيا كيلي ديجنان، التي كانت تشغل هذا المنصب من عام 2020 إلى عام 2023، وكذلك المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، بدعم محاولتين لثورتَين خلال هذه الفترة؛ ما يؤدي بدوره إلى زعزعة الاستقرار الداخلي للبلاد، بهدف نشر أجندات خارجية تؤثر على مصالحها.5– تأثر شعبية حزب "الحلم الجورجي" الحاكم: تأتي هذه الاضطرابات قبل أشهر من إجراء جورجيا انتخابات برلمانية في أكتوبر 2024، وهي الانتخابات التي تُعتبر اختباراً رئيسياً للديمقراطية في الجمهورية السوفييتية السابقة. وبالرغم من إظهار استطلاعات الرأي أن حزب "الحلم الجورجي" لا يزال الحزب الأكثر شعبيةً، فإن من المحتمل أن يفقد المزيد من شعبيته؛ بسبب إصراره على اعتماد مشروع القانون وتصاعد الاضطرابات الداخلية، ناهيك عن خسارته جزءاً منها منذ عام 2020، عندما فاز بأغلبية ضئيلة دفعته إلى تكون ائتلاف حزبي من أجل تشكيل الحكومة.6– احتمالية تدخل روسيا لدعم النظام الجورجي: يُحتمَل إذا فقد حزب "الحلم الجورجي" قبضته على السلطة، أن تتدخل موسكو، خاصةً إذا جاء سقوط الحكومة نتيجة لتظاهرات حاشدة، ستكون – في رؤية الكرملين – ثورة ممولة من الغرب بشكل تآمري. والدليل على ذلك الدعم الذي سبق أن قدمه المستشارون وقوات الأمن الروسية من أجل دعم الرئيس البيلاروسي الحالي ألكسندر لوكاشينكو بعد الاحتجاجات الحاشدة التي أعقبت انتخابات 2020، كما قادت روسيا تدخلاً عسكرياً في كازاخستان في يناير 2022، من أجل استعادة النظام بعد عدة أيام من العنف السياسي.هذا وتحتل روسيا بالفعل 20% من أراضي جورجيا بعد حربهما عام 2008، ومن ثم فإن من الممكن أن نشهد أي توغل روسي آخر، إذا سقطت الحكومة الجورجية، وفقاً لما أوضحته مجلة فورين بوليسي. وهناك سيناريو آخر يتعلق بمئات الآلاف من الروس الذين انتقلوا إلى جورجيا في السنوات الأخيرة؛ إذ ترى الصحيفة أنه حتى لو أن العديد منهم فعلوا ذلك هرباً من الخدمة العسكرية والمصاعب الاقتصادية في روسيا، فمن الصعب معرفة إلى أي مدى تغلغلت أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للكرملين في هذا الشتات الروسي.ختاماً، على الرغم من المعارضة الشعبية الواسعة، فإن من المرجح أن يصمم حزب "الحلم الجورجي" الحاكم على المضي قدماً لاعتماد هذا القانون المثير للجدل، وهو ما من شأنه إعاقة انضمام جورجيا إلى كلٍّ من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؛ أي أنها ستخسر الدعم الغربي الموجه لها؛ الأمر الذي قد يفسح المجال أمام موسكو من أجل توسيع نفوذها داخل البلاد، مستغلةً التوازن الذي تعمل به الحكومة الحالية إزاء الصراع الدائر في أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، ستظل الانتخابات المقبلة عنصراً حاسماً لمستقبل تنفيذ القانون؛ حيث قد نشهد حينها تراجعاً عن تنفيذه، خاصةً إذا خسر الحزب الحاكم الحالي السلطة.

كيف يؤثر قانون "العملاء الأجانب" على العلاقات بين جورجيا والغرب؟