نهلة عبد المنعم 

وقعت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقاً أمنياً مع الصومال في 15 فبراير الجاري، تعهَّدت بموجبه واشنطن بتوفير تدريب وتأهيل عالي المستوى للجيش الوطني الصومالي، وتطوير قدرات لواء دنب المعروف محلياً باسم (قوات البرق)؛ لتمكينه من مواجهة التحديات الأمنية للبلاد؛ وذلك بجانب بناء أربعة مراكز تدريب عسكرية في مقديشو وبيدوا وجوهر وطوسمريب وكيسمايو.محددات رئيسيةيتزامن الاتفاق الأخير مع تصاعد حدة الصراعات السياسية في المنطقة على خلفية توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع حكومة أرض الصومال لاستغلال ميناء بربرة منفذاً لها على البحر الأحمر؛ ما أدى إلى تنامي المخاوف إزاء تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة تأثراً بالخلافات المُثارة. وفي خضم التحديات العديدة التي تواجه الصومال خلال الفترة الحالية وتواجه كذلك مصالح الولايات المتحدة بالقرن الأفريقي، يُمكن رؤية الاتفاق الأمني عبر بعض السياقات:1– رغبة واشنطن في الحفاظ على استثماراتها الأمنية في الصومال: قدمت واشنطن دعماً كبيراً للقطاع الأمني في البلاد على مدار السنوات الماضية، سواء مادياً أو لوجستياً، ومن ثم فإنها تريد البناء على ما طوَّرته، والحفاظ على عدم تقلُّصه أو استقطابه تحت وطأة المنافسة الدولية على النفوذ في القرن الأفريقي، وهو ما يظهر في تعهُّدها بمواصلة الإشراف على تطوير قدرات قوات الدنب، وهي كتيبة كوماندوز خاصة تولَّ الجيش الأمريكي تدريبها ورعايتها عسكرياً منذ تأسيسها في 2013 باعتبارها قوةً محليةً مُدربةً بكفاءة لمواجهة الجماعات الإرهابية، وبالأخص حركة الشباب.2– المنافسة الدولية على النفوذ العسكري في الصومال: تريد الحكومة الأمريكية الحفاظ على مصالحها ومساحة نفوذها ضمن نقطة جغرافية هامة عالمياً؛ إذ يأتي إبرام الاتفاق الأمني بين واشنطن ومقديشو بعد أيام قليلة من توقيع اتفاقية مُشابهة بين الحكومة الصومالية وتركيا، تتضمن تقديم الأخيرة الدعم العسكري المطلوب لحفظ الأمن، وللتصدي للجماعات الإرهابية الناشطة في البلاد؛ ما يُظهر حجم التنافس الدولي في هذا الإطار.ونظراً إلى ما تستطيع تركيا تقديمه في الملف العسكري، وبالأخص في مجال الطائرات بدون طيار التي لعبت دوراً كبيراً، بصفتها سلاحاً متطوراً، في محاربة الإرهاب وقتل رؤوس الجماعات المتطرفة، وهو الملف الشائك أمنياً بالنسبة إلى الصومال؛ تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان حصصها في هذا الإطار عبر استغلال قدراتها القتالية والاقتصادية في تطوير القواعد العسكرية وتنمية قطاعات الجيش وتأهيل عناصره.3– استباق الفراغ الذي قد ينجم عن انسحاب أتميس: تكثُر التكهنات حول المخاوف الأمنية المتعلقة بالفراغ المحتمل أن يحدث عقب انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي أتميس المقرر إنهاء مهامها في ديسمبر المقبل. ومن ثم تُحقق الاتفاقيات الأمنية الدولية فرصة للصومال من أجل تطوير إمكاناته لدعم استقرار البلاد، وعدم استفحال الاضطرابات الأمنية بداخله بعد خروج القوات الدولية، مع الأخذ في الاعتبار بالتأثيرات السلبية التي خلفتها سنوات الصراع السابقة على مستوى أداء الجيش والشرطة الوطنيين، بجانب الحاجة الملحة إلى قوات أكثر كفاءةً، في ظل مواجهة البلاد موجات متتالية من الكوارث الطبيعية بين الجفاف والفيضانات، بجانب تنامي المنافسة بين تنظيمي داعش والقاعدة على موارد الساحل الشرقي للبلاد.4– مواجهة تهديدات حركة الشباب: تُمثل مواجهة حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة أهمية خاصة للولايات المتحدة التي لا تزال تنظر إلى تنظيم القاعدة باعتباره أكثر الجماعات التكفيرية خطورةً على مصالحها؛ وذلك لما تمتلكه من خبرات سابقة عن الكيفية التي يختار بها التنظيم أهدافه فيما يخص استراتيجية العدو القريب والبعيد، بجانب العمليات التي نفذها ضد مصالحها في أفريقيا؛ إذ سبق أن استهدف التنظيم مبنى السفارة الأمريكية في كينيا وتنزانيا في آن واحد عام 1998؛ ما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص.وإزاء المخاوف المتنامية من تأثير الاضطرابات السياسية الحالية في القرن الأفريقي على عودة تصاعد نشاط حركة الشباب، على إثر الدعوة إلى الحشد وتجميع الصفوف المرتبطة بانعكاسات الصراع الصومالي الإثيوبي؛ تسعى الولايات المتحدة إلى استمرار الجهود الدولية لتقويض نشاط حركة الشباب خوفاً من استهداف مصالحها في المنطقة.5– منع تهديدات أمن الملاحة في القرن الأفريقي: يعد أمن الملاحة في المنطقة من أبرز السياقات السياسية التي تُعنى بها الدول الكبرى والحكومات التي ترتبط مصالحها بالمنطقة، وهو ما يعد سبباً هاماً في توالي الاتفاقيات الأمنية مع الصومال، لا سيما الأمريكية؛ إذ ترغب واشنطن في إبقاء نفوذها العسكري في المنطقة للحيلولة دون تطور نشاط الجماعات الإرهابية، بما يهدد الملاحة الدولية، ويطيل أمد الاضطراب على ضفتي القرن الأفريقي؛ وذلك بجانب ملف مواجهة القرصنة ومنع تطور قدرات العصابات التي تعتمد عليها كمصدر دخل.6– محاولة احتواء استقطابات الصراع السياسي في المنطقة: سيُفرز الصراع السياسي المحتدم في المنطقة استقطابات حادة، وسيظهر تأثيرها كلما تدهورت العلاقات في المستقبل. وفيما يُعَد خطوة استباقية، تعمل الحكومة الأمريكية على الحفاظ على روابط متوازنة مع دول المنطقة، بينما لا يُمكن تفسير خطوة اتفاقها الأمني مع الصومال بأنها انحياز إلى مقديشو على حساب إثيوبيا؛ فعلى الرغم من إعلانها السابق التحفظ على الاتفاق البحري الذي أُبرم بين إدارة أرض الصومال وأديس أبابا، فإنها لا تزال تعمل ضمن ضوابط الحفاظ على مصالحها الخاصة، بغض النظر عن أبعاد الأمن القومي عربياً أو أفريقياً.دوافع متوافقةيُمكن القول إن الدوافع المُحفزة على استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية للقدرات العسكرية الصومالية ترتكز على الحفاظ على مصالحها في منطقة القرن الأفريقي، ورغبتها في الحفاظ على استثماراتها الأمنية في البلاد، وبقائها كتلةً مواليةً لها في خضم المنافسة الدولية على النفوذ؛ وذلك عبر استغلال الفرص المتاحة؛ فمن جانبه يحتاج الصومال إلى مزيد من الدعم العسكري والاقتصادي ليواجه التحديات الأمنية المتعلقة بنشاط حركة الشباب وتصاعد نفوذ داعش الذي يريد مجابهة تنظيم القاعدة بجانب حاجة الحكومة إلى تطوير قدرات الجيش الوطني ليتمكن من حفظ الأمن داخلياً والسيطرة على الأوضاع في ظل عدم رسوخ أركان الحكم بالقدر الكافي.

لماذا أبرمت الولايات المتحدة اتفاقاً أمنياً مع الصومال؟