إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

ركزت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس جو بايدن والرئيس الأمريكي السابق الجمهوري دونالد ترامب، في 27 يونيو 2024، على القضايا الداخلية التي تهم الناخب الأمريكي، ولا سيما الاقتصاد، والهجرة غير الشرعية، والإجهاض، بجانب قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما الموقف الأمريكي تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية في غزة. وقد أثارت المناظرة حالة واسعة من الجدل حول أداء المرشحَين؛ حيث رأى البعض أن أداء بايدن كان "مخيباً للآمال"، ورأى آخرون أن ترامب بدا أكثر ثباتاً خلال المناظرة التي بلغت مدتها نحو تسعين دقيقة. قضيا شائكةكانت هناك مجموعة من القضايا الخاصة بالشأن الداخلي التي أُثِيرت خلال المناظرة، بجانب أبرز قضايا السياسة الخارجية، التي يمكن تسليط الضوء على أبرزها فيما يلي:1– موقف المرشحَين من قبول نتيجة الانتخابات: تبرز أهمية تلك القضية بعد تشكيك الرئيس الأمريكي السابق في أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 سُرقت منه، وقد شابها التزوير. وقد أوضح الرئيس جو بايدن أنه سيقبل نتيجة الانتخابات الأمريكية أياً كانت طبيعتها، ووصف ترامب بـ"المتذمر"، مشككاً في مسألة قبوله نتيجة الانتخابات. وفي المقابل، راوغ ترامب في الإجابة على هذ السؤال، فاضطرت المذيعة إلى إعادة السؤال ثلاث مرات حتى تحصل منه على إجابة واضحة لهذا السؤال الذي أجاب عليه في النهاية بأنه سيقبل نتيجة الانتخابات، ولكن ذلك إذا كانت الانتخابات "نزيهة وحرة" ولا تحتوي على تلاعب أو تزوير. وهذه الإجابة قد تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تشهد سيناريو مماثلاً لما شهدته عشية الإعلان عن الانتخابات في السادس من يناير 2021؛ حين رفض ترامب نتيجة الانتخابات، وحرَّض أنصاره على الهجوم على مبنى الكابيتول هيل؛ علماً بأن ترامب خلال المناظرة اتهم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة بأنها السبب في الهجوم؛ لأنها "رفضت عرضه بإرسال 10 آلاف جندي من الحرس الوطني لحماية مبنى الكابيتول في ذلك اليوم".2– إلقاء المرشح أسباب الأزمة الاقتصادية على سياسات منافسه: تبارى المرشحان بقوة في هذا الملف؛ حيث حاول بايدن تصوير نفسه بأنه الأفضل أداءً من ترامب فيما يتعلق بمعدلات البطالة، خاصةً بين الأمريكيين من أصول أفريقية، قائلاً: "إن معدل البطالة بين السود هو أدنى مستوى له منذ فترة طويلة"؛ علماً بأن شبكة سي إن إن قد أفادت بأنه بلغ 6.1% في مايو 2024، مقارنةً بـ4.8% في أبريل 2023، و5.3% في أغسطس 2019 خلال حكم ترامب؛ ما يعني أنه ليس الأدنى على الإطلاق كما يشير بايدن. وعلى صعيد آخر، أوضح ترامب أنه كان الأفضل، وأن فرص العمل التي نجح بايدن في خلقها كما يزعم، إنما هي نتيجة لجهود إدارة ترامب، وليس لسياسات الإدارة الراهنة، كما اتهم كل من المرشحين الآخر بأنه كان السبب في التضخم.3– انقسام ديمقراطي وجمهوري حول ملف الضرائب: خلال المناظرة أكد بايدن من جديد وجهة نظره بشأن أن يدفع الأغنياء نصيبهم العادل والمستحق من الضرائب؛ وذلك لدعم برامج الضمان الاجتماعي، ومساعدتها على الاستمرار، لكنه لم يوضح "خطة مفصلة" بشأن كيفية تنفيذ ذلك، كما أكد أنه "لن يرفع تكلفة الضمان الاجتماعي لأي شخص يقل دخله عن 400 ألف دولار سنوياً"، ولكن على صعيد آخر، أوضح ترامب أنه نجح خلال وجوده في تحقيق "أكبر تخفيض ضريبي في التاريخ"؛ وذلك من خلال "قانون تخفيض الضرائب والوظائف لعام 2017".4– استهداف بايدن لإخفاقاته في التعامل مع ملف الهجرة: يرى أنصار بايدن أن الرئيس لم يتمكن من سرد الجهود التي بذلتها الإدارة في ملف الهجرة، والتي ستساعد على تقنين أوضاع مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من خلال تسهيل إجراءات من لديه زوج أو زوجة أمريكية، ولكنه في المقابل تطرق إلى مشروع قانون أمن الحدود الذي عارضه ترامب وعرقله الجمهوريون في الكونجرس، وانتقد سياسات فصل المهاجرين القُصَّر عن ذويهم التي اتبعتها إدارة ترامب. أما ترامب فاستخدم هذه القضية التي تشغل بال ملايين الناخبين وسيلةً لمهاجمة أسلوب تعامل الإدارة مع أمن الحدود الجنوبية الأمريكية، كما هاجم ترامب المهاجرين، ووصفهم بـ"المجرمين"؛ حيث قال: "هؤلاء القتلة يأتون إلى بلدنا، وهم يغتصبون النساء ويقتلونهن"، كما أوضح أن دخول المزيد من المهاجرين مثلما سيسمح بايدن سيؤدي إلى "تدمير الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية". وقد رأى البعض أن الرسائل التي استخدمها بايدن كانت من الضروري أن تكون أكثر قوةً.5– دفاع المرشحَين عن موقفهما من قضية الإجهاض: تمسَّك ترامب بموقفه بأنه من حق الولايات أن تكون هي صاحبة القرار في مسألة الحد أو السماح بإجراء عمليات الإجهاض، متهماً الديمقراطيين بأنهم "سيقتلون الأطفال في الشهر الثامن، أو الشهر التاسع من الحمل، أو حتى بعد الولادة"؛ بسبب قوانين الحق في الإجهاض التي يرغبون في تطبيقها، ومشيراً إلى أنه "لن يمنع الوصول إلى أدوية الإجهاض"، في حين أعرب بايدن عن ضرورة حماية الحق في الإجهاض، مؤكداً أن ادعاءات ترامب بشن قتل الأطفال غير صحيحة.6– دفاع بايدن عن انتصاراته بخفض أسعار الأدوية: تطرق بايدن إلى أحد انتصارات إدارته، وهو قانون خفض التضخم الذي نجح – كما قال – في خفض أسعار عدد كبير من الأدوية على المواطنين الأمريكيين؛ حيث قال: "لقد خفضنا سعر الأدوية الموصوفة – وهي قضية رئيسية بالنسبة إلى العديد من الناس – إلى 15 دولاراً مقابل حقنة الإنسولين بدلاً من 400 دولار. لن يتعين على أي شخص مسن أن يدفع أكثر من 200 دولار مقابل أي دواء بدءاً من العام المقبل".7– اتهامات ترامب لبايدن بالعنصرية ضد السود: حاول الرئيس ترامب تصوير بايدن، خلال المناظرة، بأنه شخص عنصري ضد السود (الأمريكيين من أصول أفريقية)، موضحاً أن بايدن وصفهم طوال عقد كامل في التسعينيات بـ "المفترسين الخارقين"، لكن شبكة سي إن إن دحضت ادعاءات ترامب، موضحة أن بايدن استخدم هذا الوصف ليصف الشباب الذين قد يكونون مشروعَ مجرمين في المستقبل، خاصة الأفراد بلا مأوى والأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج ولم يجدوا من يوجههم، خلال ترويجه لمشروع قانون الجريمة عام 1993؛ حينما كان عضواً في مجلس الشيوخ. ولكن في واقع الأمر كانت هيلاري كلينتون هي من استخدم هذا المصطلح، واعتذرت عنه خلال السباق الانتخابي في عام 2016. 8– انتقادات ترامب للسياسة الخارجية لبايدن: وجَّه الرئيس الأمريكي السابق، خلال المناظرة الانتخابية، انتقادات متعددة للسياسة الخارجية للرئيس جو بايدن؛ حيث حاول أن يظهر أن ضعفه وعدم احترام قادة الدول له هو سبب العديد من الأزمات الدولية، ولا سيما الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتهديد حركة حماس الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي، وذكر أن إدارة بايدن كانت السبب في هذا التهديد بعد إفراجها عن الأموال المجمدة لإيران في الخارج، بما جعلها قادرة على دعم حماس أو أي جماعات مسلحة في المنطقة، بعدما عملت إدارته على تجفيف كل الإيرادات لطهران.دلالات سياسيةحملت المناظرة الانتخابية الأولى بين المرشحَين الجمهوري والديمقراطي جملة من الدلالات، ومن أبرزها ما يلي:1– انعكاس تقدُّم عمر بايدن على أدائه خلال المناظرة: على الرغم من محاولة بايدن الدفاع عن تقدم عمره خلال المناظرة، وأنها مكنته من الخبرة في التعامل مع التحديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، فإن أداءه خلال المناظرة أظهرت تأثيرات تقدم عمره؛ حيث فقد تركيزه بعض الشيء عند الرد على سؤال حول الدين الوطني. وبينما كان يجادل بأن الأثرياء يجب أن يدفعوا المزيد من الضرائب، بدا غير قادر على إكمال جملته، وتوقف للحظة. وقد قال بايدن: "لقد تغلبنا أخيراً على الرعاية الطبية"، في إشارةٍ – على الأرجح – إلى كوفيد–19.2– عدم رضا ديمقراطي عن أداء الرئيس بايدن: أثار أداء الرئيس الأمريكي في المناظرة الانتخابية ردود فعل واسعة من الديمقراطيين الذين أبدى بعضهم استياءً من أداء بايدن الضعيف خلال المناظرة، بدلاً من تهدئتهم. وقد دفع أداء بايدن خلال المناظرة أحد الاستراتيجيين الديمقراطيين الذين عملوا في حملة بايدن لعام 2020 إلى وصف المناظرة بـ"الكارثة". وقد كان بايدن يفتقر إلى الطاقة التي تمتع بها خلال خطابه عن حالة الاتحاد في وقت سابق من هذا العام، وهو ما أعطى الديمقراطيين بعض التفاؤل بشأن قوة حملته.وقد أثار أداء بايدن بعض التساؤلات حول إذا ما كان ينبغي أن يظل مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية، خاصةً مع تقدم عمره. ولم يدافع بايدن بقوة عن بعض القضايا مثل الإجهاض؛ حيث يتمتع الديمقراطيون بالتفوق، وكذلك لم يتحدث بقوة عن ملف الهجرة وإدارة الحدود.3– انقسام حول أداء الرئيس الأمريكي السابق: كانت هناك مخاوف من تكرار الرئيس الأمريكي السابق مقاطعته الرئيس جو بايدن خلال المناظرة الانتخابية كما فعل خلال المناظرة بينهما في عام ٢٠٢٠، والخروج على ضوابط المناظرة، لكنه نجح في تحسين صورته بأن أظهر الالتزام بقواعد المناظرة وعدم مقاطعة بايدن خلال حديثه، بجانب الرد على الانتقادات له بتهديد الديمقراطية الأمريكية؛ حيث رد على تلك الانتقادات بما يكشف الالتزام بالقانون والضوابط في حال خسارته الانتخابات الرئاسية، وأنه تمكن من تحسين صورته إلى حد ما من خلال تعزيز رسالته الأساسية وإظهار استعداده للمناظرة، بينما يرى آخرون أنه لم يقدم جديداً يمكنه من تغيير الديناميكيات الأساسية للسباق الانتخابي. وبعد المناظرة، أظهر أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها شبكة سي إن إن أن ترامب حاز رضا شعبياً أكبر؛ حيث قال 67% من المستطلعين إن أداءه كان أفضل، مقابل 33% لصالح بايدن، وهي النسبة التي بلغت قبل المناظرة 55% لصالح ترامب، و45% لصالح بايدن.&nbsp;4– ضغوط متصاعدة لانسحاب "بايدن": اتجهت بعض التقارير إلى تأكيد أن الكثير من وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى تضغط من أجل انسحاب بايدن من السباق الانتخابي؛ من أجل ترك الفرصة لمرشح ديمقراطي آخر يكون قادراً على منافسة ترامب. وفي المقابل، كشفت تقارير أن عائلة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" طلبت منه مواصلة السباق الرئاسي، بعد الأداء "الكارثي" الذي ظهر به في المناظرة، في حين أعرب أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي، ومانحون عن سخطهم من طريقة إعداد الرئيس الأمريكي للحدث من قِبل مستشاريه، في وقت حاول فيه فريق الحملة الانتخابية لـ"بايدن" التواصل مع ممولي الحملة الذين تساءلوا إذا ما كان ينبغي لـ"بايدن" البقاء في السباق الرئاسي، ولماذا يجب عليهم الاستمرار في التبرع بعد أدائه في المناظرة.ختاماً، على الرغم من الأداء المتواضع للرئيس الأمريكي جو بايدن في المناظرة الانتخابية الأولى، وعدم تقديم الرئيس السابق جديداً بشأن مواقفه من قضايا الداخل الأمريكي، فإنها لن تكون حاسمة في تحديد مواقف الناخبين لمن سيصوتون في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ حيث لا يزال هناك ما يقرب من أربعة أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية، ومناظرة انتخابية أخرى ستمكن المرشحين من تدارك ضعفهما في المناظرة الأولى، ناهيك عن احتمالات حدوث تطورات داخلية أو خارجية قد يكون لها تأثيرات كبيرة على السباق الانتخابي الأمريكي خلال الأشهر القادم حتى ذهاب الناخب الأمريكي إلى صناديق الاقتراع في الخامس من نوفمبر المقبل لاختيار الرئيس الأمريكي القادم.

كيف تؤثر المناظرة الرئاسية على السباق الانتخابي الأمريكي؟